أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - يحملونني مسئولية أخطائهم















المزيد.....

يحملونني مسئولية أخطائهم


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3842 - 2012 / 9 / 6 - 12:20
المحور: كتابات ساخرة
    


حتى تعيش الديدان والحشرات القذرة لا بد لي أن أموت لتأكل من جثتي,وحتى تعيش الأعشاب والأشجار لا بد لي أن أدفن تحتها لتعيش على سماد جثتي,وحتى تبدو أسرتنا وعائلتنا نزيهة ومنزهة وبدون أخطاء لا بد أن أتطوع لحمل مسئولية أخطائهم جميعا.

على هذا الكتف حملتُ منذ صبايا الأخشاب عليه,وحملت أكثر مما يجب,وكل ذلك كان بإرادةٍ مني, وفي كل مرةٍ أنزلُ فيها أحمالي عن كتفي أقول لعلها تكون الأخيرة ولا بد أن يظهر شخصٌ في حياتي رجلٌ أو امرأة ليحمل عني الحمل الذي كسر لي ظهري وأوجع لي صدري, ولكن حتى هذه اللحظة لم يصل أي طرف من أطراف أسرتنا إلى مستوى الوعي والإدراك الذي يخوله بأن يتحل عني بعض الشيء وفي كل مرة أقول: سيظهر البطل الحقيقي الذي يقدرني ويقدر تضحيتي وسيعلم الجميع في يومٍ من الأيام أنني سبب سعادتهم وليس تعاستهم .

كتفي تحمل الكثير ومثله مثل قلبي الذي حمل وما زال يحمل الكثير من الأحزان ومن الأحداث التي مرت في حياتي التي عشتها بالطول وبالعرض وما زلت حتى اليوم أبحث عمن يحمل معي بعض الأحمال التي على كتفها, وهذا الكتف حملت عليه الأحمال الكثيرة وكنتُ وما زلت أمشي في الأسواق وفي الشوارع والحمل الثقيل عليه لا أرتاح منه ولا هو يريحني من نفسه, وكل فرد من أفراد أسرتنا يحملني ما عليه من أحمال فكل أفراد عائلتنا يعتبروني مثل الحمار في الصبر وفي التحمل وكل شخص لديه بعض الأحمال يأتيني لكي أحمل عنه ,ولا أتردد في حمل أعباء الغير بل تراني أحمل ومن ثم أحمل دون أن اعترض على ما أحمله فأنا لا أتقن بتاتا لغة الرفض أو المساومة أحمل دون أن أتكلم تماما كما أأكل دون أن أتكلم, وأحمل دون أن أعترض على من يحملني همومه وأوجاعه, الحمل الذي على كتفي قد مضى عليه ردحا طويلا من الزمن ومنذ الأزل خُلقت من أجل أن أحمل والذين من حولي خلقوا لكي يرموا على ظهري أحمالهن الثقيلة دون أن أعترض عليهم ودون أن أقول بأن هذا الحمل ثقيل وهذا الحمل خشن ودون أن أتردد ولو للحظة واحدة, وأنا مبسوط جدا من الأحمال التي أحملها على كتفي ورغم أنني أتألم إلا أنني لا أجد طعم اللذة إلى حينما أشعر بالتعب فأنا كلما تعبت كلما ارتحت أكثر وإذا مر بي يومٌ دون أن أتعب ودون أن أشعر بالألم صدقوني بأنني أشعر بعدم الراحة فالراحة أصبحت عندي مقرونة بتحمل أخطاء الأحياء والأموات,حتى أن الأموات الغائبين عن الدنيا يحملونني مسئولية موتهم .

وكل الذين في أسرتنا يحملونني مسئولية أخطائهم فأنا لا أحمل الأخشاب لوحدها أو الرمال والإسمنت المسلح وإنما أحمل الذنوب والمعاصي وكل إنسان في أسرتنا لديه بعض المعاصي يأتي إليّ شخصيا لكي أحمل عنه معاصيه وذنوبه ويتهمني بأنني أنا سبب تصرفاته لأنه أخذ برأيي, والذي لديه مشاكل نفسية أو عصبية يأتي إليّ لكي أتحمل أنا المسئولية بالكامل عن كل ما جرى وكل ما حصل, وبهذا لا يمكن أن تجد إنسانا في أسرتنا عليه ذنوب أو عليه مسئولية بعض الأخطاء لأنني أنا وحدي سبب كل تلك الذنوب والمعاصي وسبب كل الأخطاء, فالذي يخطئ يحملني مسئولية خطئه والذي يذنب قانونيا يحملني مسئولية ذنبه والذي يكون متهما بالعصيان يحملني مسئولية عصيانه وكل هذه الأحمال تجدونها على كتفي وفي قلبي.

والمصابون بزلات اللسان يأتون إليّ لكي أتحمل عنهم مسئولية زلات لسانهم والذين لديهم عثرات يحملونني مسئولية عثراتهم والذين عليهم محاكمات قانونية يودون لو أدخل السجن بدلا عنهم,كل هذا يحدث في أسرتنا التي تراني سببا في كل مشاكلهم الاقتصادية والعاطفية والنفسية وإلى متى سأبقى هكذا أتحمل مسئولية كل شيء دون أن أقترف أي ذنب.

أنا قوي جدا وأتحمل جدا وشجاع جدا وصبور جدا وأتحمل كل شيء دون أن أشكو ودون أن أتظلم وإذا أخطأت لا أحمل غيري مسئولية أخطائي أنا مثل جهاز الكمبيوتر حين يخطئ لا يحمل كمبيوتر آخر مسئولية خطئه بل أعترف مباشرة أمام المُشغل بأنني أخطأت, وأنا فعلا لا أطيق أن يتحمل غيري أخطائي وعثراتي وأنا سريع الاعتراف بخطئي ولا أتلكأ ولا أتلعثم بلساني حين أنطق بكلمة الحق, والحق الحق أقوله لكم هو أن غيري يحملني مسئولية أخطاءه بنفس الوقت الذي لا أطيق أن أُحمل غيري مسئولية أخطائي.

لست إنسانا بائسا ولست إنسانا حزينا لهذه الدرجة فأنا مبسوط جدا في حياتي ولا أريد أن أنتقل منها إلى الأفضل فالأفضل لي أن أتعب وأشقى من أجل أن ينتعش غيري ومن الأفضل لي أن أموت من أجل أن يعيش غيري , فهذا هو قدري وهذا هو أفضل شيء عندي وأصبحت مدمنا على تحمل أخطاء الآخرين حتى أنني في الآونة الأخيرة صرت أتحمل مسئولية أي خطأ يصدر عن أي فرد من أفراد أسرتنا حتى وإن رفض تحميلي مسئولية خطئه لقد أدمنت جدا على تحمل مرارة الآخرين ومآسيهم ولقد أصبحت منذ زمن بعيد عبارة عن حمار يحمل على ظهره دون أن ينبس ببنت شفا وأظن بأن سمعتي في أسرتنا سمعة طيبة وتبقى عندي مشكلة واحدة ليس لها حل وهي أن الذين أتحمل عنهم عثراتهم وأخطائهم أصبحت لديهم قناعة حقيقية بأنني أنا سبب كل تلك الأخطاء والعثرات.

مرة واحدة في حياتي اعترفتُ فيها أنني سبب تعاسة أحد أفراد عائلتنا وبعد ذلك أصبح كل من يخطئ يحملني مسئولية خطأه ومنذ ذلك اليوم وأنا الشماعة التي يعلقون عليها هفواتهم وزلات لسانهم وأصبحت عبارة عن مكب لنفايات الآخرين,وحين يصاب أحد أفراد الأسرة بالسعادة لا يمكن أن يعترف بأنني أنا سبب تلك السعادة, والذين لديهم مشاكل مع الآخرين يحملونني مسئولية كل تلك المشاكل والذين لديهم أزمات نفسية وعصبية يحملونني مسئولية كل تلك المشاكل النفسية والعصبية وبالتالي وكلهم في الآونة الأخيرة أصبحوا مقتنعين تمام القناعة بأنني أنا هو سبب كل تلك المشاكل والأخطاء والعثرات وكل ذلك أحمله مرة على كتفي ومرة في قلبي وصدري دون أن أنطق ولا بأي كلمة والغريب في الموضوع أن الذين يصابون براحة أعصاب وينامون وهم مرتاحون لا يعترفون مطلقا بأنني أنا سبب كل تلك الراحة التي ينعمون بها,أنا فقط من أجل أن أتحمل مسئولية أي مشكلة وأي مأساة, وسمعتهم مرة وهم يتحدثون نجوى في السر بين بعضهم وهم يقولون: لو لم تلد (ماما) جهاد لكانت حياتنا حلوة وجميلة بدون أي أخطاء,جهاد هو سبب كل تلك المشاكل,وجهاد هو سبب كل تلك الأخطاء, وهو سبب ارتفاع سعر فاتورة الكهرباء والمياه وهو السبب الرئيسي لتخلفنا الفكري,ومرة دخلت معهم بنقاشٍ بسيط أثبتوا فيه بأنهم بدون أخطاء أو عثرات وكل تلك المشاكل والعثرات أنا سببها الرئيسي ولم أستطع أن أدافع عن نفسي وأن أثبت بأنني غير مسئول بل انهارت دموعي مني على خدي ولم أستطع أن أنطق بأي كلمة وتلعثم لساني وتجمد في حلقي ولم أستطع مضغه أو بلعه وأصبح مثل السكين في جوف حلقي من شدة الجفاف الذي أصابني,وفي ذات مرة من المرات قالوا لي جميعهم بالحرف الواحد: نحن غير موفقين في حياتنا الاقتصادية بسبب كتاباتك الكافرة والله لن يرزقنا وأنت معنا لأنك كافر ومشرك بالله,فقلت لهم ساخرا: وأنا سبب مرض السرطان وأنا المسئول عن ارتفاع ضغط الدم عند أمي وأنا المسئول عن جلطتين قلبيتين حدثت لها ,وأنا سبب كل أخطاء العالم الأول والثاني والثالث, وأنا سبب غزو هتلر لبولندا أو النمسا وأنا سبب دخول صدام حسين إلى الكويت وأنا سبب ارتفاع أسعار القهوة لأني أنا الوحيد الذي يشرب منها كل يوم 4 مقات(كاسات) وأنا استهلك كل إنتاج الخليج العربي من النفط لأن في منزلي مروحة كهربائية وثلاجة لحفظ الأطعمة, وأنا سبب ارتفاع أسعار اللحوم لأنني أأكل لحوما في السنة مرة واحدة أو مرتين وأنا سبب ارتفاع أسعار المشروبات الروحية وخصوصا (الشيفاز)لأنني شربته مرة واحدة في حياتي وأنا سبب ابتعاد الناس عن الدين لأنني أحمل بندقيتي وأقف أمام باب السجد مانعا الناس من الصلاة وأنا عما قريب سأكون السبب المباشر لاندلاع الحرب العالمية الثالثة.

هذا الكتف مثل هذا القلب تحمل كثيرا وما زال يتحمل أخطاءكم وعثراتكم ولم أقل يوما بأنكم أتعبتموني ولم أعترض يوما على كل المشاوير التي أُمشورها كل يوم من البيت إلى الشغل ومن الشغل إلى السوق, أنا لا أتكلم على الإطلاق إلا في الجنس والدين والسياسة ولا أظنُ بأن هذا سبب تعاستكم كما تتوهمون ولا أتصور نفسي خالصا من الذنوب ولكن أنتم من تتخيلون أنفسكم بدون أخطاء وبدون عثرات ولم يواسيني أي أحدٍ منكم في أي يوم من الأيام ولم يعتذر لي أحد في أي لحظة من اللحظات ولم يعترف أي أحدٍ منكم بخطئه ولو كان خطئا صغيرا جدا, أنا تحملت الكثير وما زلت أتحمل وإلى متى أتحمل ولا حمدا ولا شكورا.

لقد تحملت كثيرا بما فيه الكفاية ولم أعد قادرا كالسابق على تحمل الصدمات والأزمات لقد أصبحت في سن لا يسمح لي أن أحمل عليه الأخشاب والحجارة والطوب والحديد حتى أن الإسمنت المسلح والطوب والحديد الذي أحمله بدلا عنكم أهون عندي بمليون مرة من عثراتكم وزلاتكم وأزماتكم النفسية ولو يتوقف الموضوع عند هذا الحد لوحده لَما حزنتُ على نكرانكم للجميل إن تعب الجسد والعضلات سرعان ما أتخلص منه بسرعة كبيرة ولكن كيف لي أن أتخلص من نظراتكم واتهاماتكم لي بأنني سبب أزماتكم النفسية والعاطفية, حتى التي تختلف مع زوجها في البيت على وجبة بطاطس مقلية تحملني مسئولية هذا الخلاف.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عملية حسابية صعبة
- رسالة مني إلى شخصي
- حرق القرآن
- جرح الكتابة
- جعفر الطيار
- الإنجيل غير حياتي
- بيتي هو قصري
- أنا أكثر ثقافة من الأنبياء والرسل
- ليش الدنيا خربانه!
- يجب تعليم العلمانية قبل قراءة سورة الفاتحة
- جهلاء قتلوا علماء
- جهاد الطائش
- شخصية محمد اليتيم
- القانون المدني أفضل من الدين
- أسباب الطلاق في الإسلام ليست منطقية
- لماذا لم يأتِ جبريل بالنسخة الأصلية من الإنجيل؟
- تعليم المسلمة على الرقص
- فضل المسيحيين على المسلمين
- أزمة الإنسان العربي المسلم
- سيدة فاضلة


المزيد.....




- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - يحملونني مسئولية أخطائهم