أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - هشام نفاع - عمليات انتحارية، سياسيا أيضا














المزيد.....

عمليات انتحارية، سياسيا أيضا


هشام نفاع

الحوار المتمدن-العدد: 147 - 2002 / 6 / 1 - 09:42
المحور: القضية الفلسطينية
    


ما هو الثمن السياسي لعمليات التفجير التي يقوم بها شبان فلسطينيون مفجرين أجسادهم داخل تجمعات مدنية اسرائيلية؟ هذا السؤال كان دائما مطروحا، وليس من المبالغ به القول إنه الآن أصبح أكثر إلحاحا.

طرحت السؤال في بعده السياسي ليس لأن القضية سياسية فحسب، فهي أخلاقية أيضا. وأرى أن البعد الأخلاقي يأتي في مستويين:

فلسطينيا: في العادة يحاول البعض تبرير العمليات التي يفجر فيها شبان فلسطينيون أنفسهم بالقول: إنه اليأس. والسؤال هو إذا ما كان يجب الإقتناع بأن اليأس يجب أن يقود النضال، أو القول باستسهال إن الشعب الفلسطيني يائس فعلا؟ أنا لا أعتقد أن هذا الشعب المقاتل على حريته ببسالة والأعزل إلاّ من صموده يصح اعتباره يائسا. فمن لا تزال آلة الحرب الاسرائيلية المؤللة والجوية تعجز عن كسر روح الإنعتاق التحررية لديه، هو شعب لا يستحق منا نعتا سلبيا كاليأس. إذن فالقول أن الشعب الفلسطيني يائس، يقترب من الافتراء.

قد يكون هناك أفراد يائسون، فهل يجب استعمال يأسهم بشكل يحوّلهم الى قنابل حيّة. وهذا سؤال أخلاقي فلسطيني مئة بالمئة بمعزل عن اسرائيل واحتلالها. أي أنه يجب الخوض فيه كمسألة تهم الشعب الفلسطيني وبناته وأبنائه، ومن أجل بناته وأبنائه. ثم إن هؤلاء الشبان (الذين يعتبرهم ذلك البعض يائسين) لا ينسجون يأسهم بارودا بل هناك من يحمّل أجسادهم بالبارود وهذا خطير بما يحمله من دلالات استغلالية مقلقة.

اسرائيليا: الحرب العادلة يجب أن تكون وسائلها عادلة أيضا. بأقصى الممكن. ولا يهم هنا إذا كانت وسائل المحتل إجراميّة، فأصلا لا يمكن تخيّل احتلال غير إجرامي، لأن هذه هي ماهيّته المطلقة. أما النضال الفلسطيني على التحرّر والاستقلال في دولة تحت الشمس فهو نضال نبيل، ووسائله يجب أن تظلّ كذلك.

فالموقف من المساس بالمدنيين، مهما كانت جنسياتهم، يجب أن يظل واضحا: هذا هو الخط الأحمر المطلق. ممنوع استعمال المدنيين بأي شكل حتى لو كان حكّامهم وجنرالاتهم مجرمين. فعندما يجري اختراق هذا الخط الأحمر لن يكون سوى انتهاك كل شيء، وهذا يجعل الوسيلة تضر بالهدف النبيل. وإذا كان الاحتلال الاسرائيلي ينتهك سلامة وكرامة وحقوق المدنيين الفلسطينيين يوميا، فهذا يجب ألاّ يعني انتهاج أساليبه، مع الإشارة الواضحة والواعية الى الفرق المطلق بين القامع والمقموع، وعلى الرغم من هذا الفرق أيضا.

بعد هذا، هناك الثمن السياسي الفادح الذي يدفعه المحقّون في نضالهم التحرري، حين يجري وصف نضالهم بأنه "إرهاب". طبعا قد يقول البعض إن هذا الوصف خبيث ومخطط ومبيّت، وهو كذلك، ولكن لا يمكن انكار أن هذه الأوصاف تعلق بشدّة في أذهان الرأي العام المعبّأ بالدعايات الماكرة. وحين تعلق أوصاف "الارهاب" بالعقول تكون شديدة الضرر وتوفر لمجرمي الحرب في حكومة اسرائيل فرصة مواصلة خلق موازاة بين من يمارس الاحتلال وبين من يرزح تحت وطأة جرائمه. أي متابعة فبركة تداخل تضليلي بين المجرم وبين الضحيّة. ومن هنا، فمنع هذه الفرصة عن جهاز الاحتلال يجب أن يشكل هاجسا مستديما لكل من يهمه النضال الفلسطيني وتحقيق النتائج المرجوّة من هذا النضال.

نقطة هامة أخرى هي تلك التي ترتبط بالرأي العام الاسرائيلي بالذات. صحيح أن هناك من سيسارع الى الاستخفاف والقول إنه غير مستعد للخوض في هذا البعد، ولكن هذا الدّ‍لع الثوري لن يغيّر من حقيقة أنه لا يمكن إنهاء الاحتلال الاسرائيلي الاستعماري دون خلق حالة إسرائيلية معارضة له داخليا، داخل المجتمع الاسرائيلي نفسه. فمن يريد تعاطي السياسة عليه أن يفهم في حسابات السياسة، وليس في حسابات ثورات عواطفه ونقمته ومزاجيّته. فهذه الأخيرة قد تشفي غليلا لبعض المشاعر، التي قد تكون مبررة، ولكنها ستظل بعيدة عن الإتيان بفعل سياسي ناجع يكون قادرا على خلق حالة نفي إضافية لحالة الاحتلال. وخلق حالة نفي للاحتلال داخل المجتمع الاسرائيلي ليست ترفا إنسانويا أو ايمانا هذيانيا بهذا المجتمع أو بغيره، بل انها واجب نضالي ونظرة محسوبة أيضا.

إذن: فهل تساهم العمليات الموجّهة ضد المدنيين الاسرائيليين في تعميق عزلة الاحتلال ممارسة وعقليّة، في داخل المجتمع الذي يمارس حكّامه الاحتلال؟

الجواب السلبي على هذا السؤال يؤكده قادة ومناضلون فلسطينيون كثر، مثل د. حنان عشراوي ود. حيدر عبد الشافي وقياديين جريئين غيرهم داخل جهاز السلطة الوطنية وخارجه. وهم يشيرون الى وجوب تكبيد الاحتلال الاسرائيلي خسائر في صفوف مصالحه المباشرة المتمثّلة بالوجود العسكري والاستيطاني في حدود 1967، وفقط في هذه الحدود. وهذا الموقف الدّاعي الى النضال الفعّال والفاعل إنما يريده نضالا حكيما وواعيا ومجديا يليق بأصحاب الحق، ويحمل المقوّمات التي تؤكد ما فيه من نبل وعدالة، وتبعده عن أن يكون أداة في متناول أيدي الذين سيسارعون في كل فرصة الى جعله موصوما بـ"الارهاب" وما شابه، وبالتالي إسقاط الشرعية عنه.

وحتى تكون الامور واضحة، يجب التأكيد أن حركة المقاومة والنضال الفلسطينية هي صاحبة الحق المطلق في اختيار وسائل نضالها، ولكن يجب قراءة الاختلافات في تيارات هذه الحركة وتفضيل ما هو أكثر حكمة فيها. والتيار الحكيم ليس محدودا ولا قاصرا ولا مقصّرا، ومصلحة النضال التحرري الفلسطيني توجب تقويته ودعمه الآن بالذات.

*صحفي فلسطيني مقيم في مدينة حيفا.



#هشام_نفاع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة اعلان تعزية


المزيد.....




- ولاية أمريكية تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة
- الملك السعودي يغادر المستشفى
- بعد فتح تحقيق ضد زوجته.. رئيس وزراء إسبانيا يفكر في تقديم اس ...
- بعد هدف يامين جمال الملغى في مرمى الريال.. برشلونة يلجأ إلى ...
- النظر إلى وجهك أثناء مكالمات الفيديو يؤدي إلى الإرهاق العقلي ...
- غالانت: قتلنا نصف قادة حزب الله والنصف الآخر مختبئ
- بايدن يوقع قانون مساعدات كبيرة لأوكرانيا والمساعدات تبدأ بال ...
- موقع أمريكي ينشر تقريرا عن اجتماع لكبار المسؤولين الإسرائيلي ...
- واشنطن.. التربح على حساب أمن العالم
- السفارة الروسية لدى سويسرا: موسكو لن تفاوض برن بشأن أصول روس ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - هشام نفاع - عمليات انتحارية، سياسيا أيضا