أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نور الدين بدران - الأغنياء والفقراء















المزيد.....

الأغنياء والفقراء


نور الدين بدران

الحوار المتمدن-العدد: 1103 - 2005 / 2 / 8 - 10:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كل يغني على هواه ، في هذه الأرض الضيقة جدا ، أو الواسعة جدا ، فهذا يعود إلى المغني وغنائه .
فالمغني المتحضر في الغرب ، واليوم الغرب هو الحضارة ، كما في يوم سلف كان الشرق هو الحضارة .
إذن لنقل أن المتحضر الأمس واليوم كانت تضيق بأغنيته الأرض ، وكذلك الزمان .
الأوروبيون اليوم يتابعون حواراتهم وخطواتهم لاستكمال وحدة قارتهم ، دون أن يتخلى أي بلد أوروبي عن شخصيته وميزات ثقافته ، بل بالعكس ، يحاول الارتقاء بخصوصيته إلى مستوى الوحدة ، كما ينشد إغناء الوحدة بمساهماته الحضارية الفريدة ، والأهم أن كل ذلك يجري بلغة الآن وهنا ، بل بلغة هنالك نحو الفضاء الذي هو مكان للاكتشاف والمعرفة ، وبلغة المستقبل ، فالمسابقات حول تطوير الروبوت وغيره من منتجات الحضارة،وما ندخله تحت تسميات الخيال العلمي، كل يوم تزف لنا خبراً مذهلاً جديدا، وكذلك الأمر في الولايات المتحدة واليابان وغيرهما من دول الحضارة .
أيضاً الثقافة الفردية تتعمق فكما كل بلد يحاول أن يكون له مساهمته في حضارة اليوم ضمن إطار المسيرة العالمية، كل فرد يحاول أن يكون له بصمته الخاصة في نهضة بلاده والعالم ، وعلى اختلاف الصعد وتنوعها، والجوهري في الأمر أن لا التفاتة إلى الوراء ولا حديث عن الأجداد بالمنطق الذي نعاني منه في بلداننا المتخلفة حيث الغيبوبة عن الحاضر والسكر حتى الانسطال بالتغني بالماضي والأجداد وكأننا لم ولن ندفن موتانا نحن الموتى بامتياز ، والأسوأ أننا لا نستحي فنفعل ما نشاء ضاربين مثلا نادراً على تمثل المثل المشهور، فنوزع ببلاهة منقطعة النظير "نقدنا" أعني شتائمنا على الحضارة وأهلها بمصطلحات متحجرة ولا مستحاثات عصور الديناصورات، فنطلق على حرياتهم مفاهيمنا المتخلفة كالانحلال وعلى إبداعاتهم تصوراتنا الغبية والجاهلة ولكننا وبكل صفاقة نستعملها في حياتنا اليومية ، بل لا نستطيع الاستمرار في الحياة بدونها ، ولكن عندما يأتي الكلام على تقييمها ومعناها وموقعها من الناحية المعرفية والثقافية ، تظهر الشيزوفرينيا الرهيبة التي نعاني منها ، وتبلغ الحالة أشدها أي في ذروتها العصابية حين يتعلق الأمر بالناحية السياسية ، وعلى الأخص في مسألة الديمقراطية.
المتتبع لحوارات اليوم على المواقع الالكترونية العربية عموماً والسورية خصوصاً ، يمكنه أن يلاحظ بلا عناء مدى الانحطاط الثقافي والمعرفي والسياسي ، الذي يعكس وضعاً عاماً بالغ البؤس.
لن أقدم أمثلة وأسماء وإلا لن تكفي سلسلة مقالات ، ولكنني سأشير إلى أكوام القمامة الطائفية وديوكها التي تتصايح بشكل موتور كل منها يمجد القتلة والمستبدين والمتخلفين من طائفته ، ويأتي في النهاية ليقول أنه ضد الطائفية وينشد الدولة العصرية الحديثة ، وهذا يشمل الأقلام الناطقة باسم ما يدعى الإخوان المسلمين أو ما يقابلهم من تطرف وتعصب عند ما يمكن أن أسميه الأخوان السلطويين.
إن ما تعرضت له سوريا في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من جروح عميقة ، كان أبلغها في حماة هو مسؤوليتنا جميعاً ، بقدر ما هو جرحنا جميعاً ، ومن لم يصل إلى هذا الشعور وهذا الألم ولو لم يتأثر شخصياً أو عائلياً ، فهو أدنى بكثير من الانتماء لسوريا التي هي الوطن الأول لكل سوري ، والوطن الثاني لكل متحضر في هذه الأرض، ومن يتملص من المسؤولية لبلادة إحساس أو لضمور وعي أو لنفاق يمليه عليه التعصب أو الجبن أو المصلحة ، تكون مسؤوليته أكبر وأخطر ولو لم يشارك في تلك المذابح الدامية التي لم يقصّر فيها أحد .
لم يكن النظام السوري مقبولا من جميع القوى السياسية في سوريا ،حتى لقسم كبير من البعثيين أنفسهم ، منذ بدايته ، وهذا أمر طبيعي لأي نظام في العالم ، وكان ثمة معارضة له،من جميع الأطياف والاتجاهات ،وهذا دليل غنى وقوة ، وليس دليل ضعف كما يظن تلامذة الاستبداد وأساتذتهم ، وكنت شخصياً بين صفوف أحد تيارات المعارضة ، لكننا لم نستخدم إلا أقلامنا وألسنتنا ، ولم نميز بين سوري وسوري إلا على أساس الموقف السياسي من الوطن الذي هو الإنسان أولاً وأخيراً ، ورغم أن النظام لم يحاربنا بأسلحتنا ،مع أنه يملك المدرسة والجامعة والمسجد والكنيسة والإعلام وكل الآلة العملاقة للايديولوجيا ، بل استخدم سجونه وأجهزة مخابراته وآلات تعذيبه وحتى جيشه وشرطه ، حين كان يظن أن الأمر يقتضي ذلك ، ولم يكن في الواقع ولا في أي يوم ثمة ضرورة ، فلم نكن في حرب ،بل كنا نحاول طرح رأينا في بناء وطننا وازدهاره ، ولهذا بقينا نصر على الكفاح بالكلمة، بالاجتماع ، بالتظاهر ، بكل أساليب التعبير المدنية والسلمية، وما زلت أزداد قناعة بأن لا سبيل إلى التطور إلا بهذه الطرق والوسائل، بل من ناحيتي هجرت الصفوف واعتصمت بقلمي ، وربما كان علي أن أفعل هذا منذ البداية .
أما عصابات الأخوان المسلمين فقد بدأت احتجاجها على النظام بالسلاح ولرعونتها وارتباطاتها بكل شيء إلا بالوطن كانت تزعم أنها ترتبط بالسماء كما تدعي ، ولم تكن السماء إلا أنظمة عربية وغير عربية متخلفة واستبدادية ، وبدأت مذابحها ذات المنحى الطائفي البغيض ، ولم يكن النظام الهدف الأول لهجومها ، حيث كان كل من هو من الطائفة العلوية [ وكأن الإنسان يختار أن يولد في هذه الطائفة أو تلك ] حتى لو كان معارضاً ، هدفاً للقتلة الإخوانيين ، وهكذا حاولت جر الجميع لمذبحة طائفية ، كرد على ممارسات النظام الطائفية كما ادعت، وإذا كان للنظام سمات طائفية وهذا صحيح وواقع فعلي لا ينفرد به النظام السوري ، بل جميع الأنظمة المتخلفة والاستبدادية ، لكنه في الوقت نفسه لم يكن نظاماً طائفياً محضاً كما تصورت تلك الجماعات الإرهابية، فقد كان نظاماً هجيناً عجيباً غريباً ،قومياً إسلامياً بيروقراطياً علمانياً استورد من الكتلة السوفيتية ولا سيما من كوريا نمطاً أو بعض نمط من أشكال الحكم بوليسياً وحزبياً وكان عضواً ذا حضور في منظومات عالمية مختلفة من المؤتمر الإسلامي إلى عدم الانحياز طبعاً إضافة إلى موقعه في الجامعة العربية إضافة إلى ألله أعلم ، وأنا لا أتكلم على ما كان يقوله النظام عن نفسه ، بل عن الواقع الفعلي ، حيث في الشارع نفسه محل بيع المشروبات الروحية والمسجد والكنيسة ومكتب للحزب الحاكم أو الشبيبة ، وعلى الرصيفين المتقابلين الصبايا المتحضرات والصبايا المحافظات ،وفي التلفزيون البرامج العلمية إلى جانب البرامج الخرافية دينية وغير دينية وفي الحكومة الشيوعيون والطائفيون والعشائريون والشرفاء واللصوص، وهذه حالة كانت سائدة قبل وإلى حد ما بعد اندلاع الحرب الأهلية التي أنشدها جماعات مروان حديد وسواه من الموتورين ، وأجهضها الوعي السوري ، القائم على أسس التنوع والتعايش والتكافل قبل أن يصل الإسلام إلى سوريا بقرون ، وظل بعده وسيبقى، رغم ما يثيره هؤلاء وأولئك من ضجة في اللاذقية أو غيرها [إشارة إلى أبيات المعري المشهورة: في اللاذقية ضجة ...الخ] .
أما النظام السوري العتيد ، فمارس رد الفعل ، ولم يستخدم إلا العصا الغليظة ، والحلول العسكرية ، بل بسبب تلك الآفة التي أصابت الشجرة الجميلة ، هشّم أغصاناً مثمرة غير مصابة ، وبوحشية لا مثيل لها قام بمجزرة تدمر وغيرها ، وهكذا سحق العشب والورد وجذور السنابل بحثاً عن الخلد .
أما الأطراف التي استقطبت في الصراع الدموي ، سواء باتجاه النظام أو باتجاه العصابات المسلحة فقد شاركت بألسنتها وأقلامها أو بصمتها ، ولكن للأمانة هناك من رفع صوته عاليا بوجه الطرفين ، فدفع حياته ثمناً كذلك الشاعر الذي أضيف إلى قافلة الشعراء الذين قتلتهم قصائدهم كما يقولون ، أما أنا فأقول قتلهم القتلة لأن القصائد تحيي ولا تميت ، واختفى الشاعر وقيدت ضد مجهول ، ككثير من الجرائم التي ارتكبت في ذلك الزمان الرهيب، وأما بعض الفصائل التي وقفت ضد الطرفين ، فقد أمضى أعضاؤها وأنصارها نصف حياتهم في السجون والمنافي أو لقي حتفه في المعتقلات التي لا يصلها نور.
واليوم ثمة معنى واحد للالتفات إلى الوراء ، أعني الاستفادة من ذلك الدرس الرهيب ، الذي لم يكن فيه أي طرف على حق ، ولا يمكن لأي وطني عاقل أن يدافع عن إجرام الإرهاب أو إجرام الإرهاب المضاد ،فكلاهما كانا يهويان بفؤوسهما الرعناء على جذع الشجرة العظيمة : سوريا.
والانحطاط اليوم هو التجديد لانحطاط الأمس ، أما الموقف اللائق بسوريا العظيمة هو الاعتذار لها من جميع الأطراف والمصالحة تحت أفنانها الوارفة والتعامل معها وفق قوانين العصر، من رعاية واهتمام فهي الأم والنبع هي الظل والدفء هي الوطن.
إني أستثني بوضوح كل من لم يستخدم السلاح والقتل والإرهاب ، فبين الإسلاميين من لم يشترك في الأعمال الإرهابية ، وكذلك بين البعثيين من كان له تحفظات على المعالجة والحلول الأمنية الصرفة ، وهؤلاء وأولئك لم يرفعوا أصواتهم بشكل كاف والأسباب واضحة ومعروفة ، وهذا التنويه ضروري فليست مشكلة سوريا لا مع الإسلام كدين ولا مع البعث كعقيدة ، وإنما مع الإرهاب والاستبداد ، فطالما كانت وستبقى سوريا تتسع لمختلف الأديان وشتى العقائد والأفكار.
أما الديوك الصيّاحة على تينك المزبلتين فيجب أن تعلم أنه كان عبر التاريخ عظام ووطنيون وخونة ومجرمون من شتى الطوائف والملل والعقائد ، ولا يمكن تجريم طائفة بعينها بكاملها ولا تبرئة أخرى ولصق الكمال بها.
وختاماً سأعود إلى البدء ، فالأوربيون والمتحضرون عموماً ينظرون إلى الأمام والوراء إذا اقتضى الأمر ولكن من أجل التحديث الشامل في القوانين وجميع أنظمة وأنشطة الحياة ، بينما ينظر معظمنا في كل اتجاه للدفاع عن تخلفنا والتباهي به، ولذلك هم الأغنياء ونحن الفقراء.



#نور_الدين_بدران (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العائلة الزرقاء
- أشهدُ ألاّ أنتِ
- الاسم والفعل/ كانوا دائماَ يطعنون بشرعية الانتخابات التي صوت ...
- رغم أنف الارهاب
- حصان الغفلة
- الدائرة المكتنزة
- نبضات الخليوي
- أغنية نورس جريح
- كؤوس الغربة
- رؤى الرغبات
- وأخيراً... تمخضوا وولدوا
- الطريق الشاق والخطر
- الحرية تأنيث للعالم
- مسرحية صامتة جداً
- رعشات مشروطة
- ليس مسيحاً
- خوابي الضحك والدهشة
- رماد الوصية
- المشجب
- العائلة المقدسة


المزيد.....




- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟
- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نور الدين بدران - الأغنياء والفقراء