أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - معين جعفر محمد - نقد استجابة القارئ لستانلي فيش / كتابة : كريس لانغ















المزيد.....


نقد استجابة القارئ لستانلي فيش / كتابة : كريس لانغ


معين جعفر محمد

الحوار المتمدن-العدد: 3738 - 2012 / 5 / 25 - 00:35
المحور: الادب والفن
    


( رسم دائرة ًعزلتني عنه
هرطقي ٌ ، متمرد ,هزّاء:
إنما أحبب .. و تأتى لي الدهاء للغلبة:
فرسمنا دائرة ً ضمته إلينا !)
" إدوِن ماركهم"


في هذه المرحلة ، أود إلقاء نظرة ٍ عن قرب على نظرية استجابة القارئ لستانلي فيش . إن هدفي ، أولا ً ، هو تفحص نظرية فيش الأدبية قبل الشروع بنقدها و من ثم ربطها ، على نطاق ٍ واسع ٍ ، بخصخصة المعنى و بظواهر أخرى جارية ٍ في الفلسفة و المجتمع سوف أناقشها و هي مشروطة ٌ تأريخيا ً. و بتعبير ٍ آخر ، تُعَدّ أطروحة فيش متأثرة ً بالمفاهيم الوجودية عن الحقيقة و بظهور الحداثة/ ما بعد الحداثة .
في الحقيقة ، هناك نوعان من نقد استجابة القارئ: يعد أحدهما مقاربة ً ظاهراتية للقراءة، وهي ما تميز كثيرا ً من أعمال فيش المبكرة ؛ و يعد الآخر نظرية ً معرفية ً تميزت بها أعمال فيش المتأخرة .ً إن لدى المنهج الظاهراتي الكثير من مسوغات الاعتداد بالنفس لا سيما أنه يركز على ما يحدث في ذهن القارئ ( أو القارئة ) إبان فعل القراءة . يطبق فيش هذا المنهج في عمله المبكر : " مندهش ٌ بالإثم : القارئ في الفردوس المفقود". تنصب أطروحته في هذا العمل في أن ملتون استعمل عددا ً من التقنيات الأدبية بقصد الإفضاء بالقارئ إلى إحساس ٍ كاذب ٍ بالأمن و من ثم إحداث انعطاف ٍ عن توقعات القارئ من أجل إدهاش الأخير باكتفائه الذاتي التياه . لقد كان قصد ملتون المزعوم إجبار القارئ على رؤية حالة اقترافه الإثم في ضوء ٍ جديد ٍ و اضطراره على الرجوع إلى رحمة الله . تعد أطروحة فيش ، نوعما ، مقاربة ً بارعة ً ل( الفردوس المفقود) و لإرشاد ( أو تضليل ) ملتون للقارئ (28).
في هذه المرحلة من سيرته الأدبية، ينصب اهتمام فيش في " ما هو جار ٍ فعلا ً إبان فعل القراءة " ، و هذا منعكس ٌ في مجموعة مقالاته التي جمعها تحت عنوان ( هل في هذا الصف نص ؟ ) و على نحو ٍ خاص ، في النصف الأول منها (29 ) ، حيث يعرف فيش مقاربته الظاهراتية بأنها ( تحليل ٌ للاستجابات المتطورة لدى القارئ فيما يخص الكلمات إذ تتعاقب واحدة ً تلو الأخرى في الزمان) (30 ) . إن اهتمامه متمركز فيما يفعله النص بصفة ذلك ضدا ً لما يعنيه. و كما يفترض جي .ف .وورثن ، يمكن النظر إلى كثير من أعماله باعتبارها رد َّ فعل ٍ ضد الشكلانية التي تَمَيّزَ بها عصر نظرية النقد الجديد التي حملت فكرة أن المعنى مبيت في الصناعة النصية أو، كما أشار كل من ويمسات و بيردسلي ، في " المادة" (31 ) . و هو يفترض أن ( السياق بالنسبة إلى النقاش هو السؤال عما إذا كانت السمات الشكلانية توجد سابقة ً للإستراتيجيات التأويلية و مستقلة ً عنها) (32). وكما قد يتصور المرء ، فإن فيش، في خاتمة المطاف يطرح إجابة ًسلبية ً عن هذا السؤال . و هو يفترض أنه بدلا ً من أن يكون لدينا نص ّ ٌيحتوي على سمات شكلانية قابلة للتعريف في كل زمان و مكان , فإن القارئ هو من يسقط هذه السمات على النص , و بذلك تكون الإجابة (كلا) هذه المرة , أيضا, على السؤال:( هل في هذا الصف نص ؟).
في هذه المرحلة من سيرة فيش الأدبية ، تتطور نظرياته متحولة ًإلى شكل ٍ من النقد الأدبي الذي ينبذ قصد المؤلف و يضع المعنى منفردا ً في حلبة أولئك الذين يتلقون النص . و لهذا تسمى نظريته , أحيانا ً، ب" جمالية التلقي " أو " الأسلوبية المؤثرة" . يزعم فيش أن الجماعة المؤولة هي التي تخلق واقع النص . فالجماعة هي التي تسبغ على النص – وعلى الحياة نفسها بمقدار تعلق الأمر- معنى. إن أولئك الذين يزعمون بأن المعنى ينبغي أن يوجد في بنية ٍ عليا أبدية ٍ أو بنية ٍ ثانوية ٍ للواقع .. يصنفهم فيش ك (تأسيسيين ) . و لأن التأسيسيين يتشكلون من جماعاتهم التأويلية و يؤولون من خلال هذه الشبكة من الجماعات .. فمن الطبيعي أن يكونوا ضدا ً للنظريات التي هي من نوع نظرياته هو. تعد نظريته معرفية ً في كونها لا تتعامل مع النقد الأدبي ( على الرغم من وجود
تضمينات هائلة تنم عن تعامله مع النقد الأدبي ) بقدر ما تتعامل مع كيفية توصل المرء إلى معرفة . في التحليل الآتي لنظرية فيش ، سوف أركز في المقام الأول على نظريته المتأخرة في " استجابة القارئ" :

المعنى الذي في القارئ

هذه السمة في نظرية فيش هي إحدى السمات الأكثر راديكالية ً و إثارة ً للجدل . فهو يفترض أن المعنى محايث ، لا في النص، بل في القارئ ، أو بالأحرى في الجماعة القارئة . بهذا المعنى يكتب قائلا ً :" في الإجراءات التي أناقشها ، تعد فعاليات القارئ في مركز الإهتمام ، حيث لا تعتبر مفضية إلى المعنى بل هي حاملة له" (33) . و إذ يتمكن من حمل هذه الفكرة فلأنه يعتقد بعدم وجود أساس ثابت للمعنى . بالنسبة إليه ، لا يوجد تأويل صحيح يحمل الحقيقة على الدوام . فالمعنى لا يوجد في مكان ما " خارج ذلك النطاق " ، بل هو يوجد في داخل القارئ.
في أعماله المبكرة ، قدم ادعاءا ً لم يتنصل عنه كلية في مادته اللاحقة, فحواه أن ما يعنيه النص هو الخبرة التي ينتجها في القارئ . و يقول معرفا ً المعنى: " هو خبرة, هو يحدث, يفعل شيئا ً , يجعلنا نفعل شيئا ً. في الحقيقة, يطيب لي التمادي إلى أبعد من ذلك لأقول بأنه , في التناقض المباشر بين ويمسات و بيردسلي , فإن ما يفعله هو ما يعنيه" (34 ) . هنا يتخطى فيش الحدود غير المسموح بتخطيها في مغامرته و التي تتمثل بوضع نفسه ضد المبادئ الشكلانية للماضي ببرنامجها العلمي بالافتراض. هذا المشروع الذي يتقبله استغرق وقتا لكيما يحقق تحررا ً


تاما ً. و لكن هذا المبدأ هو الذي سوف يفضي بنظريته , في آخر الأمر, إلى التحول من( ما يسميه نقاده ) نظرية تأويلية ( موضوعية ) إلى نظرية تأويلية ( ذاتية) غير خالصة. في الحقيقة تظهر نظريته المبكرة منفتحة ًتماما ً لنقد الذاتانية لا سيما إنه يفترض بعدا تجريبيا ً لمعنى يعد محايثا ً في " الوعي الفعال و التفعيلي في القارئ " و هذه تهمة يحاول لاحقا ً مقارعتها (35 ).
إن حركة فيش التالية في برنامجه المضاد للشكلانية هي إنكاره أن النص مادة , وهذا أمر شديد الأهمية بالنسبة لكل من ويمسات و بيردسلي و القد الجديد. " إن موضوعية النص وهم ٌ, و- علاوة على ذلك- هي وهم ٌ خطير, لأنها مقنعة ٌ جدا على المستوى المادي"(36) . إن ما يعنيه فيش تحديدا ً في عبارته هذه غير واضح ٍ نوعما. و كما قد يبدو , فهو لا ينكر الواقع الأنثولوجي ,أو وجود مادة ٍ ملموسة ٍ, على الرغم من أن المرء يمكن أن يحاجج بأن ذلك لهو بالتحديد ما تعنيه هذه الجملة في حد ذاتها لأنه ؟اهريا يقرن كلمة " موضوعي " بكلمة "مادي"(37) .إن السياق هو الذي ينير ما يرمي إليه , و لكنه ينكر استقلال النص بصفته مستودعا للمعنى. إن النص لا يحتوي على معنى مع كونه مكتوبا ً على لوح ٍإردوازي فارغ حيث يتأتى للقارئ , إبان فعل القراءة الحقيقية , أن يكتب النص عليه.
يأخذ فيش نظرية الدائرة الهرمينوطيقية على محمل ٍ من الجد . إن القارئة ماضية باستمرار في استرجاع قراءة فهمها المسبق في النص بدون أية إمكانية لتحقيق تأويل( موضوعي ) أو تأويل مركزه المؤلف. يزعم فيش أن نظرية تأويلية ما , هي نفسها دائرية, ذلك لأن المؤول دائما ً ما يجد ما هو ماض ٍ في البحث عنه في النص, لأن الأنساق الشكلانية "نفسها مؤلّفةٌ بوساطة فعل ٍ تأويلي."(39) و في إحدى مراحل تطوره, يزعم أن:

" النظريات تعمل دائما, و تنتج باستمرار نتائج تتنبأ بها بالتحديد , نتائج سرعان ما تفرض على أولئك الذين تعد افتراضات النظرية و المبادئ التي تهب المقدرة ...بمثابة بديهة بالنسبة لهم . في الحقيقة , إن من شأن الخدعة إيجاد نظرية ٍ لا تعمل"(40)
و لأن حصيلة أية دراسة , تقررها الافتراضات التي يبدأ بها المرء.. فبالنسبة إلى فيش" يعد النجاح حتميا ً"(41) . و هكذا تكون المناهج التي يقارَب بها النص قررت الحصيلة: الافتراضات المسبقة للمرء تحقق النتاج(42) .
بالنسبة إلى فيش, يعد النص مجرد بقع لاختبار الشخصية, و الذكاء(43) , تسقط القارئة عليها فهمها الذاتي أو , كما سنرى , افتراضاتها المقررة ثقافيا. لا يحتوي النص على أي شيء في حد ذاته , بالأحرى أن المحتوى يمنحه القارئ. إن القارئ هو من يقرر هيئة النص , شكله و مضمونه. هكذا يزعم فيش أن القراء يكتبون نصوصا ً. إن تعليق وورثن شديد الذكاء ؛ فهو يقول:" بمقدار ما يعني الأمر فيش , فإن القراءة تكرر الواقع فحسب , و هي بذلك لا تتكون بالضرورة من شيء سوى استجابة لمجموعة استراتيجيات تأويلية موجودة على نحو مستقل.(44) هذا هو بالتحديد ما تفعله القراءة, و هذه هي إحدى صعوبات نظريته. فهي تخفق في تفسير قابلية النص لتوسيع فهم القارئة و ذلك بتقديمها طريقة إدراك مختلفة. بالنسبة لفيش , لا يستطيع النص أداء وظيفة سوى دور مرآة لا تزود بشيء سوى انعكاس أفكار قارئه.

قصد المؤلف :
بهذه الطريقة نفسها , ينبذ فيش فكرة كون قصد المؤلف المبدأ المرشد في العملية التأويلية. في تحليل أحد أعماله النقدية السابقة, يصرح قائلا:
" فعلت ما يفعله النقاد دائما : فلقد (رأيت) ما سمحت لي مبادئي التأويلية برؤيته أو وجهتني نحو رؤيته, و بعدئذ استدرت و عزوت ما كنت ( قد رأيت) إلى النص و القصد... ما أفترضه هو أن الوحدات الشكلانية تعد دائما وظيفة الأنموذج التأويلي الذي يحمله المرء في داخله , فهي ليست ( في ) النص , و سوف أطبق المحاجة نفسها على القصد"(45 ).
القول بأن المؤلف كان يقصد أن يقول أو يفعل كيت و كيت هو في الواقع تصريح يتعلق بالمؤول, في نظرية فيش. و هكذا فإن مؤولين شتى يرون مقاصد شتى لأن الأخيرة من اختلاق القارئ لا المؤلف. و كما هي الحال مع النظرية النقدية الجديدة, يخفق المؤلف في أن يعيش بعد خلق النص. في الواقع , بالنسبة لفيش, حتى المؤلف يعد من إبداع القارئ (46).
يقوم فيش بهذه الإنتقالة بسبب معتقداته المعرفية القائلة بأنه ما من شيء نراه , ندركه أو نفكر به إلا و يكون مؤولا ( بفتح الواو مشددة) . و هو يعتبر من السذاجة محاولة بلوغ قصد المؤلف؛ فكيف يمكن للمرء , على نحو مطلق , بلوغ قصد طالما أن هذا القصد لا يوجد في أي حقل موضوعي أو غير مؤول بحيث يتسنى لنا توسيطه لوعينا بدون أن يكون ,هو نفسه, مؤولا ً؟ يمكننا حيازة وثائق متعلقة بالقصد الحقيقي للمؤلف , " و لكن الوثائق ... التي من شأنها إعطاؤنا ذلك القصد , ليست بأكثر قابلية لقراءة حرفية ( كونها لم تعد غير مؤولة – بفتح الواو مشددة- ) من قراءة حرفية يمكن أن تتأتى من القصد " م هكذا حين يكتب جون : " لقد كُتِبَتْ هذه الأمور على نحو يجعلك تؤمن بأن يسوع هو المسيح , إبن الله , و فحوى ذلك الإعتقاد أنك يمكن أن تتمتع بحياة أبدية باسمه," لو لم يكن قد قال و كتب شيئا , لما ازددنا قربا من مقاصده (هامش:47 ).
يتعقب فيش خطى مدرسة النقد الجديد التي , كما قد رأينا , تهمل قصد المؤلف و التأويل التأريخي كذلك. بالنسبة لفيش , ليس من الضروري التوفر على السياق الأصلي من أجل حيازة معنى , فهو يقول بهذا الصدد: " إن مراجعة القواميس , قواعد النحو و التأريخ ... تنطوي على افتراض أن المعاني يمكن تحديدها على نحو مستقل عن فعالية القراءة . " (48) . و لكن – كما قد رأينا- تعد فعالية القراءة هي التي تشغل مركز المسرح في تكوين المعنى . يطرح فيش هذا الإفتراض لأنه يعتقد بأننا , كمؤولين , منعزلين عن عوالم ثقافات الماضي . بكلمات أخرى , هو يعتقد بأننا لا تربطنا مشتركات بثقافات الماضي و لهذا السبب ، يوجد انفصال تام . وهكذا يرجع المؤول إلى عالم مختلف عن عالم المؤلف.

فئات تأويلية:

ما يكمن وراء تفكير فيش في هذه المرحلة هي رؤيا قوية للبناء الإجتماعي للواقع . يعتقد فيش اعتقادا شديدا بأن المعرفة ليست موضوعية بل هي دائما مشروطة إجتماعيا ً . كل ما يفكر به المرء و ( يعرفه ) هو تأويل لا يكون ممكنا إلا بالسياق الإجتماعي الذي يعيش في كنفه المرء . بالنسبة لفيش ، الأفكار نفسها التي يفكر بها المرء تجعل ممكنة بالافتراضات المسبقة للفئة التي يعيش في كنفها المرء ، و علاوة على ذلك , فإن الفرد المشروط إجتماعيا ، كما هي حال كل الأفراد ، لا يمكن أن يتجاوز تفكيره الحدود التي تيسرها الثقافة. هذه الثقافة يطلق عليها فيش تسمية " فئة تأويلية " و إن استراتيجيات أي مؤول هي: " خاصية فئوية ، و بقدر ما تسرع هذه الاستراتيجيات عمليات جعل وعيه ممكنة و تحددها , فإنه , هو أيضا [خاصية فئوية ]... تتكون الفئات التأويلية من أولئك الذين يشتركون بالاستراتيجيات التأويلية , لا لغرض القراءة , بل لكتابة نصوص , لعرفنة خصائصهم ."(49)

يعتقد فيش بأن الفئات التأويلية , كاللغات , عرفية محضة, بمعنى أنها متفقة إعتباطيا على فعاليات البناء. ذلك أن الطريقة التي تحيا بها فئة ما , ليست بأية حال من الأحوال انعكاسا لواقع أعلى , بل هي – بالأحرى- بناء , أو هي صرح مشيد بالإجماع .يحمل هذا الإعتقاد مصداقية بالنسبة إلى الاستراتيجيات التأويلية التي تسخرها ثقافة أو مؤسسة ما كما يصح على الفكر التي تحملها عن الصواب و الخطأ . إن أخلاقية الثقافة لم تعد موجودة في أي عالم خارجي غير اللغة (50 ) كذلك يتعذر تحديد كيفية تعالق اللغة بالعالم الخارجي.(51 ) فاللغة و استعمالها يعدان قرارات اعتباطية يصنعها العرف مثلما هي حقيقة أن نسمي (الشمال) شمالا و ليس شيئا آخر.
و في معرض رده على النقد الذي وجهه م.ه.أبرامز , يشرح فيش بعضا من جوانب فهمه للطبيعة العرفية للغة:
" إن يكن ما يأتي اتصالا أو تفاهما , فلن يكون سبب ذلك أن [هو] الآخر و[ أنا ] نشترك بلغة واحدة , بالمعنى الذي تفيده الأخيرة من معرفة لمعاني كلمات فرادى و القواعد المتبعة في ضم تلك الكلمات إلى بعضها ... بل لأن هناك طريقة في التفكير , شكلا من الحياة , تشركاننا في عالم من مواد , أغراض , أهداف , إجراءات , قيم , وهلم جرا ... كلها جاهزة في مكانها المناسب . وإن أية كلمات نلفظها تُستلم بصفتها تشير بالضرورة إلى سمات ذلك العالم ."(52 ) .
على النحو نفسه , فإن ما ندعوه أدبا لا يعد أدبا بسبب مبدأ ثابت عن الحقيقة أو الفن , يوجد في حالة مؤقتة ... و إنما يعد أدبا لأن الثقافة تعطيه هذه القيمة بحكم اهتمامات خاصة بها ؛ أي لكونه يعكس قيم و معتقدات الثقافة على نحو ما :
" و هكذا فإن فعل إدراك الأدب غير مقيد بشيء في النص , و لا ينشأ عن رغبة مستقلة و اعتباطية , بل على العكس , فهو ينبثق عن قرار جمعي يتعلق بما يعد أدبا , قرار يكون قسريا طالما واصلت فئة من القراء أو المعتقدين به التزامها به ".(53 )
من وجهة النظر هذه , يعد الأدب ببساطة تعبيرا عن آيديولوجيا . و بسبب وجهات نظره في الأدب , يميل الأدب نحو فقدان "حالته الخاصة " كأدب و يصبح ببساطة مجرد انعكاس لقيم فئوية هي عرضة للتغير كما هي حال الثقافات . لا أريد بما تقدم القول بأن الذات الفردية أ و الثقافة تختار قيمها بوعي منها , و هو ما يمكن أن ينطوي ضمنا على شكل من الموضوعية أو إمكانية البقاء بصورة مستقلة عن قيم المرء . بالنسبة لفيش , من غير الممكن تجريد ذات المرء عن قيمه. يعد فيش ببساطة نتاج بيئته , دون إمكانية لاختيار معتقداته و قيمه. بدلا من ذلك , فإن هذه الأخيرة تشكلها و تقررها الثقافة التي هي مشروطة تأريخيا و ليست بأكثر قدرة على الإختيار الموضوعي من الذات الفردية !

في الفصول المتبقية من هذا الكتاب , سوف أقوم بتحليل فكر فيش بمراعاة علاقته بمذهب ما بعد الحداثة , متخذا منه مثالا لنظرية نقدية ما بعد بنيوية . يلي ذلك فحص لمذهب ما بعد الحداثة من منظور مبادئ الفلسفة , أو مقاربة لتأريخ الأفكار . و ليس المقصود بذلك تقديم تأريخ شامل للفلسفة الغربية بل فحص وجيز لبعض السمات البارزة التي , في اعتقادي , قد ساهمت في بزوغ ما يعرف الآن ب( ما بعد الحداثة ) , وسأنهي الفصل بتأكيد على (المنعطف اللساني ) كما سماه رورتي , في فلسفة القرن العشرين , و ذلك بفحص جوانب من فلسفة لودفيغ فيتغنشتاين باعتبار أن تفكيره يحمل أوجه شبه بتفكير ستانلي فيش و يرسي حجر الأساس للوضع الراهن الأشياء . يعد فيتغنشتاين هاما طالما أن تفكيره غالبا ما يتميز بكونه عرفيا و مختلسا في حد ذاته .
في الفصول الآتية أود , كذلك , إلقاء نظرة نقدية على جوانب من نظرية فيش و أفحص بعضا من النتائج الناجمة عن تفكيره . يزعم فيش أن تفكيره , بسبب كونه نظريا , بلا استنتاجات (فهو يطلب من نقاده باستمرار " ألا يقلقوا " ) . و بهذا فهو في أقل تقدير ماكر إن لم يكن غير صادق في حيازة براءة اختراع بإصراره على عد نظرياته ذات نتيجة خطيرة خاصة بالنسبة لأولئك الذين سوف يستأنفون معيارا فوق وجودي .
و إذ أتخذ موقفا نقديا تجاه نظرية فيش الأدبية , فإنني مدرك جيدا لرد فيش على أولئك الذين هم غير متفقين مع نظرياته أو- كما يعبر هو – " يشعرون بأنهم مهددون " بأفكاره. يصنف فيش أولئك المتشبثين بفكرة الماهيات , أو بالواقع و بلوغ الحقائق فوق الوجودية ضمن ( التأسيسيين) الذين هم أعضاء في رابطة ( الحقوق الفكرية) (54 ) . و ما يزيد الطين بلة , أنه يتهمهم بالتشبث بنظرية معرفية ساذجة, تنظر إلى الذهن بصفته يعكس العالم كما هو في الواقع(55 ). علاوة على ذلك , فإنهم يتميزون بافتقارهم إلى فهم لمسألة كم أن اللغة أساسية لرؤية عالم المرء و الافتراضات الثقافية التي تلازمه . يجب أن أدافع عن نفسي لكوني تأسيسيا ذا اعتراضات على نظرية فيش. على أية حال , يزعم فيش بأن نظريته محبوكة داخليا , بينما حجتي أنها على العكس تماما, ذلك أن نظريته تعدم التماسك و قائمة على أساس افتراضاته هو . يمكن أن يتأتى رد فيش على هذه الانتقادات بإنكار كوني مدخلا لناقده نحو نظريته و ذلك – في المقام الأول – لأنني لا أشاركه في افتراضاته و – بالنسبة له – لتعذر فهم تفكير أية فئة إلا من قبل أولئك الذين هم من ضمن تلك الفئة ! على أية حال , هذا الزعم – كما سنرى – هو أحد الأسس التي يقوم عليها نقدي . و الآن لننعطف نحو تناول تأريخ الفلسفة بإيجاز .
ترجمة : معين جعفر محمد/ العراق



#معين_جعفر_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيدة شعرية
- مدونة الأعراف
- بعض خصائص النظرية المعاصرة/ ح 2
- بعض خصائص النظرية المعاصرة
- قصيدة رثاء
- رثائية
- قصائد قصيرة جدا
- قصائد شعرية


المزيد.....




- باتيلي يستقيل من منصب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحد ...
- تونس.. افتتاح المنتدى العالمي لمدرسي اللغة الروسية ويجمع مخت ...
- مقدمات استعمارية.. الحفريات الأثرية في القدس خلال العهد العث ...
- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - معين جعفر محمد - نقد استجابة القارئ لستانلي فيش / كتابة : كريس لانغ