|
المجتمع المقدسي يدخل مرحلة الاستنقاع ...؟؟
راسم عبيدات
الحوار المتمدن-العدد: 3767 - 2012 / 6 / 23 - 10:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بمقتل الشاب المقدسي هيثم المؤقت،يكون المجتمع المقدسي قد دخل مرحلة الاستنقاع،والاستنقاع هو الانهيار الشمولي الذي يلف القيادة والقاعدة،المعارضةوالموالاة معاً. وما يدعونا لهذا القول هو أن المسألة لم تعد تتعلق بارتفاع وتيرة وحدة الخلافات والمشاكل الاجتماعية،او تصاعد العنف والعبث بأرواح المواطنين بشكل جنوني،بل أن هذاالعنف المتصاعد المنفلت من عقاله،وفي ظل سيادة حالة من التجييش العشائري والقبلي والجهوي والطائفي،وغياب المحاسبة والمساءلة والحلول الرادعة،وتسييد مظاهر الفلتان والبلطجة والزعرنة،وفقدان الثقة بالسلطة والحركة الوطنية لدورها الباهت واتخاذها لإجراءات رادعة وجدية من شأنها أن تعلي شأن القانون وحفظ السلم الأهلي والمجتمعي وتوفير الأمن للمواطن،وتسليمها مقاليد الربط والحل للوجوه ورجال العشائر،والتي غالباً ما تكون حلولهم قائمة على"الطبطبة"وإبقاء النار تحت الرماد،سياسة إطفاء الحرائق،واعتماد فنجان القهوة كحل سحري لكل المشاكل والجرائم مهما صغرت أو كبرت،ناهيك عن أن الحلول العشائرية في أغلب الأحيان،هي مناصرة أو الوقوف الى جانب القوي ضد الضعيف،وتدخل في حلولها الكثيرمن الاعتبارات لها علاقة ب"تسليك" المصالح ومراعاة الخواطر بين رجالات العشائر. وفي الوقت الذي نرى فيه أن جريمة قتل الشاب المقدسي هيثم المؤقت،هي خروج سافر عن كل الأعراف والتقاليد والقيم والأخلاق والشرائع السماوية والقوانين الوضعية،وتجاوز لكل الخطوط الحمراء التي تجاوزتها الأحزاب والفصائل قبل الأفراد،مسألة الإيغال في الدم الفلسطيني واستباحته، فإن هذه الجريمة يجبان تضعنا أما ناقوس خطر جدي،حيث أن المراقب والمتابع لإعلانات التعازي التينشرت في جريدة القدس،تؤشر الى أننا نقف على مفترق طرق ومرحلة غاية في الخطورة،ألاوهي ليس فقط هتك و"فكفكة "وتفتيت النسيج المجتمعي المقدسي،بل تحويل المجتمع المقدسي الى كيانات اجتماعية منفصلة تجمعها رابطة القرابة والدم والتحلل من أي انتماء آخر،أي تعظيم دور وشأن القبيلة والعشيرة على دور وشأن الوطن،بمعنى آخر تقسيمات جغرافية ساحوري،خليلي،عبيدي،طوري،عيساوي...الخ،وفيحال حدوث أي مشكلة ولو كانت لأسباب تافهة،ومعظم خلافاتنا ومشاكلنا هي لأسباب تافهة تتطور المشكلة إلى حرب قبيلة توضع فيها اعتبارات الأخلاق والدين والانتماءجانباً،والتعازي المنشورة للشهيد المؤقت،تؤشر إلى أن هناك عودة بنا إلى مرحلة الانتداب البريطاني،مدني،فلاح،لاجيء..وغيرها،فجريمة قتل الشاب المؤقت هي مدانة من كل فئات وطبقات المجتمع الفلسطيني مدانة وطنياً وعشائرياً وأخلاقياً وشرائعياً،ولكن تصويرالأمور على نحو بأن هذا الشهيد يخص فئة مقدسية دون غيرها،فهذا منزلق خطر جداً فالعائلات المقدسية مكون أساسي من مكونات المجتمع المقدسي،ويقع عليها دور ريادي وقيادي في تذويب النعرات العشائرية والفئوية والحفاظ على السلم الأهلي،وليس العمل على أن تعلو النعرات العشائرية والقبلية فوق الشأن المقدسي والوطني،وأي جريمة ترتكب بحق أي إنسان فلسطينيا ومقدسي وبغض النظر عن أصوله وجذوره الطبقية والعشائرية،فهو ابن هذاالوطن وهذه المدينة،هذه المدينة التي يكفيها ما يمارس بحقها من انتهاكات واعتداءاتمن قبل الاحتلال الإسرائيلي،تستهدف أسرلتها وتهويدها عبر سياسة تطهير عرقي بغيضة،ونشر كل أشكال وأنواع المفاسد والموبقات والجرائم بين أبنائها،وبالتالي واجب الجميع التصدي ومواجهة ومقاومة تلك الإجراءات والانتهاكات والممارسات،وليسالعمل على تقديم الخدمة المجانية للاحتلال والمساهمة في تحقيق ما يصبو اليه من أهداف خبيثة في تدمير مجتمعنا ونسيجنا الاجتماعي. نحن لسنا ضد تشكيل الروابط والتجمعات العشائرية،إذا ما قامت على أساس عمل الخير ونشر الفضيلة ومحاربة الرذيلة وتوعية الشباب والنهوض بهم،ووضعت مصلحة الوطن والبلد فوق أي مصالح أخرى،ولكن أن تكون الروابط والتجمعات العشائرية من صلب أهدافها رصد أموال الصناديق من أجل التشجيع على الخلافات والمشاكل الاجتماعية وتعميق الجهوية والعشائرية والقبلية،فهذا شيء على درجة عالية من الخطورة،ولعل سلطة اوسلو لعبت دوراً أساسياً في هذا الجانب فهي شجعت ورعت العشائرية وغذتها على حساب الوطن والانتماءالعام،وبالتالي شعور الناس بسيادة حالة الفلتان وقيام مليشيات وعصابات بممارسة بلطجة وزعرنة بحق الناس والتعدي على حقوقهم وكراماتهم وممتلكاتهم، هي التي دفعت بالمواطنين الى الانسحاب نحو العشائرية والقبلية،لشعورهم بأن هذا المبنى الاجتماعي،قد يوفر لهم الأمن والألمان والحمايةمن تلك المليشيات والعصابات. نحن في القدس وفلسطين عموماً دخلنا مرحلة الاستنقاع،أيأعلى مراحل الانهيار والتفكك رغمما يبدو عليه المجتمع في الظاهر من تماسك وتعاضد،فالسطح لا يعكس ما يجري في العمق ولا يعكس حقيقته،وما الأحداث المؤسفة التي جرت في مدينة القدس مؤخراً وراح ضحيتها فتى في مقتبل العمر وشاب يافع لأسباب لا تستوجب لا القتل ولا الجرح ولا التدمير،بل تستوجب تحكيم صوت العقل والضمير ووحدة الهدف والمصير،وما استتبع تلك الأحداث منتداعيات ونتائج خطيرة قد تترك بصماتها عميقاً على وحدة النسيج المجتمعي المقدسي،وبما يصيب هذا النسيج من مقتل في العمق،بحاجة الى اناس حكماء،الى أناس ورجال عقلاء غيورين على مصلحة القدس والوطن قبل مصلحة عشائرهم وقبائلهم. المأساة هنا ليست في كون الاحتلال هو الجذر والأساس في هذه المشاكل وهذا العنف الذي أصبح يستشري بين أبناء شعبنا،بل لا بد لنا من الاعتراف بوجود مشكلة حقيقية في هذا الجانب،فنحن في الإطار النظري والشعاراتي والخطابي،نتحدث عن قيم المحبة والتسامح والأصالة ووحدة الانتماء والهدف والمصير...الخ من تلك اللازمة الطويلة من الإنشاء والسجع والطباق،ولكن في إطار الممارسة والتطبيق على أرض الواقع نجد هناك بوناً شاسعاً بين ما نتحدث به وبين ما نترجمه على الأرض،وهذا يوجب علينا أن نبحث بشكل جاد عن مكامن الخلل ولماذا أي خلاف بسيط أو شخصي يتطور الى حروب واحتراب يعيدنا الى عصور الجاهلية؟؟. علينا أن نعترف بوجود مشكلة حتى نستطيع أن نعالج المشكلة،علينا مغادرة خانة دفن الرؤوس في الرمال وكل أجسامنا مكشوفة،نحن جميعا بارعون ونحفظ كل ما تقوله الكتب السماوي من دعوة للمحبة والتسامح وعدم قتل النفس بغيرذنب ودم المسلم على المسلم حرام...الخ،وكذلك نردد شعارات الانتماء الوطني فوق أي انتماءآخر والرجل المناسب في المكان المناسب ومجتمع مدني تصان وتكفل فيه الحريات والكرامات... والخطوط الحمراء التي لا يحق لأي منا تجاوزها مثل الايغال في الدم الفلسطيني والخيانة الوطنية وانتهاك حرمات دور العبادة والمشافي ودور العلم ... والمساواة أمام القانون والمساءلة والمحاسبة ومحاربة الفساد ...الخ. ولكن في إطارالترجمة والتطبيق تتبخر كل هذه الأشياء،ونجد عمليات الحلول الترقيعية و"الطبطبة" تبدأ من الحلول العشائرية حتى تصل الى قمة الهرم السياسي والقضائي والأمني. علينا أن نعترف بأننا ما زلنا بعيداً جداً عن المجتمع المدني،وان لدينا حالة عميقة من الجهل والتخلف ويكمن في أعماقنا عصبية قبلية ،لم يجري التخلص منها،بل في أي مشكلة مهما كانت بسيطة تطل هذه العصبية برأسها عالياً وتنتشر انتشار النارفي الهشيم.
القدس- فلسطين
#راسم_عبيدات (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا يصر البعض على تفريغ حفلات التكريم من مضمونها ..؟؟
-
مؤسسات القدس ....أزمات متكررة وحلول غائبة ..!!!
-
الاحتلال يدمر نسيجنا المجتمع ونحن ندمر ذاتنا...؟؟
-
الخامس من حزيران هزيمة بامتياز
-
المقدسيون...وسلب العقارات
-
الانتخابات المصرية/ مفاجئات في مشهد سياسي معقد
-
تشريع نهب الاراضي الفلسطينية
-
إصحا يا شعب..
-
وانتصرت ارادة الاسرى
-
وتبقى نكبة شعبنا شاهداً على الظلم والطغيان ..
-
الحركة الاسيرة تقترب من لحظة الانتصار...
-
لله دركن أيتها الماجدات الفلسطينييات ..
-
الوحدة...الوحدة...في الأضراب...شدوا الهمة يا شباب
-
عيد العمال العالمي ...محطة للمراجعة والتقييم وليس للاحتفالات
...
-
المتضامنون الاجانب بين عنجهية اسرائيل ...وتواطؤ حكوماتهم..؟؟
-
القدس:- مؤتمرات....ورش عمل...دراسات وتقارير...ندوات...وفعل غ
...
-
الأسرى.... المنعطف ....ومعركة الحسم
-
القدس المطلوب:- حلول لا بيانات ولا شعارات ..؟؟
-
قضية المنهاج مرة أخرى..؟؟
-
في يوم الأرض ....تبقى الأرض جوهر الصراع
المزيد.....
-
بروفيسور يقول إن ترامب يفتقد إحدى أدوات القوة الرئيسية.. ما
...
-
متجر شاي وقهوة عمره 400 عام يواجه الإغلاق في أمستردام مع ارت
...
-
الكرملين يستضيف مهرجان الطريق إلى يالطا
-
الدفاع الروسية في حصاد الأسبوع: إصابة أنظمة استخبارات إلكترو
...
-
المخابرات المركزية الأمريكية تدعو الصينيين في مقطعي فيديو لل
...
-
حادثة طعن بمحطة القطارات المركزية في أمستردام
-
الحصبة تتفشى في خُمس الولايات الأمريكية وعدد الحالات يقترب م
...
-
-الشاباك- يعزز وسائل حماية نتنياهو
-
الصليب الأحمر الدولي: الاستجابة الإنسانية في غزة على وشك الا
...
-
حكومة أوكرانيا تحيل إلى البرلمان اتفاقية المعادن للمصادقة عل
...
المزيد.....
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
المزيد.....
|