أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - محمود جلبوط - من ذاكرة معتقل سابق 19















المزيد.....

من ذاكرة معتقل سابق 19


محمود جلبوط

الحوار المتمدن-العدد: 1112 - 2005 / 2 / 17 - 07:57
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


سألتني: انت فلسطيني ولاّ سوري..؟.... فجأني السؤال, فأنا نادراَ ما نظرت إلى داخلي وفتشت عن ولاءاتي الجغرافية, إما تقصيرا مني أو اطمئناني لولاءاتي كشيوعي لم أحتج للهوية الجغرافية أو القومية أو الدينية لأحدد من خلالها مواقفي أو هويتي, واكتفيت بتقسيم العالم إلى ظالمين ومظلومين, استغلاليين ومستغلين, قاهرين ومقهورين , وانحزت دائما إلى جانب المضطهدين(بفتح الطاء) أو ربما التسليم و الركون إلى ثنائية تعودتها بصيرورة حياتي وأحداثها, كإبن مخيمات, لعائلة فلسطينية ولدت, وبدورها ورثتني ذاكرتها الجغرافية وتغريبتها الأولى, ترعرعت في صفوف المقاومة مبكرا, ولكني في دمشق ولدت , وفيها عشت , وجلت في حواريها, ودرست وعملت وأحببت وتزوجت ...صمت قليلا ثم أجبتها: إن فلسطين هي زوجتي , ابنة عمي التي أمرني أهلي الزواج منها وتحمل مسؤوليتها, وطلبوا مني أن أرعاها دائما وأن لا أنساها ولا أنسى أهلها, لكني لم أعش معها تحت سقف واحد , كنت دائما أسكن بجوارها, لم ألعب معها في حواريها , لم أركض وإياها في بساتينها خلف الفراشات نلتقطها, لم آخذ يدها بيدي لأصعد جبالها ونتمشى في وديانها , لا يوجد في ذاكرتي المكانية إلا القليل عنها, فأنا لماما ما ألقاها, وعندما ألتقيها أكون مدججا بسلاحي وبلباسي العسكري, و لا يسعفني ضيق الوقت والخوف أن أتملاها و أتملى تضاريسها, وتكون لحظة لقائها هي نفسها لحظة وداعها, لكني بالرغم من هذا ما قصرت يوما من واجباتي ومسؤولياتي نحوها....أما سوريا فهي عشيقتي, معها ولدت , و في مياهها تعمدت, وفي حواري دمشقها القديمة سوية جلت, بمعيتها بساتين غوطتها ركضت نطارد ال فراشات , ياما قطفت من زهر ياسمين عرائش بيوتها القديمة لتعلقه بالسر عن أهلها عقدا في رقبتي عندما صرت صبيا.... م في مدارسها درست...في حرجها ضحكت , لعبت, وقعت, نهضت, غنيت, بكيت, مرضت, أكلت, جعت, انظلمت, ولما وصلت سن البلوغ , على مرجها الأخضر وبالقرب من شاطئهااللازوردي, بعد أن ضمخت نفسها بعطر ليلها, دعتني غنوجا لأمارس الحب معها في هواءها الطلق...قاطعتني صديقتي قائلة: على مهلك شو هالمبالغة, مو هي الي ظلمتك و سرقت منك سنوات شبابك.....قاطعتها معترضا: لا ليس هي, بل جلاديها الذين حاولوا الإعتداء عليها وإغتصابها , ولأني اندفعت للدفاع عنها اعتقلوني ليبعدوني عنها, لكنها بقيت في القلب ,هي لي و مني ...انتهت محادثتي مع صديقتي ولكن تداعيات الحديث بقيت تجوب في زواريب ذاكرتي... في زاوية من زواياها تقيم ذاكرة مورثة من الأهل منذ بداية التغريبة القلسطينية الأولى, وذاكرتهم التي تعود لذاك الوطن الذي ضاع فهجروا منه وتاهوا في المنافي ليعانوا ويخلفوا جيلا هو نحن, الجيل الثاني الذي ما فتأت تلك الثنائية الوجدانية للمكان لتلاحقنا, بالإضافة إلى اللعنة التي لاحقتهم منذ طردهم من أرضهم, لعنة كونهم لاجئين فلسطينيين, من المحيط السكني, فالبعض ذهب إلى حد تحميل الفلسطينيين مسؤولية بيع فلسطين, والبعض حملهم مسؤولية الفساد الخلقي الذي كان يلم المحيط الدمشقي,( أحدهم كان يقول لي أيام الدراسة الإعدادية والثانوية أن الفلسطينيين هم الذين علموا بناتنا على السيابة ولبس السفور والتعريص), بعضهم اتهمهم أنهم أضاعوا وطنهم لأنهم أضاعوا دينهم,(كما صرح بذلك الشيخ العلامة الإسلامي رمضان البوطي), وبقول المثل الي مالو وطن مالو دين..و معاناة التنقل عبر الحدود العربية والدولية, لأنهم كما قال مظفر النواب في إحدى قصائده: يعلمون كلابهم أن تشتم رائحة الفلسطيني من غير الفلسطيني.....ثم تنتقل الذاكرة إلى المخزون الخاص بتجربة الإعتقال, ذاكرة مؤلمة كان سببها أيضا فلسطينيتي, التي سببت بالتعجيل في إعتقالي أولا ثم لتعامل استثنائي للجلاد معي بتعذيبي جسديا ونفسيا....فقد كنت قد تعرفت في مطلع 1980في دمشق على شاب لاذقاني يؤدي الخدمة الإلزامية فيها ضمن الوحدات الخاصة اسمه بسام أحمد, وكنت قد اعتدت أن أعطيه منشورات الحزب كصديق, ولم يكن يعرف اسمي الكامل ولكنه يعرف معلومة أني فلسطيني و أني موظف في مشفى الأطفال في المزة لأني كنت قد أديت لقريب له خدمة صحية في مشفى الأطفال ...عندما قمنا بتوزيع البيان الأول للتجمع في ربيع 1980 أعطيته نسخة منه, كان الشاب يسكن في المزة قريب من اوتوستراد المزة, وفي اليوم الذي كان متوجها إلى منزله ليلا, أوقفته عناصر حراسة بيت رفعت الأسد الواقع على اوتوستراد المزة التي كانت قد وسعت منطقة منع المرور والتفتيش إلى مساحة أبعد بسبب عملية تفجير كان إخوان المسلمون قد نفذوها قبل عدة أيام بالقرب من منزله, ارتبك صديقنا, وأثناء تفتيشه وجدوا البيان بجيبه و بالطبع بعد تعرضه للتعذيب اعترف أن الذي أعطاه البيان شاب فلسطيني يعمل في مشفى الأطفال, وليس من الصعوبة بمكان أن يعرف عناصر الأمن أسمي الكامل, لأنني كنت في ذاك الوقت الفلسطيني الوحيد الموظف في المشفى, ولكن تصادف عدم وجودي فيها عندما أتوا لإلقاء القبض علي , كنت في مهمة خارج المشفى, وعندما عدت إلى المشفى واقتربت من الوصول إليها كان بانتظاري أحد الأحبة, حذرني وطلب مني أن أبتعد بسرعة لأن الأمن في المشفى يطلبني, غيرت وجهتي وهربت, ولكن في النهاية تم اعتقالي من خلال كمين في منزلي عندما كنت عائدا مع زوجتي في منتصفإحدى الليالي المشؤومة. وهناك أيضا كلفني انتمائي الفلسطيني زيادة في حصتي من التعذيب الجسدي والنفسي وزاد من المعاملة السيئة لي من قبل الجلاد أبو العز. كنت أحمل هوية ضابط فدائي فلسطيني تحت اسم سميح القاسم عندما تم اعتقالي, فمنذ ملاحقتي, اعتدت على حمل هوية فدائية باسم حركي لتسهيل حركتي عبر الحدود اللبنانية السورية, وضمن شوارع مدينة دمشق أو مدينة بيروت.. وهذا ما زاد حقد أبو العز علي, لأنه على ما روى لي البعض أنه قد تم أسره من قبل قوات الفدائيين الفسطينيين أثناء تدخل الجيش السوري في لبنان عام1975. كان أبو العز عندما يريد تعذيبي يعريني ويتملى عضلاتي التي كانت نامية في تلك الفترة, وهذا طبيعي لجسم فدائي, ويقول لي:ها ولا ابن ال...مربي عضلات يا أخو ال...كنتو هنيك بلبنان عاملين حالكن رجال وقبضايات..يلا تشوف فرجيني حالك هون هلق شو بتقدر تعمل...وماذا أستطيع أن أعمل وأنا مكبل اليدين إلى ظهري وطماشة كتيمة على عيوني وأشرطة كهربائية مربوطة إلى أعضائي التناسلية لينفذ أبو العز وعيده لي بأن يقطع نسلي, لا أملك سوى الصراخ...أحد جلسات التحقيق قال لي أبو العز :ولك أخو.....شوبدك منا , بدنا نعلق كل شباب سوريا على المشانق ولك هنت شو دخلك...بدنا نحرقها لسوريا انت شو بخصك, ولك انت فلسطيني غريب شو إلك علاقة معنا...كنت أصمت , أحد المرات استجمعت قوتي وأجبته:إن مباديء حزبك تخالف رأيك, فهي أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة....زاد كلامي من جنونه, فزاد من قسوته في التعذيب....إحدى المرات نادى على كلانا أنا وبسام, نزع ملابسنا كالعادة وبللنا بالماء, ثم نزع قيوده وطماشته وصرخ به: ولك انت علوي مكانك مو معو يا ابن .....ولك انت مكانك معنا هون تضربو لهلكلب.. وأجبره على إمساك الكابل وطلب منه أن يجلدني وإن لم يفعل سيجلده حتى الموت , رفض بسام جلدي, فجلدوه بكل قسوة ثلة من أربعة عناصر أشبعوه ضربا صارخين به أن ينفذ طلبهم وبسام يأبى ذلك, وفجأة في حمأة الضرب انتفض بسام بالكابل الذي يحمله بيده والتفت إليهم شاتما وضاربا وصارخا: ولكم هاد رفيقي وصديقي وأنا ما بمد إيدي عليه ولكم إجرو بتشرفكم...وكانت الطامة الكبرى على رأس بسام, كنت أصرخ به إرحم نفسك يا بسام, أترك هاد يا بسام, كفى...اقتادوني بسرعة إلى زنزانتي رقم 7( كريه رقم 7 هذا) واستمرت حفلة بسام إلى ساعة متأخرة من الليل أصابني خلالها قلق كبير على حياته, فخفت أن ينفق بين أيديهم, وعندما أعادوه كنت أحاول النظر من خلال ثقب صغير من باب زنزانتي لأطمئن عليه من خلاله دون جدوى, لكني عرفت مقدار ما جرى من خلال حمله من قبلهم ببطانية غائبا عن الوعي.....و كان كلما عاد أبو العز مخمورا بعد جولاته عبر مراكز أوكار اللهو الدمشقية( حدثوني بعد ذلك أن في كل وكر من هذه الأوكار طاولة خاصة لأبو العز في كل ليلة) يطلب من الجلادين قائلا: هاتو هالعرص الفلسطيني تنتسلى معو شوي...وتكون سهرة صباحية, كلها بسبب فلسطينيتي......
وهنا أيضا في بلاد الأوربيين التي هربنا إليها من جور الأهل قاصدين الأمان والإطمئنان والعدل, كان لانتمائي الفلسطيني دورا في خسارتي لقضية اللجوء السياسي التي تقدمت بها لايسمح المقام للتحدث مفصلا عنها ولا المقال يتسع, و على أساس فلسطينيتي , سجلت في أضابير الدولة الألمانية (ungeklärt )أي غير واضح المعالم.....



#محمود_جلبوط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قسم
- خاطرة .. حزن
- من ذاكرة معتقل سابق 18
- قصيدة نثرية ... حب
- من ذاكرة معتقل سابق 17
- محاولة حب
- خاطرة
- من ذاكرة معتقل سابق 16
- رأي في الإنتخابات العراقية
- ردا على مقال الرفيق أبو خليل
- من ذاكرة معتقل سابق 15
- من ذاكرة معتقل سابق 14
- من ذاكرة معتقل سابق 13
- من ذاكرة معتقل سابق 12
- من ذاكرة معتقل سابق 11
- 10من ذاكرة معتقل سابق
- من ذاكرة معتقل سابق 9
- الفرق بين فن الكتابة وفن الحكي والكلام
- إهداء مذاكرات المعتقل السابق
- توضيح وإقرار إلى أجهزة المخابرات السورية


المزيد.....




- سفينة مساعدات إماراتية في طريقها إلى غزة بحرا لأول مرة بعد م ...
- القسام:القصف الهمجي الاسرائيلي تسبب بمقتل الأسرى الذين بأيدي ...
- الولايات المتحدة.. اعتقال 100 شخص في إحدى جامعات بوسطن خلال ...
- حماس تحذر من أي بديل عن الأمم المتحدة للإشراف على عمل الأونر ...
- مسؤول إماراتي لـCNN: سفينة مساعدات للدولة في طريقها إلى غزة ...
- -لا حيلة ولا قوة لنا-: اللاجئون السوريون في الأردن ولبنان و- ...
- يديعوت أحرونوت: بن غفير طلب قتل بعض المعتقلين بمجمع الشفاء
- أرادوا إدخال مساعدات.. اعتقال حاخامات ونشطاء على الحدود مع غ ...
- -ارتكب أفعالا تنطوي على خيانة وطنه-..داخلية السعودية تعلن إع ...
- -حماس- تبدى موقفها من التقرير الاممي حول -الأونروا-وتحذر


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - محمود جلبوط - من ذاكرة معتقل سابق 19