|
[بابا مرزوق ] المدفع الذي أكل كبد فرنسا .
الطيب آيت حمودة
الحوار المتمدن-العدد: 3816 - 2012 / 8 / 11 - 20:09
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
[بابا مرزوق ] مدفع ليس كالمدافع العادية ، له تاريخ حافل بالمجد والبطولة منذ النصف الأول من القرن السادس عشر ، إنه قطعة ثمينة حافظت على استقلال مدينة الجزائر طيلة الثلاثة قرون من تواجد الأتراك بها ، وهو الذي أكسب المدينة منعتها وحمى حماها ، ناصبٌ فوهته من الأميرالية باتجاه خليج الجزائر ، على خط أفقي يمتد من (تامنتفوست) شرقا إلى ( البوانت بيسكاد) غربا على لمح البصر ، ومن جبروته الدفاعية وأساطير الرواة الحالمة أكتسبت المدينة اسمها التاريخي ( المحروسة ).
*** العثمانيون لحماية المسلمين .... . تعاظم القوة البحرية الأسبانية الصليبية التي هددت سواحلنا واحتلت مدننا الكبرى من بونة إلى وهران باسم الإسترداد ( Reconquista) ساعد على ظهور قوة أسلامية مدافعة تحمل عبئها الأخوان عروج وخير الدين ، اللذان لعبا دورا محوريا في إجلاء الأسبان ، و نقل جموع المسلمين الفارين من محاكم التفتيش الأسبانية ، فكان الحوض الغربي للبحر المتوسط بؤرة صراع بين المسلمين والأسبان ، تبادل فيها الطرفان النصر والهزيمة . موقع مدينة الجزائر الإستراتيجي وأهميته كان محل أطماع منذ القديم ، وازدادت هذه الأطماع في العصر الحديث بعد تغول الأسبان والبرتغال ، فقد قام الأمبراطور شارلكان ( شارل الخامس) بهجوم بحري كبير على الجزائر العاصمة بقوة قوامها ( 600 سفينة) حربية ، في ظل غياب خير الدين بارباروس سنة 1541 ، وبذل سكانها جهدا كبيرا في الدفاع عنها ، فتعاونت بسالة المقاومة بقيادة [حسن آغا ] وظروف الطبيعة القاسية ( هيجان البحر والأمطار) على إلحاق هزيمة نكراء بجيوش شارل الخامس أقوى أمبراطورية في أوربا آنذاك ، في خضم هذه المعركة بتحضيراتها وانتصارها أوجدت فكرة صناعة مدفع كبير لحماية خليج الجزائر عام 1542.
***ميلاد مدفع [ بابا مرزوق]. تمكن سباك بندقي ( البندقية ) ايطالي انشاء دارا للصناعة ( دار النحاس) بأمر من حسن آغا ، صنع فيها هذا المدفع العملاق الذي حمل اسم صانعه ، (بابا مرزوق) وهو انتاج متطور بمنظور ذلك الزمان من معدن البرونز ،طوله سبعة أمتار(7م) ووزنه اثنا عشر طنا (12طن) ، يصل مداه الى ما يقارب الخمس كيلومترات ، فهو مؤهل لضرب كل سفينة مغيرة ، وقد استفيد منه كثيرا في صد الهجمات المختلفة التي تعرضت لها جزائر بني مزغنة ، طيلة مايقابرب الثلاثة قرون ، فكان مصدر اعتزاز وفخر للجزائريين طيلة تلك الفترة.
*** [ بابا مرزوق ] والصراع مع أهل الصليب . لم يكن هجوم شارل الخامس هو الأوحد على الجزائر ، بل تعرضت لكثير من الهجومات لكنها صمدت ، ومن بين تلك الهجومات الصليبية ، هجوم البحرية الفرنسية بقيادة [ فرانسوا دوكانl amiral Duquesne,]في1671 ، فحاصر المدينة مرارا ففشل ، وهو ما أجبر حاكم الجزائر أنذاك بعد فشل مفاوضات فك الحصار إلى استخدام مدفع [بابا مرزوق ] في رمي الهيئة الدلوماسية الفرنسية في عرض البحر واحدا تلو الآخر وعددهم 13 فردا ، وحاول الفرنسيون الإنتقام لقتلاهم بعد سبع سنوات 1688 بحصار العاصمة من جديد بقيادة [ المارشا ل دستري ] لكنهم فشلوا بالرغم من تمكن مدفعيتهم تهديم بعض أسوار المدينة ، ولما فشل حاكم الجزائر وقف العدوان الفرنسي أعاد قصة الدوبلومسيين ، فرمى ب 40 روميا من البعثة الفرنسية من بينهم السفير الفرنسي من فوهة مدفع بابا مرزوق باتجاه السفن الغازية واحدا تلو آخر ، وهو ما دعى الفرنسيين إلى تسمية مدفع بابا مرزوق باسم ( الكونسولير La Consulaire». ) لما له من ذكرى سيئة على البعثة الفرنسية .
*** ليلة القبض [ على بابا مرزوق] . لم يكن دايات الجزائر ومعهم الدولة العثمانية في مستوى التقدم الصناعي الذي عرفته أوروبا خلال القرنين الثامن والتاسع عشر ، فاختل التوازن الحربي لصالح الغرب الصليبي بفضل الإمكانات الجديدة التي أتاحتها الصناعة ، فنفذ الفرنسيون حلمهم باحتلال مدينة الجزائر عن طريق غزوها برا بعد انزال قوتهم في [سيدي فرج] بقيادة ( دوبورمون) ، وسقطت الجزائر في 5جولية 1830 وفر آخر الدايات ( الداي حسي) بما خف وزنه وغلا ثمنه باتجاه اسطنبول مرورا بإيطاليا ، وأول ما فعله الغازي هو الإستيلاء على مدفع بابا مرزوق ونقله مكبلا مهانا إلى فرنسا وقدمه وزير الحربية هدية للملك [لوي فليب ] ، الذي أمر وضع نصب تذكاري له في مدينة [ بريست brest ] كرمز على انتصار فرنسا على الجزائر ، وهو الشيء الذي لم تفعله مع مدافع بروسيا ابان الغزو النابليوني عليها حيث صهروها وكونوا بها معلم الباستيل .
*** [بابا مرزوق ] في منفاه ( ب بريست) الفرنسية : أنشيء لمدفعنا بابا مرزوق نصبا تذكاريا في ميناء برست الحربي ، نصب عموديا رأسه في التراب على قاعدة حجرية ، فوقه ديك رومي واضع رجله على الكرة الأرضية ، وهو ترميز لقوة فرنسا وهيمنتها الكولونيالية في افريقيا وأمريكا الوسطى وجنوب شرق آسيا ، وهو انتقام واضح من جبروت هذا المدفع الذي أخر تحقيق حلم توسعهم إلى تاريخ 1830، ففي إذلال [ بابا مرزوق ] بسجنه وربط قاعدته بالسلاسل فيه رمزية انتقامية من الجزائر العنيدة ، ولا أعتقد أن فرنسا تفرط فيه ، فهو رمز لإنتصارها و انتقامها من مقتل 53 من أبنائها ،وقد أقدمت الجزائر على صنع نسخة من هذا المدفع بمناسبة الذكرى الخمسين للإستقلال ، كعربون تقدير لقدراته الدفاعية في هزم العدو ما ضيا .
صفوة القول أن الأمم تسجل مآثرها بالرموز الدالة على عظمتها ، وعظمة شعبنا قد تناسيناها في خضم الإرتماء بين أحضان من داس كرامتنا بالأمس ، وواجب رجالات اليوم بوزارتها الحربية ليس استنساخ مدفع [بابا مرزوق] ولو فيه شيء من عبق الماضي التليد ، وإنما السعي إلى مجارات القوى العظمى في الإبداع الحربي بالتقنيات الحالية ، ففي قوتنا الدفاعية منعة لوطننا ، لأن الوطن القوي لا يُفكر في احتلاله واستعباده أبدا لأنه مرهوب الجانب .
#الطيب_آيت_حمودة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لبلويت ( الزرق )BLOITE
-
لماذا أنا مؤيد عرض مسلسل عمر الفاروق ؟
-
عملية الطائر الأزرق .( Opération oiseau bleu )
-
أهو مغرب عربي ...؟ أم مغرب كبير .
-
البردُ قاتلُنا ، وحولَنا حقول الغاز تفورُ .
-
حديث(الأئمة من قريش) الذي مزق أمة الإسلام .
-
تمجيد الإرهاب العُقبي (عقبة بن نافع الفهري)
-
انتشار الإسلام بين الجبر والإختيار .
-
هل سيحكم الإسلاميون الجزائر ...؟ .
-
عثمان سعدي ورأس السنة الأمازيغية .
-
تركيا وفرنسا وجهان لعملة واحدة.
-
سليمان دوغة والأمازيغية .
-
توسيع منظمة التعاون الخليجي ،استراتيجية لصالح الشعوب ؟ أم هي
...
-
الدعوة السياسية من غير عصبية الدين لا تتم .
-
ثورة صاحب الحمار .
-
إجابات على أسئلة الحوار المتمدن
-
عندما يكون (النسب الشريف ) مطية لبناء المجد !!؟ .
-
الأمازيغ بين (الدونتة والخورجة.)
-
الإستعراب .
-
تعقيب على ملاحظات ( عبد العالي الجزائري ) .
المزيد.....
-
في دبي.. مصور يوثق القمر في -رقصة- ساحرة مع برج خليفة
-
شاهد لحظة اصطدام تقلب سيارة عند تقاطع طرق مزدحم.. واندفاع سا
...
-
السنغال: ماكي سال يستقبل باسيرو ديوماي فاي الفائز بالانتخابا
...
-
-لأنها بلد علي بن أبي طالب-.. مقتدى الصدر يثير تفاعلا بإطلاق
...
-
4 أشخاص يلقون حتفهم على سواحل إسبانيا بسبب سوء الأحوال الجوي
...
-
حزب الله يطلق صواريخ ثقيلة على شمال إسرائيل بعد اليوم الأكثر
...
-
منصور : -مجلس الأمن ليس مقهى أبو العبد- (فيديو)
-
الطيران الاستراتيجي الروسي يثير حفيظة قوات -الناتو- في بولند
...
-
صحيفة -كوريا هيرالد- تعتذر عن نشرها رسما كاريكاتوريا عن هجوم
...
-
برلمان القرم يذكّر ماكرون بمصير جنود نابليون خلال حرب القرم
...
المزيد.....
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
-
آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس
...
/ سجاد حسن عواد
-
معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة
/ حسني البشبيشي
-
علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|