أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نافذ الشاعر - شقراء لرجل أحدب (نقد)















المزيد.....


شقراء لرجل أحدب (نقد)


نافذ الشاعر

الحوار المتمدن-العدد: 3820 - 2012 / 8 / 15 - 22:27
المحور: الادب والفن
    


دعتني الأديبة الجزائرية "نادية مداني" للتعليق على قصيدتها "طلاسم تحترق" ولم أكن قد قرأت شيئا من أعمال هذه الأديبة قبل ذلك؛ فلما قرأت هذه القصيدة لم أفهم منها شيئا كثيرا لإيغالها في الغموض والسوريالية، فكتبت أقول: "إنني لم أفهم من قصيدتك شيئا مفيدا سوى جملتين أو ثلاثة وأنصحك ألا تعودي لكتابة أمثال تلك القصائد مرة أخرى"..
وكنت على يقين أن كلماتي تلك قد أغضبتها، لكني دهشت عندما جاء ردها على غير ما توقعت تقول: "إني لجأت في هذه القصيدة لتقمص شخصية رجل، واستعرت عضلاته لأدخل حلبة عكاظ وأرد بالمثل لمن يرتجل النقد، وبالرغم من كون قصيدتي فلسفية ومعقدة؛ وتحتاج لأدونيس ليفك طلاسمها؛ إلا أن أول جمهور صفق وبكى عند سماعها جمهور أمي"!

لقد أدهشتني هذا الرد بصراحته وجرأته وتواضعه.. ودفعني لأقرأ أعمالها الأدبية المختلفة..
ولست أكتم القول أنني عندما طالعت روايتها (شقراء لرجل أحدب)، داخلني شك وريب، بادئ الأمر، أن تكون هي كاتبة هذه الرواية، وتوقفت في الأمر حتى أطالع باقي أعمالها؛ مثل: عندما نعشق أقدرانا، وجنون في قمة العقل، وسيدي الوهم، وأوراق صامتة، وحوار مع صديقتي الساذجة، وحتى قصص الأطفال من أمثال البومة السوداء وغيرها..
فأدركت بما لا يدع مجالا للشك، أنها هي التي خطت هذه الرواية بيراعها.. وما دفعني لهذا الشك هو قلة تعليقات النقاد على أعمالها..أضف إلى ذلك أنها كانت تتقبل نقد الناقدين بتواضع جم يوحي لمن لم يقرأ أعمالها أنها في بداية مشوارها الأدبي..
لكني استولت علي الدهشة عندما قرأت هذه الرواية فأعجبت بما فيها من ثقافة وتأمل ونضج أدبي كبير يؤهل الكاتبة لأن ترقى إلى كبار الكتاب والأدباء بمزيد من القراءة والتثقيف..

ونادية مداني، كما في جاء في بطاقة تعريفها: جزائرية الجنسية.. وكشأن معظم الكاتبات العربيات، لم تشر إلى تاريخ ميلادها، فيكفينا أنها تخصص علوم تجارية، وعضو في إتحاد الكتاب الجزائريين، عملت في مصلحة الضرائب، وعملت معلمة بعقود متقطعة، وزاولت الكتابة من سن 13 سنة، نشرت عدة قصائد منها: "سجينة أوراقي" عام 2005، ونشرت 30 قصة للأطفال، ونشرت مجموعة قصصية بعنوان: "حقد أنثى" ومجموعة قصصية ثانية بعنوان: "سيدي الوهم"، و"الزهور تذبل لتموت"، و"توأم الشمس"، وسيرة ذاتية- لم أطلع عليها- وخواطر ومقالات وقصائد شعرية ودراسات نقدية، ورواية "شقراء لرجل احدب" وهي التي بين يدينا الآن..

ملخص القصة:
القصة تسرد بطريقة السيرة الذاتية على لسان رجل بتكنيك المونولوج الداخلي والفلاش باك. ويصعب على القارئ أن يمسك خيوطها بيده. وهي في موضوعها تشبه رواية "الحياة الحقيقية" للروائية الفرنسية "كلير اتشرللي" التي تروي قصة حب بين امرأة فرنسية وشاب جزائري.
أما في أسلوب السرد فهناك تناص إلى حد كبير مع أسلوب أحلام مستغانمي في روايتها "ذاكرة الجسد"، إلا أن أحلام مستغانمي تكتب رواياتها بطريقة السيرة الذاتية على لسانها هي وليس على لسان رجل كما فعلت نادية مداني. كما تتناص معها في استلهام الأمثال الشعبية أيضا في كثير من المواقف.

وتحكي رواية (شقراء لرجل احدب) حكاية أفراد من المهاجرين المغاربة الذين هاجروا إلى فرنسا هربا من الفقر والبطالة وبحثا عن عمل ومستقبل مشرق قد ينتظرهم. لكن في فرنسا تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فينسلخ بعض هؤلاء المهاجرين من ماضيهم، وينسوا أحلام آبائهم وأمهاتهم، فيتحول شريف إلى ميشال، وتتحول روزا شاكر إلى روزا ميلانو.. ويدرك شريف وهو ابن مجاهد قديم وشقيق لشهيد؛ أن إخفاقه بسبب وضوحه وصراحته وتمسكه بتقاليده ولطالما حذره أصدقاؤه من الصراحة غير المغلفة بالغموض..

ويذهب "شريف" كصحفي لتغطية حفلات الأزواج ونقل بعض الشطحات.. ويسجل وهو في الكنيسة، حفلة زواج "روزا ميلانو" من "جون طومسون" ثم يتابع التسجيل بعدما انتقلا إلى فندق "جبال الألب" في باريس.
ويتقمص شريف أو ميشال دور الخائن؛ فيعمل مع المخابرات الجزائرية ليزيح النقاب عن عصابة لتهريب الآثار.
ويلتقي شريف بزميلته الصحفية "نورهان" ويعمل عند زوجها، ثم يقوم بتقمص دور صاحب شركة لحفر أنابيب المجاري المائية بالأرياف.. حيث يلتقي هناك بالفتاة "إيمان" الذي يتم بينهما الزواج في نهاية القصة.

شخصيات القصة:
هناك مزج في القصة بين الأسماء العربية والأسماء الأعجمية، كما أن هناك مقابلة بين الشخصيات الانتهازية والشخصيات المثالية، التي يدور بينها الصراع..
أما الشقراء "روزا ميلانو" فهي ابنة أستاذ جامعي سمراء اللون لا حظ لها من الجمال، احتال عليها شاب متسلق وأوقعها في شراكه ليصل من خلالها إلى منصب في الجامعة، ثم كشر لها عن أنيابه وتخلى عنها. وبقيت رغبة الانتقام تعتمل في نفسها مما دفعها لتتحول بعملية تجميل إلى شقراء فاتنة، بقيت مسكونة بهاجس الانتقام من الشاب الذي غدر بها..
وتذهب إلى الجامعة كتلميذة بعدما أجريت لها عملية تجميل؛ جعلتها بارعة الجمال فيفتتن بها هذا الأستاذ المتسلق، وترحب هي بسنين النصر حين تدوس على كرامته، وهو يحلم منها بلحظة انكسار.. ثم يتدله بعشقها فينسى مسؤولياته ويصبح هدفه البحث عنها في الطرقات والركض وراء سراب ملامحها في كل مكان.. فتكون نهايته بأن ينقرض جسده ولم يعد يصلح إلا لإرعاب الأطفال ليخلدوا للنوم في وقت مبكر.. ثم تأتي قاصمة الظهور حين تصارحه بأنها "روزا شاكر" ابنة الأستاذ الجامعي، التي غدر بها وبأبيها؛ فيُصعق من هول المفاجأة ويتلاعب به المرض ويقدم استقالته من الجامعة.
لكنها تفقد فرحة الانتصار عندما تعود للبيت فلا يتعرف عليها هذا الأب المسكين الذي هرم وشاخ، وتعود ثانية فتجد جمعا غفيرا من الناس يتجمعون حول المنزل لتشيع هذا الأب إلى القبر بعدما رحل عن الدنيا، حتى يبقى جلادا لها على أخطائها.
ثم تسقط من هول الصدمة مريضة وتتصل بشريف لتخبره بسر التربة، ذلك اللغز الذي يبحث عنه، وقبل أن تنطق بالسر يختفي صوتها للأبد، فلا تبوح بشيء..

أما شخصية "بوعلام لطنا" فلم تصرح الرواية إن كان ميتا أم على قيد الحياة، بالرغم من حضور هذه الشخصية وحوارها مع "شريف" على طول صفحات الرواية.. وأغلب الظن أنه كان ميتا؛ لأنه كان حاضرا كرمز ومثل، وضمير حي، يرشد "شريف" على طول الرواية، ويقابل "سي الطاهر" في رواية أحلام مستغانمي "ذاكرة الجسد". و"بوعلام لطنا" عبارة عن معادل موضوعي للحكم والأمثال، وهو يؤدي نفس دورها عند الكاتبة نادية مداني، كما سنتحدث عن ذلك بعد قليل..
أما "إيمان" فهي فتاة تحمل شهادة ماجستير في الأدب العربي، تتحدث بمنطق علمي، تتقن الحساب والهندسة المعمارية، تحاور بحكمة وتراوغ في طرح الأسئلة، تملك مواصفات عالية في الجمال وتتعلم اللغات الأجنبية، وتتميز بالفطنة وتملك روحا لا تقاوم ..
وهناك إشارة إلى الشهيد "عمار الطاهر وأرملته" ولا يصعب على القارئ فك الشفرة التي تومض في أسماء (شريف- إيمان- شاكر- عمار الطاهر..) فشريف مأخوذ من الشرف حيث لم يفرط في شرفه وكرامته، يلتقي في نهاية المطاف بإيمان التي كلها ثقة وإيمان بقضيتها وهدفها، وشاكر الأستاذ الجامعي شاكر القلب الذي وقع ضحية طيبته، وعمار الطاهر، هو الشهيد الحي الطاهر..
وكما أن "نورهان" يتكون اسمها من شقين، إحداهما واضح (نور) والآخر مغلف بالغموض (هان) كذلك شخصيتها؛ فهي صحفية هجرت شريف قبل هجرتها إلى فرنسا، لتتزوج من رجل برجوزاي كان متزوجا من سيدة فرنسية، جعلته يتركها ويترك أولاده، وقد منحها زوجها- رئيس عصابة تهريب الآثار- رئاسة "مجلة" فرنسية بمثابة خاتم الخطوبة، ومنحها "فندقا" بمثابة مهر للزواج.. وزوجها من أصل جزائري دفع فاتورة أخطاء أبيه فيما بعد.. وفي مقابل هذه الجانب الانتهازي في شخصية "نورهان" هناك الجانب المضيء؛ فهي غير متواطئة مع زوجها رئيس عصابة تهريب الآثار، وهي صاحبة ضمير حي، لا تعرف شيئا عن أعمال زوجها المريبة.

"جون طومسون" من الحوار الذي دار بين "روزا ميلانو" و "جون طومسون" نكتشف أنه من الجزائر، ثم بعد قليل نكتشف أنه عميل فرنسي، ثم بعد قليل نكتشف أن جذوره يهودية.. وانه من أم يهودية تزوجت من جزائري؛ ثم اعتنقت الإسلام لتمنحه الجنسية، ثم امتهنت الدعارة كي تعيله من الفقر. وقد تورط "جون طومسون" مع عصابة تهريب الآثار، ثم نكتشف أن الحدبة التي في ظهره ما هي إلا قطعة أثرية أثبتت التحاليل المعملية أن طينتها من تربة نادرة..

هذه الرواية:
إن رواية (شقراء لرجل أحدب) شيقة وشاقة في آن، ويصعب على القارئ متابعتها حتى النهاية، وربما لهذا السبب لم نجد هناك تعليقات كثيرة من القراء على فصول الرواية، وإن وجدت التعليقات فلا تعدو كونها تعليقات سطحية لا تنم على أن كاتب التعليق قرأ الرواية حتى النهاية أو استوعبها كاملة..
ونادية مداني توظف عملها كمفتشة في مصلحة الضرائب في هذه الرواية، حيث تستفيد من خبرتها هذه في إضفاء تفاصيل حقيقية على الأحداث تجعلها قابلة للتصديق، مثل بيان تفاصيل كشف التلاعب في الفواتير من خلال "إيمان" في الشركة الوهمية ألتي أقامها شريف في الجزائر..

الرمز في الرواية:
لا يغيب عن البال أننا في عصر ذابت فيه الحدود بين الأجناس الأدبية المختلفة؛ تماما كما ذابت الحدود بين المواد العلمية من كيمياء وفيزياء ورياضيات، وتلاقت في المعادلات واللوغرتيمات. كذلك ذابت الحدود بين الأجناس الأدبية فتداخل الشعر مع الرواية مع الخواطر الأدبية.. وتكوّن من هذا الذوبان خليط من الأدب الجديد، لا يمكن اعتباره شعرا أو رواية أو خاطرة.. إنما هو نوع من استدعاء الخواطر النفسانية التي تصاحب الاحتكاك بالواقع..
وهذا النوع من الروايات كسر قواعد الرواية المتعارف عليها التي تبدأ بمقدمة وحبكة وعقدة وحل وخاتمة.. فكل شيء متداخل فيها، تقوم على التأمل النفسي وتسجيل قفزات الفكر من مجال إلى مجال..

ورواية (شقراء لرجل احدب) شديدة التركيز والتكثيف برغم صفحاتها القليلة التي ربما لا تبلغ الأربعين، فهي على منوال القصائد الحداثية المليئة بالطلاسم والرموز. والرواية صعبة على القارئ أن يتابعها أو يلم بها لكثرة تداخلها وتحليقها من مجال إلى مجال، وتداخل عباراتها وجمعها بين المتناقضات، فقد تركت الكاتبة لقلمها التحرك حركة مكوكية في الزمان والمكان، وبين الماضي والحاضر؛ فمن التاريخ إلى الجغرافيا، ومن الجزائر إلى فرنسا إلى أمريكا، إلى بيروت إلى تونس إلى الجزائر، إلى القدس، ومن الكنائس إلى الفنادق ، إلى القرية، إلى المدينة..
فعلي سبيل المثال لا الحصر تقول: (هكذا تنهار أنهار الفرات ويختار الذبيح الغرق بعمق هواك، هكذا يمزق الغدر عذرية القدس وتتعالى الأنفاس زفرات ثكلى تنعي نعش الأخيار، أشتاق لذكراك بيروت شوق المطر لقبلة زهر البحار، وأبحر باللامعقول وأغامر بالنفس وأشهد الليلة توقيع بصمة الخيانة على بطاقة العار...)
إن كل فقرة من فقرات هذه الرواية تحتاج إلى فك طلاسمها ويجد الناقد فيها مادة خصبة للنقد، ويستطيع أن ينسج منها ما يشاء من عبارات نقدية واستنباطات فلسفية، وتعجب من القدرة الفذة للأديبة "نادية مداني" على تحليل المشاعر واستبطان الذات، واستدعاء الخواطر..

نأخذ على سبيل المثال عبارتها: (أنا الآن سجين الشك أسير المرايا المحدبة)..
وهذا معناه أنه يعيش في تضخيم شكوك غير حقيقة، تماما مثل المرآة المحدبة التي تقوم بتكبير وتزييف كل ما يوجد أمامها، وقد تقوم المرآة المحدبة بتضخيم الرأس أو الساقين، فتبالغ في حقيقة الشيء وتضخم حجمه الطبيعي..
ونأخذ مثلا قولها: "ينسج التاريخ عباءة من ترهات المفقودين، وتخلع الطبيعة رداءها الأخضر، وتنحني الجبال فتعانق زهورُ الجبل الحشائش البحرية... حينها تصرخ الأطفال فيرسم الحليب ساقية الخطيئة.. إنها اللعبة المحكمة التخطيط ،الكل يتجاوب ويغير الأدوار والمعادلة نفسها بمجهول واحد"
هل تقصد أن الخطيئة موجودة في أصل كل إنسان بشكل فطري، ومن ثم يرضعها مع حليب الأم، فكأن الخطيئة يورّثها كلُ جيل للآخر؛ فكما تنحني الجبال على الزهور تعانقها، كذلك تنحني الأم على الأطفال ترضعها.

لعب بالألفاظ:
من الملاحظ أن جل الأعمال الأدبية الحداثية تقوم على أساس من اللعب باللغة؛ مما حدا بالناقد أن يتلقى العمل الأدبي بلعب مماثل من النقد، فنشأ نقد هو بحاجة إلى قراءة نقدية، فتساوى النص الكتابي مع النص النقدي، كما يقول "كريستوفر بوتلر".
وتقوم هذه الرواية كشأن كثير من الراويات الحداثية على مفارقة اللعب بالألفاظ، وهو تكنيك أساسي تقوم عليه الأعمال الأدبية في العصر الحديث؛ لكنه يُفسد العمل الأدبي إن زاد عن الحد، فهو عبارة عن لعب في الألفاظ وإحلال لكلمة بدل أخرى مثلا:
تقول: (تذهب المضيفة الجميلة وتجر ذيل بسمة ترتعش تحت غطاء الحيرة) فهل تقصد أن تقول: (وعلى ثغرها بقايا بسمة مرتعشة من الحيرة)
وتقول: (..كيف امتطت فجأة صهيل النخوة وعبثت بخصلات الزمن) ما معنى عبثت بخصلات الزمن؟ وهل الصهيل يُمتطى؟
أو تقول: (فتاة خرقاء تمارس أنوثتها على خطوط الطول وتتمرس تمردا على دوران الكرة الأرضية) فهذا عبارة عن تداعي معاني جغرافية مثل: الكرة الأرضية- خطوط الطول- خطوط العرض..
أو تقول: (..وبنهم يمضغان البساطة، وبأنقى سائل يذيبان الغموض؛ فيستقر الوضوح بالبطون القنوعة وينطلقان برشاقة إلى عالم الصحراء الواسع ويضيع العبد المطيع في فيافيها وينتف سراب الحسرة..) فهذا الوصف إن هو إلا تداعي لعملية تناول الطعام ومضغه وبلعه..

الحكم والأمثال الشعبية:
إن الفكرة الأساسية التي تقوم عليها الرواية هي "المثل". وهناك نوعان من المثل؛ الأول يتجسد في الأقوال الشعبية المأثورة والمتناقلة من جيل إلى جيل.. ويتجسد النوع الثاني في الأشخاص الذين نتخذهم كقدوة ورمز نترسم خطاهم ونستلهم معونتهم في وقت الشدائد وانسداد الافق..
وهذا النوع الثاني من المثل يتجسد في شخصية بوعلام ليطنا، وعمار الطاهر وأرملته، والشهداء الذين قضوا نحبهم في ثورة الجزائر..
تقول نادية مداني عن نفسها: "أنها دائما تحيك نظريات من إبداعها وأخرى نهلتها من الكتب، وتستهدي بالأمثال كشاهد على أقوالها وكتجارب تعود إليها كما يعود التلميذ إلى أستاذه الفيلسوف ليمده بالحكمة والفطنة"..
وهي تغير من صياغة المثل إذا اقتضى الأمر ليتناسب مع الموقف، فبدلا من (الحاجة أم الاختراع)، تصبح (الحاجة أم القبول بأي عمل)، وبدلا من (يضع سره في أضعف خلقه) تصبح (يضع قوته في أضعف خلقه).. وبدلا من: (الذكرى ناقوس يدق في عالم النسيان) تصبح: (الجمال ناقوس يدق في عالم النسيان)..

وهي مهتمة بالأمثال الشعبية حيث أفردت مقالة خاصة لشرح فلسفة المثل الشعبي تحت عنوان: "حوار مع صديقتي الساذجة" فتسأل صديقتها عن معنى: (جاء يسعى ضيع تسعة) فتقول الصديقة كما يقول البسطاء: (أنه ضياع الوقت في البحث عن شيء تافه..) لكن نادية مداني تشرح هذا المثل بفلسفتها المعتادة لكل شيء: (أنّ الجري مثلا وراء ضوء الشهرة يكلفنا ضياع التفكير في سكينة الظلام، والإبداع في صمت بعيدا عن صخب الأجراس، ونفقد ذوق التواضع؛ ونصبح بروح جوفاء لا حواس ولا جاذبية؛ وبذلك نضيع القلم ويصبح من تاسع المستحيلات أن نكتب حرفا..)
وتسأل صديقتها الساذجة عن معنى المثل: (إذا عمّت خفّت) فتقول: (إذا عمت المصيبة الجماعة خفت على الفرد..) فترد الكاتبة لتفلسف المثل بقولها: (إنّ هذا المثل فيه بعد تاريخي امتدت أفنانه فوصلت إلى المستقبل؛ لتتساوى المصطلحات في عالمين مختلفين وتتلاشى بذلك نقائصهم؛ لأن داخلهم مشوه بالرغم من التكنولوجيا التي تزينه؛ كحال المريض بداء خطير مع داء أكثر خطورة فيمتزج الحقد والعلة؛ فتكبر الأمنية بان يصيب وجعه الكثيرين وينقسم الألم)..
ثم تسأل صديقتها سؤالا أخر: ما المدرسة؟ فتجيبها: (المدرسة هي من نقرأ ونكتب فيها)..
فتصحح الكاتبة هذا الجواب بقولها: (المدرسة الخالدة هي الطبيعة؛ وهي الأم الرءوم التي تنهلين من سحب سمائها المطر الغزير، ومن سهولها ووديانها وجبالها روح المغامرة مع قلب جريء، وتدخلين أبوابها وتسرحين بغاباتها وتلالها، لتكوني الملكة والراعي، وبأقسام فصولها تدركين ماهية النفس البشرية، ويكون الزمن المعلم الذي لا يمل ولا يكل في إعطاء دروسه القاسية تارة واليسيرة تارة أخرى، وتفقهين القراءة والكتابة في صفحات الأيام، وتصبحين بعدها ترين بعيون غير عيونك، وتشمين بأنوف غير أنفك، وشيئا فشيئا تملكين الحواس السحرية وتعلمين بعدها قيمة الشجرة والزهرة والثمرة..)

وقد امتلأت رواية (شقراء لرجل أحدب) بالحكم والمثال الشعبية، وقد عددت أكثر من أربع وثلاثين مثلا وحكمة في روايتها إن لم يكن أكثر، وهي: (فإن عمّت خفت- السحر ينقلب على الساحر- إنَّ الغرور مقبرة النجاح- إنَّ غدا لناظره لقريب- من لم ترتح له اتق شره- خير البر عاجله- إن الصبر مفتاح الفرج- لكل حصان كبوة ولكل إمام هفوة- والبحر لا يأخذ بأمواجه إلا السباح الماهر- ما كان أوله شرط أخره نور- نخوة أولاد البلد- ليس كل ما يلمع ذهبا- من شب على شيء شاب عليه- كل ذي عاهة جبار- العربي القح يدخل المعارك بالتَّوكل لا بالتوسل- له حظ لو سلطوه على حجر لفتته- كل ممنوع مرغوب- معندوش يما ارحميني- دخول الحمام مش زي خروجوا- أترك حمولك على الله- يضع قوته في أضعف خلقه- اللبيب بالإشارة يفهم- البحر لا يأخذ بأمواجه إلا السباح الماهر- حكم القوي على الضعيف- الحديد بالحديد يفلح..)

أما الحكم فهي كثيرة فعلى سبيل المثال لا الحصر:
- إنَّ الشوق للعائلة تتقاسمه حتى القلوب المصطنعة..
- ومن نبغت ميوله مع الحاجة نشأ باسلا شجاعا لا تعنيه نفسه بدائرة النار بقدر ما يعنيه ألا يمتد لهيبها لأبناء جلدته وإن كلفه هذا حياته..
- من يركب الخطر ويحلق بحثا عن الحقيقة ، ويترك الأنا وراءه فذاك هو الإنسان..
- إن الجمال ظلمات في بحر لجي يعمي البصيرة؛ فتصبح النفس لا تهيم إلا بظاهره وتسعى جاهدة خلسة عن الزمن في سرقة لحظة متعة ثمنها مصير شعب..
- السعادة مطمع الجبناء والاستقرار خلود الضعفاء..
- الأيام أستاذ عادل يشرح دروسه في صمت..

خدوش
1- خدش في اللغة:
ثمة ملاحظة كنت أود ألا أتطرق لها، وهي أن اللغة على تلقائيتها وذكائها، كانت تعتورها أغلاط مؤلمة لا مسوغ لها، وكانت مراجعة بسيطة تعفي الكاتبة من هذه الخدوش، وذلك مثل: (..حيث ترجمة الصورةُ الموجودة في مقدمة الكتاب كل فحوى- يثني كثيرا على أخلاق في الصغر- غير مبالي- إن خيرها جميلا على أكتافنا- لا يزال شذا ملامحها- اصرخي في وجهي المخدوعين- سوانا توسد الخطر ونام ملئ المجهول- تعمل لصالح مجلة أمريكية في استمالت الشباب- ولا أبرعها محقق يصل إلى النتائج- ويرسل القلب نبضاتا بالبشرى- بحاجبان كسيف بتار- كلماتا تتعثر بسلالم المدرج..)
ولا أظن أن الكاتبة كانت عاجزة عن تدارك هذه الأخطاء، فلغتها في الرواية سليمة إلى حد كبير..
كما أن هناك ألفاظا عامية قد لا يفهمها القارئ غير الجزائري مثل: " راكم بخير - وين بنيها- والفوز للقافز- مكانش منها- واش راك- ولو مترت هذا المتحف.."
كما أن هناك بعض التعبيرات التي لا يحبذ قراءتها أو سماعها كثير من القراء وأنا منهم؛ مثل: "ينط كضفدع محشش يعاني بواسير عفنة"..
ومن حسنات هذه الرواية أنها تنأي عن استخدام الألفاظ أو الإيحاءات الجنسية الخادشة للحياء على عكس الراويات الحداثية التي تمتلئ بها الأسواق والمكتبات هذه الأيام، وهذا حسنة أسجلها للكاتبة بحق.

2- خدش في النهاية:
في نهاية القصة وبعدما ماتت "روزا ميلانو" إذ بالفتاة "إيمان" - وهي تسير مع شريف- تشم رائحة أنثى في المكان بغريزتها الأنثوية، وبعد قليل تظهر عجوز في الطريق تسير على عكاز.. كنت أتوقع أن هذه العجوز هي "روزا ميلانو" الشقراء الفاتنة عادت إلى أصلها الأسود الذي ولدت به، فلم تعد تهتم بجمالها لأن هدفها قد تحقق، فلما تحقق لم يعد مبرر لشقرتها وفتنتها..
كنت أتوقع ذلك، لأن التي ماتت هي روزا ميلانو الشقراء المزيفة، وليست روزا شاكر السوداء.. فإذ بالكاتبة تخلف هذا التوقع وتجعل من هذه العجوز أرملة الشهيد عمار الطاهر!
ربما يكون للكاتبة مبرر لا نعلمه، لكن على أي حال قد أبدعت الكاتبة في رواية لم تنل حظها من الشهرة والتقريظ، وينطبق عليها ما قالته في شرح مثل: "جاء يسعى ضيع تسعة" يعني أنّ الجري وراء ضوء الشهرة يكلفنا ضياع التفكير في سكينة الظلام، والإبداع في صمت بعيدا عن صخب الأجراس، ونفقد ذوق التواضع؛ ونصبح بروح جوفاء لا حواس ولا جاذبية..



#نافذ_الشاعر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفهوم ليلة القدر
- رواية ستائر العتمة (نقد)
- كيف نشأت القصة القصيرة
- انفجار (قصة قصيرة)
- إسقاط الشخصية على الآيات القرآنية
- فيلم (ما تيجي نرقص)
- مفهوم الشعر والسحر
- عصر الردة الطبية
- العمر الزمني والعمر البيولوجي
- قراءة في قصص الكاتبة حوا سكاس
- هل يترقى الإنسان روحيا مع الزمن؟
- في الأزهر
- ما كان خلف الطريق (نقد)
- الوراثة والاكتساب
- المرأة المصرية
- رشة عطر وقصص أخرى (نقد)
- انتهى عصر المعجزات
- الخرافة في الأديان
- يأجوج ومأجوج
- الإسراء والمعراج إشارات علمية ونبوءات مستقبلية


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نافذ الشاعر - شقراء لرجل أحدب (نقد)