أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - هشام نفاع - حتى تصبح الدبابات بكامل كاريكاتوريتها















المزيد.....

حتى تصبح الدبابات بكامل كاريكاتوريتها


هشام نفاع

الحوار المتمدن-العدد: 260 - 2002 / 9 / 28 - 04:13
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 
(الناصرة - 2002/09/27 13:55)

أحداث فجر الثاني والعشرين من ايلول الجاري في رام الله وأخواتها شكّلت دليلا إضافيا على صحة ما سبق ودعا اليه، مرارا، قياديون ومثقفون فلسطينيون عديدون بشأن أساليب الانتفاضة. ففي تلك الليلة المشهودة كانت الصحف العبرية في اسرائيل قد أغلقت صفحاتها وقد ملأها معلقوها بكتابات هي أشبه بالنعي للرئيس الفلسطيني التاريخي والمنتخب ياسر عرفات. أحدهم وصلت به النشوة حد الاعلان عن ان غياب عرفات هو "مسألة اسابيع قليلة وحتى ايام"، وقد كتب ما كتب بذلك الشكل المعهود البغيض الناضح بالثقة الزائدة بالنفس وبالناطق بلسان الجيش الاسرائيلي وبأريئيل شارون.

كان هذا عمليا ما يطلق عليه فلاحو الشمال الفلسطيني اسم "حكي السرايا" الاسرائيليين، ولكن للقرايا والسرايا الفلسطينيين على السواء كان حديث آخر، قرار آخر وسلوك آخر. فحين استعدت قوات الاحتلال الاسرائيلي للقيام بما تخيّلته الضربة الأخيرة لمقر الرئاسة الفلسطينية بكل ما يمثله الامر معنويا وفعليا، وحين تصاعدت أصوات التهديد والوعيد من أبواق العساكر الثملين بقوتهم المؤللة، قررت الجماهير الشعبية في رام الله أن تكسر الأبواق وأصواتها وأصحابها. فامتلأت الشوارع بالغضب واحتشدت المظاهرات بمشاركة الرجال والنساء والشباب (الشابات قبل الشبان) والفتية والاطفال. وامتدت الى بقية المواقع.

رد الفعل الشعوري الأول لدينا، أصدقاء في حيفا رحنا نتابع بقلق ما يجري، كان الخوف على أهلنا. أمام عيون بصائرنا رأينا مجزرة جديدة تقترب. فجموع المدنيين العزل الذين واصلوا التدفق الى الشوارع في شتى المدن الفلسطينية كانوا في مواجهة الدبابات وعليها الرشاشات وفيها جنود لا يتورعون عن قتل المتظاهرين كما أثبتوا لنا مرارا وبكل مرارة. كنا في حالة من الذعر الحقيقي، لم نستوعب ما تتناقله وسائل الاعلام العربية المرئية القليلة التي تابعت ما يجري (وبعضها واصل بفظاظة بث المسلسلات وبرامج الترفيه وإلهاء الجمهور العربي الواسع عما يحدث!). لم نتخلص من مشاهد المجزرة المتخيّلة التي سيطرت على نفوسنا. وحتى المكالمات الهاتفية التي اجريناها من حيفا مع زملاء صحفيين ومصادر وأصدقاء في رام الله وغيرها لم تخرجنا تماما من حالة الخوف مما قد يجري.

ولكن مع كل ذلك تفاعل شعور بالقوة. ببطء وتردد سرعان ما بدأ يغيب. فصور المتظاهرين الذين يكسرون الحصار والحظر ويتحدون الدبابات وهم يهتفون باسم قائدهم الذي يصمد في حصاره (الجديد) ويصرون على الحرية، جعلت الاجساد والعقول تتكهرب برجفات من الفخر والأمل. بعدها بساعات قليلة اتضحت الصورة: لقد قتل الجيش الاسرائيلي أربعة من المواطنين العزل وجرح العشرات، ولكن المتظاهرين الشجعان أدخلوا شارون وعميله المنافق بكلام "السلام" شمعون بيرس وجنرالات الاحتلال الى حصار من نوع آخر. لقد فشل المخطط الذي ظنوه ضربتهم القاضية، وارتدت سطوتهم الى نحورهم. لقد نجح التحرك الشعبي الكفاحي بما يصعب تحقيقه على البنادق الفلسطينية القليلة التي لا تقاس لها قوة مقابل آلة الحرب الاسرائيلية - الأمريكية المدججة. وهنا تجلّت "قوة الضعف الجماعي" كما وصفها أحد الأصدقاء، أمام ضعف القوة العسكرية حين تقع في امتحان الصدور العارية.

لا شك أن هذا التحرك الشعبي مأخوذ من قاموس وذاكرة التجربة النضالية التي راكمها الشعب الفلسطيني في انتفاضته الاولى. وهو يضاف الى تحركات قليلة تمثلت بمسيرات لأطفال ولعمال وهم يقرعون الأدوات المنزلية في اشارة الى شبه المجاعة التي يفرضها جهاز الاحتلال الاسرائيلي في اطار جرائم الحرب التي يواصل ارتكابها. وفي اجتياح المقاطعة الأخير أثبت هذا الأسلوب النضالي نجاحه وجدواه وأثره. وهو ربما يفوق ما كانت ستفعله البنادق في أيدي المقاومين الشبان الجريئين ولكن القلائل قياسا بما تدفعه حكومة التطرف والاستيطان الاسرائيلية من حشود عسكرية لفرض حالة سياسية كولونيالية على هذا الشعب. لذلك فمن الملائم والمهم النظر بتعمق فيما شهدناه وشاهدناه هذا الأسبوع، علّ أصحاب القرار من قيادات فصائل الكفاح الفلسطيني بكافة تياراتها يشتقّون الصيغة الملائمة للنضال في الظروف الحالية. ويقال هذا استنادا الى فرضية أن ما أحاط بهذه الانتفاضة قبل سنتين بات مختلفا اليوم لأسباب شتى.

ان مهمة وضع القراءة المفصّلة والدقيقة لهذا التغيير وما يعنيه وما يستدعيه في البعد العملي الملموس، ليست من صلاحيات كتّاب المقالات طبعا، بل انها جزء من أجندة واضعي استراتيجيات النضال الفلسطيني لأجل تحقيق المطالب العادلة بالاستقلال والسيادة والتحرر والعودة. ولكن من واجب المراقب أن يشير الى ما يتفاعل من تطورات سواء في الظروف (المتغيرة بالضرورة) أو في شكل التعاطي السياسي معها.

والقرار الشعبي الفلسطيني باطلاق صرخة الغضب ضمن مسيرات ومظاهرات، يجسّد ما يمكن أن تبدعه الجماهير بفطرتها الخلاقة لمواصلة فعل المواجهة. ومن هنا، فان تقوية واذكاء هذا التوجه يعكس أيضا حالة من التفاعل الديمقراطي العضوي الحقيقي لدى القيادة مع القرار الجماهيري الذي يسطع بحكمته حين تشتد حلكة عتمة القمع. ومن يدري، فربما أن في هذا الفعل الجديد المليء بالأمل، رغم الألم، ما يجعل بعض الفصائل الفلسطينية تعيد النظر في بعض الاساليب التي لم تثبت حتى اليوم سوى ضررها على صورة وامكانية استقطاب نضال الشعب الفلسطيني للتأييد الأممي الفاعل والدائم من أجل حريته.

أخيرا، ربما أن مواجهة قوة البطش تحتاج أولا الى فضح هذه القوة ودفعها الى حدودها الأخيرة. وبعد سنتين على الانتفاضة الحالية بكل انجازاتها واخفاقاتها، بإمكان استعادة أساليب الانتفاضة الأولى أن تفي بهذه المهمة الهامة. فعندها على الأقل ستفقد الطائرات والدبابات من وزنها وسيتآكل فولاذها رويدا رويدا. ليس لأن القتلة سيغيّرون من طباعهم، بل لأن أرضية وأسوار الحصار على الحق الفلسطيني عبر دمغه بتهمة الارهاب الخبيثة سهلة التسويق والاستهلاك ستتصدع، ومن ثغراتها لا بد أن تطل عيون شعوب العالم لتراقب وترى متظاهرين عزّل بكامل قوتهم أمام دبابات ستصبح بكامل كاريكاتوريتها. أليس هذا ما شهدناه هذا الأسبوع؟


#هشام_نفاع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عمليات انتحارية، سياسيا أيضا
- قصة اعلان تعزية


المزيد.....




- عداء قتل أسدًا جبليًا حاول افتراسه أثناء ركضه وحيدًا.. شاهد ...
- بلينكن لـCNN: أمريكا لاحظت أدلة على محاولة الصين -التأثير وا ...
- مراسلنا: طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي ...
- بدء الجولة الثانية من الانتخابات الهندية وتوقعات بفوز حزب به ...
- السفن التجارية تبدأ بالعبور عبر قناة مؤقتة بعد انهيار جسر با ...
- تركيا - السجن المؤبد لسيدة سورية أدينت بالضلوع في تفجير بإسط ...
- اشتباك بين قوات أميركية وزورق وطائرة مسيرة في منطقة يسيطر عل ...
- الرئيس الصيني يأمل في إزالة الخصومة مع الولايات المتحدة
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية: إصابة إسرائيلية في عملية طعن ب ...
- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - هشام نفاع - حتى تصبح الدبابات بكامل كاريكاتوريتها