أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - دور المجلس التأسيسي التونسي في عملية التنمية السياسية















المزيد.....

دور المجلس التأسيسي التونسي في عملية التنمية السياسية


عبدالله تركماني

الحوار المتمدن-العدد: 3679 - 2012 / 3 / 26 - 22:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يشكو بعض الباحثين من صعوبة مقاربة شروط نجاح الانتقال الديمقراطي والتنمية السياسية في تونس، وفي هذا السياق يجدر بنا الانتقال من حالة التنظير السلبي إلى حالة الفعل الإيجابي، إذ تعيش تونس مرحلة انتقالية ثانية دقيقة، سمتها الأبرز انتخاب المجلس الوطني التأسيسي في أول انتخابات ديمقراطية ونزيهة. ففي 23 أكتوبر الماضي قادت تونس، التي أطلقت شرارة ربيع الثورات العربية، المنطقة من الثورة إلى تقرير المصير السياسي. حيث ذهب ما يزيد على 90 % من الناخبين التونسيين إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم للمجلس التأسيسي، المكوّن من 217 مقعداً، وهي هيئة أُنيطت بها مهمة صياغة دستور جديد وتشكيل حكومة انتقالية جديدة.
لقد جرت هذه الانتخابات وفق نظام القائمة النسبية، وعلى قاعدة التناصف بين الرجال والنساء، فتقدم للتنافس أكثر من عشرة آلاف مرشح على قوائم زاد عددها عن 1519 قائمة (830 قائمة حزبية و655 مستقلة و34 ائتلافية)، وكما كان الإقبال على الترشح مرتفعاً كذلك جاء الإقبال على التصويت مرتفعاً كذلك، كما ارتفع معها منسوب النزاهة والشفافية بإجماع شهادات آلاف المراقبين الدوليين والمحليين.
ولعل تجربة الانتخابات التونسية كانت المختبر العربي الأول لقياس درجة الوثوق والإيمان بإمكانية التحوّل الديمقراطي، ناهيكم عن التمسك به من لدن جميع القوى والتيارات التي أصرت على إنجاح التجربة. وأول الإنجاز أنّ الانتخابات حصلت من ضمن مرحلة انتقالية تضع حداً فاصلاً بين مرحلة ما قبل الثورة ومرحلة الثورة التي تؤسس للجمهورية التونسية الثانية.
أهم دلالات انتخابات المجلس التأسيسي التونسي
دعي أكثر من سبعة ملايين ناخب لاختيار 217 عضواً في مجلس وطني تأسيسي، من بين أكثر من 10 آلاف مرشح موزعين على 1519 قائمة تمثل ثمانين حزباً سياسياً ومستقلين. ومن أهم دلالات هذه الانتخابات يمكن أن نبرز ما يلي:
(1) - تأكيد أنّ الانتخابات هي شان حزبي بامتياز، حيث وضع الشعب التونسي، الذي رفعت ثورته شعارات " عمل، حرية، كرامة "، الأطياف السياسية كافة أمام الاختبار الكبير، وهو التنافس على تقديم البرامج والسياسات التي تستجيب لشعارات شباب الثورة.
(2) - اختيار القانون النسبي في الاقتراع، باعتباره من أكثر النظم الانتخابية توازناً، حيث يمنح كل الأحزاب الحظوظ القصوى بالتمثيل والوصول إلى الجمعية التأسيسية.
(3) - دخول مرحلة شرعية المؤسسات، حيث انتهت المرحلة الانتقالية الأولى، التي كان فيها نوع من التوافق، ودخلت تونس المرحلة الانتقالية الثانية لوضع حجر الأساس لبناء الجمهورية التونسية الثانية.
(4) - وعي أهمية الحقوق الأساسية، إذ أوضحت الانتخابات أنّ الشعب التونسي يريد عدم تجاهل دور حقوق الإنسان في الدستور.
(5) – إعادة رسم خريطة القوى والتوازنات السياسية، إذ مثّل فوز حزب النهضة الإسلامي بداية لمرحلة جديدة في الحياة السياسية التونسية، مما يضع التيار الإسلامي المعتدل أمام اختبار السلطة بعد ربيع الثورات العربية. خاصة أنه حرص على الترويج لخطاب سياسي وسطي ومعتدل، وتعهد باحترام " الصبغة المدنية للدولة وسيادة الشعب وقاعدة التداول على السلطة ". كما تعهد الشيخ راشد الغنوشي، الزعيم التاريخي لحزب الاتجاه الإسلامي ثم لحركة النهضة، بأن تُحْكَمَ تونس بالتعاون مع كل القوى الديمقراطية، خاصة الأطراف السياسية التي عارضت نظام بن علي، ثم أسهمت في الثورة، لاسيما قيادات " حزب المؤتمر من أجل الجمهورية " بزعامة رئيس الجمهورية المؤقت الدكتور منصف المرزوقي، و" التكتل من أجل العمل والحريات " بزعامة رئيس المجلس التأسيسي الدكتور مصطفى بن جعفر.
(6) - نضج سياسي للمعارضة الجديدة، حيث قبلت - منذ الدقائق الأولى للإعلان عن النتائج الأولية - بخيار الشعب، وأعربت في تصريحاتها بوضوح عن أنها تأسف لعدم فوزها بالأغلبية، لكنها هنأت الفائزين، وقررت الدخول في المعارضة، وبدء الاستعدادات للانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة.
وبالمحصلة جاءت النتائج مبهرة في دلالاتها فقد جاءت بتغييرات جوهرية في المشهد السياسي، حيث أسقط التونسيون جملة من الفزاعات، لعل أهمها:
- فزاعة تزوير الانتخابات لدفع الناس لمقاطعة الانتخابات، فقد سقطت هذه الفزاعة بشهادة وإجماع آلاف المراقبين الدوليين والمحليين على نزاهتها وشفافيتها وصدقيتها.
- فزاعة عدم جاهزية الشعوب العربية للديمقراطية، حيث جاءت مشاركة الشعب التونسي المرتفعة (ترشيحاً وتصويتاً وشفافية ونزاهة) مفاجئة وصادمة لمروجي هذه الفزاعة، إذ أكدت الانتخابات توق الشعوب العربية للمشاركة والاختيار والاستعداد للانخراط في الشأن العام، على كافة الصعد والمستويات، على أنّ هذه المشاركة تظل مشروطة بتوافر مناخات الحرية والشفافية والنزاهة.
وبغض النظر عن النتائج فإنه بإجراء أول انتخابات حرة ونزيهة في تونس أصبح لدى الشعب التونسي خارطة طريق سياسية حقيقية، مما يجعل تونس تمثل أنموذجا يُحتذى، قد يساهم بتغيير مجرى التاريخ، ليس فقط في تونس وإنما في المنطقة العربية كلها.
ولا شك بأنّ تونس اليوم في حاجة لكل أبنائها وكفاءاتها بعيداً عن أي إقصاء أو استثناء، ولعل لنسبة المشاركة العالية دلالة سياسية لا يخطئ الباحثون قراءتها، هي أنّ الشعب التونسي استوعب درس الديكتاتورية، وما جرّته عليه من مآسٍ، وخرج ليقرر مصيره بنفسه وليقطع الطريق على من يبتغي مصادرة قراره وحريته. فلقد أدرك قيمة صوته، والمكانة التي يحتلها هذا الصوت في المجال السياسي. إنه الرقم الأهم في معادلة السلطة والمستقبل، وحزام الأمان الوحيد لحماية الثورة من التبديد.
لقد جاءت ولادة فكرة انتخاب المجلس الوطني التأسيسي من أنّ الشعب التونسي يريد شرعية جديدة، تصيغ دستوراً جديداً للبلاد، وتركز مؤسسات الحكم الانتقالي، وتحدد الملامح العامة للسياسة التونسية خلال المرحلة المقبلة. أي أنّ المجلس سيقوم بالتأسيس لمستقبل تونس، من خلال اختيار نظام الحكم الجمهوري القادم، وتوفير الضمانات التي تمكّن الشعب من ممارسة سيادته وصيانة حقوقه عبر الأطر القانونية.
دور الانتخابات في التنمية السياسية
لقد تميز وضع تونس بوحدانية الحاكم في عهدي الجمهورية الأولى، وعليه فإنّ من جملة متطلبات نجاح الانتقال الديمقراطي يجب إحداث تغيير في الوعي السياسي للتونسيين، وتلك مهمة يتطلب إنجازها ليس فقط التبشير بالديمقراطية لفائدة الحاضر والمستقبل بل أيضاً - وربما كان هذا أكثر أهمية - نقد الأسس التي قام عليها الاستبداد خلال العهدين.
وفي هذا السياق، ليس من قبيل الترف الفكري الدعوة إلى ضرورة تطوير نسق تونسي، بل مغاربي وعربي، ديمقراطي مؤسس على مشروعية التعددية وحق الاختلاف، إذ العبرة ليست بتحقيق التحول الديمقراطي فحسب، ولكن توفير ضمانات استمراره وعدم التراجع عنه. مما يتطلب نشر ثقافة المساهمة التي تقوم على اعتبار الأفراد مواطنين من حقهم المساهمة في الحياة العامة والتأثير على المنظومة السياسية وتوجيه عملها، وهي التي تسمح بالوصول إلى الديمقراطية وتحقيقها. إنها عملية شاقة ومتواصلة، إذ ينبغي السعي باستمرار إلى تكوين المواطن وتنمية وعيه بنظام حقوقه وواجباته وترسيخ سلوكه وتطوير مستوى مشاركته في حياة جماعة المواطنين التي ينتمي إليها، وهي ليست سوى وسيلة من وسائل تنوير المواطن بحقيقته من حيث أنه عضو حرٌّ في الدولة، يتساوى مبدئياً مع سائر أعضائها في الحقوق والواجبات، ويشارك في حياتها على جميع الأصعدة.
ومن أجل نشر هذه الثقافة السياسية وتنمية الوعي السياسي يمكن الإشارة إلى أهم القواعد والمبادئ:
(1) - اعتبار ساحة الفعل السياسي مفتوحة على قوى ومجموعات سياسية أخرى ذات تصورات فكرية وسياسية متباينة، واعتبار التغيير قانوناً راسخاً في كل واقع سياسي. الأمر الذي يفرض على المرء اعتماد قدر كبير من المرونة في التعامل مع الشأن السياسي تمكّنه من القدرة على التكيّف مع معطيات الواقع المتحول.
(2) - ضرورة التزام الخطاب العقلاني والواقعي، لما يتيحه ذلك من إمكانية الإحاطة بالواقع الشامل والتعرف على العوامل المؤثرة في سيرورة تطوره.
(3) - اعتماد ثقافة الحوار انتصاراً لفكرة أو دفاعاً عن موقف، وفي سياق ذلك ينبغي الحرص على عدم اعتماد الأساليب المتطرفة في التعاطي مع قضايا الخلاف، فقد تسيء الحدة المفرطة في الجدل السياسي بين المواقف المتعارضة إلى القضية موضوع الحوار، إذا لم تعرف الأطراف المختلفة كيف ومتى تترك للممارسة هامشاً يسمح باختبار مختلف الآراء والأطروحات وتمييز الصائب منها عن الخاطئ.
لقد سجل الشعب التونسي بهذا الكسب الانتخابي عودته مجدداً إلى ميدان السياسة، بعد أن ظل خارج هذا الميدان طوال أكثر من نصف قرن في ظل ادعاءات حداثية مزيفة. وعليه، فإنّ التونسيين يجاهرون ببناء نظام ديمقراطي جديد، يقوم على صياغة دستور يضمن احترام حقوق الإنسان وصون الحريات العامة والخاصة، ويوجب المساواة لاسيما المساواة بين الرجل والمرأة، ويؤمن بالتداول السلمي للسلطة، وبالفصل الجوهري بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، والفصل الحقيقي أيضاً بين العقد السياسي الثابت وبين الحياة السياسية المتغيّرة بتغيير الغالبيات الطارئة، ونبذ استخدام العنف مهما كان مصدره للوصول إلى السلطة.
وفي إطار المجلس التأسيسي بدأت الأغلبية والأقلية تضع ركائز البناء الديمقراطي والسلوك الديمقراطي، واحترام الرأي المخالف، والقبول بالأغلبية وبالأقلية، والتفاعل الايجابي مع الفكر المخالف. فلأول مرة في تاريخ تونس وافقت قيادات علمانية وزعامات حزب النهضة الإسلامي على وفاق سياسي يشمل توزيع عدد من الحقائب الوزارية ومناصب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس المجلس الوطني التأسيسي.
ومن المؤكد أنّ نجاح الديمقراطية ليس مرهوناً بتبنّي الآليات الانتخابية فقط، بل لا بد من رغبة شعبية تؤكد الانخراط في العملية والاهتمام بتفاصيلها، فمنذ انتصار الثورة في 14 جانفي 2011 تم إنشاء ما لا يقل عن ألف جمعية، تتوزع مهامها بين الدفاع عن حقوق الإنسان والمواطن، إلى الجمعيات المتخصصة في التنمية الشاملة والجهوية وفي المبادرات الشبابية.
ولعل الحفاظ على هذا المستوى من الأداء والإتيان بدستور ديمقراطي من خلال المجلس التأسيسي، والتحضير لانتخابات برلمانية جديدة سيكون من أهم وأخطر التحديات للتحوّل الديمقراطي في تونس، وهو ما سينعكس - بهذا القدر أو ذاك - على جميع البلدان العربية، التي عليها هي أيضاً أن تراجع مسارها، سواءً بالتواصل أو القطيعة مع الماضي، لا على مستوى الحكومات فقط، بل على مستوى التيارات والحركات السياسية أيضاً.
كما لا بد من التعجيل بالقيام بإصلاحات تهم بصفة خاصة استقلالية القضاء، وإصلاح المنظومة الأمنية، وتدعيم حرية الإعلام، ودعم استقلالية منظمات المجتمع المدني، وذلك دون نسيان أهم التحديات التي تتمثل – أساساً - في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية ورسم سياسة خارجية واضحة ومتوازنة تراعي المصالح الوطنية التونسية العليا.

أهم حقائق الدرس التونسي
إنّ الساحة السياسية التونسية مليئة بالشخصيات المؤثرة وذات المصداقية الأخلاقية والنضالية، وعدم تقدمها إلى مرتبة مناسبة في انتخابات المجلس التأسيسي ليس مؤشراً على فقدانها ثقلها في المجتمع، ولكنه عائد بالأساس لعدم وضوح رؤيتها أو عدم وضوح أسلوب طرح هذه الرؤية. ويبدو أنّ ضعفها الانتخابي النسبي يشير- بوضوح - إلى انشغالها بالبحث عن سبل التشتت في ما بينها عوضاً عن محاولة إيجاد أرضية مشتركة تساعدها في انجاز تحالفات انتخابية ذات ثقل. وفي هذا السياق يمكن القول، حسب الدكتور عبد الحسين شعبان، أنّ الدرس التونسي أفرز عدداً من الحقائق المهمة: أولاها، أنّ التيار الإسلامي ظهر بثقل كبير في المجتمع التونسي، على الرغم من محاولات الإقصاء القديمة، إذ استطاعت حركة النهضة - ببراعة - بلورة شعارات قريبة من مزاج أغلبية الشارع التونسي، الأمر الذي أدى إلى الاستحواذ عليه وتوظيفه سياسياً.
وثانيتها، المفاجأة الجديدة بفوز تيار العريضة الشعبية، الذي كان بارعاً في بلورة شعارات شعبوية، حتى وإنْ كانت غير قابلة للتطبيق موضوعياً. فقد استطاع كسب الشارع حين دعا، على المستوى السياسي، إلى دستور ديمقراطي، وعلى المستوى الاجتماعي إلى تقديم منحة بطالة للعاطلين عن العمل مقدارها 200 دينار شهرياً في بلد نسبة العاطلين فيه 500 ألف عاطل، وإلى ضمان صحي مجاني، فضلاً عن تقديم بطاقات للنقل المجاني للمتقاعدين، وهو برنامج بسيط وجذّاب ومن دون تعقيدات أو تفاصيل كثيرة. مما جعل فوزها – النسبي – مضموناً في المناطق الأكثر فقراً وحرماناً، وهي المناطق التي انطلقت منها الثورة مثل مدينة سيدي بو زيد، التي فاز فيها على حزب النهضة. وثالثتها، سيادة خطاب الاعتدال والوسطية وعدم التطرف، حيث كان ذلك من أسباب فوز القوى التي حصلت على مقاعد انتخابية كبيرة، سواء بالنسبة لـ " حركة النهضة " أو " المؤتمر من أجل الجمهورية " أو " التكتل من أجل العمل والحريات "، حيث كانت هذه القوى - بشكل عام - تحمل خطاباً توفيقياً، غير إقصائي وغير متعصب، وهو أقرب إلى قبول الحلول الوسط، في حين أنّ التيار الحداثي، الذي غالى في رفضه للأطروحات الإسلامية، كان هو الخاسر الأكبر في الانتخابات، حيث استطاع الناخب أن يميّز الخطابات الأكثر ميلاً للوحدة الوطنية من غيرها، وهو درس للحركات والأحزاب والقوى السياسية العربية المقبلة على انتخابات جديدة.
ورابعتها، النزاهة التي تميّزت بها العملية الانتخابية التونسية - بشكل عام - باعتراف منظمات محلية وإقليمية ودولية، ويمكن القول: إنها كانت انتخابات أقرب إلى الأنموذجية في بلد يمارسها بحرية وتعددية وتنوّع ومن دون إكراه، لأول مرة منذ نحو خمسة عقود ونصف العقد من الزمان.
لقد أثبتت انتخابات المجلس التأسيسي التونسي سلامة فكرة التحالف بين قوى واتجاهات تعبر عن الأطياف السياسية والفكرية المختلفة أو عن قوى أساسية تمثلها، ورغم بعض القضايا المحتملة المحيطة بالانقسام الداخلي بين الإسلاميين والعلمانيين، اتخذت تونس - حتى الآن - خطوات في الاتجاه الصحيح. وكما هو الحال بالنسبة للثورة، سوف يشكل تحولها السياسي ورقة اختبار للمنطقة، وسوف تشكل النجاحات المبكرة أو الفشل المبكر في العملية الديمقراطية الجديدة مؤشراً لكل دول الربيع العربي، كما أنها ستساهم في تنمية الوعي السياسي، ليس للتونسيين فحسب وإنما للشعوب العربية كلها.

خاتمة
تونس تحت الأضواء الكاشفة، إقليمياً ودولياً، فكما أطلقت أولى إرهاصات الربيع الديمقراطي العربي فمنها سيرى العالم طبيعة وحجم التغيّرات التي ستطرأ على المشهد التونسي، حيث الحرية متاحة للجميع (حرية الصحافة والتنظيم والتعبير والتحزب). وإذا كان على الربيع العربي أن يحقق نجاحاً، فلا بد أن يفعل في تونس، فعلى رغم سقوط 300 قتيل، فقد كانت الثورة التونسية الأكثر سلمية وسط موجة الثورات العربية التي انتشرت في العام 2011، فهي سلمية بالمقارنة مع الكارثة في ليبيا المجاورة، التي حصدت حوالي 50 ألف ضحية، أو مع أعمال القتل المستمرة في سورية حتى الآن. وقد اضطلع الجيش التونسي بدور إيجابي في إرغام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، الذي حكم البلاد لمدة 23 عاماً، على الرحيل عن السلطة، لينسحب ويفسح في المجال أمام تشكيل سلطة سياسية جديدة.
وفي المحصلة الأخيرة فإنّ التجربة التونسية ستبيّن مدى استعداد المجتمعات العربية لتمثل الديمقراطية، والتعود على التعددية واحترام الرأي الآخر، والاحتكام للقانون والمؤسسات والانتخابات، وتشكيل دولة المواطنين الأحرار. ولا شك أنّ انتقال الثورة التونسية من مرحلة الشرعية الثورية إلى مرحلة الشرعية الدستورية والمؤسساتية، لا يعني أنّ هذه الثورة أصبحت تمتلك مشروعاً ناجزاً لبناء مجتمع ديمقراطي جديد. إذ يبدو أنّ نجاح التحوّل الديمقراطي في تونس يحتاج إلى كتلة تاريخية تضم أكثر ما يمكن من الحساسيات السياسية والشرائح الاجتماعية والنخب، ذلك لأنّ ثمة اتفاقاً بين الفاعلين السياسيين على الانتقال الديمقراطي كهدف استراتيجي، مع عدم وضوح الرؤية حول وسائل تحقيق هذا الهدف.
ومن أجل صياغة الإطار الأمثل لإنجاز هذا الانتقال لابد من إدراك مخاطر الهيمنة القسرية للحزب الواحد التي عرفتها تونس، حيث أنها كانت أداة قمع وتهميش للتعددية الفكرية والسياسية الحقيقية. ليس ذلك الإدراك فحسب بل تنمية فكر سياسي ديمقراطي وتفاهم بين كل الأطراف الفاعلة من أجل إنجاز التحوّل الديمقراطي المنشود.
لقد شكلت انتخابات المجلس التأسيسي انتصاراً لإرادة الشعب التونسي، وأكدت حرصه على بناء ديمقراطية سليمة، تتلاءم مع البنية التعددية السياسية للمجتمع التونسي الجديد. ومن الضروري احترام خيار الناخبين التونسيين، الذين منحوا نسبة كبيرة من أصواتهم إلى حركة النهضة ذات التوجهات الإسلامية. وفي الوقت نفسه لا بد لحركة النهضة من احترام إرادة شعب تونس، الذي حجب عنها نسبة تقارب الـ 60% من الأصوات.


(*) – في الأصل ورقة قُدمت في إطار ندوة حول " تطوير الأداء البرلماني في الدول المغاربية " بدعوة من كلية الحقوق والعلوم السياسية – جامعة قاصدي مرباح – ورقلة – الجزائر خللال يومي 15 و16 فبراير/شباط 2012.



#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أهم أعمدة المرحلة الانتقالية في سورية
- نطلب الحماية لشعبنا لمنع حرب -آل الأسد- الأهلية
- سورية الجديدة التي نحتاج إليها
- أسئلة الحداثة في ظل ربيع الثورات العربية
- مسيرة الثورة السورية وآفاقها
- مقدمات ربيع الثورات العربية
- نهاية الرهانات القديمة ... وضرورة وضوح الرؤية للمستقبل
- انتخابات تونس وتحديات التحول الديمقراطي
- تحديات المجلس الوطني السوري
- النظام السوري يعيش عزلة
- خطورة الانجرار إلى - فخ - عسكرة الثورة السورية
- أضواء على مسيرة الثورة السورية
- حجم الإسلاميين في سوريا لا يتجاوز ال 20 بالمائة
- الثورة السورية .. متى سيسقط النظام وبأية تكلفة ؟
- متطلبات الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية في سورية
- أي تغيير مطلوب في سورية ؟
- مقابلة مع المحلل الاستراتيجي الدكتور عبدالله تركماني
- مطالب التغيير السوري وآلياته
- تعاظم القلق العالمي على الحالة السورية
- عن الحامل الاجتماعي للثورة السورية


المزيد.....




- استهداف أصفهان تحديدا -رسالة محسوبة- إلى إيران.. توضيح من جن ...
- هي الأضخم في العالم... بدء الاقتراع في الانتخابات العامة في ...
- بولندا تطلق مقاتلاتها بسبب -نشاط الطيران الروسي بعيد المدى- ...
- بريطانيا.. إدانة مسلح أطلق النار في شارع مزدحم (فيديو)
- على خلفية التصعيد في المنطقة.. اتصال هاتفي بين وزيري خارجية ...
- -رأسنا مرفوع-.. نائبة في الكنيست تلمح إلى هجوم إسرائيل على إ ...
- هواوي تكشف عن أفضل هواتفها الذكية (فيديو)
- مواد دقيقة في البيئة المحيطة يمكن أن تتسلل إلى أدمغتنا وأعضا ...
- خبراء: الذكاء الاصطناعي يسرع عمليات البحث عن الهجمات السيبرا ...
- علماء الوراثة الروس يثبتون العلاقة الجينية بين شعوب القوقاز ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - دور المجلس التأسيسي التونسي في عملية التنمية السياسية