أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسام هاب - خطاب الرحلات السفارية المغربية خلال القرن 19 م : -الرحلة الابريزية إلى الديار الانجليزية- لأبي الجمال محمد الطاهر الفاسي نموذجا















المزيد.....

خطاب الرحلات السفارية المغربية خلال القرن 19 م : -الرحلة الابريزية إلى الديار الانجليزية- لأبي الجمال محمد الطاهر الفاسي نموذجا


حسام هاب

الحوار المتمدن-العدد: 3600 - 2012 / 1 / 7 - 05:42
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


لعبت الرحلة طيلة التاريخ البشري دورا أساسيا في انتقال القيم الحضارية و الثقافية ، و انتشارها بين الأمم و الشعوب منذ أقدم العصور، مما جعل النخب الحاكمة تشجع الرحالة المنتمين إلى بلدانها على كتابة تقارير رحلاتهم . الشيء الذي أعطى للرحلة إمكانية الإحاطة بواقع البلد المزار ، و أحواله السياسية و العسكرية و العلمية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية و الفنية . و لهذا يمكن للباحث أن يدرس الرحلة من مقاربات و زوايا مختلفة : من زاوية كونها مصدرا للتاريخ ، و أثرا أدبيا و فكريا و فنيا ، و وثيقة سوسيولوجية ، و مصدرا لتتبع تطور الذهنيات و العقليات عبر الزمان و المكان .
بحكم أن المغرب هو أكثر البلدان العربية الاسلامية قربا من أوربا ، فإنه من المنطقي أن تتوفر له ما لم يكن لغيره من بلدان العالم العربي الاسلامي ، من حيث العلاقات السياسية و الاقتصادية مع أوربا الممتدة عبر قرون ، و طابع الندية الذي وسم هذه العلاقات على المستوى السياسي و الديبلوماسي خلال فترات قوة الدولة المغربية . و بهذا فإن كل هذه المعطيات التاريخية و الجغرافية انعكست بشكل مباشر على أدب الرحلة في المغرب ، مما نجم عنه ظهور صنف غير مألوف في الرحلة العربية المعاصرة هو صنف الرحلات السفارية ، الذي ظهر لأول مرة في المغرب في عهد الدولة السعدية ؛ و أول رحلة بلغتنا من هذا النوع هي رحلة "النفحة المسكية في السفارة التركية" الذي كتبها أبو الحسن علي بن محمد التامكروتي سفير المنصور الذهبي إلى الخليفة العثماني مراد الثالث سنة 997 ه / 1589 م .
الرحلة السفارية هي التي تكون الغاية من سفر صاحبها القيام بسفارة لدى دولة أجنبية ، و تكون أحيانا من إنشاء السفير نفسه إن كان في نفس الوقت من رجال الأدب و العلم ، و أحيانا أخرى يقوم بتأليفها أحد الكتاب المرافقين للسفير ، و هي تفيد من حيث الملابسات و الظروف التي تحيط بالسفارة ، و تقدم معطيات هامة عن أحوال البلاد التي توجه إليها السفير في جميع المجالات ؛ فهي إذن تعتبر من أهم المصادر التاريخية . وقد انتعشت الحركة السفارية في المغرب خلال فترة القرن 19 م خاصة أن هذه الفترة تعبر عن سياق تاريخي مرتبط بطبيعة العلاقة بين المغرب و أوربا المتسمة بالصراع ، والحدة بداية من الصدمة الأوربية أو صدمة الحداثة التي انطلقت مع هزيمتين عسكريتين مني بهما المغرب : الأولى هزيمة إيسلي سنة 1844 م ضد فرنسا ، و الثانية هزيمة حرب تطوان سنة 1860 م ضد إسبانيا ، و ما أعقبهما من معاهدات لا متكافئة كانت في صالح الدول الأوربية العظمى : بريطانيا و فرنسا ثم اسبانيا.
ساهمت كل هذه التطورات السياسية و العسكرية التي عرفها المغرب خلال القرن 19 م في تطور الحركة السفارية التي تمت برعاية و مباركة المخزن المغربي ذاته منذ عهد السلطانين عبد الرحمن بن هشام و الحسن الأول . و قد سعت هذه الحركة إلى تحقيق هدفين أساسيين :
* أولا : استطلاع أحوال الحضارة الأوربية و محاولة التعرف على مواطن قوتها و أسباب مدنيتها من خلال اكتشاف أسباب القوة العسكرية و الاقتصادية الأوربية ، و محاولة اقتباس العديد من مظاهر مدنية أوربا لإصلاح أوضاع المغرب المتردية و المتأخرة.
* ثانيا : سد الفراغ الديبلوماسي الذي كانت تعاني منه أجهزة الحكم المغربية فيما يتعلق بموقعها التفاوضي مع أوربا.
في خضم هذا السياق السياسي و العسكري تبرز لنا أهمية الرحلة السفارية التي ألفها أبو الجمال محمد الطاهر بن عبد الرحمن الفاسي المعنونة ب"الرحلة الإبريزية إلى الديار الإنجليزية" : سنة 1276ه – 1860 م ، و هي عبارة عن بعثة سفارية أرسلها السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمن مباشرة بعد هزيمة حرب تطوان سنة 1860 م إلى انجلترا في عهد الملكة فكتوريا ، و كانت تتكون من ثلاث أفراد : الحاج الأمين عبد الرحمان الفاسي ، محمد المطاع ، و أبي الجمال محمد الطاهر الفاسي الذي كان كاتبا للبعثة .
قام أبو الجمال الطاهر الفاسي في هذه الرحلة بوصف دقيق و مباشر لكل ما شاهده منذ أن ركب الباخرة التي أقلته من طنجة إلى أن رجع للعاصمة المغربية فاس حيث دامت الرحلة سبعين يوما . و هي تعكس تصوره لمظاهر الحداثة الأوربية الحاضرة بقوة في المجتمع الانجليزي الحديث و موقفه منها ، و يمكن تقسيم متن الرحلة إلى قسمين :

* القسم الأول : متعلق برحلته من طنجة إلى بورسموث ثم لندن ، و الأساسي في هذا القسم هو الوصف الذي قدمه الفاسي لعدة مظاهر الحداثة الانجليزية : " الباخرة ، ميزان الطقس المتطور ، مرسى بورسموث ، القطار البخاري ..."

* القسم الثاني : يتناول وصول البعثة السفارية إلى لندن ، و إعجاب الفاسي بمظاهر الحضارة الانجليزية ، و وصفه لها خاصة : " التكنولوجيا ، نظم الدولة العصرية سياسيا و عسكريا ، و مظاهر التطور الاقتصادي ... ". لكن أهم جانب ركز عليه الكاتب في رحلته هو الجيش و لم يكن هذا الاهتمام اعتباطيا بل إنه يعبر عن وعي النخبة المغربية بأهمية الجانب العسكري ، خاصة و أن الرحلة جاءت في سياق مرحلة ما بعد هزيمة المغرب في حرب تطوان.

الظاهر من خلال وصف الطاهر الفاسي لمظاهر الحداثة الأوربية أن هذه الأخيرة أثارت استغرابه و دهشته و إعجابه في نفس الوقت ، لكنه كان في كل مرة يصف فيها إحدى المظاهر الحضارية تحضر شخصية الفقيه المنغلق ذو العقلية التقليدية و الخلفية الدينية الأشعرية ، خاصة على مستوى رؤيته للحداثة الأوربية و تفسيره لكل التطورات التي عرفها المجتمع الانجليزي . حيث كان يقدم تفسيرات و تأويلات دينية لكل الاختراعات و المظاهر الحضارية انطلاقا من ثقافته ، و خلفيته الفقهية المتحكمة فيه مما جعل خطابه خطابا دينيا منغلقا مكفرا للمجتمعات الأوربية . حيث تحضر عنده في الرحلة مفردات دالة على ذلك مثل : دار الاسلام / دار الكفر ، العقل النوراني / العقل الظلماني ، خاصة عندما يتحدث عن سبب اكتشاف القوة البخارية حيث يقول : > (الرحلة الابريزية إلى الديار الانجليزية ، ص 28) . و هكذا يقحمنا الطاهر الفاسي في نوع من الأنطولوجيا التقليدية التي لا تكتفي بتقسيم العالم الى دار حرب و كفر / و دار اسلام و سلام ، بل إنها تضيف إلى ذلك تقسيما ثنائيا للوجود برمته إلى دار دنيا / و دار آخرة ، و للقيم إلى قيم المؤمن / قيم الكافر .
أخيرا يمكن أن نستقرئ أن "الرحلة الابريزية إلى الديار الانجليزية" نموذج حي للرحلات السفارية المغربية خلال القرن 19 م ، لكنها شكلت تراجعا مهما في مسار تطور الخطاب السفاري نظرا للعقلية التقليدية للطاهر الفاسي ، مما يؤكد أن التأخر الثقافي لكتاب المخزن و للنخبة المخزنية آنئذ مسؤول بدوره عن سوء فهم الآخر و الذات ، و مسؤول أيضا عن عجز مخزن النصف الثاني من القرن 19 م ، عن انجاز ثورة تحديثية من فوق ، لو حدثت كان يمكنها أن تجنب المغرب السقوط في مخالب الاستعمار و التأخر الشامل .



#حسام_هاب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرة في إشكالية المعرفة التاريخية
- زمن العبث السياسي
- بمناسبة الذكرى 46 لاختطاف المناضل المهدي بن بركة في الحاجة إ ...
- أرنستو تشي غيفارا : جدلية المناضل الثوري و المفكر الإنساني
- مفهوم المجتمع المدني : النشأة و التطور التاريخي
- بمناسة الذكرى 52 لتأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ( 6 شت ...
- الشباب الاتحادي : مسار و آفاق الاشتغال داخل حركة 20 فبراير
- حركة 20 فبراير : بين مصداقية التغيير و حتمية الإصلاح
- حركة 20 فبراير : بين التجليات السياسية و التمظهرات السوسيولو ...


المزيد.....




- مكالمة هاتفية حدثت خلال لقاء محمد بن سلمان والسيناتور غراهام ...
- السعودية توقف المالكي لتحرشه بمواطن في مكة وتشهّر باسمه كامل ...
- دراسة: كل ذكرى جديدة نكوّنها تسبب ضررا لخلايا أدمغتنا
- كلب آلي أمريكي مزود بقاذف لهب (فيديو)
- -شياطين الغبار- تثير الفزع في المدينة المنورة (فيديو)
- مصادر فرنسية تكشف عن صفقة أسلحة لتجهيز عدد من الكتائب في الج ...
- ضابط استخبارات سابق يكشف عن آثار تورط فرنسي في معارك ماريوبو ...
- بولندا تنوي إعادة الأوكرانيين المتهربين من الخدمة العسكرية إ ...
- سوية الاستقبال في الولايات المتحدة لا تناسب أردوغان
- الغرب يثير هستيريا عسكرية ونووية


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسام هاب - خطاب الرحلات السفارية المغربية خلال القرن 19 م : -الرحلة الابريزية إلى الديار الانجليزية- لأبي الجمال محمد الطاهر الفاسي نموذجا