أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - ابراهيم عباس نتو - الانتخاب على الباب: بدء الديموقراطيا في السعودية















المزيد.....


الانتخاب على الباب: بدء الديموقراطيا في السعودية


ابراهيم عباس نتو

الحوار المتمدن-العدد: 1099 - 2005 / 2 / 4 - 11:54
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
    



في العاشر من فبراير 2005م، و في غرة شهر المحرم 1426هـ، ستبدأ أول مرحلة من ثلاث مراحل انتخابية للمجالس البلدية في أنحاء المملكة العربية السعودية، بدءاً بالرياض ..في المنطقة الوسطى (نجد). و ينظر إلى هذا الحدث كبداية تاريخية؛ تبدأ معها بدايات تنشيط "المشاركة" الاجتماعية في وضع قرارات الشأن العام.
و من المعلوم أن لا خلاص و لا تقدم للأمة بدون الديموقراطيا.. التي تعنى أساساً باشتراك و مشاركة الناس في عمليات اتخاذ القرارات؛ و لا ديموقراطيا بدون انتخابات يشارك فيها كل راشد و راشدة. نحن على وشك أن نلج باباً أمامياً من أبواب الديموقراطيا في المملكة العربية السعودية بعد بدء تسجيل الناخبين في قوائم الاقتراع، و ذلك كخطوة تسبق عملية "التصويت"/ "الاقتراع" للانتخاب المباشر للمجالس البلدية في 179 موقع "بلدي" (إلى وقت قريب، كان مجموع البلديات 178 ، ثم زيد موقع خُصص للقطيف.. التي فصلت عن "أمانة مدينة الدمام"). هذه المواقع الـ179 تغطي 13 منطقة في أنحاء البلاد.
المقصود هنا بـ"الانتخابات البلدية"، في هذه المرحلة، أن سيبدأ هذا الإنجاز التاريخي بانتخاب فقط 2/1 أعضاء المجالس البلدية.. بدءاً بمنطقة "أمانة مدينة الرياض" في 10 من فبراير 2005م؛..أي لانتخاب 7 أعضاء ..من مجموع 14 في عضوية المجلس هناك.
و تختلف بالطبع أحجام المواقع البلدية من جهة لأخرى، فكل "منطقة بلدية" ذات مسمى "أمانة"(..مثل أمانة مدينة الرياض، أو "أمانة العاصمة"(مكة المكرمة) لها مجلسٌ بلديٌ مكون من 14 مقعداً، ..ينتخب لعضوية 7 منها في كل"أمانة")؛ بينما في بقية "المدن"، ..فإن أعداد المقاعد الإجمالية المخصصة لكل مجلس تنخفض إلى 12(الأحساء)، ثم 10(القطيف)، ثم 8، ثم 6، ثم 4 (..الأخيرة في "المجمعات القروية"). و يتمكن الناس المقترعون (الناخبون) من انتخاب النصف فقط .. في كل حالة و فئة.
فمع قرب حلول ذلك اليوم الموعود ستبدأ الخطوة التاريخية التي طال انتظارها، ببدء تقليد "إبداء الرأي" المنظم؛ و تبدأ رسمياً أولى مراتب "المشاركة العامة المنظمة في اتخاذ القرار"، ..و يبدأ إيلاج "البطاقة الانتخابية" في صندوق الاقتراع. و في ذلك اليوم سيبدأ اللحاق بالأمم المتقدمة اجتماعياً/ سياسياً، فنعطي الناس ..عموم الناس..حقهم الأزلي الأبدي في إبداء وجهة نظرهم..و في تحديد مناحي اختياراتهم..و في تقرير مصيرهم، و ذلك عن طريق التعبير المهذب المتحضر و عن طريق بالتصويت في قوائم الكشوف، و ليس بالتصويب برصاص الكلاشينكوف..و ليس بالتعبير البذيء المفسد عن طريق إشعال النيران في سيارات مفخخة انتحارية إرهابية في المجمعات السكنية الآمنة.

و بما أننا حديثو عهد بالديموقراطيا، فسنبدأ ارتقاء الدرجةَ الأولى من سُـلَّـمِها، فندخلُ بذلك "الصف الأول" في المرحلة الابتدائية الديموقراطية. و يلزمنا -لذلك- الكثير من التوعية في مجالات و مفاهيم و عمليات "الديموقراطيا"، بدءاً بألـِفِها و حتى يائها. و حاجتنا هذه تشمل توعية المواطن "الناخب"/ "المقترِع"، ..و كذلك الشخص المتقدم للانتخاب، "المترشح". بل سيكون من الضروري أن تشمل عمليات التوعية و التدريب أيضاً المسئولين من منظمي و منفذي عمليات الانتخاب برمتها، فهم أيضاً في حاجة إلى التدريب و التمرين و التوعية و التثقيف؛ فالكل هنا حديثُ عهدٍ بالديموقراطيا.

و لكن، أود هنا أن أسارع إلى تكرار إكباري و إعجابي باللائحة التي أصدرتها الدولة السعودية في يوم الاثنين 9 من أغسطس 2004م؛ فلقد بدت اللائحة في غاية الجودة، و كانت في غاية التفصيل و التوضيح، بما شمل تعميم و شمولية أحقية "من لهم حق التصويت"، فقد جاءت اللائحة واضحة و صريحة --بأن "كل مواطن"، كل مواطن له حق التصويت.
كما قد ظهر في الأخبار ما يخلب البصر:أنه سيحق حتى للسجناء أن "يصوتوا"/ "يقترعوا". لا أظن أن أحداً في العالم قد سمع بأن "المساجين" يحق لهم التصويت،.. و في تخميني- لم يحدث مثل هذا حتى و لا في الدول الإسكندنافية! و هذه خطوة تسجل بمداد خاص لصالح الدولة. و اتبع سعادة اللواء علي محمد الحارثي قوله، و هو مدير عام السجون في المملكة، الذي أدلى بذلك التصريح الصحفي، و أضاف بأن "فرصة و حق التصويت مفتوحتان لكل فرد، بلا أي استثناء." ثم جاء في تصريح السيد اللواء ما فاق كل التوقعات في تصوري، حين أضاف سعادته بأن "المساجين سيكون لهم حق الترشح للمقاعد الانتخابية [أيضاً] .."إذا انطبقت عليهم متطلبات الترشح". و ختم سعادة المدير العام اللواء تصريحه بأن: "كل سجين يتساوى مع أي مواطن آخر في مجال الحقوق والواجبات".
ثم –بعد كل هذا-- قرأنا ما جاء مفاجئاً..في شكل استبعاد العسكريين(..لا أدري لماذا)؛ وأيضاً، بعد مضي عدة شهور على إعلان إقرار مبدأ التصويت، صدر خبر مفاجئ آخر ..مفاده أن أحقية "المواطن" في التصويت لن تشمل(هذه المرة) النساء. و كانت ثمة غرابة ثالثة..هي عدم أحقية "موظفي وزارة البلديات و الشئون القروية" في التصويت أيضا.
و لكن، المهم الآن هو أن نبدأ.

ثم إنه مما "يثلج الصدر" حقاً..أنـّا بدأنا نسمع (حتى قبل انصرام النصف الأول من الشهر الذي أعلنت فيه اللائحة) عن بدء تقاطر الراغبين في عدد من مدن المملكة.. في الترشح للمقاعد المعروضة للانتخاب. فلقد بلغ العدد الإجمالي للمترشحين في منطقة الرياض (الجزء الأكبر من منطقة نجد) ما مجموعة 1818 مترشحاً متنافساً في الحملة الانتخابية..كان منهم 646 مترشحاً متنافساً في "مدينة" الرياض وحدها. و كمؤشر على اهتمام المواطنين و استبشارهم بقدوم الديموقراطيا،..و تعطشهم إلي المشاركة في مناكب الشأن العام.. ما قرأناه عن رجل أعمال رغب في الترشح لمقعد انتخابي في مدينة الرياض، فقام بالتعاقد بمبلغ ضخم مع مؤسسة للترويج الإعلامي، لإدارة حملته الانتخابية.
و كذلك كان الحماس الإستبشاري المتهيئ المتحفز في أنحاء البلاد؛ فكان قد أعلن أن ضِمن الراغبين في الترشح.. في مدينة مكة المكرمة مثلاً: الرئيس السابق لجامعة أم القرى، الدكتور راشد الراجح، و كذلك رجل الأعمال عبدالرحمان فقيها؛ و في هذا و ذاك إشارة واضحة عن تطلع الناس، و استبشارهم ببدء الانتخابات الديموقراطية في البلاد،..و أنهم يأخذونها مأخذ الاهتمام و الجد.
لقد بدأت المرحلة الأولى من التسجيل للانتخاب –في منطقة الرياض (44 مركزاً انتخابياً) لتكوين قوائم الاقتراع/ التصويت، لمدة شهر، ما بين 23 من نوفمبر إلى 22 من ديسمبر 2004م؛ ثم القوائم النهائية في 2 من يناير، ثم فترة "الطعون والتظلم"، ثم القوائم النهائية" في 29 منه؛ ثم الحملة الانتخابية. لقد بلغ عدد المسجلين المنتظر أن يدلوا بأصواتهم في منطقة الرياض ما مجموعه 149417..منهم 86680 مسجلاً في الرياض، زائداً 73762 في المحافظات التابعة لـ"منطقة الرياض"؛ و بلغ العدد الأولي للمترشحين في مدينة الرياض قرابة الـ700 [=698] لشغل المقاعد الـ7 المنتظر شغلها كمقاعد "منتخبة". و من هذه الأرقام، لا يسعنا إلا أن نلاحظ و نرصد بفيض من الدهشة العامرة الممزوجة بالفرحة الغامرة، أن المتقدمين للتنافس على المقاعد المعروضة للتصويت قد بلغ تعدادهم ما معدله قرابة 100 لكل مقعد!!
و يوم الانتخاب في منطقة الرياض هو 10 من فبراير 2005 م/ غرة محرم 1426هـ . و سيكون الانتخاب لفرصة واحدة.. حيث أنه تقرر أن لا تـُجرى "جولة"/ دورة ثانية للتصويت. أما في حالة تعادل الأصوات عند أعلى مترشحين، فسيتم الاختيار بينهما بطريقة القرعة.
ثم تأتي "المرحلة الثانية": في المنطقة الشرقية (منطقة القطيف و الأحساء..)، و معها كذلك مناطق عسير، و نجران، و جيزان، و الباحة، ..فالتسجيل في تلك المرحلة كان ما بين 14 من ديسمبر 2004م..و حتى 12 من يناير 2005م. و يوم الانتخاب هناك هو 3 من مارس.
ثم هناك "المرحلة الثالثة" من عملية تسجيل الناخبين في مناطق: مكة المكرمة، و المدينة المنورة، و القصيم، و تبوك، و حائل، و الجوف، و الحدود الشمالية؛..و كل ذلك سيتم بعد انتهاء فترة الحج،.. ليستغرق التسجيل فترة شهر ..ما بين 15 من فبراير إلى 16 من مارس. و يوم الانتخاب هناك هو 21 من إبريل.

و من الشروط الحالية لتسجيل الناخبين، للتمكن من القيام بالاقتراع/ "التصويت":1) إبراز بطاقة الهوية؛ 2) ذكورية المواطن؛ 3) بلوغ سن 21 سنة [هجرية]؛ 4) تقديم ما يثبت الإقامة في المملكة (في المنطقة التي سيقترع فيها) كإبراز صك ملكية (أو عقد إجار) مسكنه؛ 5) كشف حساب الهاتف أو الكهرباء.
و على هذا، يـُزودُ(الناخبُ المنتظر) ببطاقة هوية خاصة بلاستيكية.. يستعملها -مع إبراز بطاقة هويته العادية- للإدلاء بصوته في يوم الانتخاب الموعود.

و للمعلومية، فإن "سُلطات" المجلس البلدي [--التي كان قد أقرها "نظام البلديات والقرى" الصادر –منذ فترة قديمة جداً-- بالمرسوم الملكي رقم م/5 في 21/2/1397هـ [=11 من فبراير 1977م]، ..فإن المادة 23 منه تنص على أن للمجلس البلدي صلاحية اتخاذ القرارات في جميع المسائل المتعلقة بالبلدية طبقا للنظام.

وتتحدد "المسائل" البلدية في: إعداد مشروع ميزانية البلدية وإقرار مشروع الحساب الختامي بقصد رفعه للجهات المختصة؛ إعداد مشروع المخطط التنظيمي للبلديات بالاشتراك مع الجهات المعنية تمهيدا لاعتماده من وزير الشئون البلدية والقروية؛ وضع اللوائح التنفيذية الخاصة بالشروط التخطيطية والتنظيمية والفنية والواجب توافرها في المناطق العمرانية؛ اقتراح المشاريع العمرانية في البلدة؛ وضع اللوائح التنفيذية اللازمة للممارسات البلدية فيما يتعلق بالصحة والمباني والمرافق العامة؛ تحديد مقدار الرسوم والغرامات؛ مراقبة الإيرادات والمصروفات و إدارة أموال البلدية طبقا للأنظمة والتعليمات السارية وضمن الحدود المبينة في الإعانات الحكومية المختصة لها؛ مراقبة سير أعمال البلديات والعمل على رفع كفاءتها وحسن أدائها للخدمات؛ اقتراح مشاريع نزع الملكية للمنفعة العامة؛ عقد القروض من المؤسسات الحكومية المختصة؛ قبول الوصايا والهبات المتمشية مع الشريعة الإسلامية والمصلحة العامة؛ تحديد أسعار الخدمات والموارد التي تقدمها البلدية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة؛ و إبداء الرأي فيما يعرض على المجلس من قضايا.

و بعد، ففيما يتصل بأساسيات الديموقراطيا –قبل و خلال و بعد انتهاء حمْوة "الحملات الانتخابية"، و بعد بدء تبوء المقاعد –سواء منها المحلية أم غير المحلية-- هو أهمية توافر المكونات الأساسية لـما يسمى بـ"المجتمع المدني"Non-Government Organizations [NGO’s]: 1. الجمعيات التعاونية؛ 2. الغرف التجارية-الصناعية وجماعات رجال -و سيدات- الأعمال؛ 3. النقابات المهنية؛ 4. جماعات هيئات التدريس التربوية و الجامعية؛ 5. النوادي الثقافية والاجتماعية و الرياضية؛ 6. النقابات العمالية؛ 7. مراكز الشباب والجماعات الطلابية؛ 8. المنظمات غير الحكومية "المطالبة" و الجماعات التنموية "الضاغطة"، مثل جمعيات حقوق الإنسان؛ 9. الجماعات النسوية؛ 10. منتديات التنمية و جماعات حماية البيئة؛ 11. "الصحافة و الإعلام والنشر" الأهلية؛ 12. "بيوت الخبرة" و مراكز البحوث والدراسات؛.. و نحو ذلك من مكونات.

فيأتي دور هيئات "المجتمع المدني" تلك ضمن المكونات الفاعلة في نظم الدول المعتبرة في هذا المضمار، ..ليس فقط في خضم الحملات الانتخابية ..بل نجد أن على فاعلية و تفاعل جماعات "المجتمع المدني" يعتمد مستوى نضج و مدى نوعية أداء المترشحين شاغلي المقاعد المنتخبة(و كذلك شاغلي المقاعد غير المنتخبة) --فيما وراء فترات "الحملات الانتخابية"، و على مدى الأعوام.

فنتطلع إلى أن ننمو جميعاً في مضمار "المشاركة"..و في التعاون في تحمل أوزار المسئولية و الخدمة العامة، وأن نحقق ما أود تسميته بـ "أهداف الديموقراطيا السبعة": 1. التعددية؛ 2. فصل و استقلال السلطات الثلاث؛ 3. تعزيز الحريات؛ 4. تنفيذ المواثيق الدولية برمتها، نصاً و روحاً؛ 5. الحفاظ على حقوق الإنسان، بما فيها حقوق المرأة في مختلف مناحي الحياة؛ 6. إشاعة التسامح و تحمل الرأي الآخر؛ و كذلك: 7. ترسيخ العدالة الاجتماعية بعامة.
* يلاحظ القارئ الكريم أني أتهجأ كلمة "الديموقراطيا" هكذا بحرف الألف في آخرها.. و ليس كما أصبح معتاداً تهجئته بالتاء المربوطة؛ ..فإني أرى هجاءة "ديموقراطيا" على وزن "جغرافيا"، "جيولوجيا"، سوسيولوجيا إلخ، و أرى أن التاء المربوطة يتم استعمالها حينما تأتي صفة لموصوف، ..في مثل: العملية الديموقراطية،.. الخرائط الجغرافية،الطبقات الجيولوجية، الدراسات السوسيولوجية ..إلخ.
لا تقاطعوا الانتخابات: سمعتُ و قرأتُ عن هـَمْهمات أو بعضِ تصريحاتٍ تدعو إلى "مقاطعة" الانتخابات؛ و هذا ..في نظري .. من أكبر الأخطاء. فصحيح أن من دعا إلى "المقاطعة" ربما كان في باله(أثناء إحجامه، و في خضم احتجاجه): 1. عدم تمكين نصف المجتمع في شخص نسائه من الإدلاء بأصواتهن كحق مشروع؛ 2. و لربما كان في بال "المقاطعين"..ما يرونه من قلة الجدوى في تركيبة تكوين المجالس أصلاً،..لكون الانتخاب هو فقط لنصف عضوية المجلس بينما النصف الأخر معين..(و أن "رئيسه" قد يتقرر أن يكون من "الفئة المعينة" أيضاً)؛ 3. و قد يكون السبب -عندهم- هو قلة وضوح الرؤية أصلاً عند الناس،..فيما يتصل بـحقوق و"صلاحيات" عضوية المجلس -- في ثوبه الجديد –و خاصة ما يخص "الأعضاء المنتخبين".

و لكن، و أيا كان "السبب"، فالمشاركة،.. بما فيها الإدلاء بالأصوات/"التصويت"..هي أولُ الأولويات. و لا يظنن أحد أن السلطات ستتأسف أو ستحزن على امتناع أو مقاطعة فئة من الناخبين؛ بل إن ما سيحدث هو أنها قد تنعم بتلك المقاطعة و بذلك الانزواء..و على طريقة "جاءت منك يا جامع!" ..أو(ذلك ما كنا نبغي).

لقد أخذ الإتحاد السوفيتي أيام كان، و خلال أوج "زماناته"، و حينما كان يُحسبُ دولةً "عُظمى"، أن أخطأ ذات مرة خطئاً كان "غلطة العمر". كان ذلك حينما خَوّل أو وَجـَّه مندوبه في مجلس الأمن في الأمم المتحدة بأن يمتنع عن التصويت (بل بأن ينسحب كليةًَ من الجلسة) أثناء نقاش و إقرار قرار هام (كان يناسب أمريكا). ظن يومها الإتحاد السوفيتي و مندوبه في المجلس أن مقاطعته لجلسة التصويت ستفشل "القرار".. و ليس فقط الجلسة. و كان ما كان. فالذي حدث --و صار من المفاصل الحاسمة في تأريخ الأمم المتحدة—هو أن تم تمرير القرار؛ و ما كان ذلك إلا بفضل مقاطعة المندوب الروسي للجلسة، و بسبب أن القرار سلِم –بسبب المقاطعة الروسية-- من "الفيتو" الروسي ..الذي كان بإمكانه –لم استمر في الحضور-- بأن "يُنقضه" فيُلغيه بمجرد رفع أصبعه في لحظة التصويت بـ"لا"؛ و لكن ذلك لم يحدث!

و مثال آخر من فترة أقرب،..و من المنطقة القريبة منا؛ ذلك حينما قام -و أخطأً-- قادة المعارضة لجزء كبير من المواطنين/ السكان بمقاطعة الانتخابات؛ فالذي حصل هو أن أصبح القادة و المقودون (و هم الأغلبية الواضحة) متفرجين، محبطين، و غاب (بل"غَـيَّبوا" هم ) دورهم في تكوين البرلمان ..و من ثم في تسيير مداولاته و في نوعية قراراته!

يتصور البعض، و تكاد (تؤمن) بعض الجماعات "المعارضة"أن (مقاطعتهم) للتصويت سـ"تفـشِّل" المهمة، و تُعيق العملية، و تُحجِّم نِِسب الأعداد الإحصائية في حصيلة المترشحين. و مع أن شيئاً من هذا و هذه و ذاك قد يحصل، و قد يلحظ ذلك بعض للناس، و قد يرصدوه؛ و لكن، في أغلب الظن أنهم -حتى لو لاحظوا، فسيبقون (فقط) متذكرين، متأسفين.. محبطين.

فبعدما تُسردُ الأسماء و تُجردُ الأصوات، و تـُرفعُ الأقلام و تـَجُفُ الصحف، و يبدأ أعضاءُ هذا المجلس أو ذاك في مباشرة مهام عضويتهم و في ممارسة"مشاركتهم"،.. فإن القليل القليل من الناس ..بل وحتى من المتخصصين المراقبين ..من سيتذكر تفاصيل ما حدث. و ما سوف يسمعه هؤلاء و أولئك هو: "جاء العضو".. "صرح العضو". ثم –في بداية "الولاية" التالية-- ما يلبث أن يتقدم ذلك العضو ذاته( المرشح "العتيد"، "إبن الحي البار"، "العضو المجرِّب"...) للترشح مرة أخرى..و لإعادة انتخابه! ثم يعاد انتخابه، و يعود لاحتلال مقعده!

صحيح أن "مقاطعة" المترشح الفلاني لعملية الانتخاب،..و المقاطعة من قِـبـَل بعض "الفئات"..سواءً أكانت من "التقليديين" أم من "المتحررين"، قد يسبب بعض الإحراج للسلطة الحاكمة، و قد يُـنغّص عليها يوماً أو بعض يوم أثناء "حـَمـْـوَة" و سخونة "عملية الانتخاب" ..و خاصة أمام التغطية الآنية للإعلام ( بما فيه الخارجي) و مع حضور المراقبين (حينما يَحضرون أو يُحضّرون)؛ و لكن ذلك "الإحراج"--إن حصل-- فإنه لا يبقى أثره عادة إلا لفترة وجيزة. بل، و لربما قامت السلطة فــ"عـَـفَّـرت" بعفارها، و هيجت "عجاجها" في زخم و خضم يفوق العواصف الرملية العاتية. و فيما بعد، و بعد أن تشرب الأرض ماءها، و تقلع السحب عن سمائها،..و تعلن "النتيجة"، فإذا بها "النتيجة" التي تسبب المقاطعون فيها كونها أقرب إلى حد كبير النتيجة (الشرقية)المعتادة؛ و سيجدون أنها(..بسبب مقاطعتهم ..هذه المرة) ليست بعيدة كثيراً عن.. الـ 99,99% العتيدة!

أما فيما يتصل بعدم تمكين نصف المجتمع (المرأة) من الإدلاء بأصواتهن،.. فهذا –و كما كررته الجهات الرسمية..و في أكثر من سياق و محفل و مؤتمر صحفي ..أنه ما هو إلا أمرٌ مؤقت. فلقد أوضح سمو رئيس لجنة الانتخابات في المملكة..أن عدم تمكن النساء هذه المرة عائدٌ –حصراً- إلى سببين اثنين لا ثالث لهما: السبب الأول، هو عدم اقتناء "عدد كبير" من النساء السعوديات "بطاقة الهوية" الرسمية،.. المطلوبة أثناء علمية الإدلاء بالأصوات؛ و السبب الثاني، كما صرح أيضاً سموه، هو أن المدة (طيلة العام المنصرم..الذي انصرم منذ تكوين لجنة الانتخابات، أو منذ إصدار قرار مجلس الوزراء قراره حول إجراء الانتخابات).."لم تكن كافية" لإتمام كل "الاستعدادات" اللازمة لضم النساء إلى صفوف "الناخبين" (في هذه المرة).
و لكن، و رغم هذا و ذاك، و رغم كل العقبات، فإن النساء قادمات -- و لو بعد حين. و لسوف يدلين بأصواتهن في الفرصة التالية و الفرص التالية،..و في كل المستويات.

..هذه الانتخابات في المملكة العربية السعودية خطوة مهمة و حركة تاريخية في مشوار طويل طويل. صحيح أنه كان من الممكن إقامتها منذ سنين و سنين؛ و صحيح أنها كانت لتكون أكثر "تاريخية" لو شارك فيها نصف المجتمع، النصف الثاني –النسوي، المتدثر. و لكن، الآن جاءت الفرصة و حلت المناسبة،..و توافرت معظم عناصر إنجاحها. و ما إنجاحها –في الأساس- إلا بمشاركة الناخبين،..و بمدى إيمانهم بجدوى و فاعلية "الإدلاء بالأصوات"/ القيام بالتصويت في الدوائر الانتخابية في كل منطقة و محافظة و مدينة و حارة.

و صحيح أنه كان قد دأب العديد من الجماعات في كثير من المجتمعات على "مقاطعة" الانتخابات،.. كتعبيرٍ لاحتجاج أو تنفيسٍ لاحتقان، أو كتبليغٍ لرسالةٍ اعتراضية..ظـناً منهم أن ذلك "سوف يشُـل" عصبَ الجهاز الحاكم بقضه و قضيضه، و بهياكله المستتبة عبر السنين، ..المتجذرة في كل واد و ربوة،.. المرتكزة على جيوش مُجيَّشة من الأعوان و العاملين "المخلصين" و الشركاء و المستفيدين. و لكن النتيجة تكون أحياناً أن الذي "يِسوَى و اللي ما يِسوى" سيتبوأ مقعده من المجالس المحلية و غيرها؛..ثم ما نلبث أن نرى و نسمع أنين و أسف أولئك "المعارضين" (المقاطعين) --الذي ما قطعوا إلا الطريق على أنفسهم،.. بينما كانوا يظنون أنهم سيقطعون –أو حتى يضيقون-- الطريق على المترشحين "الآخرين"!

ثم، إن مجرد "التصويت/ الإدلاء بالأصوات" لا يعنى –بالضرورة- "التأييد"؛ فالناخبون المدلون بأصواتهم..لهم الحق، كل الحق، في أن يعبروا أثناء "تصويتهم"(حتى حينما ينحصر مجال الاختيار و حينما تنعدم البدائل) فمقدور الناخب الإدلاء بـ "نعم".. إن شاء- بـ"لا"...إن أراد!

و تبقى ملاحظة أخرى، و قد تأتِ كمفاجأة للبعض، و هي أن "الامتناع" عن التصويت .. في حد ذاته هو "تصويت"! ففي نهاية المطاف، سيتساوى (من ناحية فرصة التصويت..) من عبـّر بصوته فدوَّن اختياره في خانة الموافقة أو عدمها.. و من صوت لصالح فلان أو لصالح عِلاّن. فسيحسب على الممتـنع بأنه "صوّت" و أنه "قرّر" ...أي أنه هو "اختار" ..و لو كان "الاختيار" في هذه الحالة—هو التخلي عن ألاقتراع؛ ففي ذلك –أيضاً-"قرار"، ..و هو في حكم "التصويت" و الاقتراع!

و مع أن "الامتناع" عن التصويت هو –في نهاية المطاف—حقٌ للناخب.. إلا أن تبعة ذلك الاعتكاف و الانزواء تحتسب عليه أو له،.. حسب نتيجة القرار! فإن أدى امتناعه أثره المطلوب عنده –سلباً أو إيجاباً، فبها و نعمت،.. و إلاً، فعلى نفسه جنا! و في معظم الأحيان و ربما كلها، فإن المفضل الأفضل أن يؤدي المواطن فريضة التصويت.. و هي "فرضُ عـَين"..لا يكفيه/ عنهُ في أدائها غيرُه!!

الديموقراطيا هي"عملية"، ..و لا تأتي "مسلوقة" و لا معلبة: ليست الديموقراطيا نزهة برية أو بحرية ..تعد لها العدة ليومها و ساعتها و لحظتها، بل هي، مثلها مثل البناء، تبنى طبقاً عن طبق، و كل طابق يتكون من "بـُلـُكـّات"/ "طوابيق" يرصها البناءون بمختلف فئاتهم و قدراتهم و مهاراتهم..ليرتفع الجدار و–بعده- تتعالى بقية طوابق المبنى.

و يبقى أن المهم ..بل الأهم.. هو البداية؛ والخطوة الأولى هي الأهم؛ فـ"الخط المستقيم" وغيره لا يتكون رسمه، و لا يمتد طوله بدون البدء بـ"نقطة"، ثم تتلُها أخواتها النقاط.. في عدد متواصل و متتابع من النقاط .. نقطة، ملصقة بنقطة!

و من المهم أن تمضي عملية "تسجيل" الناخبين المرتقبين ..و تكوين "قوائمهم" في "دوائرهم" الانتخابية،..و ذلك يكون بمثابة "إثبات وجودهم"، بل و كأنها "شهادات ميلادهم"..و سجل "إقامتهم" في تلك المحلة،و كأنهم أنهم فعلاً يثبتون أنهم من "أهل البلد"، و من "أولاد الحارة"، و من "عِيال الفريج". وإلاً، فالبديل -والمستحيل قبوله -هو أن يقوم كل من هَب و دَب و صادف–في ذات يوم التصويت، فـ"يمرَّ" على منطقة "الاقتراع" صبيحة يوم الانتخاب..ثم يطلب حقه في التصويت، هكذا!!

و المهم، الأهم، هو أن نبدأ "ألفباء الديموقراطيا"..و أن نلمّ بمبادئ "الثقافة الانتخابية"، و أن نسعى جميعاً لخطو الخطوة الأولى التي يعتمد عليها المشوار الطويل الذي ينتظرنا، بل و ينتظر أجيالنا القادمة من بعدنا؛ وعلينا أن نحرص على أن تأتِ المجالسُ البلدية (..و من بعدها مجالس الشورى أو البرلمانات).. مؤدية فعلاً الدور الحقيقي المتوقع منها. أو كما قال الأخ الزميل عبدالله الصالح الرشيد(مدير عام تربية وتعليم سابق، في الرياض):
"نأمل أن تكون مهام وفعاليات المجالس البلدية على مستوى الآمال المنتظرة منها بحيث تستفيد من تجارب وصلاحيات المجالس الناجحة في المجتمعات الأخرى، وأن يكون جميع الأعضاء وليس نصفهم في الدورات المقبلة يدخلون من بوابة الاقتراع لإضفاء هيبة وجسارة لدورها الحيوي على أن يبقى دور رئيس المجلس في الوقت الحاضر دورا تحكيمياً متوازناً.. وليس في كفة النصف "المعين".
فبعد إتمام "التسجيل" في قوائم "الدوائر الانتخابية"، -- هلموا إلى صناديق الاقتراع -- فضلاً!
و كل انتخاب و انتم بخير!

د. إبراهيم عباس نـَـتــُّـو
Dr. Ibraheem A. NATTO
[email protected]
عميد سابق في جامعة البترول..



#ابراهيم_عباس_نتو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بَدءُ الديموقراطيا و الانتخابات السعودية
- ما ضَــرَّ لو جاء المترشحُ العربي في الانتخابات بأقل من 99,9 ...
- بني وطني، لا تقاطعوا الانتخابات
- نجمتان خليجيتان: لـُبنىَ العِلَيّان..و نَدىَ زيدان
- رؤية هلال العيد كانت سرابا…
- السعودياتُ السبْع! شعاعُ مشاركةِ المرأةِ في الانتخابات بَدا ...
- بداهات في -الإصلاح- موجز عن محاضرة عامة لمعالي د. علي فخرو
- اللجنة الفرعية لحقوق الانسان تتبنى قرارا دوليا حول تعليم حقو ...
- مع قرب الإنتخابات في المملكة العربية السعودية
- بمناسبة -اليوم العالمي لحقوق الإنسان-..10 ديسمبر..التعبيرُ ح ...


المزيد.....




- بالأسماء.. أبرز 12 جامعة أمريكية تشهد مظاهرات مؤيدة للفلسطين ...
- ارتدت عن المدرج بقوة.. فيديو يُظهر محاولة طيار فاشلة في الهب ...
- لضمان عدم تكرارها مرة أخرى..محكمة توجه لائحة اتهامات ضد ناخب ...
- جرد حساب: ما نجاعة العقوبات ضد إيران وروسيا؟
- مسؤول صيني يرد على تهديدات واشنطن المستمرة بالعقوبات
- الولايات المتحدة.. حريق ضخم إثر انحراف قطار محمل بالبنزين وا ...
- هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأ ...
- هوغربيتس يحذر من زلزال قوي خلال 48 ساعة.. ويكشف عن مكانه
- Polestar تعلن عن أول هواتفها الذكية
- اكتشاف تأثير صحي مزدوج لتلوث الهواء على البالغين في منتصف ال ...


المزيد.....

- واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!! / محمد الحنفي
- احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية / منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
- محنة اليسار البحريني / حميد خنجي
- شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال ... / فاضل الحليبي
- الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟ / فؤاد الصلاحي
- مراجعات في أزمة اليسار في البحرين / كمال الذيب
- اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟ / فؤاد الصلاحي
- الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية / خليل بوهزّاع
- إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1) / حمزه القزاز
- أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم / محمد النعماني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - ابراهيم عباس نتو - الانتخاب على الباب: بدء الديموقراطيا في السعودية