سوريا ظلم الجغرافيا أم مؤامرة التاريخ

سالم الصادق

الحوار المتمدن-العدد: 3779 - 2012 / 7 / 5 - 09:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

سوريا ... ظلم الجغرافيا أم مؤامرة التاريخ ؟ لاتستطيع كل أطالس العالم و صفحات الإنسوكلوبيديا أن ترسم الوجه الحقيقي لسوريا اليوم ، تكسرت طبوغرافيا المناطق واصطبغت بلون الدم ، انمحت المنحنيات وتداخلت خطوط الطول بخطوط العرض ، تهشمت التضاريس وتمردت الأنهار والبحيرات على ضفافها. اضطربت المقاييس فضاقت مساحات وانفلتت مساحات ، لم يعد للمكان مكان ، ثملت الجهات الأربع من طوفانات الدماء ، ضجت طبقات الأرض من كثرة الجثامين الطاهرة . هكذا هي جغرافية الاستبداد وخرائط الأنظمة الشمولية التي تلفظها القارات والبحار ، فانتهزت فرصة تناحر التياراتت والتغيرات الكونية فتتشبث كالعلق في بقعة وديعة جميلة مسالمة ، نبتت فيها أقدم الأبجديات ، تلعق أكسير الحياة من أشجارها وتخنق أنفاس مروجها وأريج أزهارها . هذا قدر سوريا حيث موقع القلب من الكون البشري المعاصر ، تقف على عتبة الوجود وشفا العدم . تطل على بوابة "الخرافة المقدسة "وكنوز القرون الدفينة محرِّك العالم الجشع ومحرقته البشعة ، استولى على سكان سفينتها قراصنة من مختلف ألوان الإيديولوجيا وأداروا أشرعتها حيث يغضي التاريخ عن رذائلهم بدافع الإهمال والنسيان حيناً وحيناً بدافع الولاء والمنفعة ، ارتدوا معاطف الثوار وحملوا راياتهم الحمراء لا لترفع على هضاب جولانها ، بل ليحموا مغاور كنوزهم ويحيوا عقائدهم السقيمة الدفينة في نفوسهم الحاقدة . افتتحوا أسواقاً للنخاسة الوطنية ومزادات عروبية وصالات عروض يسارية في بلد لم ينهض من حرب مفبركة إلا إلى نصر زائف ، هكذا ابتليت سوريا بأمراض اليمين وأوبئة اليسار ، رفع التاريخ أقلامه وجفت صحفه منذ البيان العروبجي رقم واحد . وتسابقت دكاكين الشعارات بإبداعاتها المتنوعة ، سماسرة لكل شيء ومقامرون بكل شيء ، لا وجود للمحرم والمقدس عندهم ، يعيشون بوهيمية العقيدة وغريزية السياسة ، تداعت عندهم قيم الإنسان ولم يرتقوا إلى وحشية الحيوان ، صادروا التاريخ برجالاته وأحداثه وفرضوا عليهم الإقامة الجبرية ، لا أحد في الساحة سواهم . سوريا المبتلاة بجغرافية الصمود والممانعة والمنذورة لطغيان الثورجيين المزيفين تكتب اليوم تاريخها بدماء شهدائها ، وترسم حدودها بسواعد شبابها ، وترفع علمها الجديد من أخضر الحلم وصفاء النفوس وحنان القلوب وتنشد بملء سهولها ووديانها نشيد الوطن الجديد .

#سالم_الصادق (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل