محمد أحمد الزعبي
الحوار المتمدن-العدد: 3841 - 2012 / 9 / 5 - 04:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الثلاثاء، 04 أيلول، 2012
لايخفى على المهتمين والمختصين ، أن مفهوم " سوريا " يختلف عن مفهوم " الجمهورية العربية السورية "
من حيث أن الأول يعني" سورية الكبرى" التي تشمل بالإضافة إلى الجمهورية العربية السورية الحالية ،كلاًّ من : الأردن ، فلسطين و لبنان ، بينما يعني الثاني مايمكن أن نطلق عليه " سورية الصغرى " ، أو بتعبير السيد حسن نصر الله " سورية الأسد !!" ، وهي الجمهورية التي ولد وترعرع وشاخ وهرم فيها حزب البعث المذكور في عنوان هذه المقالة .
لقد ولد حزب البعث في منتصف أربعينات القرن الماضي على مرحلتين ، الأولى مرحلة " حزب البعث العربي " الذي نشأ على يد الأستاذين ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار،والثانية مرحلة " حزب البعث العربي الاشتراكي " بعد أن توحد كل من حزب البعث العربي ، والحزب العربي الاشتراكي بقيادة الأستاذ أكرم الحوراني في مابات معروفاً باسم ، حزب البعث العربي الإشتراكي ، عام 1953. لقد كان الطابع العام للحزب الجديد ، هو أنه :
1) حزب قومي عربي يسعى لتحقيق الوحدة العربية من المحيطة إلى الخليج ،
2) حزب علماني تقدمي ، ترتكز أيديولوجيته على شعارضمني ، مفاده أن " الدين لله والوطن للجميع " .
لقد أغرى هذا الطابع العام للحزب ، بجانبيه ، القومي والعلماني ، كافة الأقليات في سورية ، لكي تنتسب إلى هذا الحزب ، كما أنه أغرى أيضاً العديد من اليساريين والعلمانيين من " الأكثرية المسلمة السنيّة "،لكي ينضموا بدورهم إلى هذا الحزب ، وهكذا تحولت مقولة "إنما المؤمنون إخوة" الإسلامية ، إلى مقولة " إنما البعثيون إخوة " القومية .
كما ودخلت إلى عالم التداول السياسي ، مع المرحلة الاستقلالية ، مقولتان جديدتان هما مقولتا اليسار واليمين ، اللتان قسمتا المجتمع السوري منذئذ وحتى يومنا هذا إلى أكثرية وأقلية / أقليات ، ومن ثم أوصلتا نظام حافظ الأسد عام 1970 إلى سدة الحكم ، من خلال تعربشه الطائفي على شجرة حزب البعث عام 1963 وسرقته لشعارته المعروفة ( وحدة ، حرية ، اشتراكية ) ، تلك الشعارات التي مايزال يقتات منها نظامه الفاشي الديكتاتوري ــ والذي ورّثه بحلوه ومرّه لولده بشار ــ حتى هذه اللحظة !!.
ومع مرور الزمن وتداخل وتراكم الأحداث المدنية والعسكرية ، في سورية ، ولاسيما بعد 1953 ( توحيد البعث العربي مع العربي الإشتراكي ) ، تكشف الأمرعن وجود خلل موضوعي كبير، في تركيبة الحزب الإجتماعية ، وبالتالي في مواقفه السياسية ، وأطل هذا الخلل برأسه بداية عام 1958 ، عندما اختار الشعب السوري بأغلبيته الساحقة التوحّد مع مصر،( ج ع م ) ثم تتابع انكشافه ، في عهد الإنفصال (1961 ــ 1963) ، ليتحول بعد عام 1970 إلى كارثة وطنية ، بدأها الأب ( حافظ ) بمجازر حماة وحلب وتدمر وجسر الشغور ومعرة النعمان ، ( متذرعاً بحادث ابراهيم يوسف في مدرسة المدفعية بحلب ، والذي أدانته كافة القوى والأحزاب السياسية في سورية ومنهم كاتب هذه المقالة الذي أرسل من عدن ببرقية تعزية لحافظ الأسد ) ، و تابعها وريثه بشار،بعد عام 2000 ، لتشمل كل مدن وقرى سورية ، ولاسيما بعد انطلاق ثورة آذارالوطنية في درعا (18.3.11) ، والتي بلغ عدد ضحاياها ( الكارثة ) حتى اليوم مئات الألوف ، بمن فيهم آلاف الأطفال والنساء والشيوخ ، وذلك أمام سمع وبصر وصمت ( إن لم نقل تواطؤ) معظم دول العالم ، بل ومشاركة بعضها ، إما بصورة مباشرة أو غير مباشرة في هذه الجريمة النكراء ، والتي لايخجل اصحابها وشبيحتها من التصريح بموقفهم الطائفي !! .
نعم لقد استمعت هذا اليوم بأم أذني ، ورأيت بأم عيني ، عبر إحدى الفضائيات ، أحد عساكر النظام وهو يقوم بإضرام النار في أثاث أحد المنازل الذي هجره أهله وبات لقمة سائغة لهؤلاء الشبيحة ، وعندما سأله أحد المتفرجين على فعلته الشنيعة : هل تريد أن تحرق هذا البيت ؟ فكان جوابه ، نعم وسوف نقوم بحرق سوريا كلها إذا اقتضى الأمر !!. إذن فإن الأمر لم يصل بعد بنظر هذا الشبيح المريض بسرطان الطائفية ،إلى مرحلة " اقتضى الأمر " !! ، فلا حول ولا قوة إلاّ بالله .
لقد اصطبغت العلاقات الاجتماعية في سورية في أربعينات وخمسينات القرن الماضي ، بصبغة علاقات المواطنة
بما تعنيه هذه العلاقات من التآلف والتحاب والتعايش الأخوي ، ومن غلبة الطابع الوطني والقومي على الحياة السياسية والحزبية . ولكن ، ومع قيام " ثورة 8 آذار" في سورية عام 1963 ، وبعد انقلاب حافظ الأسد عام 1970 ، أخذ ــ ولأسباب معروفة ــ يضمرهذا الطابع الأخوي والوطني في العلاقات الإجتماعية بين مختلف مكونات الشعب السوري ، لتحل محله علاقات اجتماعية جديدة تصطبغ ــ هذه المرّة ــ بالصبغة الطائفية ، و/أو القبلية ، و/أو العصبية القومية ، و/أو الجهوية ، وكلها بعيدة كل البعد عن علاقات " المواطنة " التي سادت فترة أربعينات وخمسينات القرن الماضي ، وصبغت العلاقات الإجتماعية بين المواطنين بصبغة المحبة والتآلف والتعايش الأخوي ، كما سبق أن ذكرنا .
وإذا كان من الصعب أن نضع فترة ماقبل 1970 ( ماسمي بفترة صلاح جديد )، مع فترة مابعد 1970 ( فترة استيلاء حافظ الأسد على السلطة ، عبر استيلائه على الجيش وحزب البعث ، وزجه بأعضاء قيادتي 23 شباط 1966 في السجن حوالي ربع قرن دونما سؤال اوجواب ، بل وتصفية كل من المرحومين نور الدين الأتاسي وصلاح جديد في السجن ) في سلة واحدة ، فإن الفترة الأولى ( من 1963 ــ 1970 ) تتحمل ـ من وجهة نظرنا ـ جزءاً أساسياً من وزر الفترة التالية لها ( فترة مابعد 1970 ) ، والتي مازلنا نعيش عقابيلها المأساوية منذ 1970 وحتى هذه اللحظة ، أي لأكثر من أربعة عقود .
لقد كان سرطان الطائفية قبل 1970 في مراحله الأولى ، وكان يمكن استئصاله و/أو معالجته في حينه ، ولكن
الرياح هبت في الاتجاه المعاكس لإرادة الشرفاء والوطنيين في الحزب ، وهكذا وصلت سوريا إلى الوضع المأساوي الذي هي عليه اليوم (سبتمبر 2012) ، وذلك على يد"عائلة الأسد" وشبيحتها ، ومن يدعمهم من العرب والعجم ، ومن ذوي السلطان الأكبر!! ( على حد تعبير ابن خلدون ) كما لايخفى على أحد .
ويدخل تحت مفهوم " الشبيحة " ــ بنظرنا ــ كل من لم ينشق عن هذا النظام الديكتاتوري الفاشي والطائفي ، من عسكريين ومدنيين ، وبمن فيهم الأشخاص المحسوبين على حزب البعث ، وبالذات كل من لايزال يساهم منهم في إطالة عمرهذا النظام ، ولو ساعة واحدة ، حيث سيكونون جميعاً مسؤولين أمام الله والتاريخ ، ومسؤولين أيضاً ، مسؤولية فردية مباشرة ، أمام القضاء السوري القادم ، عن تدمير بلدهم ، وعن قتل وجرح وفقدان وسجن وأسر وتهجير مئات الألوف من أبناء وطنهم ، وذلك فورالسقوط القريب ، بل والذي بات على الأبواب ، لهذا النظام الذي يدعمونه ، والذي يساهمون بدعمهم هذا له ، في زيادة جرائمه اليومية ، كمّاً وكيفاً .
ومن جهة أخرى فإن المتفرجين والصامتين ، إنما ينطبق عليهم القول " إن الساكت عن الحق شيطان أخرس "
فعليكم يامن ترون ماذا يحل بوطنكم وشعبكم ألاّ تكونوا هذا الشيطان الأخرس . وإذا كان كلامنا هذا موجهاً بصورة أساسية إلى جميع الصامتين والمتفرجين في سورية ، إلاّ أن إخوتنا ورفاقنا ، من المدنيين والعسكريين ، من الطائفة العلوية ، معنيون ــ من وجهة نظرنا ــ اكثر من غيرهم بأن لايكونوا هذا الشيطان الأخرس .
ــــ انتهى ــــ
#محمد_أحمد_الزعبي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟