أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - هشام آدم - المادية التاريخية للجنس – 2















المزيد.....


المادية التاريخية للجنس – 2


هشام آدم

الحوار المتمدن-العدد: 3847 - 2012 / 9 / 11 - 15:17
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


(الجنس .. المرأة .. الإسلام)

في الجزء الأول من هذا المقال توقفنا عند مفهوم الاحترام المحتقر للمرأة والذي وجد مكانته عند العرب، وقلنا إن المرأة كانت مكرمة ومصانة في المجتمع العربي ليس لأنها إنسانة وذات كيان مستقل ومساو للرجل، ولكن لأنها ضعيفة وعاطفية ويمكن التأثير عليها بسهولة وقلنا إن هذه النظرة هي ذات النظرة التي حافظ عليها الإسلام فيما بعد. وفي الوقت الذي كان فيه إنجاب الطفل الأنثى أمرًا يدعو للبهجة والفرح لأنهم يعتبرونها كما قلنا في الجزء الأول بمثابة سندات توفير مضمونة يمكن الاستفادة منها، إلا أنها في المقابل كانت تعتبر لدى القطاعات البرجوازية مصدرًا للتشاؤم، فهؤلاء لم يكونوا بحاجة إلى مهور الفتيات بقدر ما كانوا بحاجة إلى الأطفال الذكور لوراثة أموالهم وأملاكهم، وهي ذات الرؤية التي كانت موجودة في الإقطاعية الكلاسيكية أو الإقطاعية البدائية كما تقدم ذكره في الجزء الأول من هذا المقال. وربما ظلت نظرة الرجل للمرأة على أنها كائن ضعيف محتفظة بطابعها الفوقي حتى أصبحت حقيقة بديهي لا يمكن إنكارها. فمن الواضح أن الرجل يتفوق على المرأة من الناحية الجسمانية والعضلية، فهل هذه الفكرة صحيحة إلى أيّ حد؟ بالطبع الفكرة صحيحة الآن، ولكن هنالك قصة مؤلمة وراء صحة هذه الفكرة، والقصة تعود إلى أزمنة سحيقة وبالتحديد منذ استيلاء الرجل على حقوق المرأة وانتقال المجتمع من الأمومي إلى البطرياركي كما أسلفنا. ففي تلك الفترة كانت المرأة تعتبر السيد الحقيقي للعائلة الكبيرة والصغيرة على حد سواء فهي التي تقوم بكافة الأعمال تقريبًا بينما اقتصر عمل الرجال على الصيد، وكانت لطبيعة ونمط حياة المرأة في تلك الحقبة أثرهما الواضح على وضعها الاجتماعي فهي بخروجها من بيتها كان يتاح لها رؤية الرجال والاختلاط بهم وبالتالي فرصة أكبر للاختيار من بينهم، وعندما جاءت الحقبة التي حاول فيها الرجل الاستيلاء على مقاليد كل شيء وسحب الصلاحيات منها، وأولها فكرة التعددية الجنسية عند المرأة كان لابد له من تجفيف منابع هذه الفكرة، فإذا كان لابد من منع المرأة من التعدد فإنه لابد أولًا من منعها من الخروج من المنزل والاختلاط مع الرجال، ولم يكن الأمر في البداية بتلك السهولة كما تقدم، ولكن تطلب الأمر سنوات طويلة للغاية، حتى أصبحت فكرة (البيت مملكة المرأة) حيث أقتصرت صلاحيات المرأة في البداية على الاهتمام بشؤون البيت وتربية الأطفال وطالما أنها لم تعد تخرج كثيرًا فإنها لم تعد ترى الرجال إلا في الطقوس الاحتفالية المختلطة، ومكوث المرأة في البيت هو ما ساعد على ظهور فكرة تقدم الرجل لها لأن صلاحية الاختيار انتقلت منها إليه.

ومع مرور الزمن أصبحت فكرة مكوث المرأة في بيتها فكرة بديهية لا تحتمل النقاش حتى لدى النساء أنفسهن. ومازالت مظاهر السلطوية التي تتمتع بها المرأة بشكل طبيعي متبدية وظاهرة بشكل أو بآخر حتى يومنا هذا، فرغم أن ظاهر الأمر يبدو أن الرجل هو السيد في البيت إلا أن المرأة هي التي تدير دفة القرارات وتتدخل بحكمتها في حل بعض المشكلات التي لا ينجح الرجال عادة في حلها لطبيعتهم الانفعالية في التعاطي مع إدارة الأزمات. ربما تكون هذه السمة سمة أثرية توضح لنا ما كان عليه الوضع عندما كانت المرأة سيدة ليس في بيتها فقط وإنما في مجتمعها كذلك، وليس بحوزتنا الكثير عن تلك الفترة البائدة لنطلق حكمًا مطمئنًا عن الوضع السياسي والاجتماعي في ظل سيطرة المرأة على مقاليد الحكم والسلطة، إلا عبر ما أتيح لنا من شواهد نادرة لبعض الحضارات؛ لاسيما حضارات أرض الفرات. وأيًا يكن الأمر فإن المرأة ما تزال محتفظة بجانب من سمتها السلطوية وذكائها الاجتماعي الذي خولها في تلك الفترة لقيادة القبيلة البدائية بشكل سلمي وأقل تطرفًا من الحكم الذكوري، فلا نجد في تاريخ حضارات الشعوب الأمومية أي ذكر عن أحداث عنف أو غارات أو حروب. بينما ساد ذلك الأمر في العهد البطرياركي لنزعة التملك والاستحواذ التي يتمتع بها الذكور والمجتمع الذكوري بالمجمل؛ لاسيما من أصحاب الرأسمال وطبقة رجال الدين على حد سواء.

عمومًا نشأت فكرة ضعف المرأة في تلك الحقبة الانتقالية عندما سحبت كافة الصلاحيات من المرأة وأصحبت لا تقوم إلا بالأعمال المنزلية وتربية الأطفال بينما أصبح بمقدور الرجال الاهتمام بالشؤون التي تتطلب مجهودًا جسديًا وعضليًا أكثر، وفيما كان الرجل قد بدأ بالتفوق جسديًا على المرأة بحكم نمط حياته وطبيعة عمله، بدأت المرأة تخسر هذه السمة بالتدريج مع استمرار بقائها في البيت وعدم تمكنها من القيام بأية أعمال جسدية عنيفة، ولابد أن الأمر تطلب سنوات طويلة جدًا حتى تمكنت هذه السمة من الانتقال بالوراثة عبر ميكانيزم الجينات، وهكذا نرى كيف أن الانتخاب الطبيعي لعب دورًا كبيرًا في تثبيت سمة التفوق الجسدي عند الرجال وإخفاء ذات السمة عند النساء، لأن الأنثى والذكر يولدان متمتعين بالمقدار ذاته من الهيرمونات والعضلات والعظام وحتى حجم الدماغ، فليس من سبب علمي يدعو للقول بالتفوق الجسدي لجنس على حساب الآخر إلا أن تكون جينة وراثية أثرية قديمة. وإذا أخذنا مولود ذكر وتعاملنا معه كما نتعامل مع المولود الأنثى تمامًا، فإننا لا نتوقع أن يخرج لنا الطفل رجلًا متمتعًا بكامل صفات الرجولة المعروفة من قوة عضلية وجسدية، وكذلك إذا تعاملنا مع المولود الأنثى كما نتعامل مع المولود الذكر تمامًا فإن هذه الفتاة ستخرج مكتسبة لصفات ذكورية، وهكذا فإن المجتمع هو من يؤنث المرأة ويذكر الرجل عبر التربية ومنظومة من القوالب التي يخرج الطفل ليجد نفسه داخلها. فمنذ الصغر يسمع الطفل الذكر جملًا مثل: "الرجل لا يبكي." أو "كن رجلًا" أو "لا تتصرف كالفتيات" وكذلك تتعرض الأنثى إلى الأمر نفسه: "لا تلعبي مع الأولاد" أو "لا تجلسي بهذه الطريقة" أو "دعي أخوك يقوم بذلك" أو "حضري الغداء لأخيك" أو "لا تلبسي هذا اللباس" بالإضافة إلى اختيار لعب مخصصة للفتيات والفتيان والاعتقاد بأن الميوعة والرقة هي صفة ملازمة للأنثى ولا تليق بالرجل وغيرها من القوالب التي وضع فيها الذكور والإناث على حد سواء، وهكذا فإن الأطفال يمرون في مجتمعاتهم بسلسلة من القوالب التي تهيئهم لأن يكونوا ذكورًا أو إناثًا في المستقبل. وحتى يومنا هذا في بعض القبائل الأفريقية وبعض مناطق اليمن وفي التبت وبعض القبائل الهندية نجد أن البنية الجسدية للمرأة متفوقة عنها عند الرجال أو متساوية معه، وما ذلك إلا لنمط حياة كل منهما داخل ذلك المجتمع.

وبهذا نرى أن الأنثى في المجتمع العربي لم تكن كما يتصور البعض مقهورة وجالبة للعار، عبر ما تصوره البعض من فكرة وأد العرب للبنات، فالعرب لم تكن تئد البنات بصفة خاصة خشية العار، وإنما كان بعض العرب يئد الأطفال عمومًا بدافع الفقر وهو ما قصده القرآن بقوله {{ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم}} أما الآية التي تناولت الوأد وهي {{وإذا الموؤدة سئلت}} فإنها لا تشير إلى وأد الإناث وهو ما فهمه كثير بصورة خاطئة، فإن صفة التأنيث في كلمة (موؤدة) تعود على (النفس) فالمعنى (وإذا النفس الموؤدة سئلت) وليس هنالك أي ذكر لوأد البنات بصفة خاصة قد يفهم من هذه الآية؛ لاسيما إذا ربطنا الآية بما قبلها {{وإذا النفوس زوجت}} فجاء الوأد على ذكر (النفوس) وقد يكون المعنى (وإذا النفوس الموؤدة سئلت) بصيغة الجمع لا الإفراد، والنفوس هنا تشمل الذكور والإناث على حد سواء. هذه الفكرة تم استغلالها والتكريس لها من أجل إيهام العامة بأن الإسلام جاء ليكرم المرأة ويعلي شأنها من الظلم الذي وقع عليها فيما قبل مجيء الإسلام، وهو تصور غير صحيح، وإنما اضطر علماء الإسلام إلى فعل ذلك عندما بدأ بعض المفكرين بنقد وضع المرأة في الإسلام، فأصبحت فكرة (إنقاذ الإسلام للمرأة من الوأد) فكرة مهيمنة على أذهان الغالبية العظمى من المسلمين، ولا أحد يناقشك في وضع ومكانة المرأة في الإسلام إلا ويأتي على ذكر هذا الأمر. والحقيقة إن المرأة كانت لها مكانتها في المجتمع العربي كما ذكرنا؛ لاسيما وإنها كانت شاعرة وتاجرة وفارسة بالإضافة إلى كونها بطاقة ائتمانية كما ذكرنا، وهو ما مرره الإسلام في تشريع المهر وكان الواجب عليه إلغاء المهر الذي لا يعني شيئًا سوى تبضيع المرأة (أي جعلها بضاعة تباع وتشترى) وسواء أكان المهر بخيسًا أم غير ذلك فإن فكرة دفع أي مقابل مادي لممارسة الجنس مع المرأة يجعل الأمر دعارة لا غبار عليها.

وفي المجتمع العربي (فيما قبل الإسلام) كان للعرب رؤيتهم الخاصة للجنس بالإضافة إلى معرفتهم بمؤسسة الزواج واعترافهم به، إلا أنهم أيضًا كانوا ينظرون إلى الجنس بمنظور أعتبره أكثر انفتاحًا إذ كان يحق للمرأة أن تتقدم إلى الرجل وتطلب منه الزواج، لاسيما إن كان مكافئا لها مكانة ونسبًا، وقد نجد أن المرأة قد تعرض نفسها على رجل ليعاشرها بغرض أن تحمل منه بمولود يحمل من صفاته؛ لاسيما إن كان فارسًا أو من قبيلة معروفة بالسيادة والفروسية حتى وإن كانت متزوجة من رجل آخر، وهو ما كان يعرف بزواج المباضعة أو المباضعة، وهو ضرب من الجنس كان معروفًا ومقبولًا عند العرب وجاء الإسلام ومنعه مع عدد كبير من أنواع الزواج.
"عن عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي (ص) أخبرته أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء: فنكاح منها نكاح الناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو بنته فيصدقها ثم ينكحها، ونكاح آخر كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدًا حتى يتبين حملها منه فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد فكان هذا النكاح نكاح استبضاع، ونكاح آخر يجتمع الرهط ما دون العشر فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فإذا حملت ووضعت ومر عليها ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها تقول لهم قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان تسمي من أحبت باسمه فيلحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع به الرجل، والنكاح الرابع يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع عمن جاءها وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علما فمن أرادهن دخل عليهنفإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها ودعوا لهم القافة ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتطاته ودعي ابنه لا يمتنع من ذلك ... الحديث"(المصدر: صحيح البخاري) وقيل إن النكاح قبل الإسلام كان على أربع فنكاح الخدن المقصود بقوله {{ولا متخذات أخدان}} فكانوا يقولون: "ما استتر فلا بأس به، وما ظهر فهو لوم" ونكاح المتعة، ونكاح البدل.

أصبحت النظرة العامة للجنس بعد الإسلام منحصرة في أحد أمرين: (1) جنس من أجل الإنجاب وهو ما لا يمكن الحصول عليه إلا عبر الزواج، وهو الجنس المباح والمشروع. (2) وجنس من أجل المتعة وهو الجنس المحرم تمامًا إن لم يتم عبر مؤسسة الزواج. فانحصر الجنس تقييدًا سواء كان بدافع المتعة أو الإنجاب بمؤسسة الزواج التي عرفنا فيما سلف أسباب نشوئها، مع الاحتفاظ بالطابع الذكوري من السماح للرجل بالتعدد ومنع النساء من ذلك، والاحتفاظ بنسب الأطفال لآبنائهم. يصبح الأمر أكثر ضراوة عندما يعتقد البعض أن الدين والأخلاق وجهان لعملة واحدة، فيصبح عندها أي فعل لا يقبل به الدين هو بالضرورة فعل غير أخلاقي، والعكس صحيح، فإن أي فعل يتم تشريعه بقوة الدين فإنه يكتسب أخلاقيته. وعندها علينا أن نقوم بفك هذا الارتباط وتفكيك الأخلاق لنكتشف أن للأخلاق حركتها المستقلة عن الدين والمرتبط بحركة الإنسان ونمط إنتاجه وحياته داخل الزمان والمكان. فإذا كان "الزنا" فعلًا غير أخلاقيًا لأنه حرام في الدين، فهل يمكننا القول إن أكل لحم الخنزير فعل غير أخلاقي لأنه حرام في الدين؟ إذا كانت الإجابة (لا) فإنه سيكون من السهل البدء في تفكيك الأخلاق وفهمه وفهم حركته، وإذا كانت الإجابة (نعم) فهذا يعني أننا نحتاج إلى معجزة ذهنية للتخلص من هذا الارتباط الغريب بين الدين والأخلاق، فهل ممارسة الفعل الغير أخلاقي عند الاضطرار يعد من الأخلاق؟ قد يقول البعض: "الضرورات تبيح المحظورات" وهي قاعدة فقهية مشهورة، ولكنها قاعدة براجماتية تمتاز باللامبدئية. فإذا كانت رؤيتنا للفعل إنه غير أخلاقي فإنه لا يمكننا القبول بفعله ولو في حالة الاضطرار، لأن الأخلاق مرتبطة بالمبادئ والمبادئ لا تتجزأ. فالذي يسرق ليأكل هو شخص مضطر، وقد يتعاطف معه القانون أو لا يتعاطف، ولكنه في النهاية يكون شخصًا لا مبدئيًا؛ لاسيما إن كان يعترف بلا أخلاقية فعل السرقة حتى وإن برأه القانون. ولكن إذ كان من الواضح إمكانية القيام بفعل يعتقد بأنه غير أخلاقي دون تعارض ذلك مع المبادئ فإن الأمر يكون ببساطة لأن اعتقادنا بلا أخلاقية هذا الأمر اعتقاد خاطئ. فأكل لحم الخنزير حرام وبالتالي فهو بالنسبة إلى المسلم فعل غير أخلاقي، ولكن الإسلام نفسه يسمح بأكل لحم الخنزير في حالة الاضطرار، وهو في هذه الحالة سيكون أحد أمرين: إما أنه لا يكترث بالمبادئ أو أن أكل لحم الخنزير/عدم أكله لا علاقة له بالأخلاق، لأنه ليس كل من لا يأكل لحم الخنزير هو شخص أخلاقي بالضرورة، فقد يكون كاذبًا ومتعديًا على الآخرين، ولكنه لا يأكل لحم الخنزير لأنه حرام.

المبادئ والأخلاق وجهان لعملة واحدة، فما تراه لا أخلاقيًا فإنك لن تفعله، وعدم فعلك للفعل الغير أخلاقي مبدأ لا يمكن لك أن تتجاوزه، والمبدأ هو ما قد يموت الشخص دونه دون أن يحس بأدنى درجة من درجات تأنيب الضمير أو الندم، فالبعض يفضل الموت جوعًا على التسول، رغم أن التسول لا يمكن إدراجه تحت قائمة الأعمال غير الأخلاقية بالمطلق؛ لاسيما مع وجود الحاجة والاضطرار. وقد نرى مسلمًا يكذب أو يسرق أو ملحدًا صادقًا وذو مبادئ مما يعني أن فكرة الأخلاق غير مرتبطة بالدين. قد يقول البعض "إن المسلم الذي يكذب مثلًا هو مسلم لا يطبق الدين بشكل صحيح، وهذا لا يسيء إلى الإسلام لأن الإسلام في النهاية أمر بالصدق ونهى عن الكذب." ولكن هؤلاء ينسون أن الإسلام أحل الكذب عند الاضطرار، فهو إذًا يكترث بالأخلاق ولكنه لا يكترث بالمبادئ، وقياس الأمر على هذا النحو يقودنا إلى القول بأن الإسلام لا يكترث بالأخلاق، لأنه إن لم يكن من الواجب اعتبار الأخلاق مبادئ ملزمة فإنه لا قيمة تذكر لها؛ فما قيمة القيم الأخلاقية إن كانت غير ثابتة (مبدئية)؟

وهكذا الجنس خارج علاقة الزواج، فهل بالإمكان فعلًا القول إن الذي يمارس/تمارس الجنس دون زواج هو شخص غير أخلاقي لأنه قام بفعل حرام؟ قد تكون طريقتنا في الإجابة على هذا السؤال مرتبطًا بشكل مباشر بمقدار قناعتنا بارتباط الأخلاق بالدين، وبمعنى آخر معيارنا الأخلاقي المتكون بواسطة الدين. ولكي نفهم هذا الأمر على نحو أكثر صحة ودقة فإننا نتساءل: "ما الذي يجعل الجنس (دون زواج) أمرًا غير أخلاقيًا بعيدًا عن الدين؟" والسؤال لفئة أخرى من الناس: "ما الحكمة الإلهية من تحريم الزنا؟" وعبر مناقشاتي الكثيرة لعدد من المتدينين؛ ولاسيما المسلمين انحصرت إجابتهم في حكمتين أساسيتين:
1) لأن الجنس المتعدد يؤدي إلى الأمراض التناسلية.
2) لأن الجنس المتعدد يؤدي إلى اختلاط الأنساب.

وهنالك إجابات أخرى يجتهد أصحابها في صياغتها لتأخذ طابعًا أخلاقيًا، لأنهم يرون الأمر مرتبطًا بمفهوم العفة والشرف وقداسة الجسد وينزلقون عبر هذا المدخل إلى فكرة تبضيع الجسد (=جعله بضاعة)؛ لاسيما جسد المرأة، وكأن جسد الرجل استثناء من ذلك، وحتى فيما يتعلق بالعفة لا يتم تناول الذكور تحت هذا التبويب وكأن العفة والشرف شيئان مطلوبنا من المرأة فقط. ولهذا فإن الفتاة عند الزواج يكون منتظرًا منها إثبات عفتها دون أن يكون ذلك ملزمًا للرجل بالمقابل. ورغم ذكورية هذه الفكرة ومنابعها التي جاءت في الأساس بغرض قهر المرأة وسلب حقوقها على حساب الذكور ومصالحهم الاقتصادية والاجتماعية (لأنه لا يمكن افتراض سلطة اقتصادية بلا سلطة اجتماعية) فإننا نجد أن عددًا من النساء يبدين حماسة بالغة لهذه القوانين والقيم الذكورية ربما أكثر من بعض الرجال. ففي بعض المجتمعات نجد أن النساء هن أول المتحمسات لفكرة ختان الإناث، وهن أول المتحمسات لفكرة سلطوية الرجل وحقه في التعدد وتأديب المرأة، وهن أول المتحمسات لفكرة القوامة الذكورية والعصمة والتي تنفلت كلها من بكرة قديمة بل وموغلة في القدم حسب ما تقدم. فالتمييز الجنسي بين الذكور والإناث داخل العائلة ينشأ في أساسه من الاعتراف العام بأفضلية الرجل على المرأة، حتى أن (الرجولة) ارتبطت بالقيم الأخلاقية، فنسمع أحدهم يقول: "هذا الأمر ليس من الرجولة في شيء" وكأن الرجولة مرتبطة بالأخلاق والقيم الفاضلة، وإني لأتساءل: هل ارتباط هذه القيم بالرجولة يعني انتفاءها من المرأة؟ هل أنوثة المرأة دليل على عدم أخلاقها؟ إذا كانت الإجابة (لا) فما الذي جعل هذه القيم ترتبط بمفهوم الرجولة؟ لماذا نسمع امرأة تقول: "يا حيف على الرجال؟" أو "يا عيب الشوم على الرجال" وكأن كون الرجل رجلًا يعني بالضرورة كمال قيمه الأخلاقية؟ وقد نسمع أحدهم أو إحداهن تقول: "كلام رجال" للدلالة على الكلام الصادق الذي لا رجوع فيه، وكأن المرأة من طبعها الكذب أو عدم الوفاء بالعهود! ودعونا نقارن هذه الجملة ثقافيًا بجملة أخرى "كلام نسوان" لنقف على الفارق الواضح بين الفكرتين. بل والأدهى من ذلك أننا نسمع ونقول عن بعض النساء: "إنها بألف رجل" وكأن الرجل هو المقياس حتى للمرأة وقيمه الأخلاقية. إن هذه النظرة نابعة في أساسها من سنوات من تكريس هذا المفهوم؛ لاسيما باستخدام سلطة الدين وخصوصًا أن الدين مرتبط بالإله وفكرة الإله أنه عادل بالمطلق فيصعب عندها التصديق بأن إلهًا عادلًا قد يشرع تشريعًا غير عادل، لذا فإننا نجد عددًا من النساء مقتنعات تمامًا بأن الإنفاق على البيت هو واجب الرجل حتى مع إمكانية عمل المرأة وإنفاقها على المنزل أيضًا إلا أنها ستكون مجردة مشاركة رمزية وغير ملزمة لأن (الأصل) أن الرجل هو المسؤول عن الإنفاق اعتمادًا على الآية {{الرجال قوامون على النساء بما فضل بعضهم على بعض وبما أنفقوا}} وجل هؤلاء يركزون على نقطة الإنفاق ويتناسون السبب الأول في القوامة {{بما فضل بعضهم على بعض}} فالرجل مفضل عند الله على المرأة، وليس هنالك تبرير أو سبب واضح لهذا التبرير، ولكن يكفي أن يكون الرجل مفضلًا عند الله على المرأة ليكون ذلك سببًا للقوامة عليها.

وفي كثير من نقاشاتنا حول الجنس مع المتدينين تتردد عبارة واضحة يقصد بها الإحراج ولا شيء سواه: "هل تقبل هذا على أختك؟" ولا أدري ما علاقتي أنا بما تفعله أختي؟ وكيف يمكن لفعل تفعله أختي أن يقلل من أخلاقيتي أنا الشخصية؟ وإذا تقبلت أختي ممارسة الجنس مع من تريد وبالطريقة التي تريدها، وكنت أنا ضد فكرة ممارسة الجنس خارج إطار الزواج، فهل هذا يمسني في شيء؟ إنه من البديهي جدًا في مجتمعاتنا أن تكون الإجابة (نعم) لأن الفكرة السائدة هي أن الرجل مسؤول عن المرأة ومطالب بالحفاظ عليها وهي واحدة من مناطات واشتراطات القوامة، ويمكن معايرة الرجل بما تفعله زوجته أو أخته، وفي المقابل فإنه من غير الوارد معايرة المرأة بما يفعله زوجها أو أخوها، فهل سمعنا من قبل أن أحدهم عاير فتاة بأخيها سواء أكان ذو علاقات نسائية متعددة أو كان مثليًا؟ هل عدم عفتي أنا تجعل من أختي غير عفيفة بالضرورة؟ إن هذه الفكرة منحدرة من ذلك العصر الذي كان تعتبر فيه المرأة موضوعًا للجنس ولا شيء سوى ذلك وهي تلك الحقبة التي انتشرت فيها ما تسمى بجرائم الشرف، وكان القانون يحكم على قاتل أخته أو زوجته بدواعي الحفاظ على الشرف بأقل العقوبات وأخفها، كما هو الحال في قصة شفيقة ومتولي الواردة في السيرة الهلالية، ومثلها كثير وقد عانت منها المجتمعات الشرقية لفترة طويلة.

ومن أطرف الأسباب والحجج التي يسوقها البعض تأكيدًا على عدم أخلاقية الجنس خارج إطار الزوجية، هو الاعتماد على فكرة غشاء البكارة التي يعتقد أنها لم تجعل للمرأة إلا للمحافظة عليها وعلى ثيمة العفة. والحقيقة إن هذا الفهم هو فهم ينم عن جهل بعلم التشريح والبيولوجيا وقوانين الانتخاب الطبيعي، فكيف تسنى لهؤلاء الاقتناع الكامل اليقيني بأن غشاء البكارة متعلق بفكرة العفة؟ أحدهم سألني متهكمًا: "وما وظيفته إذًا يا فالح؟" وهو سؤال لا يحمل أي غرض معرفي على الإطلاق، ولكني أتساءل بالمقابل: "إذا كان الإنسان قادرًا على ممارسة حياته الطبيعية بكلية واحدة فما الغرض من الكلية الثانية؟ وإذا كان الإنسان قادرًا على ممارسة حياته الطبيعية بربع الكبد فما الفائدة من حجم الكبد الحقيقي هذا؟" هذه الأسئلة فقط لنفهم أن قانون التطور هو قانون أعمى ولا يعتمد على المنطق أصلًا. هل يمكن أن يفقد المرء شرفه إذا أجرى عملية استئصال للوزتين أو أحد الكليتين مثلًا، أم أن للأمر علاقة بموقع هذا العضو من الجهاز التناسلي؟
(من الناحية العلمية فان غشاء البكارة عبارة عن بواقي جنينية وليس له اي فائدة او وظيفة تذكر)



#هشام_آدم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المادية التاريخية للجنس - 1
- عنّ ما حدِّش حوَّش
- نقد العبث اليومي(*)
- تهافت رهان باسكال(*)
- خطوطات مادية نحو تفكيك الإيمان
- يوم مهم
- تأملات مشروعة 2
- تأملات مشروعة
- آلهة اسمها الصدفة
- الرسم القرآني وإشكاليات الإملاء - 2
- الرسم القرآني وإشكاليات الإملاء - 1
- إضاءات على الإسلام
- سقطات الأنبياء 2
- جائزة الطيب صالح للإبداع الروائي
- القرآن والإنجيل
- جدلية النص الديني والتأويل - 3
- جدلية النص الديني والتأويل - 2
- جدلية النص الديني والتأويل
- أرض الميّت - 6
- أرض الميّت - 5


المزيد.....




- “لولو بتدور على جزمتها”… تردد قناة وناسة الجديد 2024 عبر ناي ...
- “القط هياكل الفار!!”… تردد قناة توم وجيري الجديد 2024 لمشاهد ...
- السعودية.. امرأة تظهر بفيديو -ذي مضامين جنسية- والأمن العام ...
- شركة “نستلة” تتعمّد تسميم أطفال الدول الفقيرة
- عداد جرائم قتل النساء والفتيات من 13 إلى 19 نيسان/ أبريل
- “مشروع نور”.. النظام الإيراني يجدد حملات القمع الذكورية
- وناسه رجعت من تاني.. تردد قناة وناسه الجديد 2024 بجودة عالية ...
- الاحتلال يعتقل النسوية والأكاديمية الفلسطينية نادرة شلهوب كي ...
- ريموند دو لاروش امرأة حطمت الحواجز في عالم الطيران
- انضموا لمريم في رحلتها لاكتشاف المتعة، شوفوا الفيديو كامل عل ...


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - هشام آدم - المادية التاريخية للجنس – 2