عبدالخالق حسين
الحوار المتمدن-العدد: 1099 - 2005 / 2 / 4 - 11:29
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
وهكذا راح العراق ومنذ سقوط النظام الفاشي يوم 9 نيسان 2003 المجيد، يسير إلى الأمام خطوة خطوة متغلباً على الصعاب والعراقيل. لقد كانت الانتخابات العراقية عبارة عن صفعة قاصمة وجهها الشعب العراقي إلى وجوه الإرهابيين ومن يدعمهم ويروج لهم وخاصة من الإعلاميين العرب وفقهاء الموت الذين تمنوا للعراق الفشل وراهنوا على أن يتحول إلى مستنقع فيتنامي "يمرغون فيه رأس أمريكا وكبرياءها" لكي لا تتجرأ مرة أخرى فتسقط نظاماً استبدادياً فاشياً آخر في المنطقة. لذا فقد راح هؤلاء ومنذ سنوات ينذرون يدقون طبول حرب أهلية بين السنة والشيعة، بين العرب والأكراد، بين الشمال والجنوب، بين عشيرة وعشيرة، إذا ما تم إسقاط حكم البعث الصدامي. وخلاصة ما يردده هؤلاء أن الديمقراطية لا تصلح للعرب وخاصة للشعب العراقي ذو المكونات المتعددة حيث يحتاج إلى حاكم قوي ليحفظ للعراق وحدته أرضاً وشعباً بالقبضة الحديدية.
ومر عامان تقريباً على سقوط النظام الفاشي وقد خابت آمال الناعقين والمروجين للشر ولم تحصل هذه الحروب والحمد لله. وأخيرا قالوا أن أمريكا غير جادة في إقامة نظام ديمقراطي في العراق وأن الشعب العراقي سوف لن يشارك في أي انتخاب تجرى في ظل "الاحتلال" وحتى لو أجريت فإنها غير شرعية!!. لذلك بذلوا قصارى جهودهم، من تهديدات البعثييين على لسان حليفهم الزرقاوي إلى الفضائيات العربية والحملات الإعلامية المسعورة لإجهاض هذه الانتخابات، ولكن في نهاية المطاف باءت محاولاتهم البائسة بالفشل الذريع بفضل إصرار شعبنا على إجرائها وإنجاحها رغم العمليات الإرهابية، حيث شارك فيها حوالي 8 ملايين مواطن ومن جميع مكونات شعبنا، أي بنسبة 66% من المسجلين للتصويت حسب آخر التقديرات من المفوضية العليا للانتخابات. وهذه النسبة فاقت كل التوقعات وهي أعلى من نسبة المشاركين في أعرق دولة ديمقراطية في الغرب مما استحق عليه شعبنا إعجاب العالم ولم يستطع أعداء شعبنا أن يشككوا بنزاهة وشرعية هذه الانتخابات. فتصور عزيز القارئ، كم كانت نسبة المشاركة لو لم يكن هناك عراقيل وتهديدات بالموت من الإرهابيين؟ وكما قال الأستاذ أحمد الربعي في (الشرق الأوسط)، لا شك فإن الثمانية ملايين من العراقيين الذين تحدوا الإرهابيين وصوتوا لصالح الديمقراطية يعتبرون خونة وعملاء في نظر العربان.
وبعد أن حقق الشعب العراقي نجاحاً باهراً وخابت آمال أعدائه في إيقاف مسيرته التاريخية لتحقيق الديمقراطية، راحوا يقللون من أهمية هذه الانتخابات، ويشككون في إقامة نظام ديمقراطي عصري، وواصلوا ديدنهم في إثارة المخاوف مما سيجري بعد الانتخابات!! وكالعادة، ليس لديهم وسيلة أخرى سوى إثارة فزع الشعوب العربية والغربية وحكوماتها من البعبع الشيعي، و"الهلال الشيعي" وإقامة حكومة "إسلامية شيعية" على غرار الحكومة الإسلامية الإيرانية والتحالف مع إيران ضد "محيطه العربي" وحرمان السنة العرب وتهميشهم، واستحواذ الشيعة والكرد في وضع الدستور وحكم البلاد واستيراد أربعة ملايين إيراني ومائتي ألف يهودي... وإلى آخره من الأسطوانة المشروخة والأكاذيب الباطلة التي ما أنزل الله بها من سلطان. بل لجئوا إلى التهديد بالحرب الأهلية وبالويل والثبور وعظائم الأمور..الخ. ونقول لهؤلاء، كما فشلتم في إثارة الحروب الأهلية في العراق، وخابت آمالكم في تخريب الانتخابات، كذلك ستفشلون في تحقيق تخرصاتكم وأمنياتكم الشريرة الأخرى. يقول المثل (إذا كنت لا تستحي فقل ما تشاء). وكما قال أستاذهم غوبلز (اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس). فمصير هؤلاء الأفاقين والكذابين هو مزبلة التاريخ، كما انتهى أستاذهم المقبور غوبلز، لأن حبل الكذب قصير ولا يصح إلا الصحيح.
يستكثر أحدهم في إيلاف يوم 2/2/2005، ما طالب به الدكتور أحمد الجلبي بانصاف المحافظات الجنوبية التي هي أكبر مصدر من مصادر الثروة النفطية للعراق والتي حرمها حكم البعث المقبور من أي إعمار وجعلها خرائب وأنقاض وساحة لحروبه العبثية، وأطلق عليها اسم (المحافظات السوداء) أقول يستكثر هذا الكاتب كغيره من العربان على أهلنا في المحافظات الجنوبية، المحرومين أن ينالوا نصيبهم من الثروات ويعتبروا أي وعد من سياسي عراقي لهم عملية "إثارة الغرائز". أدعو السيد الكاتب أن يزور مدن "المحافظات البيضاء" الشمالية ويقارنها بمدن "المحافظات السوداء" الجنوبية وليستحكم ضميره إن كان هناك ثمة ضمير في هذا الزمن العربي الرديء ليرى بنفسه البؤس والخراب في الجنوب. لقد حرم النظام الفاشي العراقيين في الجنوب من كل الحقوق وقد بلغت بصدام حسين الوقاحة والصلف أن وصفهم بالأجانب الذين جلبهم محمد القاسم من الهند مع الجواميس. فهل يريد هؤلاء العربان مواصلة حكم سيدهم صدام حسين في معاملة المحرومين العراقيين من حقهم في وطنهم وحتى بعد سقوط النظام الفاشي المقبور؟ هيهات، لقد خرج الجني من القمقم ولا يمكن إعادته إليه إلى الأبد. فالعراقيون الذين صاموا لعهود لا يمكن أن يفطروا على جرَّية العربان. نطمئن الكاتب أنه لا يمكن أن يقبل العراقيون بأقل من "... عراق ديموقراطي يشكل نموذجاً لما يفترض ان تكون عليه دول المنطقة..".
كذلك نود أن نقول للفائزين الذين أولاهم الشعب ثقته: إياكم إيكم والغرور. فلا يغرنكم هذا الفوز، ولا تركبوا رؤوسكم وتحاولوا فرض نظام إسلامي ولو بشكل متستر وبواجهة الأفندية، ليحكم المعممون يحكمون من وراء الستار. فإذا فعلتم ذلك فسوف تجلبون لنا شماتة العربان وبالتالي سوف تفشلون وتجرون العراق إلى المزيد من الدماء. لقد نال هذا الشعب من العذاب فوق ما يتحمله أي شعب آخر ةلا يريد المزيد. فالشعب الذي انتخبكم اليوم يمكن أن يلفظكم غداً.. والتاريخ ملئ بالتجارب. وخذوا من النظام الإسلامي الإيراني درساً بليغاً بهذا الخصوص. فالأغلبية الساحقة (80 في المائة) من الشعب الإيراني قاطع الانتخابات البرلمانية الأخيرة احتجاجاً على حكم الملالي ولأنهم تيقنوا أن لا جدوى من مشاركتهم فيها لأن رجال الدين استحوذوا على السلطة واتخذوا من هذه الانتخابات مجرد واجهة للديكور.
مع الأسف الشديد وقف رجال الدين الشيعة في العهد الملكي ضد الانتخابات بمثل ما يقف رجال الدين السنة ضدها اليوم وتحت ذات المعاذير. قال عالم الاجتماع الراحل علي الوردي قبل أكثر من خمسين عاما بهذا الخصوصً: "ولو كنت من أرباب العمائم لأفتيت باعتبار التصويت واجباً دينياً، ولجعلت التقاعس عنه ذنباً لا يغتفر." (وعاض السلاطين ص108). فتحية لآية الله السيستاني الذي استخلص هذا الدرس البليغ من التاريخ العراقي فأفتى باعتبار المشاركة في الانتخابات واجباً دينياً. وحبذا لو يحذو رجال الدين السنة حذوه ويعودوا إلى صفوف الشعب العراقي لإكمال وحدته وتتمة فرحته. فالبعثيون الذين ربطوا مصيرهم بالزرقاوي وبنلادن سوف لا يجلبون لهم سوى الدمار الشامل.
كما أؤكد لحكامنا الجدد، حذار أن تخونوا الثقة التي أولاها بكم الشعب عبر صناديق الاقتراع وهو يعبر حواجز الموت متحدياً قصف الإرهابيين لمراكز الانتخابات. فلن يقبل الشعب إلا بعراق ديمقراطي عصري يتمتع به جميع مكوناته بالمساواة في الحقوق والواجبات وبالمواطنة الكاملة دون أي تمييز.
#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟