|
في ذكرى انتفاضة الجولان: الشجاعة وحدها لا تكفي!
ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 1118 - 2005 / 2 / 23 - 11:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
غداة 14 شباط من هذا العام، كما في كل عام، يصدر في الجولان المحتل بيان يقول، تقريبا، التالي: "تصادف غداً الذكرى الثالثة والعشرون للإضراب الشامل والمفتوح الذي نفذه أهالي الجولان السوري المحتل احتجاجاً على قرار الكنيست الاسرائيلي بضم الجولان وفرض القانون الاسرائيلي المدني عليه أرضاً وشعباً. وقد استمر الاضراب قرابة الستة أشهر كانت حافلة بالمواقف السياسية والمظاهرات والمواجهات مع جنود الاحتلال الذين حاولوا كسر إرادة السكان بالقوة والارهاب وحاولوا فرض الجنسية الاسرائيلية عليهم واخضاعهم للأمر الواقع. لكن إرادة المقاومة وروح الانتماء للوطن الام سوريا تجلت في ابهى صورها وبوحدة جماهيرية قل نظيرها، وقد اثارت اعجاب العالم وتعاطف الاشقاء والاصدقاء. وجسدت هذه المواقف المتراكمة صفحات ناصعة من نضالات الجولان المحتل كانت الاهم والابرز منذ احتلال الجولان وحتى يومنا هذا. وقد شهدت قرى الجولان في تلك الفترة وما بعدها ترسيخاً للثوابت الوطنية الاصيلة لسكان الجولان وحقيقة انتمائه وحتمية التحرير والعودة للأم سوريا، وتجذرت هذه الثوابت من خلال محاولة نقلها للجيل الجديد وتذويتها من قبله قولا وفعلا، وقد اعلنت هذه الثوابت في عدة منشورات وبيانات كان اهمها الوثيقة الوطنية التي صدرت إبان الاضراب باجماع كل الفئات والقيادات الوطنية والدينية في الجولان. وهكذا تم افشال المخطط الاسرائيلي في ابتلاع الجولان وأسرلة سكانه. وكانت تلك هي المعركة السياسية الاولى للجولانيين كمجتمع مع السلطات الاسرائيلية، معركة انتصر فيها السوريون في الجولان وبجدارة". وقتها، قبل 23 عاما، حقق الاضراب انجازين مهمين: 1- إلغاء قرار فرض الجنسية الاسرائيلية على اهالي الجولان. وإن لم يتم الاعتراف بالهوية السورية للسكان، بل اعطت لهم هويات خاصة كتب عليها: الجنسية: غير معروفة. 2- كان من اهم الامور التي يستتبعها فرض الجنسية هو "التجنيد الاجباري" في الجيش الاسرائيلي على غرار دروز فلسطين، وقد راهن الاحتلال على المسألة الطائفية لتمرير هذه القضية، لكن وقفة الاضراب حالت دون ذلك، واستطاع سكان الجولان رفض مسألة التجنيد والجنسية الاسرائيلية. كما نلاحظ فإن النصر حقيقي جدا ولا مبالغة فيه. وهو أول نصر سوري على جبهة الجولان، نصر حرر الجولانيين من احتلال هويتهم، وإن لم يحرر ارضهم المحتلة. ورغم ان مواجهات شباط 1982 لم تكن شديدة الدموية على غرار ما يحدث في فلسطين، فإنها كانت صعبة بما فيه الكفاية: إضراب استمر ستة شهور، وحصار للقرى، ومظاهرات واعتقالات واشتباكات يومية، تهديد للقمة العيش. وما جعل تلك المواجهات وما تلاها أشد صعوبة غياب الحد الادنى من الدعم لأهالي الجولان من اي طرف. انتهى الاضراب، واصبح ذكرى سنوية، تأتي الوفود الرسمية والشعبية كل عام من سوريا الى الشريط الحدودي المحاذي لقرية مجدل شمس، ويلاقيهم السكان من هنا بالاعلام والرايات، ثم تشن القوات الاسرائيلية هجماتها على الجولانيين المحتجين امام أعين السوريين (على بعد 200 م لا اكثر)، وتلتقط عدسات الكاميرات من سوريا هذه المشاهد لتبثها في نشرة الاخبار المسائية... وهذا كل شيء. لكن الأهالي يدفعون ثمن الاحتجاج والتمسك بوطنهم بقية العام (اعتقالات، محاكمات، ضرائب..الخ). هكذا استمر الامر لعدة سنوات، تقريبا حتى بداية التسعينيات. ولكن يبدو ان الاسرائيليين قد شعروا ان هذه الممارسات تؤجج الروح الوطنية بين سكان الجولان، لذلك عمدوا بالتدريج إلى اهمال ما يفعله الجولانيون في مناسباتهم الوطنية، وأفسحوا المجال للتظاهر ورفع الاعلام بحرية، الا اذا كان هناك تهديد جدي لأمنهم. وبالفعل اثمرت هذه السياسة الاسرائيلية، وعاما إثر عام أخذت الذكرى تصبح ذكرى لا أكثر: الأهالي يتظاهرون، الاعلام ترفرف، الخطابات تلقى على الشريط الحدودي، ثم خبر مقتضب في وسائل الاعلام عن مظاهرات سلمية، وينتهي اليوم.
رغم ما حقق من انجازات، لم يلغ الاضراب قرار الضم الاسرائيلي، ولم تثمر جهود سوريا في مجلس الامن لإلغاء القرار. واليوم يطبق القانون الاسرائيلي على سكان الجولان باعتبارهم مقيمين (وليسوا مواطنين) على أرض اسرائيل. وهذا القانون يلزم السكان بكل الواجبات التي يلزم بها المواطنين الإسرائيليين (عدا التجنيد): السكان يدفعون ضريبة الدخل السنوية، وكذلك ضريبة القيمة المضافة، والتأمين الوطني، وضرائب البلديات الباهظة الخ. كما أنهم يخضعون للقانون الاسرائيلي في معاملاتهم الشخصية كافة، مناهج التعليم اسرائيلية وموجهة، قوانين العمل والتوظيف والنقابات الخ. وهم بالمقابل لا يحصلون على اي من حقوق الاقامة. والواقع أن الأهالي لا يطالبون ابدا بهذه الحقوق. لكنهم وضعهم يواجههم بمعضلة حقيقة. فهم عالقون الآن بين الدوافع الوطنية التي تلزمهم بعدم الاعتراف بشرعية الاحتلال وكافة مؤسساته، وبالتالي عدم المطالبة بأية حقوق او تمثيل ضمن هذه المؤسسات، وبين ظروف حياتهم اليومية التي تحتاج للتحسين وتفرض درجة من العلاقة مع تلك المؤسسات المرفوضة. أنت مجبر عل دفع الضريبة للدولة المحتلة وللمجلس المحلي المعين من قبل سلطات الاحتلال، ومع ذلك لا تستطيع مطالبته بتنظيف الزبالة أمام بيتك، ولا بحقك في الانتخاب، ولا برفع الظلم عنك. يميل المواطن العادي إلى ملاحقة مصالحه، وتدبير اموره، دون أن يشغل باله بالمبادئ العامة الوطنية والأخلاقية. ولما كانت الايديولوجيا الوطنية الاخلاقوية لا تسائل الفرد كفرد، فإنها عمليا تشجعه بشكل مبطن على تدبير اموره كيفما اتفق. والنتيجة أن المواطن يقف وحيدا امام أجهزة الدولة المحتلة، ويضطر للمساومة واللفلفة والتزلف لاجهزة اسرائيلية تتقن اللعب على الحبال. الغائب الاكبر عن هذا المشهد هو الوطن، الوطن الذي نلمحه كل عام من خلف الاسلاك الشائكة، ونسمع صوته بمكبرات الصوت. *حرر الكاتب هذه المقالة من مادة حصل عليها من مواطنين في الجولان. وهو وحده يتحمل المسؤولية عما قد يكون فيها من هفوات*
#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
موجتان لنزع العقيدية في الثقافة السياسية السورية
-
نظام اللاسياسة: العنف الطليق والعقيدة المطلقة
-
ضد الحرية وليس ضد -الحرة-
-
عشر أطروحات حول السلطة والندرة
-
موقع الثقافة في مشروع الإسلاميين السوريين
-
من يهين سوريا؟
-
اصول تناقضات السياسة الخارجية السورية
-
تعاقد سوري لتقاسم تبعات سلام مفروض
-
لبنان المستقبل لا يبنيه لبنانيو الماضي!
-
السوريون والسياسة الأميركية: هل من جديد؟
-
محددات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط
-
نقد ثقافة الضحية
-
بين النقد والاتهام
-
نقد ذاتي
-
معاناة -السيد ياسين- ومغامراته في عالم -الصحيح الواقعي-
-
مفهوم لخط الفقر السياسي
-
عن الحرب العادلة والإرهاب والدولة
-
سوريا ممكنة دون معتقلين سياسيين!
-
قانون الأحزاب وتحرير الحياة السياسية في سوريا
-
المستحيلات الثلاث في -الشرق الأوسط-
المزيد.....
-
تحديد موعد محاكمة شون كومز بقضية الابتزاز والاتجار بالجنس
-
مصور يوثق جانبًا مخفيًا لحفلات الزفاف الشعبية في صعيد مصر
-
أوباما يدلي بأقسى حججه ضد ترامب بخطاب عاطفي في بيتسبرغ
-
قرار الرد على إيران.. مصدر يكشف لـCNN ما حدث باجتماع مجلس ال
...
-
الهجوم على إيران محل توافق أمريكي-إسرائيلي وطهران تلوح بعد ض
...
-
استطلاع: غالبية الألمان تؤيد تحدث مستشارهم شولتس مع بوتين
-
-واشنطن بوست-: زيلينسكي أصبح أكثر انفتاحا على المفاوضات مع م
...
-
أوباما يطلق حملة انتخابية في بنسلفانيا ويدعو -الرجال السود-
...
-
الصحة اللبنانية تعلن حصيلة جديدة لضحايا غارة أمس على بيروت
-
أنواع الأرز وفوائده
المزيد.....
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
المزيد.....
|