أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - رأس الديك الأحمر - قصة قصيرة














المزيد.....

رأس الديك الأحمر - قصة قصيرة


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 3653 - 2012 / 2 / 29 - 15:22
المحور: الادب والفن
    



ضغطت القبضتان جناحيه بقوة إلي جنبيه ، فأحالته إلي كتلة مدمجة لا يتحرك منها شيء ماعدا الرأس بعرفه الأحمر ومنقاره يضرب يمينا ويسارا بجنون . اجتهد ليتملص من القبضتين مهتاجا بحب البقاء . حث جناحيه على الرفرفة دون جدوى. لحظة، هوت بعدها السكين على عنقه بضربة باترة فصلت رأسه عن بدنه . طار الرأس في الهواء مسافة ثم هوى على الأرض ، تقلب متدحرجا حتى سكنت حركته تحت حافة الثلاجة . راحت العينان الضيقتان اللامعتان تحيطان بالمشهد أمامها ، تتابعان خيط الدم على البلاط الأبيض ، تلاحقان تخبط البدن بين قدمين بشريتين راسختين .
دم لم ينزفه الجرح بعد يواصل مسيرته في الدماغ والبدن المفصولين . يحدق الرأس مذهولا في جثمانه وهو ينهض وحده ، متحاملا على مخالبه وساقيه وفخذيه. ينفش ريش صدره ويتقدم خطوة للأمام من دون رأسه. يتمايل. يضغط على مخالبه ليحفظ توازنه . يتجه إلي اليمين . يتوقف مكانه متجمدا . بركة دم صغيرة تتسع حول مخالبه، وبقايا العنق المقطوعة تتلفت بالغريزة بحثا عن طريق.
يرمق الرأس ساقيه ترتجفان. هما ساقاه، وهذا صدره الذي شق الهواء فوق سور البيت القديم ، والريش البني الأقرب للأحمر ريشه اختال به بعد معاركه مع الديوك الأخرى . يشتعل الرأس رغبة في الزحف إلي بدنه ، وحين تغدو الرغبة جارحة من اليأس يرتد إلي ذكرياته . فجر القرية التي كانت تفيق على صيحته ، هوائها . حوش البيت الذي كان يلتقط الحبوب من أرضه . الغيطان المفتوحة خلف السور. بئر المياه الذي كان يثب إلي حافته . الدجاجات اللاتي كن يحطن به في نصف قوس في مشيه وفي جثومه حين تعتم الدنيا . الزرع الذي يبس فجأة من حوله . البقرة التي ماتت . الكلاب التي ضمرت . اليد القوية التي اختطفته وزجت به في قفص وساقته إلي مكان بعيد . منقاره الذي قصوه بآلة حادة . فتات الطعام . العش الغريب . الحلم الذي راوده مئات المرات كل مساء أن يستعيد حريته لولا بدنه الذي كان يتردد ويطوي جناحيه على السلامة في الليل . الآن يتفجر الجثمان بالمهانة التي اختزنها طويلا ، مهتاجا ثائرا يفتش عن منفذ . يخطو بمفرده إلي الأمام . يرتطم كالأعمى بساق سلم خشبي . يكاد أن يقع . يشد عضلاته ليظل واقفا . يندفع غير آبه بشيء فيصطدم بماسورة حديدية تحت حوض الماء .
الرأس الملقى تحت حافة الثلاجة يرى المنفذ إلي النجاة . الباب . إذا عبر منه سيسترد حريته ووقفته بشموخ . الباب . الباب .
خيوط الدم الأخيرة توشك أن تنهي مسيرتها في الرأس ، فيشعر بعطش قاس ، بالضعف ، بدوار ، باختلاط الأفكار والذكريات والرغبات ، بحاجة ماسة إلي دفء بدنه وحرارته ، بومضات عقله تتباعد وتبهت لحظة بعد أخرى ، بالمسافة القصيرة من البلاط الأبيض تغيم بينه وبين بدنه .
فجأة ، انفلت البدن من بين القدمين البشريتين . رفرف لأعلى ، دار في الهواء دورة عجيبة . ضربت جناحاه بين السقف والأرض . اندفع إلي نافذة مفتوحة وانطلق منها إلي الخارج .
لقد وجد طريقا .
العينان شاخصتان إلي النافذة . لقد نجا ! نجا !
كيف لم تخطر النافذة على بالي ؟!
إنه أنا من دوني ! كيف حدث هذا ؟
يخبو لون العرف الناري على البلاط الأبيض ، ويحشد الرأس كل ما تبقى من ومض يتسمع جناحيه في الهواء البعيد .

***



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وداعا للقذافي الطاغية .. مرحبا بحلف الناتو !
- - باب مغلق - قصة قصيرة
- ماهو أدب الثورة في مصر ؟
- لوزير العدل المصري .. سجل أنا مع الشغب !
- ثورة يقودها أعداؤها !
- يوسف إدريس .. عشرون عاما على الرحيل
- - أحب ساراماجو - - قصة قصيرة
- الثورة العزيزة .. ثانية !
- عزيزتي الثورة .. تحية وشوقا ..
- عن كنيسة إمبابة وحكاية الثور والبقرة
- خطاب لم يرسل
- الروس يكتبون : عن الجيش والثورة المصرية
- مع الانتفاضة والحرية
- فلاحة عارية تحت جسر الموت ..
- أقباط الحجارة !
- في بيت عمي فوزي حبشي
- حول الثقافة الشعبية القبطية
- الحب والفولاذ - قصة قصيرة
- هرش قفا برلماني
- - غير محافظ - على القاهرة !


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - رأس الديك الأحمر - قصة قصيرة