أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - خضر محجز - أسطورة الأدب الرفيع* للدكتور علي الوردي: عرض ومناقشة















المزيد.....



أسطورة الأدب الرفيع* للدكتور علي الوردي: عرض ومناقشة


خضر محجز

الحوار المتمدن-العدد: 3763 - 2012 / 6 / 19 - 19:48
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


أولاً: المؤلف:
ولد علي حسين محسن الوردي، عالم الاجتماع والمؤرخ العراقي الشهير، بالكاظمية ببغداد، عام1913، وتوفي عام1995. عمل في صباه أجيراً عند عطار، ما لبث أن طرده، لانشغاله بقراءة الكتب والمجلات، فافتتح دكاناً صغيراً يتعيش من ورائه. لكنه أكمل دراسته، إلى الدرجة التي خولته أن يوظف معلماً عام 1943، ويظهر أن ذلك كان قبل إتمامه للمرحلة الثانوية، لأننا سنرى الدولة تبتعثه للدراسة في الخارج، فور نجاحه في الثانوية حصوله على المرتبة الثالثة على مستوى العراق، فيلتحق بالجامعة الأمريكية في بيروت، ويتخرج فيها، ثم يُبتعث مرة أخرى إلى جامعة تكساس، بالولايات المتحدة، فيحصل منها على الماجستير عام 1948 ثم الدكتوراه عام 1950. وفي نفس العام يتم تعيينه أستاذاً لعلم الاجتماع، في كلية الآداب في جامعة بغداد. وظل فيها إلى أن أحيل إلى التقاعد بناء على طلبه، في العام1970، بعد أن حصل على رتبة (أستاذ متمرس) وهو ما يعرف الآن بلقب (أستاذ دكتور).
تأثر الوردي بمنهج ابن خلدون. وتعتبر دراساته للشخصية العراقية هي الأهم، في مجالها، إذ خلص من تحليله للشخصية العراقية، إلى أنها شخصية ازدواجية، تحمل قيماً متناقضة، مزيجاً من قيم البداوة والحضارة، متهماً في ذلك جغرافيا العراق، ومعتبراً إياها العامل الأهم في تكوين الشخصية العراقية، فهو قريب من الصحراء العربية، مكون من خليط منصهر من القبائل المهاجرة، والسكان المتحضرين. من هنا فقد نشأت لديهم قيمتان: قيمة حضرية وقيمة بدوية. فالعراقي ينادي بقيم الكرامة والغلبة. ولكن حياته تجبره على الانصياع لقيم التحضر.
في كتبه، ينقلنا الدكتور علي الوردي، لنحلق معه في أجواء النفس وخباياها، مقترباً من مدرسة التحليل النفسي آناً، ومبتعداً عنها في آن آخر، ليغوص بنا في بحوث أنثروبولوجية تتأمل عادات الإنسان وثقافته وغرائزه. وفي أغلب كتبه يصدمنا الدكتور علي الوردي منذ العنوان. ولمن شاء فليتأمل العناوين الآتية: (مهزلة العقل البشري، وعاظ السلاطين، خوارق اللاشعور، الأحلام بين العلم والعقيدة، قصة الأشراف وابن سعود، أسطورة الأدب الرفيع، شخصية الفرد العراقي) إلخ...
ثانياً: الكتاب: أسطورة الأدب الرفيع:
منذ العنوان نقف مشدوهين. وليست الدهشة هي ما يبحث عنه المؤلف قطعاً، فهو عالم يتوخى الإقناع لا التأثير. من هنا ففور زوال الدهشة الأولى، نبدأ في التفكير في هذا العنوان: هل الأدب الرفيع مجرد أسطورة، لا حقيقة وراءها؟. وما المقصود من وصف الأدب الرفيع بالأسطورة؟ هل المقصود انعدام حدوثه باعتباره مجرد خيال لا حقيقة له، أم المقصود رفض المؤلف الاعتراف بأن كل ما قالوا عنه في الماضي أدباً رفيعاً، هو كذلك؟. والحق أنه أراد الآخرة لا الأولى، كما سنرى عند مراجعتنا للكتاب.
ثانياً/1: الإهداء:
لا يكتفي المؤلف بصدمة العنوان، بل يتبعها بصدمة أخرى، حين يهدي كتابه " إلى أولئك الأدباء الذين يخاطبون بأدبهم أهل العصور الذهبية الماضية؛ عسى أن يحفزهم الكتاب على أن يهتموا قليلاً بأهل هذا العصر الذي يعيشون فيه، ويخاطبوهم بما يفهمون. فلقد ذهب عهد الذهب، واستعاض عنه الناس بالحديد"(ص5).
ثانياً/2: منذ المقدمة:
إذن فنحن أمام كاتب يدعو الأدباء أن يهتموا بالموضوع، بنفس الدرجة التي يولونها للصياغة. والموضوع في نظر المؤلف هو قضايا الشعب اليوم. إذ هو يرى أن المبادئ التي ظلت تحكم الأدب هي مبادئ شكلانية قررت منذ القدم، متأثرة بالسلطة. وهو في هذا متأثر بموضوع تخصصه، علم الاجتماع. فلقد تعود الشعراء قديماً أن يقفوا "بين يدي السلطان، فيلقون القصيدة العصماء، يصفونه فيها بأنه أفضل الخلق طراً، وخير من ركب المطايا، وهم يأملون من وراء ذلك، بالجائزة الدسمة، أو الجارية الدعجاء"(ص9). مشيراً بذلك إلى كذب كل من الشاعر والناقد، في القول والقراءة. فجرير صاحب البيت المشهور، الذي يقول لعبد الملك بن مروان:
ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راحِ!
إنما كان يكذب في ذلك، ويعلم أنه يكذب. فغني عن القول إن بني أمية لم يكونوا خير من ركب المطايا، كما لم يكونوا يوماً أكرم الناس بأموالهم. وربما كان خيرَ من ركب المطايا، في تلك الفترة، معارضوهم من آل البيت. فيما الأموال التي يمنحونها للشاعر ـ جزاء كذبه ـ هي مجرد أموال الشعب المنهوبة، التي تنفق في غير مصالحه.
ولكي نؤكد هذا البيان، نقول بأن من أطلق مقولة إن هذا أمدح بيت، إنما كان هو الأصمعي، مؤدب أبناء الخلفاء فيما بعد، والناطق الرسمي باسم مدرسة الصياغة. ولعلنا لا ننسى هنا مقولته ذائعة الصيت: أعذب الشعر أكذبه!.
فالأدب الرفيع ـ في نظر هؤلاء ـ هو المحتفل بالصياغة الفخمة، ولو كان القول مكذوباً من أصله. وليت الأمر ظل أمر صياغة فحسب، بل أراد أنصار الأدب الرفيع، طوال التاريخ العربي، أن يخدعوا أنفسهم والناس، بأنهم "رواد الحق والحقيقة، وأنهم شموع تحترق"، فيما هم "شحاذون، ويدعون أنهم ينطقون بالحق... والويل لمن يجرؤ على مصارحتهم بالحقيقة". فأبو نواس، مثلاً، يقول عنه أحد أنصار مدرسة الصياغة أنه، واحد من الخالدين الذين يلمون بالأرض إلمامة قصيرة، ثم يرتحلون وقد تركوا من ورائهم ميسم الخلود. فـ"انظر يا أخي القارئ، إلى هؤلاء الأدباء، فليس يكفيهم أن يدرسوا أبا نواس من الناحية الفنية، ويتعلموا منه حسن البيان، إنما يريدون ـ فوق ذلك ـ أن يجعلوه رسولاً، يسن للخلق طريق الهدى والرشاد"(ص9ـ10).
إن أسطورة الأدب الرفيع كانت وما زالت تقتضي أن يأنف الأدباء من أن يوصموا بوصمة التجارة، مع أنهم تجار بالفعل. "إنهم تجار عاشوا في أحضان الأمراء، فاقتبسوا منهم قيمهم الاجتماعية. فالأمير، بوجه عام، يكره أن يكون كالصعاليك، عاملاً كادحاً يكسب رزقه بعرق جبينه. إنه يحتقر الصعاليك، ويحتقر الطريقة التي يكسبون بها. وقد حذا الأدباء حذو أسيادهم في هذا"(ص10).
وهذا المرض العضال المتغلغل في أفئدة الأدباء، مرض عابر للزمن، ومنغرس في لاشعور الأدباء، إذ يفصلون بين ما يعلنونه من مبادئ، وبين ما يقولونه من كذب. ولعلنا نذكر، اليوم، كيف وقف شاعر ينتمي إلى حزب (ثوري) ليمدح أمير قطر، طمعاً في الجائزة، فلم يلمه حزبه (الثوري) لأنه يعرف أنه مجرد أديب، أي مجرد متكسب لا يؤمن بما يقول.
إن الأديب المؤمن بالصياغة ـ صاحب ما يدعي أنه أدب رفيع ـ يحتقر ترفعُه التجارةَ، فيفضل عليها الشحاذة، ثم يسميها بغير اسمها، ويغضب حين تقول له أنت متسول!.
والخلاصة أن مقدمة الكتاب تشير إلى نوع من النقد الثقافي، الذي راج في العقود الأخيرة، رداً على تغوّل السلطة، التي أعجبها أن يلتفت الأدب عن المحتوى إلى الصياغة، فبعد أن كان الأدب درساً إنسانياً عظيماً، تحول على يد الشكلانيين النصيين إلى كائن مبتوت العلاقة بالواقع. فليس من المصادفة، أن يقترن بروز فلسفة النصية البحتة، بالتخلي عن الفقراء، الذين تُركوا تحت رحمة السلطة(2).
ثانياً/3: مقالات الكتاب:
الكتاب هو مجموعة من المقالات، التي كتبها المؤلف، يناقش بها بعض مقالات الدكتور العراقي عبد الرازق محيي الدين، أستاذ الأدب العربي في دار المعلمين العالية. وفي ذلك يقول المؤلف:
"كنت قد نشرت في جريدة الحرية، بعض المقالات، نعيت فيها على الأدباء، تمسكهم بالتقاليد الأدبية القديمة، وقلة اهتمامهم بما يحدث في هذا العصر، من انقلاب اجتماعي وفكري عظيم. فهب الأدباء، من جراء ذلك، هبة واحدة، وأخذوا ينتقدونني ويتهجمون، ويصولون ويجولون، فلم أجد بداً من الرد عليهم، من مناقشة الآراء التي جاؤوا بها"(ص7).
ويختار لنا المؤلف ـ في هذا الكتاب ـ من هذه المقالات، ما كتبه رداً على الدكتور محيي الدين. وبذا، فالكتاب مكون من سبع وثلاثين مقالة، تبدأ بخمس هي مقالات الدكتور محيي الدين، تليها اثنتان وثلاثون للمؤلف. ولعل في عرضنا لمقالات المؤلف ـ أو لما نختاره منها ـ ما يغنينا عن عرض محتويات مقالات الدكتور محيي الدين، إذ فيها ما يدل عليها.
ثانياً/3ـ أ: المقالة الأولى: الأدب والاجتماع:
في هذه المقالة، يرد المؤلف على رفض الدكتور محيي الدين، أن يكتب في الأدب من لا يحمل شهادة في الأدب، بقوله: إن علم الاجتماع إنما يدرس كل فروع المعرفة البشرية، من حيث علاقتها بالمجتمع. وبما أن الأدب أحد فروع المعرفة، فإن علم الاجتماع يدرس أثره في المجتمع، والعوامل التي أنتجته وحكمت عليه. يقول: "فالشعر له ناحيتان: فنية واجتماعية... فالقصيدة الشعرية هي، قبل كل شيء، قطعة فنية. إنما هي ـ بالإضافة إلى ذلك ـ ظاهرة اجتماعية، لها مساس مباشر بما ينشأ بين الناس، من صلات التعاون والتنازع. للباحث الاجتماعي أن يحلل القصيدة، من حيث علاقتها بالمجتمع، الذي ظهرت فيه، دون أن يتطرق إلى ما فيها من صفة فنية"(ص52).
من هنا نراه يقول بأن "الشعر العربي القديم اختص بأمور ثلاثة، قلما نجدها مجتمعة في أشعار الأمم الأخرى، وهي: مدح الظالمين، وصف الخمرة، التغزل بالغلمان. والذي دعاني إلى هذا القول، ما رأيت من بعض أدبائنا المعاصرين، من هيام مصطنع بالحق والحقيقة، فهم يصفون أنفسهم بأنهم شموع تحترق، بينما هم يمجدون عبقرية البحتري وأبي نواس والأخطل، وغيرهم من الشعراء القدامى، الذين كانوا من أبعد الناس عن طبيعة الشموع المحترقة"(ص52).
ولكي أزيد ما قاله المؤلف بياناً ـ وعلى سبيل التمثيل لا الحصر ـ أنقل بعض ما قاله الدكتور شوقي ضيف، من مثالب البحتري. يقول: "وكان لا يترك وجيهاً، ولا والياً، ولا صاحب خراج، في طريقه من سامراء إلى منبج، إلا ويقدم إليه مدائحه، ويأخذ جوائزه". "وسأله سائل: أكنت معتزلياً؟ فأجابه: كان هذا ديني في أيام الواثق، ثم نزعت عنه في أيام المتوكل. فقال له: يا أبا عبادة، هذا دين سوء، يدور مع الدول". "وكل شيء يؤكد أن البحتري كان قد أثرى، ثراءً فاحشاً، منذ عصر المتوكل: فإنه نثر عليه أموالاً جمة، وإقطاعات عديدة". وقد تحدث القدماء عن كفر البحتري "للإحسان، وعدم وفائه، حين يقلب الدهر مجنَّه لبعض ممدوحيه، أو حين يسبق إليهم الموت، فإنه بدلاً من يثير ذلك في نفسه ضروباً من الشفقة والرحمة، يسارع إلى الوقوف مع خصومهم الجدد، أصحاب الحكم والسلطان، ابتغاء ما في أيديهم من المال والنفع"(2).
إذن فالأدب الرفيع الذي يمتدحه المحدثون اليوم ـ هو في نظر المؤلف ـ أدب غير بريء، ويصنع أخلاقاً هي من صلب اهتمام علم الاجتماع. مما يذكرنا برأي الناقد السعودي الكبير، الدكتور عبد الله الغذامي، حين قال: "وإن كنا قد صرفنا قروناً من الإعجاب والاستمتاع بالشعر العربي ـ وحُقَ لنا أن نفعل، وهو فعلاً شعر عظيم ولا شك ـ غير أن جمالياته العظيمة، تخبئ قبحيات عظيمة أيضاً. وليس من شك في أن الشعر هو أهم المقومات التأسيسية للشخصية العربية، ورثنا حسناته وورثنا سيئاته"(3). وإنه لمن العجيب ـ في نظر المؤلف ـ أن أصحاب مقولة الأدب الرفيع "يحترمون الأديب الذي يتزلف إلى السلاطين والمترفين، ولكنهم في الوقت ذاته يحتقرون من يحاول أن يتزلف بأدبه إلى أبناء الشعب، وينزل بأسلوبه إلى مستواهم"(ص52).
ثانياً/3ـ ب: المقالتان الثانية والثالثة: في تبسيط اللغة:
في هاتين المقالتين يدعو المؤلف الأدباء إلى اختيار لغة بسطة سهلة فصحى، نافياً الاتهامات الموجهة بأنه يدعو إلى العامية فيقول: "ويجب أن لا ننسى أن هناك فرقاً كبيراً بين اللغة المبسطة واللغة العامية، من الناحية الاجتماعية: فاللغة العامية لا يفهمها جميع الناطقين بها، أما اللغة المبسطة فهي التي يفهمها جميع العرب في كل أقطارهم". ثم يدافع عن الأسلوب الصحفي باعتباره أسلوباً سهلاً وفصيحاً ويفهمه الشعب، ناعياً على الأدباء تمسكهم بالأسلوب الرفيع، فيقول: "ومن المؤسف أن نجد بعض أدبائنا باقين على رأيهم القديم، في وجوب الارتفاع بأسلوب الكتابة فوق مستوى الجمهور، وينعون على الصحافة لغتها المبسطة... فهم إذ يدعون إلى الأسلوب المعقد الرنان، إنما يدعون ـ من حيث لا يشعرون ـ إلى عرقلة نشوء اللغة الموحدة، التي يستطيع أن يتفاهم بها العرب، في شتى أقطارهم"(ص60، 61ـ62).
وهذه اللغة المطلوبة ـ في نظر المؤلف ـ هي ما لا يجعل للبلاغة سطوة على المعنى. فالبلاغة سليقة تميزت بها لغة الجاهليين، قبل أن يتعلموا التقسيمات البلاغية، من كتب البلاغيين، التي يرى أغلب باحثي اليوم أنها أفسدت الذوق العربي. وكم من شاعر مجيد لم يدرس فنون البلاغة!. ولو درسها، فلربما أساءت إلى أدبه، وجعلته يتكلم بحذلقة قديمة. فالأدب موهبة لا يملكها أصحاب الرقاعة ـ على حد تعبير المؤلف ـ الذين "طلبوا الأدب، وأصروا عليه، دون أن تكون لهم موهبة تمكنهم منه. وربما كانت مواهبهم تخولهم أن يكونوا نجارين، أو خياطين، بدلاً من أن يكونوا أدباء"(ص68).
وإذا كان لي أن أدلي بدلوي في هذا المجال، فإنني أقول بأنني، في السنوات الماضية، قد ابتليت بعدد من الطلاب، الذين درسوا الأدب في الجامعة، ثم أصروا على أن يتخرجوا أدباء، الأمر الذي أتاح لي أن أرى في غزة، وحدها، ما يقرب من ألفي شاعر، أكثرهم يذم محمود درويش!. وما علم هؤلاء المساكين أنهم يضيعون وقتهم، فيما لا يحسنون أبداً. ويا ليتهم بحثوا لهم عن شغلة يشتغلونها، إذن لكان خيراً لهم وللأدب. ولو كانت دراسة الأدب تخول دارسه أن يصبح أديباً، إذن لأصبح الأكاديميون أفضل الشعراء، مع أنني لم أرهم يدّعون ذلك.
ثانياً/3ـ ج: المقالة الرابعة: الشعر والشذوذ الجنسي:
في هذه المقالة، يرجع المؤلف شيوع شعر التغزل بالغلمان، إلى شيوع مرض اجتماعي هو الشذوذ الجنسي. فهو يرى أن شيوع هذا المرض، في المجتمع القديم، قد تسبب في "أن يظهر أثره في الشعر، على وجه من الوجوه. [ثم يقول مستدركاً]: ولا أقصد من هذا أن الشاعر، الذي يتغزل بالمذكر، لا بد أن يكون مصاباً بالشذوذ الجنسي؛ إنما أقول: إن انتشار الشذوذ بين الناس، قد يؤدي بهم إلى استلطاف الغزل المذكر، وإلى تشجيع الشعراء على النظم فيه"(71ـ72).
ثانياً/3ـ د: المقالات من الخامسة إلى الثامنة:
في المقالة الخامسة، يسبق المؤلفُ الدكتورَ الغذامي، في دعوته لفضح قبحيات الشعر، وأثره السلبي على الوعي العربي. إذ ينفي أن يكون الشعر العربي حسناً كله، فيقول: و"إذا كان للشعر منافع، فله مضار أيضاً. وربما كان ضرره بالأمة العربية أكثر من نفعه لها".
ثم يقدم لنا خمسة مساوئ للشعر العربي، الذي ظللنا نستحسنه، هي:
1. تحالف الشعر مع السيف، في حروب القبائل، ومفاخرتها الرعناء.
2. وتحالفه مع عبادة الأوثان، مما استدعى أن يذمه الإسلام ويحاربه باعتباره احد أدوات الوثنية.
3. وهو الذي ساعد على إنشاء قواعد النحو في العصر العباسي، على هذه الشاكلة المعقدة التي نراه عليها الآن.
4. وهو الذي ساعد على تدعيم الحكومة السلطانية "حيث كان السلطان ينهب أموال كما يشاء، وينفقها على ما يشتهي، ولكنه يأخذ قسطاً مما نهب، فيعطيه للشعراء" فيجعلونه ظل الله في العالمين(ص80، 81).
ولئن كنت أؤيد المؤلف فيما ذهب إليه هنا ـ خصوصاً وقد تخصصت في النقد الثقافي ـ فلقد يجوز لي أن أقدم هنا، على سبيل الاستشهاد، بعضاً مما قاله علي بن الجهم، في مديح المتوكل، وبني العباس، لكي يتبين لنا كم جنى الشعر على الحقيقة. قال:
أنت ميثاقنا الذي أخذ اللـــهُ علينا وعهده المسؤولُ
بك تزكو الصلاةُ والصومُ والحَـــجُّ ويزكو التسبيحُ والتهليلُ(4)
بل لقد جعل ابن الجهم إيمان المسلم ناقصاً مردوداً، إذا لم يقترن بحب العباسيين. فقال لنفس هذا المتسمي بالمتوكل:
ولن يُقبل الإيمانُ إلا بحبكمُ وهل يقبل الله الصلاة بلا طُهرِ(5)
كل هذا ونحن نعلم ، كما كان ابن الجهم يعلم كذلك، كم كان المتوكل سارقاً لأموال الناس، وكم كان متلهياً بالجواري، لا عن عبادة الله فحسب، بل عن مصالح الأمة والفقراء الجوعى، وراء أبواب قصوره، التي بلغت المئات!. فالفقراء مضطرون ـ في منطوق الشعر ـ أن يتقربوا بالعبادة إلى جلاديهم، كما يتقرب المؤمن إلى الله بالصلاة. بل إن صلاة الجائعين المجلودين لن ترتفع فوق رؤوسهم ـ كما يحدث للمصلي دون وضوء ـ إذا لم يعالجوا حقدهم، فيحبوا سارقهم. لا لشيء، إلا لأنه صدف أن ولد من نسل العباس بن عبد المطلب. فلا جرم أنهم خير خلق الله، كما يقول ابن الجهم:
لنا في بني العباس أكرم أسوة فهم خير خلق الله طراً وأفضلُ(6)
ولقد من الله علي بالحياة، حتى رأيت شيخاً جلفاً غليظاً، يقول على حسابه في تويتر، بأن وفاة الأمير نايف بن عبد العزيز، أصعب على الأمة من وفاة رسول الله!.
وبعد، أفلا يذكرنا هذا النفاقان، الشعري والديني، بقول قريب لشخص يقول عن نفسه شاعر، في واحد من حكام العصر:
"يا قائد الآمال، في دوح علت فيه الثمارُ.
إنا عليكم نبتني أملا، فكم لتميم عز لا يضار.
أنتم هنا حمدٌ..
على حمد، تسبح باسمه الدار"!.
ومع ذلك، فلا يزال هؤلاء المتسولون يتبجحون بأنهم رسل الفن الجميل! الأمر الذي يدفع الدكتور علي الوردي أن يقول: "رسالة الفن!. هذه الحجة التي يتخذها كثير من الشعراء غطاءً يسترون بها حقيقة أنفسهم. ويا ليت شعري، ماذا يقصدون بالفن؟. إنهم يركضون وراء الجائزة، فإذا أُعطوا منها رضوا، وإذا حُرموا منها سخطوا. ثم يرفعون عقيرتهم، بعد ذلك، هاتفين بالفن: يعيش الفن!"(ص82).
على هذا المنوال ينسج المؤلف، مقالاته الأربع المذكورة.
ثانياً/3ـ هـ: المقالتان التاسعة والعاشرة: قريش والشعر والإسلام والشعر:
وفي هاتين المقالتين، يذهب المؤلف إلى أن قريشاً هي من شجع الشعر قبل الإسلام، بنواديها التي يتسابق فيها الشعراء، فينظمون الشعر بلغتها. وكان هذا أحد سببين للسيادة: أولهما الحج وثانيهما الشعر. فبالحج سادت قريش سياسياً، وبالشعر سادت لغوياً وقيمياً، إذ الشعر يصنع القيم كما أسلفنا.
من هنا فقد تأخرت قيم الشعر مع ظهور الإسلام، ولم تعد إلى السيادة مرة أخرى، إلا في عصر الأمويين ومن بعدهم، لأنهم أرادوا أن يرسخوا مكانة قريش بالشعر، إذ أعياهم أن يقدموا نموذج العدل، الذي قدمه الرسول والراشدون. وهذه القيم الشعرية، التي رسخها غياب عدالة الإسلام، هي التي ما زال الشعراء يستمسكون بها على اليوم.
ثانياً/3ـ و: المقالات من الحادية عشرة إلى السادسة والعشرين:
يمكن القول بأن هذه المقالات هي إعادة عرض، ولكن بصورة تفصيلية، لما كان قد قدمه لنا في المقالات السابقة:
• ففي المقالة الحادية عشرة، يعرض المؤلف إلى رأي الدكتور طه حسين، في انتحال الشعر الجاهلي، فيفنده، بما هو معروف، ولا يعنينا في عرضنا هنا.
• وفي المقالة الثانية عشرة، ينتقد المؤلف كثيراً من خصائص اللغة العربية، الموروثة، فينعى عليها الإطناب والمترادفات الكثيرة، وأسماء الأضداد التي تعطي معنيين مختلفين لنفس اللفظة، والزيادات اللفظية التي لا حاجة لها سوى الموسيقى، وأسلوب الالتفات... وما شابه ذلك، مما لا نجد أنفسنا موافقين لأكثره. ثم يختتم مقالته بدعوة الشعراء المحدثين على أن يتصرفوا في لغتهم، كما كان القدماء يتصرفون في لغتهم، تكراراً لما كنا سمعناه من عميد الأدب العربي، الدكتور طه حسين، في برنامجه الممتع (لغتنا الجميلة). فأحسن الخاتمة، رغم أنه لم يحسن عرض مقدماتها.
• أما في المقالة الثالثة عشرة، فيتكلم عن معجزة القرآن بما محصلته أنه لم يأت كتاب تلاوة وتغنً، بل نزل كتاب هداية وتفهم واعتبار، مستدلاً على ما ذهب إليه، بما قيل من نزول القرآن على أحرف سبع، إن اختلفت في اللفظ، فقد اتحدت في المعنى. وهذا رأي يحتاج على بيان خاص، ولا يخلو من بعض المغالطات.
• وفي المقالات من الرابعة إلى السابعة عشرة، يعود المؤلف إلى طرح وجهة نظره، في ضرورة تسهيل قواعد النحو الإملاء، بما كنا قد عرضناه آنفاً، مع أمثلة أخرى.
• وفي المقالة الثامنة عشرة، يعالج المؤلف مسألة نشأة النحو العربي، فيذهب إلى أن سبب وضعه هو السلطة، إذ اتخذ ابن زياد أبا الأسود الدؤلي وسيلة لتعليم أبنائه ـ أمهم مجوسية ـ اللغة العربية، ليرفع من خسيستهم، وهم أبناء مجوسية وأبوهم ابن بغي دعيّ لأبي سفيان زوراً، وعلى فراش الفاحشة. من هنا فالسبب في نظر المؤلف يطعن في النتيجة، ويجعل النحو العربي محل نقد كبير وشك يقتضي مراجعة أغلبه. ويؤكد هذا أن المؤلف عندما تكلم عن سيبويه فقد سماه بالقنبلة، مشيراً إلى أصله غير العربي ـ من الموالي ـ ومتعجباً من أن من أفسدوا لغة العرب في البدء، صاروا هم الذين يضعون القواعد لتقويم اعوجاجها. وكأن المؤلف في هذا يفترض وجود نظرية المؤامرة، من أناس تحكمهم عداوة مضمرة للغة العربية فيحاولون إفسادها بهذه القواعد. وأعتقد أن المؤلف هنا قد جانبه الصواب إلى حد بعيد. فماذا يضير اللغة العربية أن يتعلمها أبناء زياد، ويدفعوا من العلماء من يضع لها القواعد؟ وماذا يضير اللغة العربية في تعلم سيبويه لها، إذا كان كل علماء العربية في زمانه قد ارتضوه واقروا له بطول الباع؟.
• وهكذا، أو ما يقارب هكذا، في باقي المقالات، من التاسعة عشرة إلى السادسة والعشرين.
ثانياً/3ـ ز: المقالة السابعة والعشرون: مفهوم الأدب الرفيع:
في هذه المقالة، يعرف المؤلف المقصود بالأدب الرفيع الذي يهاجمه، فيقول: "عرفنا، في المقالة الماضية، ما يقصده بعض أدبائنا من الأدب الرفيع. فهم يسمونه رفيعاً لأنه أرفع من مستوى الشعب. وهذا مفهوم ورثناه من العهود السلطانية القديمة، عندما كان الشعب محتقراً، لا يُحسب حسابه، في شؤون الدنيا والآخرة"(ص246).
فالأدب الرفيع مصطلح ابتدعه الحاكمون ومن دار في فلكهم، وأغلب الشعراء قد فعلوا ذلك للأسف. ثم ينقل لنا عبارة أحد هؤلاء المترفين، هو الفضل بن يحيى البرمكي، إذ يقول: "إن الناس أربع طبقات: ملوك قدمهم الاستحقاق، ووزراء فضّلتهم الفطنة والرأي، وعلية أنهضهم اليسار، وأوساط ألحقهم بهم التأدب، والناس بعدهم زبد جفاء"(ص246).
فأنت ترى أن الناس ـ أو الشعب ـ لا وزن لهم في نظر الوزير البرمكي، فلا هم في الأول ولا في الأخير.
لكن الأخطر من كل ذلك أن فقراء الناس أو الصعاليك منهم يتبنون هذا التقسيم ويعتبرونه ضربة قدر ومن أمر الله. فلا غرابة والحالة هذه أن يكتب الكاتب من الفقراء وعينه أن يرتفع من اللاشيء إلى رتبة من هذه الرتب، إن لم تكن الثلاث الأُوّل، فلا أقل من أن تكون الرابعة: أوساط ألحقهم بالطبقات العليا تأدبهم، أي اشتغالهم بالأدب. وإلا فهل كان من الممكن لأبي نواس مثلاً أن يكون شيئاً مذكوراً، لولا الرشيد والأمين والمأمون وزبيدة؟.
فـ"الأدباء الذين يعيشون في أحضان هؤلاء المترفين، لا بد أن يقتبسوا منهم قيمهم تلك. ولهذا صار الأدب العربي من أرفع الآداب العالمية قاطبة، فهو يحتقر الصعاليك والمساكين، من أبناء الشعب، ويعتبرهم مستحقين للحالة المزرية التي وقعوا فيها"(ص247).
ولو كان لي أن أضيف هنا زيادة بيان، لضربت مثلاً على ذلك الجاحظ، الذي لا زلت أقول، في محاضراتي بالجامعة، إنه يقود الثقافة العربية من قبره حتى الآن، إذ هو صاحب المقولة الشهيرة: "والمعاني مطروحة في الطريق، يعرفها العجمي والعربي، والبدوي والقروي والمدني. وإنما الشأن في إقامة الوزن، وتخيّر اللفظ، وسهولة المخرج، وكثرة الماء، وفي صحة الطبع، وجودة السبك، فإنما الشعر صناعة، وضرب من النسج، وجنس من التصوير"(7).
فلا أهمية للمعنى مقابل الصياغة. والصائغ الحسن هو من يتمثل أسلوب المترفين، الذين يترفعون عن العوام، رغم أن الجاحظ كان منهم قبل أن يقربه المأمون، ويتحفه النقد السلطاني بهذه المكانة التي لم يصل إليها أحد. وما كان تقريب المأمون له إلا بعد أن أقنعه بعدم التخلي عن السلطة لصالح المعارضة العلوية، مؤكداً له بالبراهين والأدلة على أن العباسيين أحق الناس بالسلطة. يقول الدكتور شوقي ضيف عن ذلك: "حتى إذا شُغل المأمون بعقيدة الإمامة، ومستحقيها من العباسيين أو الشيعة ـ بعد رجوعه من مرو إلى بغداد ـ أشار عليه ثمامة [بن أشرس] بأن يطلب إلى الجاحظ الكتابة في هذا الموضوع. وكتب الجاحظ، وأُُعجب المأمون إعجاباً لا حد له، بما كتب. وكان ذلك فاتحة عهد جديد للجاحظ، لا لأنه تحول من البصرة إلى بغداد، ولكن لأنه أصبح كاتباً رسمياً للدولة"(8).
إن هذا الأدب الرفيع، إنما وضع مقاييسه المترفون من الحكام ومن لف لفهم. فإذا ما أريد من قولهم رفيع أنه عظيم شديد الجمال، لا يبارى، فإن هذا الاعتبار هو الأسطورة، أسطورة لا حقيقة لها، تخيلها الناس، وظنوا أنها واقعة بهم، مع أنها أدنى من ذلك بكثير.
أما باقي المقالات من الثامنة والعشرين إلى الثانية والثلاثين، فمكرسة لضرب الأمثلة، تأكيداً لما سبق قوله في المقالات السابقة، مما نرى أن عرضه هنا هو زيادة لمستزيد لا تسمح به طبيعة هذا العرض المختصر.
ثالثاً: الخاتمة:
وأخيراً، ربما يجدر بي هنا، إعادة عرض رأيي في الكاتب والكتاب، في نقاط مختصرة، فأقول:
1. لا يبدو لنا واضحاً مذهب المؤلف، أهو شيعي أم سني. لكن الواضح من مجمل آرائه أنه مثقف مستقل الفكر، لا يحجم عن انتقاد مثالب الطائفتين، بمصداقية قلّ نظيرها لدى المتعصبين للمذهبية الضيقة.
2. يستخدم المؤلف أسلوب العلاج بالصدمة، فهو لا يتحرج من انتقاد ما يراه غيره راسخاً، في الدين والأدب، فيفكك مقولات ظُن أنها راسخة، تفكيكاً عقلياً فلسفياً يجعلها محل شك، بعد أن كانت محل اعتقاد راسخ.
3. الكتاب شاهد عدل على أن المؤلف ينحدر من أصول متدينة، ومثقف ثقافة دينية راسخة. فهو حريص على الاستشهاد بالقرآن واحترامه، إلا أنه يقع بين الفينة والأخرى في بعض الهنات، التي ما كان له أن يقع فيها، لو أنه أطال التأمل في كتاب الله. فمن ذلك ما ذهب إليه ـ في المقالة التاسعة ـ من ابتكار قريش لفكرة الأشهر الحرم، التي يحرم فيها القتال، تأميناً لحدوث موسم الحج (ص108). والحق أن هذه فكرة كان من الممكن أن تكون مقبولة، لولا أننا وجدنا في القرآن الكريم، أن هذه الأشهر الحرم ليست فكرة بشرية، بل قرار إلهي، مقرر منذ خلق الله السماوات والأرض، كما في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حُرُم﴾(التوبة. الآية36).
4. ينحاز المؤلف إلى طبقة الشعب، وينأى بنفسه عن طبقة الإنتلجنسيا الثقافية. فهو يمكن أن يوصف بأنه نموذج للمثقف العضوي، الذي حلم به غرامشي، يقف ضد القيم الآفلة، وينحاز إلى القيم الصاعدة، قيم الفقراء، الذين يمهد لانتصارهم على مستغليهم.
5. يمكن أن يدرج نقد الدكتور علي الوردي ضمن مدرسة النقد الثقافي، وهي المدرسة التي تتخذ من الأدب مادتها الخام، فتحفر تحت أسلوبه، عن علله الاجتماعية والتاريخية والثقافية.
6. الكتاب كله يتعالى على أسلوب التأثير، وينحاز إلى أسلوب الإقناع، ومحاورة العقل، بدلاً من العاطفة. فهو في هذا كتاب علم، حتى وهو يعرض آراءه بأسلوب أدبي.
7. يهتك الكتاب كثيراً من حجب الجمال الخارجية عن الشعر العربي، فيرينا ما وراء هذه النزعة الجمالية من أنساق ثقافية رديئة، تحل الجمال محل الأخلاق، إذ تحكم لكل جميل بأنه حق. فالحق ـ في نظر المؤلف ـ قيمة فلسفية تقوم على مقولة: لا جميل إلا ما كان حقاً، بعكس مقولة النزعة الجمالية: لا حق إلا ما كان جميلاً.
8. من هنا يمكن وصف منهج الكتاب بأنه منهج تاريخي. وإن شئنا الدقة فهو منهج التاريخانية الجديدة، التي تعتبر إحدى اجتهادات النقد الثقافي.
9. المؤلف لا يمحض منطق أرسطو احتراماً كافياً، بل يفضل عليه منهج السوفسطائيين، الذي يرى أن للحقيقة وجوهاً متعددة، تحسمها زاوية النظر. وهو يعد تأثر العرب بمنطق أرسطو، بعد أن ترجموه مبكراً، سبباً من أسباب فرقتهم. إذ أصر كل فريق منهم على أن الحقيقة الواحدة الوحيدة في صفه وهو يملكها، ولو تبنوا المنطق السوفسطائي لأمكنهم أن يقبل بعضهم بعضاً، ويقول كل منهم لعل صاحبي يرى الحق من زاوية أخرى. ولعل هذا الرأي من المؤلف جدير بالمراجعة والنقاش، إذ هو صعب أن يقتنع به مقتنع، لأن الناس مفطورون على البحث عن الحقيقة، لا عن صورتها في الأعين.
10. وأخيراً، يتميز الكتاب بجرأة نادرة تستحق الإعجاب، إذ يضع المؤلف يده على مكمن الداء في الأدب العربي. ولو أنصفنا لتساءلنا: لماذا لا يتبقى من الشعر العربي شيء إذا ما تُرجم؟. مع أننا حين نترجم الأدب العالمي يتبقى لنا منه الكثير؟ ألا يدل هذا على أن أدبنا في مجمله قائم على الألفاظ والصياغة، على حساب المعاني، التي كثيراً ما تكون غير ذات شأن. وهذه المعاني هي التي تبقى بعد الترجمة، فيما تذهب الصياغة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإحالات:
* علي الوردي. أسطورة الأدب الرفيع. ط2. لندن. دار كوفان. 1994.
1ـ انظر: إدوارد سعيد. العالم والنص والناقد. ترجمة عبد الكريم محفوض. دمشق. اتحاد الكتاب العرب. 2000. ص7.
2ـ شوقي ضيف. تاريخ الأدب العربي. العصر العباسي الثاني. ط13. دار المعارف. القاهرة. دون تاريخ. ص69، 68، 57، 72.
3ـ عبد الله الغذامي. النقد الثقافي: قراءة في الأنساق الثقافية العربية. ط1. بيروت والدار البيضاء. المركز الثقافي العربي. 2000. ص94.
4ـ انظر: شوقي ضيف. مصدر سابق. ص51.
5ـ انظر: شوقي ضيف. نفس المصدر. ص57.
6ـ انظر: شوقي ضيف. نفس المصدر. ص57.
7ـ الجاحظ. الحيوان. ط2. الجزء الثالث. تحقيق وشرح عبد السلام هارون. شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده. القاهرة. 1965. ص131ـ132.
8ـ شوقي ضيف. مصدر سابق. ص189.



#خضر_محجز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في بطلان طاعة الحاكم المتغلب
- زوووم 6
- الأيديولوجيا كوعي زائف
- التابو
- نظرات في كتاب حاج حمد (إبستمولوجيا المعرفة الكونية)
- زوووم 5
- صديقي محمد فكري الجزار
- ثأر القبيلة: الأسباب الحقيقية لاحتجاز الدكتور محمد الجزار في ...
- تعليقاً على اعتقال الدكتور محمد الجزار: عندما تتحول الجامعات ...
- كتاب مفتوح إلى المحكمة الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب
- زوووم 4
- رسائل قصيرة جداً تعرف عناوينها
- مخلوقات تحسن استخراء الشيطان
- استنوق الجمل: لا يشرفني أن يوضع اسمي في قائمة تدعم الطغيان
- صورة أمين عام اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين
- الحرب على غزة: الأيديولوجيا و خيارات الواقع
- زوووم 3
- جماليات الثورة المصرية من منظور فلسطيني
- زوووم 2
- في طفولة نظرية الحاكمية


المزيد.....




- فرنسا: الجمعية الوطنية تصادق على قانون يمنع التمييز على أساس ...
- مقتل 45 شخصا على الأقل في سقوط حافلة من على جسر في جنوب إفري ...
- جنرال أمريكي يوضح سبب عدم تزويد إسرائيل بكل الأسلحة التي طلب ...
- شاهد: إفطار مجاني للصائمين في طهران خلال شهر رمضان
- لافروف عن سيناريو -بوليتيكو- لعزل روسيا.. -ليحلموا.. ليس في ...
- روسيا تصنع غواصات نووية من جيل جديد
- الدفاع الأمريكية تكشف عن محادثات أولية بشأن تمويل -قوة لحفظ ...
- الجزائر تعلن إجلاء 45 طفلا فلسطينيا و6 جزائريين جرحى عبر مطا ...
- لافروف: الغرب يحاول إقناعنا بعدم ضلوع أوكرانيا في هجوم -كروك ...
- Vivo تكشف عن أحد أفضل الهواتف القابلة للطي (فيديو)


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - خضر محجز - أسطورة الأدب الرفيع* للدكتور علي الوردي: عرض ومناقشة