أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسام هاب - المؤتمر الوطني الثاني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية ( 25-26-27 ماي 1962 ) : مؤتمر الأزمة بين الحزب و النقابة















المزيد.....


المؤتمر الوطني الثاني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية ( 25-26-27 ماي 1962 ) : مؤتمر الأزمة بين الحزب و النقابة


حسام هاب

الحوار المتمدن-العدد: 3738 - 2012 / 5 / 25 - 06:08
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


يعتبر المؤتمر الثاني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية من المحطات التاريخية في مسار هذا الحزب الذي أسس رسميا يوم 6 شتنبر 1959 ، تحت شعار "لاحزبية بعد اليوم" ، و هو الشعار الذي كان يخدم خاصة حسابات القيادة النقابية الإصلاحية، و تصوراتها لطبيعة العلاقة بين النقابي و السياسي. و من هنا بدأت واقعة الثنائية التي طبعت تنظيميا الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، مما سيؤدي إلى وجود التباس فيما يخص مسيرة الاتحاد الوطني النضالية و آليات اشتغاله التنظيمية ، و عليه كان المؤتمر فرصة لطرح سؤال جوهري حول كيفية مواجهة هذه الوضعية التنظيمية غير السليمة .
بالإضافة إلى التحدي التنظيمي ، كان المؤتمر الثاني فرصة لطرح التحدي الايديولوجي ، فقد حدد ميثاق المؤتمر التأسيسي للحزب، مبادئ و أهداف الحركة الاتحادية في التقدم الاجتماعي، و الديمقراطية الشعبية، و الانحياز إلى صف قوى التقدم و التحرر العالمية ، لكن هذه الوثائق لم تساهم في إبراز نظرية مذهبية للحزب، بالرغم من أن المرجعية الاشتراكية كانت كامنة و موجودة صراحة في كتابات و تصريحات بعض القادة الاتحاديين . لذا كان سؤال الهوية: من هم الاتحاديون ؟ مطروحا بقوة، و سيبرز من خلال وثيقتي: الاختيار الثوري للمهدي بن بركة، و التقرير المذهبي لعبد الله إبراهيم.
أما التحدي السياسي فقد ارتبط بالسياق السياسي العام الذي عقد فيه المؤتمر، و الذي تميز ببداية المواجهة بين الاتحاد الوطني و النظام السياسي ، حيث تم اعتقال الفقيه البصري و عبد الرحمن اليوسفي في 15 دجنبر 1959 بتهمة نشر مقال في جريدة التحرير يمس بالملكية و شخص الملك، و اعتقال المقاومين و أعضاء جيش التحرير في فبراير 1960 بتهمة التخطيط لمؤامرة لاغتيال ولي العهد الأمير الحسن ، و إسقاط حكومة عبد الله إبراهيم في 20 ماي 1960 ، و بداية بوادر شخصنة السلطة السياسية في المغرب و اتجاهها نحو الحكم الفردي ، و هكذا كان المؤتمر فرصة لطرح السؤال التالي : ما هو منطق الرد الصحيح لمواجهة من جهة تهديدات نظام الحكم ، و من جهة أخرى النزعة الكامنة للاتجاه نحو إنشاء نظام الحكم الفردي.
لذا سيجد الاتحاد الوطني للقوات الشعبية نفسه خلال المؤتمر الثاني، أمام فرصة تاريخية لطرح هذه التحديات الثلاث للنقاش الحزبي الداخلي و الحسم فيه، خاصة أن المغرب سيدخل بعد 1962 في فترة اختبار القوة بين المعارضة الاتحادية و نظام الحكم ، و ستظهر بشكل جلي الخلافات العميقة و الصراعات بين الجناح السياسي و الجناح النقابي بعد المؤتمر .
بدأ النقاش داخل حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية ، حول العلاقة بين العمل النقابي و السياسي داخل الحزب مع بداية يناير 1962 ، خاصة بعد أن شرع العديد من المناضلين و على رأسهم عمر بن جلون في تأسيس خلايا عمالية و حزبية ، مما جعل أعضاء الجهاز النقابي يطالبون في يناير 1962 بقية أعضاء الكتابة العامة للحزب بإقصاء المناضلين الذين لا يحترمون الاستقلال النقابي ، و هكذا أصبح النقاش داخل الحزب متمحورا حول احترام استقلالية العمل النقابي و هو الطرح الذي دافع عنه الجناح النقابي . و انتهى هذا النقاش داخل الكتابة العامة إلى قرار بعقد المؤتمر الثاني قصد تحديد خطة عمل يلتزم بها الجميع على أساس:
• "ألا يمسك المناضلون عن عملهم التنظيمي الذي يعتبر معاديا للجهاز النقابي.
• أن تتكون لضمان ذلك كتابات إقليمية ثنائية يعين نصف أفرادها الإتحاد المغربي للشغل" .
هكذا كان مستوى النقاش السياسي داخل الإتحاد الوطني للقوات الشعبية استعدادا للمؤتمر الثاني، لكنه قبل انعقاد هذا المؤتمر عاد يوم الأحد 15 ماي 1962 المهدي بن بركة إلى المغرب الذي سبق له أن غادره في 21 يناير 1960 بعد تطور الأوضاع السياسية الداخلية بالمغرب ، و مع اقتراب موعد انعقاد المؤتمر الوطني الثاني للحزب ، أعرب المهدي لأعضاء الكتابة العامة عن رغبته في المشاركة في المؤتمر و بالتالي العودة إلى المغرب .
أعلنت الكتابة العامة قرارا بعقد المؤتمر أيام 25-26-27 ماي 1962 ، و في صباح الجمعة 25 ماي بدأت أشغال المؤتمر برئاسة المحجوب بن الصديق الذي تم انتخابه رئيسا له ، و عقد المؤتمر تحت مجموعة من الشعارات تبرز مستوى الخطاب السياسي للإتحاد الوطني للقوات الشعبية و الخطوط العريضة لتصوراته السياسية و الاقتصادية الاجتماعية و القومية ، و أبرزها : "المغرب وطن واحد / 60٪ من الفلاحين لا يملكون شبرا من الأرض / بقاء الحدود داخل المغرب العربي يؤدي إلى الاستعمار الجديد / لا تصميم و لا صناعة ثقيلة بدون إصلاح فلاحي و مراقبة شعبية / رأسمالنا تعبئة الجماهير و الإصلاح الفلاحي / لا يمكن فصل معركة الوحدة العربية عن آفاقها الثورية و أسسها التقدمية / الجماهير الفلاحية لا تقبل معمرين مغاربة محل المعمرين الأجانب/ نحن جزء من الحركة الثورية للجماهير في العالم ضد الاستعمار و التخلف".
افتتحت أعمال المؤتمر تحت الرئاسة الشرفية لشيخ الإسلام محمد بلعربي العلوي و قد جلس في منصة الافتتاح كل من عبد الله إبراهيم و الفقيه محمد البصري و المحجوب بن الصديق و عبد الرحمان اليوسفي و المهدي بن بركة و عبد الرحيم بوعبيد و التهامي عمار و محمد منصور و المعطي بوعبيد ، يتوسطهم بلعربي العلوي الذي ألقى كلمة عبر فيها على : "أن المؤتمر ناجح لا محالة ما دام رائده هو الحق والعدل و الصدق و الإخلاص" ، و تحدث بلعربي العلوي عن مبدأ الحرية و المساواة في الإسلام حيث قال : "إن سيدنا هو خالقنا و لا عبودية علينا لأي مخلوق كيفما كان" . و بعد ذلك استفاض محمد بلعربي العلوي في الحديث عن الإتحاد كمنظمة شعبية جماهيرية ، و عن معنى الإتحاد و الصفات التي يجب أن يتحلى بها الاتحادي الحقيقي . و ختم خطابه بشكر المؤتمرين و الدعاء لهم بالنجاح و التوفيق. بعد ذلك أخذ الكلمة المحجوب بن الصديق الذي ترأس الجلسة الافتتاحية رسميا باقتراح من عبد الرحيم بوعبيد ، حيث ألقى بن الصديق خطابا افتتاحيا ، و بعده تناول الكلمة محمد منصور رئيس جامعة الغرفة التجارية و الصناعية بالدار البيضاء ، و رئيس الغرفة التجارية و الصناعية في نفس المدينة ، ثم وافق المؤتمرون على ترتيب جدول الأعمال الذي جاء كالتالي :
• تلاوة التقرير المذهبي.
• تعيين لجنة فحص بطاقات العضوية .
• مناقشة التقرير المذهبي الذي سيلقيه عبد الله إبراهيم .
كما وافق المؤتمر على تركيبة لجنة فحص البطاقات التي تكونت من: التهامي عمار و مولاي المهدي العلوي و المعطي بوعبيد و عبد القادر أواب.
تابع المؤتمر جلساته العلنية حيث قدم عبد الله إبراهيم التقرير المذهبي ، و شكل هذا التقرير الذي كتبه عبد الله إبراهيم محور نقاش داخل القواعد الحزبية الاتحادية ، ذلك أنه جاء بديلا للتقرير الذي كتبه المهدي بن بركة و هو عبارة عن تقرير نقدي لتجربة الاتحاد الوطني ككل، السياسية و التنظيمية ، و بعثه للكتابة العامة كمساهمة منه في توضيح الرؤية في المسائل الأساسية التي يجب أن يخرج المؤتمر بشأنها بقرارات واضحة و خاصة : مسألة التنظيم ، و الخط السياسي المرحلي ، و الأفق الثوري . لكن الكتابة العامة التي كانت تعيش الأزمة بين الجناح السياسي و النقابي ، قررت بضغط من هذا الأخير حجب هذا التقرير لأنه يتناول بصراحة ما كان مسكوتا عنه ، و بالأخص تحديد الخط السياسي المرحلي و الأفق الثوري للإتحاد الوطني من جهة ، و الفصل في المشاكل التنظيمية المزمنة و في مقدمتها مشكلة العلاقة بين الحزب و النقابة من جهة أخرى ، و التي عبر عنها المهدي بن بركة في تقريره قائلا : " أما نشاطات الحزب كمنظمة سياسية وسط العمال و في المؤسسات فإنها بالغة الأهمية ، لأنها هي الضمان لامتزاج النضال السياسي بالنضال النقابي ، و في هذا السبيل يجب علينا ألا نغفل أي عامل من العوامل التي يمكنها أن تؤثر على تحقيق هذا الامتزاج ، سواء العوامل المتعلقة بضعف التكوين الإيديولوجي و سوء تقدير الظروف الراهنة ، أو العوامل الداخلية المتعلقة بالبطالة ووسائل الضغط و الإفساد التي يملكها النظام و حتى المتصلة بالتركيب النقابي نفسه . علينا أن نحلل سائر هذه العوامل حتى نسلط كل الأضواء على المشاكل التي تحدث في العلاقات الدقيقة بين النقابات المهنية و الحركات الثورية. يجب أن يكون واضحا في الأذهان أهمية النضال النقابي، و كذلك ضيق أفقه إذا هو لم ينفتح على المطالب السياسية و الأهداف الثورية. يجب أن نظل يقظين أمام سياسة النظام القائم في الميدان النقابي لأنها تدخل في نطاق أوسع هو خطة الاستعمار الجديد على مستوى القارة الإفريقية و غرضها تشجيع التيارات الإصلاحية اللاسياسية في الأوساط النقابية العمالية و فصل النضال السياسي القومي عن المعركة الاقتصادية المحدودة الإطار .
و تلك ظاهرة يجب أن نعيها و ندركها بكل اهتمام بالنسبة لنا و بالنسبة لمجموع القارة الإفريقية. يجب أن نضع في إطارها السليم مشاكل الارتباط المتين بين المهام النقابية الخاصة و بين مسؤوليات حركة التحرير الوطني التي تجند سائر فئات المجتمع و إلا إذا نحن أهملنا وضع هذه المشاكل وضعا سليما و عجزنا عن مواجهتها بكل شجاعة و بدون تعصب فإن القوى الثورية المفضلة التي هي الطبقة العاملة سوف تصبح معرضة للانصراف و لو إلى حين عن مهمتها الطبيعية . ينتج من هذه الملاحظة أن خطتنا فيما يرجع لعلاقات الحزب بالمنظمات الجماهيرية خطة منظمة واضحة بحكم دور الحزب كمحرك و دور كل منظمة حسب نوعيتها و ضمن حدود استقلالها الذاتي".
كان التقرير الذي كتبه المهدي بن بركة المعنون "بالنقد الذاتي" ، و الذي نشره في يوليوز 1965 تحت عنوان "الاختيار الثوري" ، أكثر عمقا و تركيزا على بناء الحزب ، و حلل بشكل عميق وضعية المغرب السياسية منذ 1956 . فمن جهة يطرح التقرير للمراجعة و النقد تجربة الاتحاد الوطني الذي كان قد مر على تأسيسه سنتان و نصف ، و من جهة أخرى يحدد الأفق الثوري الذي ينشده الاتحاد كجملة أهداف يعمل على تحقيقها في المدى البعيد ، و بين النقد الذاتي للتجربة الماضية و الأفق الثوري الذي يرتسم فيه المستقبل البعيد ، يطرح التقرير المهام الذي تنتظر الاتحاد في العاجل و الآجل .
ففي القسم الأول يتعرض بن بركة إلى الظروف الخارجية ثم إلى التناقضات الاجتماعية .أما القسم الثاني فخصصه للنقد الذاتي و الأخطاء القاتلة و لخصها في ثلاثة أخطاء:
1. سوء التقدير لأنصاف الحلول ، و ركز بالضبط على قبول الحركة الوطنية لحل إيكس ليبان .
2. الإطار المغلق الذي مرت فيه بعض معارك الحزب بمعزل عن مشاركة الجماهير ، و حددها زمنيا في الفترة ما بين 1956-1960 ، حيث كانت هذه المعارك في إطار تعاقب الحكومات من الوزارتين الائتلافيتين الأولى و الثانية لامبارك البكاي ، إلى حكومتي أحمد بلافريج و عبد الله إبراهيم ، و كانت المعارك أيضا في الميدان الاقتصادي ، و كلها دارت داخل اللجنة التنفيذية و السياسية لحزب الاستقلال .
3. من نحن؟ ، و هو السؤال الذي يعكس عدم الوضوح الإيديولوجي، و عدم تحديد هوية الحركة الاتحادية.
و القسم الثالث تمحور حول المهام التي تنتظرنا، و تناول فيه بن بركة نقطتان: مشاكل الديمقراطية و مهامنا ضد الاستعمار. و في القسم الرابع ركز على الأفق الثوري من خلال مضمون الاشتراكية العلمية التي وضحها المهدي بن بركة في القسم الثالث من التقرير قائلا: "إن مضمون الاشتراكية العلمية عندنا يقتضي:
• حلا صحيحا لمشكلة الحكم بإقامة مؤسسات سياسية تمكن الجماهير الشعبية من رقابة ديمقراطية على أجهزة الدولة و على توزيع ثرواتها و إنتاجها القومي.
• أسس اقتصادية لا تترك أي مظهر من مظاهر سيطرة الاستعمار و لا لسيطرة حليفيه الإقطاع و البرجوازية الكبرى الطفيلية.
• تنظيميا سياسيا و اجتماعيا للسهر على تأطير الجماهير الشعبية و تربيتها من أجل التعبئة الشاملة لسائر الموارد القومية الضرورية لتراكم وسائل الاستثمار" .
ثم ربط التقرير الأفق الثوري و المهام العاجلة من خلال الأداة و هي: الحزب و مشكلة الإطارات، و الحزب و الأمة. و يظهر من القراءة العميقة للاختيار الثوري أن بن بركة كان واعيا بغياب خمس قضايا:
1. النقد الذاتي.
2. الوضوح السياسي و الأيديولوجي، و لأول مرة يطرح في أدبيات الحزب مفهوم الاشتراكية العلمية بشكل علني.
3. الديمقراطية.
4. الأداة الحزبية، و هي أيضا المرة الأولى التي تطرح فيها قضايا التنظيم و الربط بينها و بين الأهداف المسطرة.
5. قضية التحرر من بقايا و تبعات الاستعمار.
في نهاية التقرير قدم المهدي خلاصة تتضمن الهم التنظيمي و السياسي و الإيديولوجي، ورغم أهمية و ضرورة هذا التقرير خلال فترة المؤتمر الثاني فقد حجب من طرف الجناح النقابي، و بالتالي بقي كمشروع. و بعد اختطاف المهدي بن بركة تعرفت النخبة السياسية المغربية، و ربما حتى النخبة الحزبية الاتحادية على وثيقة الاختيار الثوري كتقرير سياسي و تنظيمي مفصل، بل أكثر من ذلك فقد عمد أعضاء من الحزب في الخارج إلى تشكيل تنظيم سياسي فيما بعد حمل اسم الاختيار الثوري.
تم تعويض تقرير المهدي بن بركة في المؤتمر بتقرير كتبه عبد الله إبراهيم، و عنونه باسم "التقرير المذهبي" ألقاه في اليوم الأول للمؤتمر. هذا التقرير يتكون من مقدمة تعكس النظرة اليائسة للوضع ، حيث ركز فيها عبد الله إبراهيم على أن هذا التقرير كان يجب أن يوضع بين أيدي المناضلين في سنوات 1953-1954-1955 ، لو كانت الظروف التي سبقت أو صاحبت هذه الحقبة من تاريخ المغرب تجعل تحريره بصفة موضوعية ممكنا وسط الجهاز السياسي البرجوازي الذي كان آنذاك أداة للتعبير عن الإرادة الوطنية بصفة رسمية. لينتقل بعدها إلى الحديث عن نتائج ما سماه بمراوغات الانتهازية البرجوازية و هي:
• "ملكية مطلقة من النوع القديم الذي سبق للمغرب أن عرفه قبل الحماية.
• جهاز إداري متعفن في سائر مرافقه .
• مساس بالمكاسب التي دفعت الجماهير ثمنها غاليا في ميدان الحقوق الديمقراطية و الحريات النقابية.
• تصفية المنظمات الوطنية للمقاومة ماديا و معنويا و متابعة سياسة انتقامية حانقة ضد المناضلين الذين امتحنوا امتحانا في كفاحهم الطويل الشاق ضد الاستعمار.
• تبني قسم من البرجوازية الوطنية للامتيازات و المواقف و النظريات الاستعمارية في الشؤون السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية ، مما أدى من جهة إلى مزج تام في المصالح و إلى انسجام عميق في الرأي بين هذا القسم من البرجوازية الوطنية و بين الاستعمار من جهة أخرى إلى إبقاء الجماهير الشعبية في حالة من الفاقة و التقهقر و العجز.
• مواصلة السعي باستمرار و بصفة صاخبة ، من جانب الرجعية الحاكمة قصد ابتذال الشعارات الثورية للجماهير ، و إبلائها و خلق الالتباس و التردد في النفوس و رفع صفات الجبن و التملق و الشلل الفكري إلى مرتبة الفضائل كل ذلك من أجل استئصال روح النضال عند الجماهير المغربية و تأييد استغلالها و استعبادها" .
ينقسم هذا التقرير إلى ثلاثة أقسام :
• القسم الأول وضع له عنوان هو "الأهداف الأفقية : كيف نحدد لنضالنا أهدافا مطابقة لتيار التاريخ" وركز بالخصوص على المغرب العربي حيث اعتبره التقرير وطنا واحدا و طرح مجموعة من الأسئلة حاول التقرير الإجابة عنها و أهمها: "ما هو الوضع المضبوط الذي ينبغي أن ننطلق منه لنرتفع إلى مستوى الأفاق الجديدة؟ ماهي وسائل تحقيق وحدة المغرب العربي؟ وماهي العراقيل الحقيقية أو المحتملة التي يجب التغلب عليها؟ " .
• القسم الثاني عنونه التقرير ب "الأهداف الحالية" و هو القسم الذي تم تخصيصه للمغرب وانبنى على العناصر التالية :
"أولا : اقتصاد يقوم على استغلال و تسخير الجماهير الشعبية .
ثانيا : القوات الاجتماعية المتقابلة .
ثالثا : أسلوب في الحكم عتيق" .
• القسم الثالث :تمحور حول القواعد الأساسية للعمل و تم التركيز فيه على الاختيارات الأساسية للحزب باعتباره حركة جماهيرية ، و قد ركزت هذه الاختيارات بشكل خاص على الجانب الاقتصادي المتعلق بالتعبير عن الموقف ضد النظام الرأسمالي و الدعوة إلى الإصلاح الفلاحي، و ضرورة وجود اقتصاد ينهض بالجماهير المغربية و حكومة في خدمة الشعب و سياسة خارجية في مستوى أهداف المغرب.
- الخاتمة : تعبر عن قناعات التقرير، و هي أن ما قدمه هذا الأخير هو ليس مجموعة عقائد بل أسلوبا في التفكير و توجيها و آفاقا مستقبلية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية . و يصل عبد الله ابراهيم فيها إلى نقطة أساسية هي : "أنه لا سياسة جديدة ممكنة للتخطيط الاقتصادي و لا الإصلاح الفلاحي من غير إصلاح سياسي" ، و يضيف التقرير في الختام : "و في غضون تحليلاتنا قد سبق أن أوضحنا إيضاحا تاما أن تحويل مجتمع متخلف يهيمن عليه الواقع الاستعماري مهما بلغ النزاع بين المصالح فيه، لا يتحقق نتيجة للصراع بين طبقاته الاجتماعية المتعارضة بل يكون ثمرة لنضال ذي طابع دولي بين الدول المتخلفة و دولة أو مجموعة من الدول الأجنبية و هذا يظهر لنا بالضبط مقدار تضامن الأمة العربية كلها تقريبا . هذا التضامن الذي تقوم عليه في الوقت الراهن جميع حظوظ النجاح في معركتنا". و تنتهي الخاتمة كذلك بدعوة المناضلين و العناصر الواعية في الشعب على اختلاف اتجاهاتها أن ترتفع الى مستوى المهام الضخمة التي تنوبها من الآن و ذلك في انطلاق ثوري يفيض أخوة و تفاؤلا .
خلال النقاش الذي دار بين مؤتمري الحزب و أشرفت عليه لجنة مناقشة التقرير المذهبي، لوحظ بأن الكثير من المتدخلين أخذوا على التقرير طابعه العام و الأدبي و خلوه من أي تحليل سياسي أو إيديولوجي واضح و ركوبه على الألفاظ القوية. و في الجلسة الصباحية لليوم الثاني للمؤتمر أسندت رئاسته لعبد الرحمن اليوسفي حيث تولى عبد الرحيم بوعبيد تقديم تقرير النشاط الحزبي أو التقرير السياسي الذي أعده كل من اليوسفي و محمد عابد الجابري، و قد اعتبر الكثيرون هذا التقرير بمثابة بديل للتقرير المذهبي لأنه تناول بصراحة ووضوح قضية الديمقراطية و الطابع المطلق للحكم في المغرب و قضية الاشتراكية ، و قد تكونت لجنة لمناقشة التقرير السياسي و سميت باللجنة الثانية . أما الجلسة المسائية لليوم الثاني للمؤتمر ترأسها محمد البصري و التي خصصت للاستماع إلى تقارير اللجان . فقدم المهدي بن بركة نتائج أعمال اللجنة الثالثة التي كلفت بمناقشة التقرير التنظيمي، كما عرض عبد الرحيم نتائج مناقشات اللجنة الثانية، بينما تقدم المحجوب بن الصديق بنتائج مناقشات اللجنة الأولى التي أنيطت بها مهمة مناقشة التقرير المذهبي، ثم قدم المهدي بن بركة لائحة أعضاء الهيآت الحزبية المسؤولة التي جاءت مناصفة بين الجهاز النقابي و المناضلين الاتحاديين و قد ضمت الكتابة العامة الأسماء التالية : محمد البصري و عبد الله إبراهيم و المهدي بن بركة و عبد الرحيم بوعبيد و المحجوب بن الصديق و عبد الرحمان اليوسفي و المعطي بوعبيد و التهامي عمار و محمد عبد الرزاق و محمد منصور. أما باقي الأجهزة الحزبية الأخرى: اللجنة الإدارية الوطنية و اللجنة المركزية و المجلس الوطني فقد عين أعضاؤها أيضا مناصفة بين الجناح النقابي و الجناح السياسي.
توصل المؤتمر الثاني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية إلى قرارين أساسيين :
• القرار المذهبي:
"إن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ينبذ الاختيار الرأسمالي المعاكس لمصالح الجماهير الشعبية ، و العاجز عن إخراج البلاد من التبعية و التخلف و أن تطور المغرب في نطاق النظام الرأسمالي سيؤدي إلى بقاء القطاع الرأسمالي الاستعماري مزدهرا في دائرة مغلقة لا يسمح بالنمو إلا للبورجوازية التجارية الكبرى بصفتها خادمة الاحتكارات الأجنبية ، و يؤكد أن اشتراكية وسائل الإنتاج هي وحدها التي تسمح بالتحرر من التبعية و من التخلف بتحقيق تصميم حقيقي للاقتصاد ، و تطبيق إصلاح زراعي جذري و بناء مجتمع عادل مزدهر متخلص من كل أنواع الاستغلال .
يعلن أن هذا الاختيار الاشتراكي يستوجب إلزاما :
أولا : إصلاح زراعي على أساس المبادئ الآتية :
أ- الأرض لمن يحرثها.
ب- الأرض تراث وطني لا يمكن أن يستغلها إلا الفلاحون المغاربة.
ج- يجب أن يكون الإنتاج الفلاحي مندمجا في سياسة زراعية موجهة قبل كل شيء نحو تلبية الحاجات و هو كذلك يهم المجتمع بأسره...
ثانيا : سياسة اقتصادية تتضمن :
أ‌- تحويلا جذريا لهياكل الاقتصاد الوطني بتنسيق منطقي و بإدماج مختلف النشاطات القطاعية طبقا لمقاييس و آفاق تصميم الاقتصاد لصالح الشعب .
ب‌- تحقيق سياسة تخطيطية للتصنيع تضع في المقام الأول إقامة صناعة ثقيلة في نظام اشتراكي تكون قادرة على الإسهام بفعالية في التجهيز الذاتي السريع للبلاد .
ج- الاعتماد على الرأسمال البشري و توظيفه من أجل تحويل الهياكل الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و الثقافية .
د- المغرب العربي و التعاون الدولي".
• القرار السياسي:
"بعد أن استعرض المؤتمر الوطني الثاني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية الجوانب السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية للوضع الذي توجد عليه البلاد في الظروف الراهنة و نتائج السنوات الأولى و خاصة تجربة الحكم الملكي في السنتين الأخيرتين و تتجلى هذه النتائح في :
• حكم مشخص تشخيصا فرديا من نوع مطلق قديم.
• جهاز إداري متعفن تسوده اللامسؤولية و الامتيازات و المحسوبية .
• مساس بالمكاسب التي دفعت الجماهير ثمنها غاليا في ميدان الحقوق الديمقراطية و الحريات النقابية...
• و حيث أن المغرب بفضل منظماته الحية الشعبية و يقظة جماهيره و نضجه يقاوم اليوم بتصميم كل انزلاق نحو الحكم الاستبدادي و هو يتوفر على طاقات تشكل القاعدة الأصلية لتطور ديمقراطي.
و حيث ان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ما فتئ يعبر عن سخط الجماهير الشعبية على هذه الأوضاع الفاسدة و ينذر بسوء عواقب السياسة المرتجلة المتجاهلة للإرادة الشعبية و يعرض الحلول الناجعة التي تضع المصلحة الوطنية العليا فوق كل اعتبار مثلما فعل في مذكرته المؤرخة في 14 مارس 1961:
1. يؤكد المؤتمر العام أن نظام الحكم بالمغرب في الظروف الراهنة لا يخرج أساسا عن أحد أمرين: إما أن يكون شعبيا تقدميا و إما أن يكون على العكس مبنيا على القوة مدعما من قبل الاستعمار الجديد و مستمدا نفوذه من الخارج .
2. يفضح المؤامرة المتبعة ضد الشعب المغربي في تحضير دستور يصنع في الخفاء و بتواطؤ مع الاجانب .
3. يعلن أنه لا سبيل للخروج من المأزق الذي زج فيه المغرب الحكم الملكي المطلق إلا بإقامة حكومة تتمتع بثقة الجماهير الشعبية تسهر على تنظيم انتخابات حرة لمجلس تأسيسي يضع الدستور الذي ينظم الحكم و يلبي مصالح الشعب في الديمقراطية الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية .
4. يترك لأجهزة الإتحاد المختصة لكي تعمل على تحقيق هذا الهدف المستعجل بالوسائل التي تراها مناسبة .
5. يعتبر أن نجاح خطة الاتحاد السياسية و تحقيق الأهداف التي يرسمها التقرير المذهبي متوقف على إحكام تنظيم الإتحاد الوطني و تعبئة سائر المنظمات الجماهيرية العمالية و الفلاحية و المهنية و الطلابية و النسائية و المحافظة على وحدتها و يقظتها و على رفع وعيها إلى مستوى المسؤوليات التي يواجهها في الداخل و الخارج .
6. يوجه النداء إلى سائر المواطنين و المواطنات لكي يتجندوا في انطلاق ثوري يفيض أخوة و تفاؤلا من أجل بناء مغرب متحرر تقدمي رفيع يحترم المثل الإنسانية و السلام" .
إجمالا يمكن القول إن المؤتمر كان ناجحا إذا نظرنا إليه من الخارج خصوصا و قد حضرته وفود أجنبية و عربية ذات وزن ، أما إذا نظرنا إليه على ضوء المشاكل التنظيمية و القرارات التي كان يجب اتخاذها في تلك الظرفية السياسية فقد كان بعيدا جدا عن تحقيق أهدافه ، خاصة أن القرارات التي خرج بها المؤتمر لم تكن تتجاوز القرارات السابقة . و من جهة أخرى كان المؤتمر مناسبة تفاقم فيها الصراع بين الجناح السياسي و الجهاز النقابي فظهر للعلن و بقوة مدى ثقل و حضور هذا الجهاز داخل الحزب و أبانت عدة قضايا داخلية و خارجية مدى تناقض الرؤى بين الجناحين ، و يبرز ذلك عبر مقارنة بسيطة بين التقرير المذهبي الذي كتبه عبد الله إبراهيم و الاختيار الثوري الذي كتبه المهدي بن بركة .



#حسام_هاب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رؤية الأنا للآخر في الخطاب السفاري المغربي خلال القرن 19 م : ...
- خطاب الرحلات السفارية المغربية خلال القرن 19 م : -الرحلة الا ...
- نظرة في إشكالية المعرفة التاريخية
- زمن العبث السياسي
- بمناسبة الذكرى 46 لاختطاف المناضل المهدي بن بركة في الحاجة إ ...
- أرنستو تشي غيفارا : جدلية المناضل الثوري و المفكر الإنساني
- مفهوم المجتمع المدني : النشأة و التطور التاريخي
- بمناسة الذكرى 52 لتأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ( 6 شت ...
- الشباب الاتحادي : مسار و آفاق الاشتغال داخل حركة 20 فبراير
- حركة 20 فبراير : بين مصداقية التغيير و حتمية الإصلاح
- حركة 20 فبراير : بين التجليات السياسية و التمظهرات السوسيولو ...


المزيد.....




- رسالة لإسرائيل بأن الرد يمكن ألا يكون عسكريا.. عقوبات أمريكي ...
- رأي.. جيفري ساكس وسيبيل فارس يكتبان لـCNN: أمريكا وبريطانيا ...
- لبنان: جريمة قتل الصراف محمد سرور.. وزير الداخلية يشير إلى و ...
- صاروخ إسرائيلي يقتل عائلة فلسطينية من ثمانية أفراد وهم نيام ...
- - استهدفنا 98 سفينة منذ نوفمبر-.. الحوثيون يدعون أوروبا لسحب ...
- نيبينزيا: روسيا ستعود لطرح فرض عقوبات ضد إسرائيل لعدم التزام ...
- انهيارات وأضرار بالمنازل.. زلزال بقوة 5.6 يضرب شمالي تركيا ( ...
- الجزائر تتصدى.. فيتو واشنطن ضد فلسطين وتحدي إسرائيل لإيران
- وسائل إعلام إسرائيلية: مقتل أبناء وأحفاد إسماعيل هنية أثر عل ...
- الرئيس الكيني يعقد اجتماعا طارئا إثر تحطم مروحية على متنها و ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسام هاب - المؤتمر الوطني الثاني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية ( 25-26-27 ماي 1962 ) : مؤتمر الأزمة بين الحزب و النقابة