|
في ذكرى رحيل سعاد حسني
أحمد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 3766 - 2012 / 6 / 22 - 14:43
المحور:
الادب والفن
يوافق 21 يونيو ذكرى رحيل سندريلا الشاشة العربية سعاد حسني ، وقد رأيت سعاد وأنا في العاشرة من عمري . كانت في الخامسة عشرة أو أكثر بقليل ، فتاة نحيفة عليها فستان متواضع جدا ، ويشع من وجهها نور هاديء مثل شمس من خلف سحابة . كان ذلك عام 1958 ، وكان والدي الشاعر الفنان عبد الرحمن الخميسي قد أنشأ في ذلك الوقت فرقة مسرحية باسمه ، وكنتُ عنده في مكتبه بشارع الجمهورية حين دعاه زوج والدة سعاد حسني لزيارتهم ، ولم تكن تلك الفتاة النحيفة على البال . سألني والدي : أتأتي معي ؟ . هززت رأسي أن نعم . وذهبنا . كان البيت يقع غير بعيد في حي " الفوالة " الشعبي . منزل بسيط تماما كذلك الذي تظهر فيه الأسر الأقرب للفقر في الأفلام المصرية . ولم يكن هناك أحد سوى أمها السيدة " جوهرة " التي تشبهها سعاد كثيرا وزوج أمها . وبعد قليل دخلت علينا فتاة صغيرة بصينية عليها أكواب شاي ، وقدمتها إلينا والدتها بقولها " سعاد " . قلبت لنا السكر في الأكواب ثم جلست صامتة على طرف كرسي . لا أذكر الآن ما الذي قالته بالتحديد إن كانت قد قالت شيئا ، أذكر فقط حضورها الطيب اللطيف الذي يأسر القلب بدون كلام . أذكر أيضا قلقا غريبا كان يومض في عينيها من وقت لآخر كأنما هي طفل وحيد حرم من الحنان والطمأنينة طويلا ولم يجد من يفضي إليه بعذابه . بعد قليل تأملها والدي وقال " هذه الفتاة نجمة " ! . دهشت مما قاله ، وكنت أعرفه مجاملا يغدق على الآخرين أفضل الصفات . وما إن انصرفنا من عندهم حتى سألته " تقول نجمة ؟ حقا أم هي مجاملة ؟ " هز رأسه وهو شارد وغمغم " لا والله يا إبني هذه البنت نجمة حقيقية كبيرة " . فيما بعد شرعت سعاد تتردد على مكتب والدي ، وتحضر بروفات مسرحية " هاملت " التي كان يعدها لفرقته واستقر رأيه على أن يمنحها دور" أوفيليا " في العمل . في تلك الفترة التقيت بها أكثر من مرة في مكتب والدي وكنت أقوم بتوصيلها أحيانا إلي بيتهم في الفوالة ونحن نثرثر طيلة الطريق ، وأحس وأنا أتكلم معها بتلك الحيرة العميقة والحزن الساكن في روحها برغم ابتساماتها اللطيفة . لم تكن هي النجمة بعد ، ولم أكن أنا سوى صبي صغير ، أقل منها بخمس سنوات كاملة ! وبعد عام واحد ، سنة 1959 قدمها والدي في فيلمها الأول " حسن ونعيمة" وكان منتجه الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب الذي أصر على رفض تمويل فيلم ببطلين جديدين حينذاك هما سعاد حسني ومحرم فؤاد ، لولا تدخل المخرج هنري بركات الذي أقنع عبد الوهاب بأن قصة حسن ونعيمة كانت مسلسلا إذاعيا أنصتت إليه مصر كلها مما سيضمن نجاح الفيلم ! وتمسك عبد الوهاب بفاتن حمامة ، وتمسك والدي بسعاد ، إلي أن وافق الموسيقار العنيد أخيرا ، فارتفعت سندريلا الشاشة نجمة مشعة إلي سماء الفن . وظلت سعاد حسني تردد في كل مكان أن الخميسي هو صاحب الفضل الأول في ظهورها وسجلت ذلك في موقعها الرسمي . وحين غادرنا مصر ، أنا ووالدي عام 1972 ، ذهبت سعاد بعد سفرنا إلي الشقة التي كانت تسكن فيها والدتي . جلست بجوارها وفتحت حقيبة يدها وكانت عامرة بالنقود ، وقالت لوالدتي " تفضلي يا ماما كل ما تريدين " . الانطباع الأول بأن ثمة حزنا عميقا يسكن روح الفتاة التي التقيت بها قبل أن تكون نجمة ، هو الانطباع الأخير الذي جعل سعاد حسني تلقى بنفسها من شرفة منزلها في لندن في يونيو 2001 ، لم يستطع لا المجد ، ولا المال ، أن يمنحها الطمأنينة والحب ولا أن يداوي قلق الطفولة المحرومة من الحنان . وظل في صوتها الذي كان يشبه القطيفة خيط يرتجف حتى النهاية . وفي الغربة توفي الاثنان : والدي أولا عام 1987،وبعده بأربعة عشر عاما سعاد حسني، في الغربة توفي المكتشف ، وتوفيت في الغربة من بعده الجوهرة التي ما أن شاهدها حتى قال " هذه الفتاة نجمة " !
***
#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انتخبوا أنفسكم !
-
جلباب أزرق
-
انتخابات الرئاسة بمصر - الانقاذ الوطني مهمة عاجلة
-
لماذا تقف الثورة وحيدة عزلاء في الانتخابات الرئاسية بمصر ؟
-
نداء إلي مرشحي اليسار والديمقراطية في مصر
-
عبد الرحمن الخميسي .. والدي .
-
سعد القرش وكتابه - الثورة الان -
-
رحمة - قصة قصيرة
-
رؤوف نظمي .. رحيل فارس مصري
-
في الأدب تجد نفسك كاملا
-
الطابق الرابع - قصة قصيرة - أحمد الخميسي
-
رأس الديك الأحمر - قصة قصيرة
-
وداعا للقذافي الطاغية .. مرحبا بحلف الناتو !
-
- باب مغلق - قصة قصيرة
-
ماهو أدب الثورة في مصر ؟
-
لوزير العدل المصري .. سجل أنا مع الشغب !
-
ثورة يقودها أعداؤها !
-
يوسف إدريس .. عشرون عاما على الرحيل
-
- أحب ساراماجو - - قصة قصيرة
-
الثورة العزيزة .. ثانية !
المزيد.....
-
الشاعر إبراهيم داوود: أطفال غزة سيكونون إما مقاومين أو أدباء
...
-
شاهد بالفيديو.. كيف يقلب غزو للحشرات رحلة سياحية إلى فيلم رع
...
-
بالفيديو.. غزو للحشرات يقلب رحلة سياحية إلى فيلم رعب
-
توقعات ليلى عبد اللطيف “كارثة طبيعية ستحدث” .. “أنفصال مؤكد
...
-
قلب بغداد النابض.. العراق يجدد منطقة تاريخية بالعاصمة تعود ل
...
-
أبرزهم أصالة وأنغام والمهندس.. فنانون يستعدون لطرح ألبومات ج
...
-
-أولُ الكلماتِ في لغةِ الهوى- قصيدة جديدة للشاعرة عزة عيسى
-
“برقم الجلوس والاسم إعرف نتيجتك”رسميًا موعد إعلان نتيجة الدب
...
-
“الإعلان الثاني “مسلسل المؤسس عثمان الحلقه 164 مترجمة كاملة
...
-
اختتام أعمال منتدى -الساحة الحمراء- للكتاب في موسكو
المزيد.....
-
سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان
/ ريتا عودة
-
أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة
/ ريتا عودة
-
صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس
...
/ شاهر أحمد نصر
-
حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا
/ السيد حافظ
-
غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا
...
/ مروة محمد أبواليزيد
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
المزيد.....
|