سلمان مجيد
الحوار المتمدن-العدد: 3793 - 2012 / 7 / 19 - 00:32
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
من المقولات الشائعة في المحيط الثقافي ، خلال سبعينيات القرن الماضي ــ في العراق ــ بان ( القاهرة تالف ، وبيروت تطبع ، و بغداد تقرا ) وحتى تلك القراة ــ انذاك ــ لم تكن قراة سلبية ، بل كانت قراءة ايجابية ، اي ان القارئ العراقي كان يتفاعل مع المادة المقروئة ، ان كان ذلك في المعاهد العلمية او في المنتديات الثقافية ، الرسمية منها او الشعبية ، كالمقاهي الادبية ــ مثلا ــ كمقهى ( الزهاوي ) و ( البرلمان ) ، وكان المتداول من الموضوعات ، متسعا بسعة مساحة المتغيرات الفكرية ، من سياسية و ادبية و فنية و اجتماعية و دينية ، وكان من نتيجة ذلك بروز ( مثابات ) فكرية ، ان كانت افرادا او جماعات ، تطلق على نفسها مسميات تتوافق وتخصصها او الفترة او المرحلة التي يعيشها افراد تلك الجماعات ، ولقد تحقق ذلك عند الشعراء و الفنانين التشكيلين وكتاب القصة ، وكذلك الجمعيات العلمية المتخصصة ، ولكن مهما اتسعت دائرة تاثير ذلك ( الفرد المفكر ) او تلك الجماعة الفنية او الادبية او العلمية ، لم تتحول الى ظاهرة ، لان ( الفرد او الجماعة ) حتى يكونوا ظاهرة ، لابد ان يطغي ( فعلهم ) على ــ ليس ــ الساحة الخاصة بهم ، بل يجب ان يستحوذ على كامل الساحة الفكرية وبكل روافدها ، الا ان مثل هذا الامر لم يحدث ، وحتى لو حدث ، فانه لايتجاوز جزآ من موسم ثقافي ، ولا يتجاوز الموسم الثقافي بكامله ــ في احسن الاحوال ــ و سبب ذلك ( الاثراء ) المتدفق من تيارات و اتجاهات جديدة ، هي تعبير عن تلاقح الافكار و الثقافات المحلية و الخارجية . ثم جاءت مرحلة الثمانينات فالتسعينات ، التي تعد من وجهة نظر البعض من اسوء المراحل التي مرت على العراق ، حتى انها لاتقارن باي فترة مظلمة مرت بها امة من الامم ، ومن ملامح هذه الفترة ــ ليس فقط ــ فقرا بالانتاج الفكري و الثقافي ، بل حتى بالادوات و الوسائل التي تعد من المستلزمات المادية الضرورية لذلك المنتوج ، كالورق و الاحبار و ادوات الطباعة وغيرها ، وتعبيرا عن هذا السوء الذي تمثل ايضا بشحة جلب و استيراد الانتاج الفكري والثقافي من المحيط الاقليمي ، او ابعد من ذلك ، حتى المؤسسات العلمية كالجامعات ، واكون غير مخطئ ان قلت انها غير قادرة على جلب حتى بعدد اصابع اليد الواحدة من الكتب العلمية الصرفة ، خلال الموسم الدراسي الواحد ، فما بالك بالكتب الفكرية و الثقافية التي تعد مثار ختلاف في المواقف و وجهات النظر ، وان هذا الواقع لم يقتصر على المنتوج الفكري و الثقافي ( الحديث ) بل امتد ذلك الحصار الثقافي حتى الى المنتوج الفكري و الثقافي السابق ، بل حتى الى المنتوج ( التراثي ) بكامل فروعه ( الفلسفية و الفكرية و الدينية و التاريخية ) حتى ان تداول هذا المنتوج ، كان يتم بالاعارة او البيع و الشراء تحت ستار من التكتم و السرية ، ان كان ذلك في ( شارع المتنبي ) او في اي مكان اخر ، ونتيجة لذلك كله ، تم استنزاف المنتوج الفكري و الثقافي بكل مراحله و روافده ، حيث سادت حالة من السكون ، بل قل الجمود الفكري ، ( فمنتج ) الثقافة غير قادر على شحذ الفكر للتعلمل مع الواقع ، لانه لم يعد واقعا ــ بالنسبة له ــ بل حالة جامدة و مستنسخة عن صورة ( القائد ) الذي اختزل المحيط ( بطبيعته و بشره ) باسمه ، اضافة الى انه تسلل الى الثقافة و الفكر ــ مدعيا ــ لا اقول خلسة ، بل بكل صلافة وعنجهية وبكل الحراب التي روؤسها شياطين ، كانه الليل الابدي الذي اسدل اطرافه على كل شئ ،وكان لا نهار بعده ، ولكن سنة الحياة كانت عصية على ذلك ( القائد ) ، حيث بقت هي الفاعل ، ما دام هناك بشر ، وتغيرت الاحوال لتآول الى ذلك الفتق الذي لم تقف في وجهه قيود او حواجز قانون او انسانية ، وانطلق الخير و الشر ، يتسابقان باشتباك وبكل عنف ، لاثبات الوجود ، ولكن باسلحة غير متكافئة شكلا و مضمونا ، وكان من نتيجة ذلك محاولة اغتيال الفكر و الثقافة ، حيث تفجير ( شارع المتنبي ) ، لتستمر المواجهة بين ( العقل ) و ( العضلات ) ليثبت ( العقل ) انه الاحق بالبقاء ، لتبدا من جديد مسيرة الفكر و الثقافة ، بترميم ( العربة ) دون تجديدها ، ويبقى ( حصانها ) خلفها ( محلك سر ) لا ( سير ) ، وعادت المقهى ( الشهيدة الحية ) مقهى ( الشابندر ) ، و عادت بعض المنتديات ( كمنتدى مؤسسة المدى ) ولكن باي مضمون عادت ، انه استرجاع لما سبق من المنتوج الفكري و الثقافي ــ الا القليل ــ كان ذلك فكرا او شخوصا ، وهذا لا ضير فيه ، فانه يمثل كعودة طائر ( الفينيق ) الثقافي ، من تحت رماد الكتب المحترقة ، في شارع المتنبي ، وتمثل ذلك بتوقيع بعض ذلك الانتاج الثقافي ، او الاحتفاء برموز الفكر و الثقافة ،الاحياء منهم و الراحلون ، كذلك العائدون من الغربة ، والبعض يرى ان هذا يمثل استمرارا للركود الفكري و الثقافي ، لانه يمثل حالتين ، احداهما اسوء من الاخرى ، الاولى / هي : ان المنتوج الفكري لهؤلاء ، والذي ينتمي الى عدة عقود سابقة ، لازال يشكل ضرورة فكرية و ثقافية ، وهذا يعني ان البيئة الفكرية و الثقافية ، لا تنتمي الى زمنها ( الاني ) ، وانما الى زمن سابق ، فهي متاخرة ــ على اقل تقدير ــ عن البيئات الفكرية و الثقافية المعاصرة ( الخارجية ) الثانية / تتمثل بعجز البيئة الفكرية و الثقافية من انتاج مفكرين و مثقفين جدد ، قادرين على احتواء الواقع الفكري و الثقافي الجديد للمجتمع العراقي ، وان اول من يسال عن هذا ، المؤسسات العلمية الرسمية ، كالجامعات ومؤسسات المجتمع المدني ، كالجمعيات و المؤسسات العلمية التخصصية ، ومن ثمار هذا الحال المزري ، المشابه لانتهازية بعض السياسين ، هو اعادة انتاج المنتوج الفكري و الثقافي السابق ، بحلة جديدة براقة ، بالمضمون ذاته ، الذي لا ينتسب الى الحاضر ، الا باعتباره ارثا من الماضي ، يستحق منا كل احترام وتقدير ، الاانه لا يغني عن ذلك الفكر المطلوب و الثقافة الضرورية ، لكي يستجاب لمتطلبات الحياة الجديدة ، ومن امثلة ذلك الاسترجاع ، هو اعادة انتاج المرحوم ( علي الوردي ) الذي يستحق منا كل احترام و تقدير لذكراه العطرة ، ولكن هل من ( وردي ) جديد يتناول هذا ( الزلزال الاجتماعي ) بالبحث و التحليل ، وهل ان المجتمع العراقي بقى على ما كان عليه في فترة ( الخمسينات و الستينات من القرن الماضي ) حتى نبقى ندور في مكاننا ، لمعالجة التغيرات الاجتماعية على ضوء ( نظرية البداوة ) و ( ازدواج الشخصية ) ، اذن اين الجامعات و اقسام علم الاجتماع ، من ذلك كله ، اين طلاب هذه الاقسام ــ اقولها فقط ــ وانا من طلاب المرحوم الوردي ــ اننا كنا نكلف من قسم الاجتماع في كلية الاداب ، و من اساتذة القسم باجراء بحوث نظرية و ميدانية ، على شكل ( فردي ) او ( جماعي ) ، اي فريق بحث ، قد تصل فترة انتاج ذلك البحث لفصل دراسي كامل ، ولم يكن هناك وسائل تكنولوجية ، تساعد الباحث للوصول الى المعلومة ، كما هو الان ، كالانترنيت المتاح حتى لطلاب الابتدائية ، وحتى اكون صادقا ، اقول : نعم كان هناك ( حاسبة الكترونية ) و لكن قل لي اين هي ، ومن الذي يتاح له العمل عليها ، بل قل مشاهدتها ، انها الحاسبة الالكترونية في وزارة التخطيط ــ انذاك ــ و كانت تشغل طابقا كاملا ، من البناية التي لازالت قائمة الى الان ، وكفاءة حاسوب الجيب ــ الان ــ اكثر من كفاءة تلك الحاسبة ، حيث انتظرنا ما يقارب الساعة ــ للمشاهدة ــ لتخرج لنا تلك الحاسبة بصورة ( لراس النظام ) انذاك . اخيرا من حق كل سائل ان يسال ، اين انتم ايها المفكرون ، اين انتم ايها المثقفون ، في الداخل و الخارج ، الا نحتاج منكم ظهورا اكثر فعلا ، وهل يكفي ان تتواجدوا ايام ( الجمع ) في شارع المتنبي ، للبحث عن كتاب ، يفترض ان يكون في مكتباتكم منذ حين مضى .
#سلمان_مجيد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟