أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالخالق حسين - الفيلم المسيء والرد الأسوأ















المزيد.....

الفيلم المسيء والرد الأسوأ


عبدالخالق حسين

الحوار المتمدن-العدد: 3852 - 2012 / 9 / 16 - 00:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


المتوفر من اللقطات القصيرة من الفيلم المسيء للنبي محمد (ص) والإسلام والمسلمين، والذي يحمل اسم "براءة المسلمين"، كشف عن هزالة وغباء القائمين بإنتاجه وإخراجه وتمثيله، فهي لقطات مثيرة للقرف والاشمئزاز. وكذلك كشف الفيلم عن النوايا والأغراض السيئة التي انتج من أجلها الفيلم، كما فضح هشاشة ردود الأفعال التي أقل ما يقال عنها أنها أفعال انعكاسية reflex actions، وليست أفعال إرادية صادرة عن العقل والتفكير السليمين.

الفيلم هو من إنتاج ناس متطرفين محسوبين على الديانة المسيحية، كما تحسب منظمة القاعدة الإرهابية على الإسلام. والمعروف أن الديانة المسيحية مرت بمرحلة تبنت فيها العنف في مواجهة الخصوم، وحتى ضد المفكرين من الفلاسفة الإصلاحيين، ولعل أبشع هذه المرحلة هي مرحلة محاكم التفتيش، وبيع صكوك الغفران، والحروب الطائفية بين الكاثوليك والبروتستانت عند نشوء المذهب الأخير في القرن السادس عشر. ولكن أوربا المسيحية تعلمت من كوارثها، وحروبها، وأخطائها، وخيباتها، ونجحت أخيراً في فصل الدين عن السياسة والدولة، واليوم الديانة المسيحية معروفة بتسامحها وسعيها للسلام على الأرض. والشعوب الإسلامية تمر الآن بنفس المرحلة العنفية التي مرت بها أوربا قبل قرون، وكأنها مرحلة لا بد منها أن تمر بها البشرية للوصول إلى سن الرشد.

ولكن هناك حالات شاذة واستثناءات تطفح على السطح هنا وهناك بين حين وآخر من أعمال مسيئة تصدر من قبل أشخاص محسوبين على الديانة المسيحية رغم التقدم الحضاري في الغرب، مثل نشر الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي محمد في الدنيمارك قبل سنوات، وحرق القرآن على يد القس الأمريكي تيري جونز، واليوم انتاج فيلم مسيء لمشاعر المسلمين.

ويقابل هذا العنف عنف غير مبرر في الجانب الآخر (الإسلامي). وفي هذه الحالة، وكما عودنا المتطرفون الإسلاميون، أنهم يردون بعنف مضاعف وبشكل إنفعالي وغوغائي، وأعمال انتقامية منفلتة دون مبرر يذهب ضحيتها أناس أبرياء لا علاقة لهم بالأفعال المسيئة التي قام بها متطرفون في الغرب، وهذا مخالف لتعاليم الإسلام نفسه الذي يؤكد على: (ولا تزر وازرة وزر أخرى).

وأول هذه الأفعال الإنعكاسية اللاعقلانية هو الهجوم المسلح على القنصلية الأمريكية في بنغازي/ليبيا، وقتل السفير الأمريكي، وثلاثة من زملائه، إضافة إلى تدمير القنصلية وإشعال الحرائق بها. وتكررت المظاهرات المصحوبة بالعنف ضد السفارات الأمريكية في بلدان عربية وإسلامية عديدة ذهب ضحيتها العشرات وخاصة من بين المتظاهرين أنفسهم في صدامات مسلحة مع الشرطة.

إن ردود أفعال المسلمين قدمت خدمات لا تقدر لأعداء الإسلام. فلولا المظاهرات الاحتجاجية وفتوى الخميني ضد رواية (الآيات الشيطانية) في الثمانينات لبقي مؤلفها سلمان رشدي شخصاً مجهولاً، بينما هذه الأفعال جعلته أشهر من نار على علم وصار الناس في كل أنحاء العالم يتسابقون على قراءة الرواية. وهكذا بالنسبة لبقية الأفعال المسيئة للمسلمين في الغرب. فهذه الأفعال اللاعقلانية ضد السفارات الأمريكية قدمت خدمة لا تقدر لهذا الفيلم الهابط البذيء، وبذلك نجح منتجو الفيلم في تسخير المسلمين لأغراضهم الإعلامية والدعاية للفيلم ومضمونه، فلو كانوا قد سكتوا عنه لما سمع به أحد.

إن الأفعال السيئة وردود الأفعال لها، يقوم بها متطرفون من الجانبين لأنهم يعرفون بأنهم لا يملكون أسباب عقلانية مشروعة وسليمة لنشر دعوتهم وكسب الجماهير لهم، فيلجؤون إلى أعمال صبيانية مسيئة لمشاعر الجماهير في الطرف الآخر، والقصد منها استفزاز هذا الآخر ودفعه ليقوم بعمل مسيء مشابه وأكثر تطرفاً، على أمل أن ينجح كل طرف في استقطاب جماهير بلاده لقضيته.

حجة التطرف الغربي هو وجود الإرهاب الذي تقوده المنظمات الإرهابية باسم الإسلام، وهي نتاج تعاليم الوهابية مثل القاعدة وحركة طالبان في أفغانستان وباكستان وفروعها في العالم. والجدير بالذكر أن الأضرار التي ألحقتها هذه المنظمات الإرهابية بالبشرية ليس في البلدان الغربية فحسب، بل وأغلبها في البلدان الإسلامية. إذ تفيد دراسة أكاديمية أن نحو 80% من ضحايا إرهاب التطرف الإسلامي هم من المسلمين.

فالغرض الأساسي من هذا الفيلم، وغيره من الأعمال التي سبقته، هي إشعال الفتن الدينية والطائفية، والتي يأمل منها تأجيج مشاعر المسلمين الدينية ضد المسيحيين وبالتالي رفد منظماتهم الإرهابية. ولم استبعد أن يكون هناك جهة واحدة وراء هذا التطرف في الجانبين، فتحرك كل طرف لإثارة الطرف الآخر ودفعه للقيام بعنف معاكس.

فالإعلان عن الفيلم المسيء، ونشر لقطات منه على الانترنت، والهجوم على السفارات الأمريكية في العالم والذي دشنه متطرفون بالهجوم المسلح على القنصلية الأمريكية ببنغازي، وقتل السفير وزملائه، والذي قال مسؤولون أمريكيون لرويترز إن ثمة مؤشرات إلى أن عناصر ميليشيا يطلق عليها "انصار الشريعة" قد خططت للهجوم منذ فترة، لم تكن صدفة، ولا عفوية، بل هي مدبرة بمنتهى الدقة والخبث، خاصة وقد جاءت متزامنة مع ذكرى جريمة 11 سبتمبر.

قالوا أن وراء هذا الفيلم أقباط مصريون يقيمون في الخارج، ونحن لا نصدق ذلك، وإذا وجد شخص قبطي واحد أو أكثر في إنتاج هذا الفيلم فلا يجب أن نسحب هذه الجريمة على الأقباط في مصر أو أقباط الخارج فهم أناس مسالمون. إذ أصدرت الكنيسة القبطية في مصر بيانا نددت فيه بإنتاج الفيلم، وكذلك نددت جاليات قبطية في الغرب، عقب التقارير التي أشارت إلى أن بعض الأقباط في الولايات المتحدة شاركوا في تمويله. طبعاً الغرض من ذلك هو إثارة الإسلاميين المتشددين في مصر ضد الأقباط الذين يشكلون أكثر من 10% من الشعب، خاصة وقد تعرضوا إلى العدوان على أيدي المتطرفين خلال السنوات الأخيرة، مما أدى إلى هجرة الملايين منهم إلى الخارج طلباً للسلامة والكرامة. فأية فائدة ترجى للأقباط أو المسيحيين في البلدان الإسلامية من هذا الفيلم المسيء؟ إذَنْ، الغرض واضح وهو التأجيج والتأليب على هذه الأقليات وإشعال الحرائق، ومنع هذه الشعوب من التفرغ لحل مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية، وإبقائها متخلفة مبتلية بصراعات دينية وطائفية وعنصرية لا نهاية لها.

فإدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ومنذ يومها الأول، تبنت سياسة التصالح والتقارب "بحثاً عن بداية جديدة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي استنادا إلى الاحترام المتبادل". وقد دشن الرئيس أوباما حملته السلمية التصالحية مع العالم الإسلامي بخطابه المشهور في جامعة القاهرة، في 4 حزيران 2009. تبعت ذلك تعليمات في أمريكا يمنع بموجبها الربط بين الإرهاب والإسلام. ولكن هناك ناس متطرفون من الجانبين لا يريدون السلام وتحسين العلاقات بين الشعوب والحكومات، ولا يريدون إعلاء صوت العقل على صوت التطرف والتشدد والتزمت.

لا شك أن أكبر إساءة وجهت للإسلام والمسلمين هي على أيدي المنظمات الإرهابية الوهابية التي أسستها ورعتها المملكة العربية السعودية. فهذه المنظمات تبرر عداءها لأمريكا بأن الأخيرة تدعم إسرائيل، بينما معظم جرائم القتل والعدوان حصلت في البلدان الإسلامية وبالأخص في العراق لقتل الشعب العراقي، ولم تقم هذه المنظمات بأية عملية ضد إسرائيل، أو لتحرير الجولان وغيرها من الأراضي العربية المغتصبة. والجدير بالذكر أن السفير الأمريكي السابق لدى كوستاريكا أورد في بحث له "على لسان اليكسي اليكسيف أثناء جلسة الاستماع أمام لجنة العدل التابعة لمجلس الشيوخ في 26 يونيو 2003م بأن "السعودية أنفقت 87 بليون دولار خلال العقدين الماضيين لنشر الوهابية في العالم"، وأنه يعتقد أن مستوى التمويل قد ارتفع في العامين الماضيين نظرا لارتفاع أسعار النفط. ويجري وينزر مقارنة بين هذا المستوى من الإنفاق بما أنفقه الحزب الشيوعي السوفيتي لنشر أيديولوجيته في العالم بين 1921 و1991م حيث لم يتجاوز الـ 7 بليون دولار. ويلاحظ وينزر جهود نشر الوهابية في عدد من بلدان جنوب شرق آسيا، وأفريقيا والدول الغربية من خلال بناء المساجد والمدارس الدينية والمشروعات الخيرية واستقطاب الشباب العاطل والمهاجرين في هذه البلدان. وتقول هذه الدراسة إن خريجي المدارس الوهابية كانوا وراء الأعمال الإرهابية مثل تفجيرات لندن في يوليو 2005م واغتيال الفنان تيودور فان جوخ الهولندي عام 2004م." (1).

خلاصة القول، أن ردود أفعال المسلمين ضد الفيلم المسيء كانت أبشع من الفعل، وقد استغلتها منظمات التطرف الإسلام السياسي لأغراض سياسية ضد الولايات المتحدة. فما يحتاجه العرب والمسلمون هو التخلص من التطرف وإعمال العقل في مواجهة ما يسمى بصراع الحضارات والثقافات. كما أضع أدناه رابطاً لخطاب مفتي سوريا في البرلمان الأوربي الذي يدعو فيه إلى التقارب والتآلف بين الأديان والمذاهب، فنحن بحاجة إلى صوت العقل والاعتدال كصوت هذا المفتي، لا إلى إشعال الفتن الدينية والطائفية.(2)

[email protected] العنوان الإلكتروني
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/ الموقع الشخصي
أرشيف الكاتب على موقع الحوار المتمدن: http://www.ahewar.org/m.asp?i=26
ـــــــــــــــــــــ
مواد ذات علاقة بالموضوع
1- كورتين وينزر: السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية
http://www.aafaq.org/malafat.aspx?id_mlf=11

2- خطاب سماحة المفتي السوري في البرلمان الأوربي و كلمات ألهبت القاعة، فيديو يستحق المشاهدة
http://www.youtube.com/watch?v=1ZoQBnPSbxc



#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول إغلاق النوادي الاجتماعية في بغداد
- في مواجهة حرب الإشاعات
- انفصام بعض السياسيين العراقيين عن الواقع
- من المستفيد من الفتنة الطائفية؟
- من هم سماسرة الطائفية؟
- البعث والموساد، والذئب الذي لم يأكل يوسف!
- فخري كريم واللعب بالنار الطائفية
- من وراء قتل العلماء والأكاديميين العراقيين؟
- القاعدة في سوريا
- رايح زايد ويه المالكي!!!
- سوريا تحترق..اللهم لا شماتة
- هل ما حدث يوم 14 تموز ثورة أَم انقلاب؟
- الديمقراطية المصرية أمام اختبار التحديات
- دلالات فوز المرشح الإسلامي في مصر
- هل الحل في حكومة الأغلبية؟
- عودة للأزمة العراقية الدائمة
- حول دور الأنصار في إسقاط الفاشية البعثية
- مؤتمر أربيل وثقافة المسدس والزيتوني!!
- هل مؤتمر التجمع العربي لنصرة الشعب الكردي أم لنصرة حكامه؟
- اسباب عداء السعودية للعراق


المزيد.....




- -سرايا القدس- تعلن مقتل 3 من عناصرها في قصف إسرائيلي على جنو ...
- أردوغان: فرص نجاح مبادرات السلام الأحادية دون مشاركة روسيا ض ...
- مصر: أفرجوا فورًا وبدون شروط عن الناشط السياسي البارز محمد ع ...
- إسرائيل تعلن مقتل -قائد القوة البحرية- لحماس
- مراسل RT: قصف مدفعي إسرائيلي في محيط المستشفى الكويتي وسط مد ...
- عشرات القتلى والجرحى في قصف إسرائيلي استهدف مناطق في مدينتي ...
- وزير الدفاع الإسرائيلي: قد يكون هذا الصيف -ساخنا- في الشمال ...
- -جداول الحياة-.. أداة جديدة تتنبأ بمدة حياة قطتك
- الجيش الإسرائيلي يعلن تصفية قائد القوة البحرية التابعة لحماس ...
- ألعاب باريس 2024: وصول الشعلة الأولمبية إلى ميناء مرسيليا قا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالخالق حسين - الفيلم المسيء والرد الأسوأ