أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - خضر محجز - التابو














المزيد.....

التابو


خضر محجز

الحوار المتمدن-العدد: 3450 - 2011 / 8 / 8 - 15:27
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كتبت هذا الموضوع بعد تأملي ملياً في أسباب الخوف العميق الذي يكنه البشر ـ أو من أعرفهم منهم ـ للحية، خوف يمكن القول إنه أكبر من قدرة هذه الزاحفة على الأذى، حتى إن الناس ليخافون الحية أكثر من الأسد أو أي حيوان مفترس آخر.
(الحية) فحسب!. أتلاحظون ذلك؟. (الحية) بهذا الاسم تماماً، أما (الثعبان) فلا يملك نفس قوة الاسم، ولا يحقق نفس الدرجة من الخوف، مع أنه نفسه هو الحية!. ربما يمكن القول إن علاقة الخوف هنا قد بلغت درجة أن ارتبطت باسم الحية، أكثر من ارتباطها بمسماها الواقعي. الخوف هنا ناتج تجريدي في قسم كبير منه. أي أن هنالك علاقة ما بين النطق باسم الحية وحضور الخوف من تحقق الضرر.
يغلب على الظن أن الحية هنا تمثل طوطماً (Totem)، نخشاه ونحرص على إرضائه، أو قتله حين يتعذر الإرضاء. ودعونا نتذكر هنا الأصل اللغوي الواحد، الذي يجمع ما بين الجني والحية. يقول صاحب مختار الصحاح، في مادة: ج ن ن: "والجان أبو الجن. والجان أيضاً: حية بيضاء". ثم دعونا نتذكر الحديث الذي رواه مسلم، عن الصحابي الذي عاد إلى بيته، فوجد حية على فراشه، فلما حاول قتلها، قتلته. فنهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن قتل الحيات، قبل إنذارها ثلاثاً، معللاً ذلك بأنها قد تكون من الجن. (انظر الحديث رقم 2236)
وإذا كانت الحية طوطماً، فإن اسمها قد تحول إلى تابو، نخشى التلفظ به في أعماقنا، خوفاً من حضور أثره. ولن يقلل من شأن هذا الكلام أن يقال إن هذا مجرد اعتقاد شعبي، فما هو شعبي اليوم، يعني ما هو عام وراسخ، ومنحدر من أصول بعيدة، أثبت علم النفس وجوده، ولم يعد باستطاعة الثقافة إنكاره.
فما هو التابو؟.
يعرب الدكتور كمال بشر مصطلح تابو (taboo) بـ(اللامساس)، فيما يميل الأكثرون إلى نقل الكلمة كما هي في لغتها الأصلية كما هي (تابو).
كلمة تابو ذات أصل پولينيزي ـ مجموعة عرقية من سكان أستراليا الأصليين ـ تُطلق على كل ما هو مقدس أو ملعون، ويحرم لمسه أو الاقتراب منه، لأسباب خفية، لا تتعلق عادة بالدين ولا بمصالح أصحاب الامتيازات، فالأسباب خفية وشديدة العمق، وتنحدر في مجموعها من غريزة الخوف، التي نعلم أنها أكثر الغرائز البشرية أصالة وبدائية: الخوف من القوى الجِنِّيَّة.
وضد تابو ـ في الپولينيزية أيضاً ـ هو (نوا): أي الاعتيادي، أو العمومي.
ومن هنا يتضح أن التابو تصور خاص، عن مؤثر خاص، يختلف عن الواقع اليومي المفهوم في الغالب. فرغم أن قانون الحظر التابوي غير مكتوب، إلا أن الخضوع له منغرس عميقاً في لاشعور الخاضعين. نعرف هذا من ملاحظتنا أن إيمانهم بحق التابو في فرض محظوراته الخاصة، إنما يحدث بصورة بديهية، ودون أن يعلموا لماذا، بل حتى دون أن يخطر على بال هؤلاء الخاضعين أن يتساءلوا: لماذا.
ولا يقتصر التابو على كونه شخصاً أو جماداً أو نباتاً أو حيواناً، بل إن هناك تابو الكلمات. إذ يمكن لكلمة ما أن تتحول إلى تابو، فيحظر التلفظ بها، كما يحدث معنا في الحياة اليومية إلى الآن، حين نخشى التلفظ بكلمة (جني) أو (الجن)، فنقول: دستور، أو حتى حين يتطرق الحديث إلى مرض خطير كالسرطان، فنتهيب من التلفظ باسمه، ونستبدله بقولنا: الملعون، أو: اللي ما يتسمى...!. وإنما يحدث ذلك معنا لما نحس به إحساساً غامضاً، من قدرة بعض الأسماء على الحضور والتحقق. ودعونا هنا نتذكر أن العديد من المتدينين اليهود يطلبون العون من قوة الاسم، فيقولون: (بعزرات هشّيم): أي بقوة الاسم. والاسم هنا هو الله.
في تابو الكلمات يحظر النطق، وفي تابو الأشخاص والأشياء يحظر اللمس ـ دعونا نعترف بأن النطق لمس من نوع خاص ـ وما ذاك إلا لما يؤمن به الخاضعون من أن التابو يمكن تشبيهه بجسم مشحون بالكهرباء، له قدرة رهيبة تنتقل باللمس، وتتمخض عن ويلات.
وقد أصبحت كلمة تابو علماً على المنتِج والناتج في آن. فكما أن منتِج التأثير (شجرة، كلمة، كاهن، ساحر...) هو بذاته تابو؛ فإن مفعول التأثير ـ لعنة أو منع ـ هو تابو كذلك.
وإن كون التابو مقدساً أو ملعوناً يحمل في طياته أمرين متناقضين: الإجلال والخوف. ولأنه كذلك فهو ينتقم لنفسه بنفسه، أو هكذا يظن الخاضعون له. وفي حالات نادرة يقوم المجتمع بإيقاع العقوبة على منتهك الحظر، استباقاً لوقوع عقاب عام، ودرءاً له. وهذا ما دعا بعض الباحثين إلى اعتبار التابو نوعاً من المحرم الديني أو الأخلاقي. ورغم أن فرويد يميل إلى هذا الرأي، إلا أنني لا أرجحه، بناء على فهمي أن محرمات الدين هي في الأصل ناتجة عن وجود نص مكتوب، بخلاف التابو الذي لا يُعرف له أصل.
يمكن القول ـ نتيجة لكل ما سبق ـ إن التابو هو سلسلة تقييدات غير معللة، يتم الخضوع لها بصورة بديهية خوفاً من وقوع القصاص التلقائي، على أبشع صورة، حتى لو كان الانتهاك غير متعمد.



#خضر_محجز (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرات في كتاب حاج حمد (إبستمولوجيا المعرفة الكونية)
- زوووم 5
- صديقي محمد فكري الجزار
- ثأر القبيلة: الأسباب الحقيقية لاحتجاز الدكتور محمد الجزار في ...
- تعليقاً على اعتقال الدكتور محمد الجزار: عندما تتحول الجامعات ...
- كتاب مفتوح إلى المحكمة الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب
- زوووم 4
- رسائل قصيرة جداً تعرف عناوينها
- مخلوقات تحسن استخراء الشيطان
- استنوق الجمل: لا يشرفني أن يوضع اسمي في قائمة تدعم الطغيان
- صورة أمين عام اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين
- الحرب على غزة: الأيديولوجيا و خيارات الواقع
- زوووم 3
- جماليات الثورة المصرية من منظور فلسطيني
- زوووم 2
- في طفولة نظرية الحاكمية
- قراءة في قصيدة سليم النفار، في مديح أمير قطر
- زوووم 1
- الخطابة: التأثير، المتعة، الهيمنة
- المواجهة وشرط الميراث


المزيد.....




- أحمد سعد يصدر الجزء الأول من ألبوم -بيستهبل-.. و-تاني- مع رو ...
- الحكومة السورية تعلن انسحاب قوات الجيش من السويداء
- أضخم دراسة تصوير طبي للبشر تصل إلى مشاركها رقم 100 ألف
- روبيو يعلن توصل أطراف النزاع لاتفاق لإنهاء العنف في سوريا
- إسرائيل: حزب شاس ينسحب من الحكومة احتجاجًا على عدم تمرير قان ...
- إسبانيا - موريتانيا: شراكة رابحة أم حسابات استراتيجية؟
- إسرائيل تهدد بتوسيع القتال وحماس ترفض بقاء الاحتلال بغزة
- تعليق الملاحة بمطار بن غوريون إثر صاروخ من اليمن
- قتلى وأكثر من 4 آلاف جريح في فيضانات تضرب العاصمة كوناكري
- زامير: ملتزمون بأمن الدروز وسنمنع أي عناصر معادية على الحدود ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - خضر محجز - التابو