|
يوميات -إحسان شيرزاد-: معنى ان تكون مثقفاً (1-2)
خالد السلطاني
الحوار المتمدن-العدد: 3773 - 2012 / 6 / 29 - 22:13
المحور:
سيرة ذاتية
تتيح المذكرات المكتوبة، إمكانية التلاقي وجهاً لوجه مع مصائر اناس متنوعي الاهتمامات والمهن والمسارات. ويُعد بعضها، بعض تلك المذكرات، بمثابة "مستودع" لافكار، ومعارف، وتجارب متنوعة، خاضها المؤلف: صاحب هذه المذكرات، ويسعى وراء تقديمها لمتلقي كتابه. انها حياة "مضغوطة" ضمن صفحاتها المكتوبة، بكل افراحها واتراحها، نجاحاتها وحتى اخفاقاتها. لكن الاهم في كل ذلك "رؤية" مسار حياة الشخص/ الكاتب ومتابعته، يوما بعد يوم، وهو يسرد خبرته الطويلة، مطلعاً عصارة تجربته الحياتية لنا: نحن القراء، للعلم .. وللتعّلم. وكتاب "مذكرات الاستاذ الدكتور أحسان شيرزاد: مهندساً وأكاديمياً ووزيرا" (الصادر حديثاً ، والمطبوع في الاردن، عدد الصفحات: 896 صفحة من القطع المتوسط)؛ يمكن إن يكون نموذجاً لنوعية كتب السيرة، التى تحدثنا عنها تواً. فهو، اي الكتاب، ما برح يضيف لقرّائه معارف متنوعة، ويثري ذخيرتهم بتجارب مفيدة، فكاتب السيرة، ليس فقط مهندساً ، كما انه ليس فقط أكاديمياً، ولا حتى.. وزيراً فحسب، (كما يصفه، وبحق، عنوان الكتاب). انه قبل كل شئ مثقف، وثقافته تلك مترعة بالحس الانساني. من هنا، في اعتقادي، مصدر الأحساس بالآلفة الآسرة التى تتشكل بين كاتب المذكرات وقارئها، الآلفة التى تشي بالتواضع، التواضع الذي يولّد البساطة، البساطة "المعجونة" بالعذوبة، الطافحة بها سرديات "شيرزاد"!. يتحدث إحسان شيرزاد في مذكراته، عن مواضيع وأحداث شتى، تعكس اهتماماته العديدة. والتى في معظمها يبدو فيها "فاعلاً" رئيسياً، في تكوّنها وظهورها، وأحياناً في تاسيسها؛ وليس مشاهداً لها او شاهدا عليها فحسب. ولهذا فأن كل ما اتى في كتابه، يُعتبر وثائق هامة للاحداث التى مرّ بها شخصيا، ومرّ بها وطنه. وبالتالي فإن تلك المذكرات، هي في الواقع، تعد مرجعاً رصيناً، لا يستغنى عنه لمن ينشد التعاطي الآن (وفي المستقبل!) مع الشأن العراقي سياسياً ومهنياً واثنياً. وفي هذا الصدد يكتب د. كمال مظهر في تقديمه للكتاب، بان ".. يوميات الاستاذ إحسان شيرزاد عن احداث 1968 مصدر مهم ونادر لطلبة الماجستير والدكتوراه في اقسام التاريخ في الجامعات العراقية. ينطبق القول نفسه على يومياته عن أحداث سنة 1969 الطافحة بالمتغيرات، وكذلك الحال بالنسبة ليومياته عن أحداث الأعوام 1972-1974 التى مهدت الطريق لاندلاع الثورة الكوردية من جديد. كل ذلك وغير ذلك الكثير والكثير يجعل من مذكرات الأستاذ إحسان شيرزاد حالة نادرة في مضمارها..". (ص.9). ساتجاوز، هنا، النشاط السياسي لصاحب المذكرات، مع اني مقتنع بمصداقية ما كتبه صديقي د. كمال مظهر، بان نشاط شيرزاد السياسي "..إضافة فكرية نادرة الى المكتبة العراقية". ساتوقف، (بما تتيحه من مكوث طبيعة هذا المقال)، عند جانبين: ألاكاديمي والمهني. وهما جانبان اقرب الى قلبي شخصياً، وأحدس بانهما احب الى قلب شيرزاد أيضاً؛ نظرا للاحالات الكثيرة المبثوثة في اليوميات، والتى تتحدث عن هذا الشأن. حصل إحسان شيرزاد على شهادة البكالوريوس، بامتياز سنة 1946من كلية الهندسة العراقية، في اول دفعة من الخريجين. ونال شهادة الماجستير في الهندسة المدنية/ إنشاءآت من جامعة ميشغان بامريكا عام 1950. كما حصل على شهادة بكالوريوس قانون من كلية الحقوق بجامعة بغداد عام 1962، وبامتياز ايضاً. وحصل على شهادة الدكتوراه في الإدارة، من جامعة كاليفورنيا للدراسات العليا (دراسة خارجية دون إقامة) سنة 1987. عين في كلية الهندسة محاضرا عام 1950، وتدرج في السلم الآكاديمي فيها، وصولاً لاعلى مرتبة علمية، حين منح لقب "أستاذ" عام 1965، بعدها نال لقب "استاذ متمرس" عام 1988. واضافة الى عمله الاكاديمي والبحثي (اذ انه نشر عدة بحوث في حقل الاختصاص في مجلات علمية)، انخرط احسان شيرزاد في العمل المهني والنقابي، طيلة عقود عديدة لحين تقاعده الطوعي مؤخراً. عندما يتحدث احسان شيرزاد عن كلية الهندسة، هو الذي تعلم في اروقتها اعتباراً من 1942 ولحين تخرجه في 1946، (آتياً لها هرباً من الكلية الطيبة، بعد فزعه في رؤية الجثثت البشرية وإجراءآت تشريحها)، فانه يتحدث عنها كـ "صديق" تربطه معها علاقة حميمية، متذكراً اسماء زملائه المقبولين الاوائل، والذي كان هو من ضمنهم.(ص.31) وكذلك اسماء الاساتذة الذين درسّوا فيها، مع ذكر جنسياتهم، التى كانت، حينذاك، عديدة ومتنوعة، تشمل الانكليزي، واللبناني والمصري والهندي بالاضافة الى العراقيين، الذين كان عددهم ستة من مجموع 13 استاذا؛ اربعة منهم على الديانة الموسوية (ص.33). ما يعكس التنوع الخلاق في المجتمع البغدادي وقتذاك. ينقلنا كاتب المذكرات عبر يومياته الى "الأجواء" التى كانت سائدة فيها حينذاك، وخصوصا في الطابق الاعلى من المبنى الواقع في باب المعظم، (والذي شغلته الكلية لعقود كثيرة، قبل ان تنتقل الى مقرها الجديد بالجادرية في سنة 1984)، حيث شغل كقسم داخلي للطلبة الدراسين من خارج بغداد. ونعرف منه عن الضوابط السارية فيه، وكذلك انواع الانشطة التى جرت وقتذاك. كما يذكر احسان شيرزاد اسماء الطلبة المبعوثين الى الولايات المتحدة عام 1949، والذي كان هو احدهم (ص.47). ونتعرف على اسماء، ستشغل، لاحقاً، مواقع مرموقة في المشهد الثقافي والمعرفي العراقي؛ مثل طلعت الشيباني، وفليب ناسي، وعلي عبد الرسول كاشف الغطاء، وحسن زكريا، ومهدي الهادي، وغيرهم. بيد إن الامر المثير، بالنسبة اليّ، ورود اسم "علي الشوك"، في تلك القائمة من المبعوثين، ضمن إختصاص . في حين يعرف الجميع بان "الشوك"، (وهو المثقف العراقي المتنور، المتعدد الاهتمامات)، صاحب اختصاص آخر، وتحديدا "الرياضيات"، التى كتب عنها وما فتئ يكتب عن ولعه بها، الشئ الكثير، بحيث، بتنا، نحن قراءه، مغرمين بها معه، مندهشين لطرق "توالد" معادلاتها المذهلة. لم اكن اعرف هذه المعلومة مسبقاً، لحين اطلاعي عليها في "المذكرات". وتشاء الصدف، إن يشير علي الشوك ذاته الى هذه المعلومة، بمقال نشره حديثا في "الحياة" اللندنية ، عندما كتب ".. في يوم من أيام عام 1947، او ربما 1948( يشير شيرزاد الى عام 1949، خ. س.)، كنت أتمشى وحدي في حرم الجامعة الامريكية في بيروت، وفجأة اتخذت قراراً بان أصبح كاتباً. كنت موفداً من الحكومة العراقية، مع طلبة آخرين، لدراسة هندسة العمارة، لكنني كنت مولعاً بالقراءة.." (الحياة، 8/5/2012). ما من شك، بأن الرياضيات، كسبت في شخص "الشوك" احد مبدعيها. لكن، ما من شك ايضاً، بأن العمارة، خسرت في هذا التحول، مشروعا لمعمار، كان يمكن ان يكون مميزا، قادرا لان يضيف إضافة لافته، الى منجز العمارة العراقية، (وربما الى الاقليمية ايضاً)؛ نظرا للمؤهلات الفريدة والعديدة التى يتمتع بها هذا المبدع المتنور. نقرأ في "المذكرات" اسماً آخرا في قائمة المبعوثين، يفترض به ان يدرس "العمارة" ايضا في كاليفورنيا، وهو <إحسان حسن علي>. يثير هذا الاسم تساؤلات عدة، خاصة لدي، انا الذي اعتبر نفسي متابعاً للشأن المعماري الحداثي العراقي. والسؤال هنا، يبدو منطقياً، من هو هذا المعمار "المستقبلي"؟ ماهي انجازاته؟ في اية مدينة عمل، في اية دائرة توظف؟ انها اسئلة واردة، اتمنى ان اجد لها اجوبة مقنعة، على افتراض ان الاسم صحيح، وان الشخص المذكور لم يغير دراسته، كما فعل "زميله" علي الشوك. لا يفتأ إحسان شيرزاد التذكير "بفضل" أناس عديدين عليه. تعلم منهم، وأخذ عنهم صفات حميدة ستكون ملازمة لصاحب المذكرات. في كثير من صفحات كتابه، ترد كلمات، مثل، "تعلمت منه"، و "اكتسبت عنه" و" احاول ان اتفهم اسلوبه" "كنت من المعجبين به" او "كان ذا شخصية مؤثرة" و "له دور مهم في مساعدتي وتوجيهي"، وغيرها من الكلمات المماثلة الزاخرة بها مفردات يومياته. ومثل هذا الإقرار الصريح، قد يكون مسوغاً للبعض في تعليل النجاحات المهنية والاكاديمية والشخصية التى حققها إحسان شيرزاد وعزوّها، الى "صدفة" وجود اؤلئك الناس، الذين قابلهم حصراً، في مسار حياته، ومهدوا له سبل تدرجه المهني والاكاديمي. لكني ، اجد الامر مختلفا بعض الشئ. فليس، هنا، من ثمة حضور"لصدف" او حظوظ. انما هناك توق داخلي، واستعداد شخصي للتعلم واكتساب الخبر من اي كان. ثمة مقدرة عالية، وموهبة اكيدة لدى صاحب المذكرات، في ان يجد لدى "الآخر" <اياً كان هذا الآخر!>، ما يثيره ويتعلم منه. وهنا، في اعتقادي، يكمن "سر" نجاحات شيرزاد المرموقة. وهذا الـ "اياً كان". يمكن ان يكون، "بروفيسوراً" مشهورا، او رجلاَ عادياً يمتلك حذاقة مهنية. فصاحب المذكرات، مثلاً، يتحدث بمودة عن تأثيرات صديقه "محمد مخزومي" (ابي حسن، كما يدعوه) (62)، او زميله "كمال الشاعر" (49)، اوزميله الآخر "نيازي فتو" (90) او استاذه السابق وزميله لفترة طويلة في مكتب الاستشاري العراقي "عبد الله احسان كامل" (108) او غيرهم عليه، واثرائهم مساره الهندسي والشخصي. مثلما يذكر بامتنان صداقته مع المقاول "طاهر العاني"، واعجابه بالمقاول العصامي "الآسطى عبد عزاوي" (106) او غيرهما. لا ينبغي ان ننسى، في هذا المقام، اخلاقيات صاحب المذكرات، في تواضعه واحتشامه الجمّ، التى تملي عليه مثل هذه "المجاهرات" في ردّ الجميل (اياً كان مقدار ذلك الجميل!) الى اصحابها. د. خالد السلطاني مدرسة العمارة/ الاكاديمية الملكية الدانمركية للفنون
#خالد_السلطاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-مدينة الحكايا-... المعمارية
-
-عراقي-: عراق..-نا-
-
جديد نيويورك المعماري
-
آفاق ومرايا -الناصري-... وتخطيطاته المحفورة
-
مشاهدات عائد من بغداد: -مدينة السلام- ... وحروبها (2-2)
-
ماضي العمارة الخلاقة
-
مشاهدات عائد من بغداد: -مدينة السلام- ... وحروبها (1-2)
-
-دارة زهاء-
-
اصفهان: العمارة، وجنائنها المصممة
-
بصحبة الجادرجي، بحثاً عن -فكتور هورتا-
-
مبنى زهاء حديد -البغدادي-: وضوح التكليف والتباسه
-
تصاميم -زهاء حديد- العربية (3-3)
-
تصاميم -زهاء حديد- العربية (2-3)
-
تصاميم -زهاء حديد- العربية (1-3)
-
فنان متعدد المواهب
-
عمارة ومعماريون
-
قراءة في عمارة الحداثة بالعراق، (2-2) (الجزء الاول)
-
زهاء حديد: الامر لا يتعلق في مكسب مادي، انه شأن ثقافي!
-
قراءة في عمارة الحداثة بالعراق (1-2)
-
في رحاب صحن الجامع الاموي
المزيد.....
-
مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
-
من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين
...
-
بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين
...
-
الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب
...
-
استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
-
لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
-
روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
-
-حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|