أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبدالله تركماني - الهويات الفرعية القاتلة














المزيد.....

الهويات الفرعية القاتلة


عبدالله تركماني

الحوار المتمدن-العدد: 3713 - 2012 / 4 / 30 - 02:12
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


لعل كثيرين يستغربون كيف تستعير صراعات اليوم عناوين الأمس، وكيف تطل قضايا الهويات والأديان والجدليات الثقافية على مسرح السياسة وصراعات المصالح في العصر الراهن. إذ ثمة أصحاب النزعة التطورية - الحتمية المهوسون من عودة مسائل الثقافة والدين إلى مسرح السياسة والصراع، وثمة استغراب آخر يبديه المدافعون عن الفرضية القائلة بأنّ الدين هو العامل المحرك للصراع بين المجتمعات والأمم.
ومن المؤكد أنّ سؤال الهوية ليس سؤالاً عابراً أو سطحياً ولا هو تعبير عن حالة فكرية مصطنعة، بل هو سؤال يلامس العناصر العميقة للوجود التاريخي والاجتماعي للأمم، كونه يلامس منظومات القيم والمبادئ المكوّنة للوجود الحضاري لها. فالهوية هي تلك الحالة من التفرد والخصوصية التي تلامس المستوى القيمي للأمم، أما سؤال الهويات الفرعية فهو يمثل اللحظة التاريخية لانكشاف هذه الخصوصية عن حالة إشكالية مع مكوّنات المحيط، تضع الهوية في حالة من التعارض مع مدخلات ثقافية تعبّر عما هو سائد، لكنه مقابل لما هو راسخ.
وفي الواقع، إنّ الهوية كالثقافة لا شكل ثابتاً مطلقاً لها، فهي تغتني بالإضافات والحوار الثقافي، وكل من يراها غير ذلك ويدافع عن وهم ثباتها يقف، من دون أن يدري، في صف قاتليها الحقيقيين. الهوية الثابتة وهم، أداة من أدوات الأنظمة الاستبدادية للحفاظ على التأخر الحضاري، فما من شيء يحمي الاستبداد مثل تحجّر الأفكار والعقول عند نمط صنعه الفكر الاستبدادي نفسه.
ففي ظل العولمة، لم يعد بالإمكان حماية الهويات الفرعية المنغلقة على ذاتها، القومية والطائفية والمذهبية، من رياح التغيير الثقافية. وبسبب ما يسود حياة كل المجتمعات الإنسانية من تيارات فكرية ومصلحية، متعددة ومتباينة الأهداف، فإنّ ثقافات جماعات كل دول العالم دخلت مرحلة الاغتناء بثقافات إضافية خاصة، دون إلغاء الانتماء الوطني الأساسي.
وهكذا، يكاد سؤال الهوية أن يكون الهاجس الوحيد الثابت في أية مقاربة لسيرورة تحديات مجتمع المعرفة، الذي أدخل العالم في تفاعلات لم يعرفها من قبل، بسبب إسقاطه المستمر لحدود الزمان والمكان. لذلك أصبحت الشعوب والدول والثقافات أكثر حاجة للبحث عن شروط ومواصفات تؤكد اختلافها وتمايزها ووحدتها في آن واحد، بقصد تكوين علاقة واضحة بين الأنا والآخر، وفي مجتمعاتنا العربية من أجل الديمومة الإيجابية للعيش المشترك.
إنّ أشد ما يقلق البعض في القضايا التي تثيرها ثقافة العولمة هو ما لها من آثار على الهوية والخصوصيات الثقافية، وهو قلق له ما يبرره في ظل ما نراه من محاولات قوى الهيمنة الاقتصادية تنميط سلوكيات البشر وثقافتهم في المجتمعات كافة وإخضاعها لنظام قيم وأنماط سلوك سائدة في مجتمعات استهلاكية، إذ يحمل فيض الأفكار والمعلومات والصور والقيم القادمة إلى كثير من المجتمعات إمكانية تفجّر أزمة الهوية، التي أصبحت من المسائل الرئيسية التي تواجه التفكير الإنساني على المستوى العالمي. وفي سياق هذه الأزمة تنبعث العصبيات القبلية والطائفية والمذهبية والقومية الضيقة، وتزداد الرغبة في البحث عن الجذور وحماية الخصوصية.
وهكذا، فإنّ قضية الأصالة والمعاصرة لا يمكن بلورتها أو اختزالها قط في موقف نظري أو إشكالية ذهنية مجردة، وإنما هي توجه عقلاني خاص نحو تفعيل التاريخ والثقافة والأفكار، بمعنى أنه إذا لم يستطع تراثنا العربي – الإسلامي تحقيق الدافعية الحضارية في الشكل الذي يسمح لنا بترجمة الرؤى المطروحة كونياً في أبعادها المختلفة، فلسنا في حاجة ملحة إليه، إذ أنّ التحرك نحو أطياف المستقبل يرتبط أساساً بأدوات المعاصرة التي تبدأ بالتفاعل والتواصل والاندماج والمشاركة، من ثم تنتهي إلى أقصى درجة من سمو الهوية وارتقائها وشموخها وصلاحيتها للتأثير والتأثر في الهويات " القاتلة " التي تتنازع سلطة التفرد والاستحواذ على مقدرات العولمة، تاركة لغيرها أن تنعم بالنكوص إلى الماضي السعيد، تجتر ذكرياته ومآثره وتسبح في أغواره ناسجة حوله الأحلام والأساطير، مشبعة ذاتها بتلك الصوفية التاريخية غير مكترثة بعواصف الحاضر وكوارث المستقبل.



#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو الاستقلال الثاني .. مستقبل سورية الجديدة يصنع اليوم
- المجتمع الدولي ما زال متحفظاً إزاء التدخل العسكري
- حق الشعوب في التنمية
- أبرز التحديات التي تواجه التحول الديمقراطي في العالم العربي
- إشكالية الدولة والتنمية في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر
- دروس بعض نماذج التحول الديمقراطي لمستقبل سورية
- دور المجلس التأسيسي التونسي في عملية التنمية السياسية
- أهم أعمدة المرحلة الانتقالية في سورية
- نطلب الحماية لشعبنا لمنع حرب -آل الأسد- الأهلية
- سورية الجديدة التي نحتاج إليها
- أسئلة الحداثة في ظل ربيع الثورات العربية
- مسيرة الثورة السورية وآفاقها
- مقدمات ربيع الثورات العربية
- نهاية الرهانات القديمة ... وضرورة وضوح الرؤية للمستقبل
- انتخابات تونس وتحديات التحول الديمقراطي
- تحديات المجلس الوطني السوري
- النظام السوري يعيش عزلة
- خطورة الانجرار إلى - فخ - عسكرة الثورة السورية
- أضواء على مسيرة الثورة السورية
- حجم الإسلاميين في سوريا لا يتجاوز ال 20 بالمائة


المزيد.....




- فيديو غريب يظهر جنوح 160 حوتا على شواطىء أستراليا.. شاهد رد ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1000 عسكري أوكراني خلال 24 سا ...
- أطعمة تجعلك أكثر ذكاء!
- مصر.. ذعر كبير وغموض بعد عثور المارّة على جثة
- المصريون يوجهون ضربة قوية للتجار بعد حملة مقاطعة
- زاخاروفا: اتهام روسيا بـ-اختطاف أطفال أوكرانيين- هدفه تشويه ...
- تحذيرات من أمراض -مهددة للحياة- قد تطال نصف سكان العالم بحلو ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن سلمت كييف سرّا أكثر من 100 صاروخ ATA ...
- مواد في متناول اليد تهدد حياتنا بسموم قاتلة!
- الجيش الأمريكي لا يستطيع مواجهة الطائرات دون طيار


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبدالله تركماني - الهويات الفرعية القاتلة