أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد أحمد الزعبي - إشكالية حوار المعارضة مع النظام السوري بين المعلن والمسكوت عنه















المزيد.....



إشكالية حوار المعارضة مع النظام السوري بين المعلن والمسكوت عنه


محمد أحمد الزعبي

الحوار المتمدن-العدد: 3513 - 2011 / 10 / 11 - 13:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



إشكالية حوار المعارضة مع النظام السوري
بين المعلن والمسكوت عنه
أكتوبر 2011
محمد أحمد الزعبي
1. مدخل .
يرغب الكاتب أن يشير في مفتتح هذه الورقة ، ومن منظور سوسيولوجي ، إلى عدد من القضايا ذات الصلة المباشرة و / أو غير المباشرة بالموضوع الذي نحن بصدده، التي يمكن أن تجعلنا أقرب إلى الموضوعية في تناولنا لهذا الموضوع الدقيق والحساس كما يبدو من عنوانه .
1.1
لقد شهدت ، وما تزال ، المرحلة الإنتقالية من القرن العشرين إلى القرن الواحد والعشرين ، هجوماً إعلامياً كاسحا على كل من عقول وجيوب كافة سكان كرتنا الأرضية بقاراتها الخمس ، وذلك بعد أن حولت التكنولوجيا الفائقة التطور العالم إلى قرية مفتوحة يمكن فيهاللجميع أن يعرف مايظهره وما يبطنه الجميع . إن مانود أن نتوقف عنده بخصوص هذه الهجمة الإعلامية ،هو أن أهدافها سواء المعلنة أو غير المعلنة ، ليست بريئة ولا نظيفة بحال ، ذلك أن " المرسل " هنا هو حفنة من الرأسماليين الذين يسعون إلى تزييف وعي " المتلقي " الذي يتمثل بأكثر من 90% من مستضعفي هذا الكوكب . إن وسائل الإتصال والإعلام لم تعد كما كانت عليه حالها قبل عدة عقود ، صاحبة الجلاله أو السلطة الرابعة ، وإنما تحولت الآن ، وفي ظل هذا النظام العالمي الجديد ،إلى مايمكن ان نطلق عليه صاحب الجلالة ألا وهو الملياردير الذي يمتلك هذه الوسائل ، ويحاول من خلالها ، وبالتعاون والتكامل مع تكنولوجيا السلاح إعادة صياغة العالم ، بما يؤمن تخليد النظام الرأسمالي ، واعتباره " نهاية التاريخ " .
1. 2
إن من أبرز أشكال محاولات وسائل إعلام صاحب الجلالة لتزييف الوعي العالمي ، ولا سيما في الوطن العربي ، العمل الدؤوب والمدروس ، على تسويق عدد من الشعارات المد لّسة ، التي أصبح الناس يرددونها لكثرة التركيز الإعلامي عليها ، كما لو كانت حقائق علمية سليمة ومحايدة ، في حين أنها لاتعدو أن تكون مجرد كلمة حق يراد بها باطل . من بين هذه الشعارات الحرباوية شعار " المصالحة الوطنية" أو" الحوار"
بين المعارضة السورية ونظام دمشق الراهن الذي تطرحه بعض فصائل هذه المعارضة السورية !!.
1. 3
إن محاولة شخص ما، أو جماعة ما الاستئثار بالسلطة، هي مسألة قديمة قدم المجتمعات البشرية. وقد كانت دائما موضع اهتمام المفكرين والفلاسفة عموما ،وعلماء الإجتماع خصوصا ، ذلك أن ظاهرة الاستئثار بالسلطة هي التي استدعت وتستد عي نقيضها ، أي " المعارضة " لهذا الاستئثار . ولقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى في سورة البقرة(الآية 251 ) " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسد ت الأرض ". ورأينا أن نورد في هذه العجالة أبرز التفسيرات السوسيولوجية لكلا الظاهرتين ( السلطة والمعارضة ).

> فحسب العلامة عبد الرحمن بن خلدون (ت 1406م) ، فإن من طبيعة الملك( بضم الميم) الانفراد بالمجد ، " وذلك أن الملك .. إنما هو بالعصبية ، والعصبية متألفة من عصبات كثيرة تكون واحدة منها أقوى من الأخرى كلها ،فتغلبها وتستولي عليها . . " ويتابع في مكان آخر من المقدمة ،وفي ضوء تجربته الشخصية الميدانية ، " ثم إن الملك منصب شريف ملذوذ يشتمل على جميع الخيرات الدنيوية والشهوات البدنية والملاذ النفسانية ، فيقع فيه التنافس غالبا ،وقلّ أن يسلمه أحد لصاحبه إلا إذا غلب( بالضم) عليه فتقع
المنازعة ، وتفضي إلى الحرب والقتال والمغالبة . ." . ولا يفوت أبو زيد أن يشير إلى النتائج المأساوية التي يمكن أن تترتب على مسألة الاستئثار بالسلطة التي تستلزم بالضرورة ممارسة " الظلم " على المعارضين من قبل محتكر/ محتكري السلطة ، فيقول : " فإن الملك ( بفتح الميم) إذا كان قاهرا باطشا بالعقوبات ... شملهم ( يقصد الناس) الخوف والذ ل ولاذوا منه بالكذب والمكروالخديعة فتخلّقوا بها، وفسدت بصائرهم وأخلاقهم ، وربما خذ لوه في مواطن الحروب والمدافعات ".

> ومن جهتها ، فإن الماركسية ترى ، أن التاريخ البشري بأسره " كان تاريخ نضال بين الطبقات ، الطبقات المستثمرة والطبقات المستثمرة ،الطبقات السائدة والطبقات المسودة ... وأن هذا الصراع هو محرك التاريخ نحو الأمام ، وأنه يتم وفق قوانين كبرى عامة تضرب جذورها عميقا في الإقتصاد . .." ، ويرى إنجلز أنه " في مجتمعات مقسمة إلى طبقات متصارعة ، فإن جميع الصراعات التاريخية ، سواء جرت على الصعيد السياسي أم الديني أم الفلسفي ، أو في مجال أيديولوجي مختلف تماماً ، ليست في الواقع سوى تعبير واضح بدرجة أو بأخرى عن الصراعات الطبقية .. ."

> أما عالم الاجتماع كارل مانهايم ، فقد رأى أنه لايمكن اختزال الانقسام وبالتالي الصراع الاجتماعي بالصراع الطبقي ذلك أن المجتمعات البشرية تتكون من فئات اجتماعية متعددة ومتباينة ومتداخلة ومتصارعة أيضا . ويرى مانهايم أن هذه الفئات تكون منقسمة بين " مجموعتين " إجتماعيتين ، واحدة في السلطة ، والأخرى في المعارضة . وبينما تتبنى الأولى أيديولوجيا واقعية معتدلة ، تتبنى الثانية طوباوية متطرفة ، ولكنها عندما تصل إلى السلطة على أساس هذه الطوبى ، سرعان ماتنراجع عنها للتتبنى أيديولوجيا واقعية جديدة ، الأمر الذي يؤدي إلى ظهور مجموعة إجتماعية جديدة بطوباوية جديدة ، وهكذا دواليك . . ويتمثل المخرج من هذه الحلقة المفرغة بنظر مانهايم ، بتصدي فئة محايدة ( !! ) من التكنوقراط ، البعيدة عن كل من الطوبى والأيديولوجيا معاً . ويبدو أن مانهايم هنا قد خانته الفطنة فوقع في فخ الطوباوية بتصوره لإمكانية وجود فئة مرّيخية محايدة .

> ومن جهتنا ، فإننا نتفق مع مانهايم في أن مقولة الصراع الطبقي ، لايمكنها أن تستوعب التركيبة الإجتماعية
المعقدة للمجتمعات البشرية عامة ، ولمجتمعات البلدان النامية خاصة ، ذلك أن تلك التركيبة لاتشبه أسنان
المشط ،ولكنها تشبه أصابع اليد من حيث اختلافها في الطول والعرض والدور البيولوجي ، بيد أنها
تقوم مجتمعة ومتساندة بوظيفة اليد التي نعرفها جميعا ، والتي ــ وهذا حسب فريدريك إنجلز ــ قد تكون السبب
الأساسي في تميز الكائن البشري عن غيره من الكائنات الحية الأخرى ، ولا سيما القرد .

وقبل الخروج من هذا المدخل المنهجي ، لابد من التوكيد على أن الإجماع على موضوعية وطبيعية الإنقسام وبالتالي الصراع في المجتمعات البشرية ، كان يقابله ويوازيه إجماع آخر ، ألا وهو ضرورة ضبط هذا الصراع ، بل وتوظيفه توظيفا إيجابيا في خدمة تطوير وتنمية هذه المجتمعات . ولعل قانون " وحدة وصراع المتضادات " الجدلي ، الذي يجد تطبيقه العملي في شعار الديمقراطية الذي بات المخرج والملاذ الوحيد لكافة الشعوب والأمم من مآزقها السياسية والاجتماعية والأخلاقية ، ذلك أنه يقوم على الجمع الخلاّق لكل من إيجابيات وسلبيات هذا الصراع


2.
غني عن القول أن الديمقراطية تفترض وتشترط التعد د ية الإجتماعية والاقتصادية والثقافية ، وبالتالي السياسية .وبدورها فإن التعد دية إنما تعكس وتنعكس ـ نظريا وعملياً ـ عن الوجود الموضوعي الملموس للتعدد المذهبي واللغوي والإثني ...الخ في أي مجتمع . والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو متى ولماذا يصل الخلاف والإختلاف في الآراء والمواقف بين الفئة الحاكمة ومعارضيها إلى مرحلة الاحتراب وإسالة الدماء ( كما يحصل الآن في سورية !! ) ، بل وإلى الإستعانة بالأعداء ( كما حصل ويحصل أيضا الآن في العراق !! ) ؟ ، وهل يمكن أن يصل الاختلاف في المواقف والآراء بين نظام سياسي ما ومعارضيه الى مرحلة تصبح معها المصالحة الوطنية ممتنعة ، سواء بسبب أحد الطرفين أم بسببهما معاً .؟

إن معارضة نظام سياسيى ما ـ كما نراها من جهتنا ـ يمكن ( وفي إطار مبدأ النسبية دائما ) أن تكون : وطنية / غير وطنية و/أو مشروعة /غير مشروعة و/ أو ممكنة / غير ممكنة . وبغض النظر عن مسألة الإمكانية / عدم الإمكانية ، فإن المعارضة الوطنية المشروعة لنظام سياسي ما ، لابد أن يكون السبب الكامن وراء خيارها هذا واحد اً أو أكثر من الأسباب الجوهرية التالية :
1ــ أن يكون النظام المعني قد فرّط أو أنه يفرّط بما تعتبره تلك المعارضة الثوابت الوطنية و/أو القومية ،
التي لايمكن المساس بله التفريط بها ، أي أن الأمر هنا يتعلق بالتفريط بالغاية ( موقف حسني مبارك من القضية الفلسطينية على سبيل المثال )،
2ــ أن يكون النظام المعني سلطة ديكتاتورية قمعية ، ولكنه لم يفرط بالثوابت الوطنية والقومية ، بل إنه
يعتقد أن هذه الديكتاتورية تستلزمها ضرورة المحافظة على هذه الثوابت . أي ان الأمر هنا يتعلق
بالتفريط بالوسيلة وليس بالغا ية ( جمال عبد الناصر وصدام حسين كمثال ) . إن ماغاب عن هذه
الرؤية الأيديولوجية هو أن الغاية والوسيلة هما وجهان لعملة واحدة ، ويرتبطان معا في علاقة جد لية ، بحيث أن التفريط بواحد طرفي هذه العلاقة لابد أن يؤدي بالضرورة إلى التفريط بالطرف الآخر .
3ــ أن يكون النظام المعني قد فرّط أو انه يفرط ، بكل من الغاية والوسيلة معا ، أي أنه نظام استبدادي
من جهة ، ومتواطئ مع إسرائيل وأمريكا من جهة أخرى( حافظ وبشارالأسد كمثال ) .

.وكما هو واضح هنا ،فإن التناقض بين المعارضة الوطنية والنظام السياسي ، إذا ماكان من النوع الأول والثالث ، فإنه يقع في دائرة التناقض الرئيسي التناحري الذي لا مجال فيه ـ وفق رؤيتنا ـ للمصالحة الوطنية إلا في حال تخلي النظام المعني عن كل مواقفه السياسية والأيديولوجية المتعارضة مع هذه الثوابت الوطنية والقومية والإنسانية ، أي عملياً التنازل عن السلطة وتحويلها للشعب .
أما إذا كان النظام من النوع الثاني ، فإن من مسؤولية بل من واجب كل من المعارضة والنظام معا ، أن يسعيا إلى إقامة حوار بناء وهادف كل مع الآخر على أساس المسؤولية المشتركة ، وبما يؤدي إلى مصالحة وطنية تضع مصلحة الوطن والأمة فوق كافة الإعتبارات الأخرى ،.إن مقولة المصالحة الوطنية إنما تستند هنا بصورة أساسية إلى مفهوم المواطنة الذي يمثل البوتقة الجغرافية والتاريخية لجميع أبناء الوطن على أساس التساوي بالحقوق والواجبات دون تمييز بينهم على أساس إثني أو ديني أو طائفي أو جهوي أو أيد يولوجي . وغني عن القول أن التساوي في الحقوق والواجبات أمام القانون إنما ينطوي تطبيقياً على مبدأ الديمقراطية الذي ينطوي بدوره على مبدأ التبادل السلمي للسلطة على قاعدة " كلنا شركاء في هذا الوطن " وعلى قاعدة " احترام الرأي والرأي الآخر".

3 .
كثيرا ماتتداخل إشكالية السلطة ـ المعارضة مع إشكالية أخرى هي مسألة الأ قليات في بعض ـ إن لم يكن كل ـ المجتمعات العربية . إن مانرغب الإشارة إليه في وحول هذه المسألة ـ الإشكالية بصورة أساسية هو :

ــ أن التركيب المجتمعي في الوطن العربي عامة ، ومنه المجتمع السوري الذي نحن بصد ده الآن ، يتميز بالتداخل والتشابك بين نوعين من الإنقسام ، جرى التعارف على تسميتهما من قبل علماء الإجتماع المختصين والمهتمين بالانقسام العمودي ( الإثني، الد يني، الطائفي القبلي، الجهوي ) والأ فقي ( الطبقي ) المرتبط أساسا بالاقتصاد وبالذات ملكية وسائل الإنتاج . والكاتب يفترض فيما يخص هذا الانقسام انه كلما كان الانقسام الأفقي في مجتمع ماأرجح وأوضح، كلما كان هذا المجتمع اقرب إلى التطور والحداثة ولا سيما في المجال المادي والعكس بالعكس . إن الإشارة السابقة إلى مسألة الأرجحية لاتعني بحال أننا نستبعد الجوانب الإيجابية التي ينطوي عليها الجانب العمودي المشار إليه . إن مانتبناه في هذا المجال هو تكوين إجتماعي تنصهر في بوتقته كافة الجوانب الإيجابية في الانقسامين المعنيين ، ونعبر عن هذه الرؤية بـ " الجمع الخلاّق بين ابن خلدون وكارل ماركس "

ــ يندرج في إطار الإنقسام العمودي ، مسألة الدور المتميز الذي تلعبه الأ قليات على كافة الصعد السياسية والاجتماعية والثقافية في العديد من الأقطار العربية ، ومن بينها سورية . ويعني الكاتب بمفهوم الأقليات كافة المجموعات الاجتماعية التي تنتمي إلى عصبية معينة ، إثنية أو دينية ، أو قبلية ، أو طائفية ، والتي غالبا مايتم تغليفها بغلاف أيديولوجي، يمكن أن يكون صحيحا أو مزيّفا . واستنادا الى معرفتنا الميدانية لهذه الظاهرة الإجتماعية ، عبر معايشتنا لها في سورية ، وإلى حد ما في العراق ، توصلنا إلى الفرضية السوسيولوجية التالية :

" إن الأقلية ـ بصورة عامة ـ يمكن أن تلعب دورا إيجابيا وتقدميا عندما تكون في المعارضة ، ولكنها إذا ماوصلت إلى السلطة ، بما هي أقلية ، فإن هذا الدور الإيجابي سوف ينقلب إلى ضده . أي أن الدور الذي يمكن أن تلعبه أية أقلية خارج العملية الديمقراطية الشرعية، هو سلبي بالقوة عند ماتكون في المعارضة ، وسلبي بالفعل إذا ماوصلت إلى السلطة بما هي أقلية ،سواء أكان هذا الوصول على ظهر دبابة عدوة أو صد يقة ، وسواء مارست دورها علانية ، أم حاولت التخفّي وراء شعارات حزب أو دين أو طائفة ، يمكن أن يكونوا منها براء " .
وليس أدل على صحة هذه الفرضية السوسيولوجية ، من النظر إلى مايجري في سورية منذ 15 آذار2011 .

4 .
تتمثل المعارضة الوطنية السورية للنظام القائم في دمشق الآن ( أي بعد اندلاع ثورة شباب 15آذار 2011 ) والمستمر منذ قرابة نصف القرن ، بالقوى والتيارات الأساسية التالية :

ــ المعارضة الشعبية العامة ( المعلن منها وغيرالمعلن ) للنظام بما هو نظام عسكري استبدادي استغلالي فاسد .
والتي تبلورت عام 2011 ، بانبلاج ثورة 15 آذار الشبابية ــ الشعبية ، المستمرة حتى هذه اللحظة ،
ــ المعارضة الحزبية ، المتمثلة بصورة أساسية بـمجموعة الأحزاب السياسية ( القومية ، واليسارية ، والدينية ،
والليبرالية ) التي ظهرت على الساحة الوطنية السورية بعد الإستقلال ، والتي تم قمعها وتجاوزها ثلاث مرات ،
مرة في إطار الوحدة المصرية ــ السورية ( ج ع م ) ، ومرة في إطار انفراد حزب البعث العربي الاشتراكي
( عمليا اللجنة العسكرية ) بالسلطة بعد " ثورة 8 آذار 1963 " ،والمرة الثالثة ، في إطار انفراد حافظ الأسد
ومجموعته العسكرية بالسلطة بعد عام 1970 ، وتوريث هذه السلطة لولده بشار عند وفاته عام 2000
ــ المعارضة الجديدة ، التي انبثقت بعد مجيء بشار ووعوده ( !! ) في خطاب القسم ، والتي ظهرت بواكيرها
في فترة ماسمي بربيع دمشق ، ومن ثم تمظهرت في عدد من التكوينات السياسية ( التجمع ،إعلان دمشق على سبيل المثال لاالحصر ) التي اتسعت وتعددت في ظل ثورة 15 آذار 2011 ، ولكنها بدأت تتبلورفي الآونة الأخيرة
بعدد محدود من هذه التكوينات ( المجلس الوطني السوري ، هيئة التنسيق الوطنية ، وأيضا على سبيل المثال
لاالحصر ) .

إن ما ذكرناه أعلاه عن بداية توافق الفصائل الأساسية للمعارضة السورية وتبلورها في تكوينات نوعية محدودة
لايلغي ولا يمنع من التخوف من أن عوامل مختلفة ، بعضها موضوعي ، وبعضها ذاتي ، يمكن أن تضع العصي في عجلات هذا التوافق . أبرز هذه العوامل من وجهة نظرنا هي :

ــ ظهورهذه التنظيمات على مسرح المعارضة للنظام السوري الحالي بصورة متتالية ومتتابعة اعتبارامن عام 1946( الاستقلال) وحتى حركة حافظ الأسد " التصحيحية !" 1970 بل وحتى الآن . ومن الناحية العملية ، فإن كافة هذه المجموعات قد شاركت في الحكم في مرحلة ما ، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، ومارست بالتالي دور المعارضة لبعضها بعضا ، بل إن هذه الممارسة قد وصلت عند البعض حد الإقصاء والعنف الدموي ، ناهيك عن الإنقلابات العسكرية . أي أن المعارضة السورية هي معارضة تراكمية ومزمنة .

ــ لقد خلقت هذه الخلفية التاريخية السلبية حالة من عد م الثقة بين أطراف هذه المعا رضة ، بحيث أن كل طرف بات يتعامل بتحفظ مع كل طرف ، بل ويخشى من أنه لوعاد إلى السلطة ثانية فلربما " تعود حليمة لعادتها القديمة" ، من حيث احتكار السلطة ومصادرة الرأي الآخر ، والعودة إلى شعار" النخبة " المعصومة ، والمسؤولة وحدها عن مصير ومستقبل الوطن والأمة ، أو شعار " الإسلام هو الحل " ، وبالتالي محاولة إقصاء الأخرين الذين لايقبلون بهذا الحل .

ــ تعاني معظم فصائل المعارضة السورية مما يمكن أن نطلق عليه " التوأمة " ذلك أنها غالبا ماتمثل نصف التوأم الذي نصفه الآخر عضو في مايسمى " الجبهة الوطنية التقدمية " التابعة للنظام الذي تعارضه هذه الفصائل هذا مع العلم أن الأبواب والتخوم عادة ماتكون مفتوحة بين الطرفين للعبور في كلا الإتجاهين ، وهو أمر قد حصل ويحصل بالفعل .

ــ التعارضات في المواقف والآراء حول عدد من القضايا الاستراتيجية والأيديولوجية الهامة بين هذه الفصائل ، ( سواء بصورة علنية أو مبطنة ) ، علما أن الموقف الحقيقي لبعض هذه الفصائل من بعض هذه القضايا يكتنفه الغموض والإزدواجية ، ونخص بالذكر، الموقف من القضية الفلسطينية وبالذات من الحلول الدولية والعربية والفلسطينية المطروحة ، وكذلك الموقف من معالجة الإشكالات المتعلقة بطبيعة النظام السوري ، وبممارساته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، ولا سيما بعد اندلاع ثورة 15 آذار 2011 الشعبية ، وطريقته الوحشية في محاولة قمع هذه الثورة ، ومساندته من بعض الدول العربية والإقليمية والدولية .

ــ التناقضات الأيديولوجية ، الظاهرة والمضمرة ، بين التيارين الأساسيين : الإسلاميين و العلمانيين، والذي يتجاوز في منظور الطرفين( ولا سيما المثشددين منهما ) مسألة الإ ختلاف المشروع في الرأي ، إلى مسألة القضايا المبد ئية التي تمثل بالنسبة لكل منهما خطّاً أحمر لايدخل في باب التسامح وحرية الرأي .
وبطبيعة الحال فإن هذه التناقضات تتفاوت بين حزب وحزب وبين فئة وأخرى . ولابد من التنويه هنا إلى أن المسافة التي كانت تفصل بين الطرفين، قد تقلصت الآن بشكل ملحوظ ، ولا سيما بعد أن أعلن الإخوان المسلمون
رسمياً قبولهم بالدولة المدنية الديموقراطية التعددية في سورية المستقبل ، أي في المرحلة التي ستلي سقوط النظام ، وتخلى العلمانيون عن تفضيلهم ( الضمني ) ديكتاتورية بشار الأسد على ديموقراطية يمكن أن تأتي بالإسلاميين إلى سدة الحكم .

5.
لانذيع سرا إذا ماقلنا ان النظام السوري الحالي هو نظام أقلية . وأنه يحيط نفسه بعدد من الأحزمة الأمنية ( أعمدة الحكم السبعة : الدستور ، الحرس الجمهوري ، اجهزة الأمن المختلفة ، الحكومة ، حزب البعث ، الشبيحة ، الجبهة الوطنية التقدمية ) التي سمحت باستمراره غير الشرعي لأكثر من أربعة عقود ، والتي إذا استثنينا الأجهزة العسكرية والأمنية المختلفة ، لاتعدو أن تكون مجرد دمى يسخرها النظام لمصلحته بالطريق التي يراها مناسبة له. بيد أن النقيض الموضوعي لهذا النظام لابد أن يسير في الإتجاه المعاكس ، أي أن يكون نظام أغلبية ، وبتقديرنا فإن تبني الطرح العلماني ، القائم على مبدأ المواطنة المتساوية بين جميع مكونات الشعب السوري ، والمثبتة دستورياً وقانونيا ،هو الذي سوف يساعد الشعب السوري على تجاوز سلبيات الماضي ، ويعطي مفهوم الأقلية والأكثرية طعما ولونا جديدين مختلفين جذرياً عن طابعهما الإثني أو الديني او الطائفي أو الجهوي السائد . هذا مع العلم أننا نفهم العلمانية ، بصورة جد بسيطة مفادها أن الدين لله والوطن للجميع ، الأمر الذي يعني أن العلمانية لا تتعارض مع الدين ولا مع التد يّن، وأن الدين بدوره لايقف ضد تساوي كافة أبناء الوطن الواحد في الحقوق والواجبات، والتي ( المساواة ) هي مطلب ديني بقدر ماهي مطلب د نيوي .

إن غياب الجماهير الشعبية في سورية عن المسرح السياسي ، ومصادرة دورها في الحياة العامة ( تغييب الديموقراطية ) ، كان السبب الجوهري لكافة الهزائم والنكسات بل والمصائب التي شهدتها سورية ، منذ انقلاب حسني الزعيم 1949 ، وحتى هذه اللحظة ، الأمر الذي جعل ويجعل من الديمقراطية الممر الإجباري الذي ينبغي على كافة أطراف المعارضة أن تسلكه ، باتجاه بعضها بعضا ، على قاعدة ، كلنا شركاء في هذا الوطن ،
إن الديمقراطية لاتعتبر ـ بنظرنا ـ مجرد وسيلة لغاية ، بل إنها وسيلة وغاية معا وفي نفس الوقت ، ذلك أن الإنسان ، سواء بما هو مواطن فرد ، أو بما هو جزء من جماعة إجتماعية ما ، هو غاية السياسة ، وهو وسيلتها أيضا لتحقيق هذه الغاية ، وإذ ن فإن تكبيله وتقييد حريته إنما يتماهى ـ نظريا وتطبيقيا ـ مع وضع المبادئ الوطنية والقومية لهذه السياسة في دائرة الخطر .


6.
تنطوي مبادرة الحوار مع النظام بالشكل الذي لمسناه ونلمسه في كثير من أد بيات العد يد من أطراف المعارضة السورية على خللين أساسيين : الأول ، هو أنه ( الحوار ) عمليا ذو بعد واحد ، وأن تمثيلية استعداد النظام للحوار مع بعض اطياف المعارضة ، إن هو إلاّ نوع من " الضحك على الذقون " ، بل ونوع من الديالوج الداخلي ، أي حوار النظام مع نفسه ، الأمرالذي يتعارض مع أبجديات المصالحة التي تقتضي أصلاً حوارا بين متحاورين اثنين متكافئين ، و مستعدين لسماع بعضهما بعضا ، وبنفس الوقت ينبغي أن يكون كل طرف منهما على قناعة بأنه لايملك وحده الحقيقة ، وان عند الطرف الآخر مايجب سماعه ، وأن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل .
ولعل مقولة الإمام الشافعي " رايي صواب يحتمل الخطأ ، ورأيك خطأ يحتمل الصواب " هي النموذج الأمثل لأي حوار . أما الخلل الثاني فيتمثل ، في أن المصالحة الوطنية تكون واردة فقط ، عندما تكون التناقضات القائمة بين النظام والمعارضة هي من نوع التناقضات الثانوية ،التي يمكن حلها بإزالة العوائق والعقبات التي تحول دون هذا الحوار أما إذا كانت هذه التناقضات من نوع التناقضات الرئيسية، فإن المصالحة الوطنية ربما تكون هنا ، مجرد شعارات تبطن أكثر مما تظهر ، والمسكوت عنه فيها أكبر من المعلن .
إننا لاننكر أن نظام الجمهورية الوراثية ، ( الجملكية )حاول ويحاول أن يقوم ببعض الإجراءات الإيجابية الشكلية والمحدودة واللفظية أساساً على الصعيد الداخلي ، بيد أن ذلك لا يمثل سوى نوع من القنابل الدخانية التكتيكية للتغطية على تراجعاته الاستراتيجية في القضايا القومية ولا سيما على صعيد القضيتين الفلسطينية والعراقية ، وقبل ذلك وبعده على صعيد الإحتلال الإسرائيلي للجولان ، حيث يمثل السكوت المطبق والمطلق على هذا الاحتلال ، شهادة حسن السلوك التي يقدّمها النظام لأمريكا وإسرائيل مقابل بقائه في السلطة .
إن مانراه بالنسبة لمسألة الحوار مع النظام ، والذي يقبله ويدعو إليه ، بصورة أو بأخرى ، بشكل أو بآخر بعض أطراف المعارضة السورية في الداخل والخارج ، ان هذا الأمر كان يمكن أن يكون مقبولاً قبل 15 آذار 2011 ، وبالذات قبل أن يصل عدد شهداء الثورة علي يد النظام إلى الألوف ، وعدد الجرحى إلى عشرات الألوف ، ناهيك عن مئات الألوف من المفقودين والمعتقلين . ومن المفيد هنا الاقتباس من الورقة التي قدمها المناضل الدكتورفايز الفواز في اللقاء التشاوري الذي انعقد في استوكهولم ( من 7 إلى 9 أكتوبر 2011 ) حيث يقول " وإذا كان بالإمكان حاليا تقديرالأضرار المباشرة التي لحقت بالبلاد من السياسة الممارسة خلال الأشهر المنصرمة ، فمن الصعب جداً ، إن لم يكن من المستحيل تقدير الأضرار البعيدة ، فالمجتمع يعاني من انقسام عميق ، والهوة بين النظام القئم وغالبية الشعب لم تعد قابلة للجسر ، والثقة فقدت " .

إننا في الوقت الذي نحترم فيه " الرأي الآخر " المختلف في هذه المسألة ، إلاّ أننا نتمنى ألاّ يغيب عن بال المعنيين بهذه المحاولة ( الحوار مع النظام ) مسألة العلاقة الجدلية بين الغاية والوسيلة ، من حيث أن النظام فاسد في الأمرين معاً ، وأن مابني على فساد لا يمكن إلاّ أن يكون فاسداً بالضرورة ، والعضو الفاسد ينبغي أن يبتر كي لايطال فساده بقية أعضاء الجسم ، والعاقل ـ أيها الأصدقاء ــ لايلدغ من جحر مرتين .
إن التناقض بين النظام والأغلبية الشعبية في الجمهورية العربية السورية ، أصبح تناقضاً رئيسياً وتناحرياً ،أي أن حلًه بات من الناحية العملية رهنا بإسقاط أحد طرفي هذه العلاقة ، ومعروف هنا من هي الجهة المرشحة للسقوط .

ــــــــــــ انتهى ــــــــــــ



















#محمد_أحمد_الزعبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خواطر شاهد عيان الخاطرة الثالثة
- خواطر شاهد عيان
- النظام السوري أمام الخيار الصعب
- تقاسم الأدوار بين ماهر وبشار ، أو بؤس الحل الأمني في سورية
- تأييدا لانتفاضة 15.03.2011
- الشعب يريد تصحيح المسار
- انتفاضة درعا بين ديكتاتورية القمة وانتهازية الحاشية
- الثورة الليبية بين نارين !
- ثورة 25 يناير في مصر وخارطة الطريق إلى التغيير
- صرخة في الآذان الصمّاء
- مرحبا بتونس ومصر
- هل الامتحانات المدرسية عمل أخلاقي
- مدخل منهجي لدراسة الفكر العربي الإسلامي في العصر الوسيط
- ثنائية الموقف العربي بين الدليس والتنفيس
- علم الإجتماع : بعض الإشكالات النظرية والتطبيقية
- الحزب السياسي بين الدين والدنيا
- وقفة قصيرة مع بعض أقوال - الرئيسي -
- مرة أخرى : في البدء كان الفعل
- الأزمة اللبنانية بين الظاهر والباطن
- لرأي العام ومسرحية الإستفتاءات الصورية


المزيد.....




- مكالمة هاتفية حدثت خلال لقاء محمد بن سلمان والسيناتور غراهام ...
- السعودية توقف المالكي لتحرشه بمواطن في مكة وتشهّر باسمه كامل ...
- دراسة: كل ذكرى جديدة نكوّنها تسبب ضررا لخلايا أدمغتنا
- كلب آلي أمريكي مزود بقاذف لهب (فيديو)
- -شياطين الغبار- تثير الفزع في المدينة المنورة (فيديو)
- مصادر فرنسية تكشف عن صفقة أسلحة لتجهيز عدد من الكتائب في الج ...
- ضابط استخبارات سابق يكشف عن آثار تورط فرنسي في معارك ماريوبو ...
- بولندا تنوي إعادة الأوكرانيين المتهربين من الخدمة العسكرية إ ...
- سوية الاستقبال في الولايات المتحدة لا تناسب أردوغان
- الغرب يثير هستيريا عسكرية ونووية


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد أحمد الزعبي - إشكالية حوار المعارضة مع النظام السوري بين المعلن والمسكوت عنه