أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نبيل عبد الأمير الربيعي - آهرون ساسون معلم ودوره في تأسيس الجمعيات الصهيونية في العراق















المزيد.....


آهرون ساسون معلم ودوره في تأسيس الجمعيات الصهيونية في العراق


نبيل عبد الأمير الربيعي
كاتب. وباحث

(Nabeel Abd Al- Ameer Alrubaiy)


الحوار المتمدن-العدد: 3804 - 2012 / 7 / 30 - 11:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كان النشاط الصهيوني في العراق محدوداً وبسيطاً , فقد بدأ في عشرينيات القرن الماضي من خلال مدارس الأليانس الإسرائيلية التي أنشأت في بغداد عام 1869, وهذا ما يؤكدهُ أرشيف جمعية الأليانس الإسرائيلية بباريس , ملف بعنوان ( النشاط الصهيوني في العراق عام1899) , ويؤكد الكاتب عصام المعاضيدي في كتابه ( الصحافة اليهودية في العراق الدولية للإستثمار) ص44 ذلك , وكان الداعي الصهيوني في بغداد اليهودي العراقي ( آهرون ساسون بن الياهو ناحوم ) الملقب بالمعلم, فقد اشترك مع آهرون معلم السيد بنيامين ساسون مدير مدرسة الأليانس الذي كان على مدى سنوات قلائل سكرتير عام الرابطة الصهيونية في بغداد , فقد أهتم أهرون معلم بالصحافة العبرية , إذ كان أحد الذين يستطلع النشاط الصهيوني في العراق وقراءة الصحف والدوريات العبرية التي كانت تصل بغداد من أوروبا وفلسطين وأمريكا , كان دور آهرون معلم دعوة الشباب اليهودي إلى مطالعة الصحف ومناقشة الموضوعات الصهيونية , بدأ النشاط الصهيوني بَعدَ انتهاء المؤتمر الصهيوني الأول , وكانت بغداد تظم أكثر من خمسة آلاف يهودي , مما شجع آهرون إلى نشر الفكر الصهيوني فيها , كما نَشطَ بالدعوة للحركة الصهيونية في البصرة بسبب إهمالها و ابتعادها عن عيون السلطات العثمانية , فتشكلت في المدينة رابطة صهيونية ضمت عشرات الأفراد من الطائفة اليهودية .
كانت هنالك وثيقة تعود إلى تاريخ 13-6-1913 والتي كتبها (م.ي.سحيق) يؤكد فيها أمكانية إقامة جمعية صهيونية في البصرة , كما تم إنشاء مدرسة عبرية في البصرة عام1914 , ويؤكد الكاتب صادق حسين السوداني في كتابه( النشاط الصهيوني في العراق 1914-1952)ص34 : ( إن آهرون قد كتبَ إلى المنظمة يطلب إلى تلك المدرسة (200) نسخة من كتاب" المدرسة العبرية ج1 لطلاب تلمود وتوراة" وأن يطبع على غلاف الكتب بالعبرية (تلمود توراة البصرة) ,كذلك طلب إرسال (200) كراس بأغلفة مطبوعة بالعبرية , و(240) دسته من الأقلام مكتوب عليها أيضاً بالعبرية), وقد أسست أول جمعية صهيونية في العراق كانت تتألف من عشرة أعضاء في البصرة عام 1913 على يد محامٍ يدعى (أي. إيسايك) ومصور يدعى ( جي.جي. أرون) , وقد أسسوا مدرسة عبرية تضم 200 طالباً في مدينة البصرة , إلا أن المدرسة واجهتها صعوبات من قبل كبير حاخامات البصرة مما تسبب إلى إغلاقها خلال عام واحد من تأسيسها, إلا أنهُ انبثق أول تنظيم صهيوني في البصرة في آيار 1914 ومن المنظمين لهذا التنظيم ( منشي حكيم وروفائيل هوريش).
مع الدعوة إلى الحركة الصهيونية في العراق إلا أنَ أغلب يهود العراق كانوا على وفاق مع سكان البلاد , ولم يبدُ أي تذمر من قبل اليهود ومعاملتهم الطيبة من قبل سكان العراق, لكن بعدَ ظهور الصهيونية التي اختلقت الفتنة من أجل حمل اليهود على الهجرة إلى فلسطين , ومن هذا يؤكد الباحث مير بصري في أحدى المقابلات ( لولا ظهور الحركة الصهيونية لما حصل الذي حصلَ لليهود في الشرق الأوسط ) , ولكن بعد إنشاء الجمعية الصهيونية العثمانية في الأستانة , سارع بعض الشباب ومنهم ( روفائيل حوريش وموريس فتال ومنشة حكيم) إلى تشكيل جماعة هدفها الاتصال بالجمعية في الأستانة داعية إلى إقامة جمعية صهيونية في بغداد .
لكن بعدَ إعلان بلفور عام1917 إعلانه في منح اليهود حق إقامة وطن قومي لهم في فلسطين , ويعلق الأديب والباحث مير بصري على المشروع الصهيوني وإقامة دولة إسرائيل: ( لقد دعا السير أرنولد ولسن وكيل الحاكم الملكي في العراق وجهاء اليهود ليبشرهم بوعد بلفور , فرآهم واجمين وقالوا لهُ إن فلسطين مركز روحي ونحنُ نساعد المعابد ورجال الدين هناك بالأموال ,ولكن وطننا هذه التي عشنا في ربوعها آلاف السنين وتمتعنا بخيراتها فإذا رأيتم أن تساعدوا هذه البلاد في دعم اقتصادها فإننا بذلك نشارك في الرخاء العام), كما إن بعض الشخصيات العراقية اليهودية المتنفذة في الطائفة اليهودية انتقدت الأساليب الأيديولوجية الصهيونية ومنهم ( مناحيم صالح دانيال) أحد وجهاء بغداد ومالك لأراضي زراعية شاسعة و مندوب عن العراق في مجلس المبعوثات العثماني , فيرسل مناحيم دانيال رسالة إلى المنظمة الصهيونية العالمية في 1922 جواباً على طلب المساعدة في دعم الأنشطة الصهيونية في العراق, وكان يتنبأ بالخطر الذي سوف تتعرض لهُ الطائفة بسبب طبيعة السياسة التي انتهجتها الصهيونية وكتب يقول : ( يتصرف اليهود فعلياً بلا مبالات جديرة باللوم إزاء الشؤون العامة السياسية , وإذا ما ناصروا قضية لا يعدها العرب أجنبية فحسب بل معادية كذلك , كما فعلوا مؤخراً على نحوٍ علني يفتقر إلى البراعة , فلا شك عندي إنهم سيجعلون أنفسهم عنصراً دخيلاً بالكامل في البلاد , وفي حالٍ كهذا سيجدون صعوبة كبيرة في الدفاع عن وضعٍ لا يحسدون عليه طبقاً لاعتبارات أخرى ) , هذا الكلام هو اقتباس أورده (إلي خضوري) في ص 357 للمصدر ( إليلي خضوري دراسات شرق أوسطية),وقد عدً إيلي خضوري رسالة دانيال بأنها تتنبأ تنبأً صائباً بالخطر الصهيوني على وضع يهود بغداد , وأن أي دعم للصهيونية مهما كان ضئيلاً سينظر إليه خيانة للبلد , كما أكد المحامي اليهودي البغدادي يوسف الكبير في رسالة منشورة في العراق تايمز بتاريخ 5 ت2 1938 أعلنَ فيها ( بأن وعد بلفور صيغة خطيرة جداً للبهلوانيات السياسية ).
كل هذه الآراء تؤكد لنا أن يهود العراق لم يكونوا في يوم ما صهاينة قطّ و رافضين وصمهم بالصهاينة من حيث الجوهر , ومؤكدين أن عصبة صغيرة من الأفراد كانت منخرطة فعلياً في النشاط الصهيوني , كما يؤكد نسيم رجوان : ( إن النشاط الأول التي عدها صهيونية في جوهرها بعد الحرب العالمية الأولى لم تكن بأي حال من الأحوال تمثل الصلات الأولى بين اليهود العراقيين والأرض المقدسة ) , إن هذه الصلات لم تكن جزءاً من مخطط كبير لإقامة وطن قومي لليهود وكما جسدتهُ الصهيونية كذلك.
يؤكد آري الكسندر في كتابه ( يهود بغداد والصهيونية 1920-1948) في ص56 : ( كان (سيماحّ ) مدير مدرسة الأليانس الإسرائيلية في بغداد للفترة من (1901-1914) أول شخص مسؤول عن نشر الأفكار الصهيونية في العراق , فقد كان يستضيف طلبة شبان في بيته وكانوا يقرءون معاً مطبوعات عبرية على شاكلة ( السيفيراه) ويروي لهم قصص حول يتودور هرتزل الذي كانت تربطهُ به علاقة شخصية , وكان أحد الشباب ممن تولى سيماحّ تثقيفهم آهرون ساسون بن الياهو ناحوم , الذي كان يعرف لاحقاً بالمعلم), مع العلم أن يهود بغداد كانوا متشككين ومتخوفين حيال وعد بلفور , وقد كتب أحد يهود بغداد المعروفين حوشي كات: ( بالنسبة ليهود العراق , فإن وعد بلفور بقيّ أملاً كاذباً, لا يجوز تحقيقه سوى على أمل ضئيل , ففلسطين لم تقدم لهم شيئاً من الناحية الاقتصادية وبالمقارنة يَعُدّ العراق جنة عل الأرض) , فقد كان وعد بلفور عبارة عن مشكلة جلبتها الصهيونية للشرق الأوسط , إلا إن سفر آهرون ساسون معلم إلى فلسطين عام1919 ولقاءه برئيس مجلس المندوبين في يافا, وكان قد تطلَبً توجيه قيادة الحركة الصهيونية لها وكانت المطالب هو مَدّ العَوّن لليهود المهتمين بالهجرة إلى فلسطين والاستقرار فيها , فقد حدَثً أول حملة مسجلة لجمع الأموال والتبرعات من اليهود العراقيين لصالح ( الصندوق القومي اليهودي) في فلسطين عام 1919 , إلا أن أغلب أثرياء ومثقفي يهود بغداد كانوا يعارضون الدعم البريطاني للصهيونية معبريّن عن دعمهم وتضامنهم للمقاومة العربية لوعد بلفور , وكانت الصهيونية في التاريخ اليهودي العراقي لغاية أربعينات القرن الماضي موضوع هامشي للغاية, فهي لم تترك فيهم تأثيراً كبيراً مع العلم إن (نسيم قزاز) يرى ان الطائفة اليهودية في العراق لم تَعُرف عَنّ الصهيونية الكثير وكانوا يرون العراق مكاناً أفضل للعيش إذ أعلنوا عام1921 ولائهم إلى مشروع إقامة دولة عربية في العراق .
لكن آهرون ساسون كان يمثل المندوب للوكالة اليهودية في بغداد و قد نسق معهم لمنحهُ سمات الدخول لليهود العراقيين الراغبين بزيارة فلسطين, وقد جمعَ أمولاً لدعم المنظمات الصهيونية في فلسطين على شاكلة (الصندوق القومي اليهودي) والصندوق التأسيسي بات أمراً أساسياً و وقد أسست أول رابطة صهيونية في بغداد تحت ستار ( الجمعية الأدبية اليهودية ) وأسست صحيفة أسبوعية تدعى (يشرون) باللغتين العربية والعبرية , وقد ضمت الجمعية حوالي (700) عضواً, إلا أن الصحيفة توقفت بعد صدور عددها الخامس. كانت الجمعية قد قدمت في 22-2-1921 طلباً للحصول على ترخيص من المندوب السامي البريطاني لتأسيس المنظمة الصهيونية العلنية الأولى في العراق وقد وافق السير برسي كوكس على طلبهم ذلك , وقد عملت بصفة قانونية في آذار 1921 حتى تموز 1929 , إلا أن يهود بغداد ومثقفيها قد ضغطوا على الطائفة اليهودية لإبعاد أنفسهم عن الحركة الصهيونية .
يعد النشاط الذي لعبهُ أهرون ساسون في نشر الفكر الصهيوني في العراق واستغلال موقعه كتدريسي في مدرسة الأليانس اليهودية , فقد هدد بالطرد من المدرسة مما قرر على تأسيس مدرسة خاصة به في آيار 1924 التي ضمت (350) طالباً يدرِسون العبرية الحديثة في مدرسة آهرون ساسون المسماة ( بريس هيلديم) أي فردوس الأولاد.
كما ساهم أحد أعضاء الحركة الصهيونية في بغداد على إصدار صحيفة ( المصباح) وهو (سلمان شينا) للفترة من 1924 ولغاية 1929 , لكن في 8 -9-1928 استدعت الداخلية العراقية آهرون ساسون ونصحتهُ بوضع حد لجميع نشاطاته الصهيونية في بغداد وجمع الأموال للصندوق القومي اليهودي , لكنهُ ادعى أن الجمعية مؤسسة خيرية وإن عملهُ كان يجري بموافقة المندوب السامي البريطاني , إلا أن الشرطة المركزية أمرت آهرون (بتوقيع إعلان أو تعهد يلزم نفسه بموجبه بإيقاف جمع الأموال للصندوق القومي اليهودي والإحجام عن تنظيم جمعية صهيونية ), مما تم توقيف النشاط الصهيوني في بغداد عام1929 , لكن آهرون ساسون لم يتوقف فقد واصل نشاطه السري حتى عام1935 حين جرى ترحيله إلى فلسطين , إن ترحيل آهرون ساسون قد أنهى هذه النشاطات في بغداد حتى وصول حركة صهيونية من فلسطين عام1942 إلى العراق .

زيارة الفريد موند إلى العراق:
كانت التحذيرات ليهود العراق عبر الصحافة الصادرة وبالأخص صحيفة ( الهداية), وذلك بالنأي بانفسهم عن الحركة الصهيونية و لكن الحافز المسبب لغضب الشارع العراقي والبغدادي خاصة , زيارة الفريد موند الصهيوني البريطاني إلى بغداد في شباط عام1929 , مما أدى إلى العداء ليهود العراق ورفع شعار ( الموت لليهود) إلا أن دور السلطات في العراق قامت باعتقال عدد من المتظاهرين , وتم إغلاق بعض الصحف وطرد الطلبة المحرضين على الاحتجاجات أثناء المظاهرات , وبنفس الوقت تم طرد المعلمين الفلسطينيين من المدارس العراقية .
كانَ موقف كبار الطائفة اليهودية في العراق إن الدعم للصهيونية سيهدد وضع اليهود مما سعى إلى توجيه تعليمات إلى أبناء الطائفة بأن يبتعدوا عن الدعم للصهيونية , إلا أن أبناء الطائفة اليهودية في الموصل شهدوا الرغبة القويّة على نحو متزايد لمغادرة العراق إلى فلسطين بسبب أحداث عام 1933 بحق الآشوريين والتهديدات ضد الكورد المسلمين إذ انتقل ما يقارب (2500) يودي كردي إلى فلسطين عام1934 , مما جعل عدد اليهود الكورد في فلسطين يتجاوز (8000) و لكن الرخاء الاقتصادي الذي شهده العديد من اليهود في ظل الحكم البريطاني في العراق للفترة من (1920-1932) كانت تتميز بالاندماج الاقتصادي والثقافي لليهود في المجتمع العراقي.
مع وفاة فيصل الأول عام1933 الذي كان لهُ دوراً رئيسياُ في إضفاء الدولة العراقية الفتية التسامح والاحترام حيال مواطنيها غير المسلمين , والدعوة للمساواة بين أبناء العراق من جميع طوائفه وقومياته , لكن بدأ التدهور والدعوة لمحاربة الطائفة اليهودية بظهور التنظيم النازي في العراق وحربها على اليهود , فقد تلاشى لدى الخطاب القومي التمييز بين اليهودي والصهيونية , إلا أن لجريدة المصباح الدور في رد يهود بغداد رداً قوياً على هذه التوجهات , وهاجموا أحد الشعراء العراقيين لتجرئه على الحط من قيمة اليهود , كما هاجموا القادري لكتاباته المتعصبة والمغالية بحق اليهود , مما تراجع عن موقفه وأدعى أنهُ يقصد محاربة يهود روسيا , لكن تزايد وتيّرة التحريض في الصحافة على اليهود مما جعلهم خائفين بالخروج في الشوارع , وقد تغير موقف الحكومة بعدَ الاستقلال من الطائفة اليهودية , ويذكر نسيم قزاز إن وزير الاقتصاد والمواصلات في ايلول 1934 قد طرد العشرات من الموظفين والبعض يقدرهم بـ0600) موظفاً حسب إدعاء كارول بصري و مما جعل ردّ فعل اليهود في تنظيم إضراب عام تسبب بشَلً حركة التجارة لمدة ثلاث أيام حتى تراجع الوزير عن قراره, كما فرضَت الحكومة العراقية على كل يهودي ينويّ السفر خارج العراق بدفع مبلغ (50 ) جنيهاً , لكن الحكومة العراقية قد تراجعت بزعامة ياسين الهاشمي عن موقفها , ورفعت الحظر المفروض على أحد عشر مطبوعاً يهودياً كانت قد تعرضت لقيود النشر , وقد أعيد ثلاثة مسؤولين يهود ممن كانوا قد طردوا من وظائفهم في وزارة الاقتصاد , ويذكر الكاتب ( آري الكسندر) في كتابه( يهود بغداد والصهيونية ) ص85 : ( كتب أحد هؤلاء الوجهاء , عزرا حداد عموداً صحفياً في صحيفة الأخبار بعنوان " يهود العراق ومحنة فلسطين في تموز 1938 , أعربَ فيه عن معارضته الصريحة للصهيونية وتأييده للوطن العربي) , لكن التحريض من قبل العناصر النازية القوميين العرب ضد اليهود قد زعزع ثقة اليهود العراقيين وقوضوا إيمانهم بعقيدتهم في الاندماج والحقوق المتساوية , وقد تفاقم وضع يهود العراق سوءاً للفترة من (1935-1941) بسبب النشاط الصهيوني , لكن شخصية مفتي القدس( الحاج أمين الحسيني) الذي وصل بغداد في 16-10-1939 والذي كان يلقى الدعم الألماني النازي فقد اتخذ طابعاً معادياً لليهود , ولكن للشخصية اليهودية المعروفة ( حسقيل الكبير ) ملاحظة بارعة بأن هتلر هو السبب في تفكك العلاقات بين اليهود العراقيين والآخرين.
كان لدعم المفوضية الألمانية في بغداد من قبل رئيسها(د.فريتز غروبا) للمصالح الألمانية والتأثير في الأوساط السياسية العراقية , بواسطة الدعوات الموجه للتجار العراقيين لزيارة ألمانيا وقد عادوا للعراق وأصبحوا أصدقاء متعصبين لألمانيا النازية , كما يؤكد نسيم قزاز عن (غروبا) قد زاد من وتيرة كراهية العراقيين للطائفة اليهودية , إذ بلغت أعمال العنف والأذى الجسدي باليهود ذروتها في أعمال الفرهود عام 1941 , وتؤكد كارول بصريّ إنهُ منذ عام 1939: ( كان النظام المدرسي الحكومي العراقي يُعلمً الأطفال الإطراء على هتلر ودعم اجتثاث اليهود) , لكن مزيجاً من قوى إقليمية مستوردة دولياً هي التي رسخت الأفكار المعادية لليهود , مما دعا إلى عدم تمكن اليهود البغداديين في نهاية الأمر على ديمومة وجودهم بسبب وجود راعٍ للسامية والصهيونية بوصفهما مصدرين للعداء الشعبي لليهود , إضافة إلى ربط اليهود العراقيين مصيرهم بالبريطانيين منذ بدأ احتلالهم للعراق بسبب قلقهم من غ، الواقع لا يبشر بخير على مكانة اليهود في العراق بسبب تحالفهم مع السلطة الاستعمارية المحتلة.

عام 1941 عام الفرهود لممتلكات يهود العراق:
بعد قيام حركة رشيد عالي الكيلاني في نيسان عام1941 بانقلاب على الحكم الملكي في العراق( عبد الإله ونوري السعيد) وإرغامهم على الهروب , و بمساعدة القوات البريطانية ودخولها بغداد وسيطرتها , وتمكن عودة العائلة المالكة لحكم العراق, اندلعت في شوارع العاصمة حوادث طائفية بحق السكان اليهود وتصاعدت كراهية الغوغاء الساكنين أطراف العاصمة لليهود , وقد هرب رشيد عالي الكيلاني في 29 ايار 1941 , وبين هروب الكيلاني وعودة الوصي عبد الإله حدث الفرهود في اليومين الأول والثاني من حزيران 1941 و كان اليومان عيداً لليهود يسمى ( عيد العنصرة) أو نزول التوراة لدى اليهود , وقد لقى (180) يهودياً مصرعهم بسبب أحداث الفرهود , واصيب المئات منهم وتعرض(586) مشروعاً تجارياً إلى النهب و(911) مبنى سكنياً يضُم (12000) مواطن يهودي للسرقة والتخريب وتعرضت الكثير من نساء اليهود إلى الاعتداء .
كانَ سبب الحادث أن خرج يهود بغداد من منازلهم للاحتفال بعيدهم الديني وهم يرتدون أجمل ملابسهم , بعض أهالي بغداد كانَ يشكً بأنهم فرحين بعودة الوصيً والترحيب به في المطار , وبسبب المناوشات الكلامية بين بعض المسلمين وبعض اليهود مما أدى إلى الاعتداء بالضرب ودعوة الآخرين لضرب ا[ناء اليهود المحتفلين مما خلقت حالة من الفوضى واستغلت من قبل الغوغاء وضعاف النفوس , حتى استمر القتل والنهب والسلب لمدة يومين أمام أنظار القوات البريطانية والشرطة المحلية العراقية بدون أن يحرك وازعهم أي شيء لإيقاف هذه الفوضى, وقد تعرض بعض المسلمين للضرب والسرقة من قبل الغوغاء بسبب دفاعهم عن أبناء محلتهم من اليهود , اقتصرت هذه الفوضى في مناطق سكنى اليهود من أبو سيفين والبتاوين وسوق حنون وبارك السعدون , لكن بعدَ أن قررت الحكومة العراقية ببيان لها بمحاسبة المعتدين من السراق والغوغاء ووصلت إلى حالات الإعدام ونفذت ذلك فعلاً تمكنت من السيطرة على الشارع البغدادي , ثم دعت الحكومة إلى تشكيل لجنة تحقيقية في السابع من حزيران 1941 لدراسة الحقائق وتحديد من يقع عليه اللوم في أحداث الفرهود .
اتهم تقرير اللجنة ضباط الجيش والشرطة بتحمل المسؤولية عن المجزرة وسلط الضوء على الأهمية التي اضطلعت بها الدعاية النازية في تسميم المناخ السياسي والتحريض على العنف ضد اليهود , فقد حددت اللجنة الأسباب الرئيسية التالية للاضطرابات :
1- الدعاية النازية
2- المفتي الديار المقدسة الحاج أمين الحسيني
3- المدرسين الفلسطينيين والقوميين السوريين
4- البرامج الإذاعية
5- تنظيمات الفتوة التي أنشأها يونس السبعاوي
بسبب الفراغ السياسي مما شجع عناصر متطرفة على الإفادة من الوضع , ويكتب شمؤيل سامي مورية أستاذ الأدب العربي في الجامعة العبرية وهو شاهد حيً على أعمال الفرهود على موقع إيلاف : ( لقد أضهر الفرهود بوضوح أن اليهود على امتداد العالم يتشاطرون المصير نفسه ,وأن هولوكوست اليهود في أوروبا قد أصابهم أيضاً , وحين فتحت أبواب الهجرة إلى أرض إسرائيل هاجرت الطائفة بأكملها إلى إسرائيل بالطريقة ذاتها التي أفضى فيها الهولوكوست في أوروبا ), كان الخشية من فرهود آخر لهذه الطائفة قد لعبَ دوراً في قرار العديد من أبناء الطائفة اليهودية بالمغادرة إلى إسرائيل في عام 1951 و ويقول الحاخام ساسون خضوري حول أحداث الفرهود: ( لقد عشنا هنا آلاف السنين وننوي أن نعيش هنا لآلاف أخرى من السنين وعلينا أن نهتم بسلامة العراق واستقراره السياسي , إن المجزرة ما هي إلا حدث عابر ... إن كل ذلك الحديث عن الهجرة من العراق هو محضً هراءّ) .
من هذا نستنتج أن الصهيونية كحركة كانت العامل الأهم والأكثر تميزاً في تقويًض أمن اليهود العراقيين , مما ساعد على هجرة يهود العراق بعد الأحداث التي عقبت تفجيرات دور العبادة وأماكن تواجدهم وتفجيرات مدرسة مسعودة شمطوب من قبل إحدى المنظمات الصهيونية ( منظمة التنوعة) , فقد غادر في نهاية المطاف العراق و وقد عاش اليهود العراقيين في واقع سياسي معقّد شعروا في خَضَمهِ بأنهم مجني عليهم ومهددون جراء تلاقي الأفكار المؤيدة للفلسطينيين وألمانيا النازية والمعادية للبريطانيين و لكن لولا نشوء الصهيونية لما كانوا بأي حالٍ من الأحوال في تركهم أرض الأجداد ومغادرتها وموت الحياة اليهودية في بغداد والعراق .

مِد إيدك على الرُّوح أهنا يهل مار

ما ترضى تمشي وياي أمجلبة بالدار

......يهودي عراقي-1941-الشامية-الفرات الأوسط



#نبيل_عبد_الأمير_الربيعي (هاشتاغ)       Nabeel_Abd_Al-_Ameer_Alrubaiy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حسن سريع وملحمة الانتفاضة ونهار القمع الوحشي
- الفنان التشكيلي كريم العامري الباحث في أعماق الخراب
- تجليات مفترضة .. المعرض الشخصي للفنان التشكيلي ناصر سماري
- دور اليهود العراقيين في نشأة المؤسسات المصرفية في العراق
- نقرة السلمان.. أوراق لمذكرات سجين سياسي عراقي
- حسن سريع وملحمة الانتفاضة ....ونهار القمع الوحشي
- الفنان التشكيلي كامل حسين بين جمالية اللوحة والذائقة الفنية ...
- الشاعرة المغتربة وفاء عبد الرزاق في البيت الثقافي في بابل
- محنة اللون في المعرض الشخصي الثالث للفنان التشكيلي طاهر حبيب
- مناهج التعليم المهني ..الفرع التجاري بين الواقع والطموح
- الغور في الشكل وفتح حدوده (معرض غير شخصي) ... المعرض الحادي ...
- قراءة في كتاب (قطار العمر ) سيرة المناضل حكمت محمد فرحان
- الرحلة الفوتوغرافية للفنان كرار الطائي
- قراءة في كتاب محمد شرارة من الإيمان إلى الفكر الحر لكاتبة بل ...
- حسين الرحال رائد الفكر الماركسي في العراق
- أمسية شعرية للشاعرة سلامة الصالحي في دار الود في بابل
- في دار الود في بابل ....ندوة حوارية حول الثقافة والأستاذ الج ...
- من مشاهير أشقياء الديوانية ...محمود ناصر حياته ومصرعه
- الخامس والعشرون من شباط يوم إنطلاق صوت الاحتجاج العراقي
- الشهيدة الأنصارية عميدة عذيب الخميسي


المزيد.....




- -أزالوا العصابة عن عيني فرأيت مدى الإذلال والإهانة-.. شهادات ...
- مقيدون باستمرار ويرتدون حفاضات.. تحقيق لـCNN يكشف ما يجري لف ...
- هامبورغ تفرض -شروطا صارمة- على مظاهرة مرتقبة ينظمها إسلاميون ...
- -تكوين- بمواجهة اتهامات -الإلحاد والفوضى- في مصر
- هجوم حاد على بايدن من منظمات يهودية أميركية
- “ضحك أطفالك” نزل تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2024 على ج ...
- قائد الثورة الإسلامية يدلى بصوته في الجولة الثانية للانتخابا ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تقصف 6 أهداف حيوية إسرائيلية بص ...
- -أهداف حيوية وموقع عسكري-..-المقاومة الإسلامية بالعراق- تنفذ ...
- “بابا تليفون.. قوله ما هو هون” مع قناة طيور الجنة الجديد 202 ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نبيل عبد الأمير الربيعي - آهرون ساسون معلم ودوره في تأسيس الجمعيات الصهيونية في العراق