أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - محمد حسن خليل - فى العام الثانى للثورة الإصرار المقاتل على الثورة مستمرة يقابله كل عنف الثورة المضادة















المزيد.....



فى العام الثانى للثورة الإصرار المقاتل على الثورة مستمرة يقابله كل عنف الثورة المضادة


محمد حسن خليل

الحوار المتمدن-العدد: 3701 - 2012 / 4 / 17 - 08:51
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


فى العام الثانى للثورة
الإصرار المقاتل على الثورة مستمرة يقابله كل عنف الثورة المضادة

تبلورت فى الساحة السياسية المصرية ثلاث قوى سياسية رئيسية تحدد فى تفاعلها الواقع السياسى الراهن: وهى المجلس العسكرى وتابعة وزارة الجنزورى ومن قبلها من وزارات، وتيارات الإسلام السياسى وفى القلب منها الإخوان المسلمون، وتيارات الثورة بمختلف فصائلها وفى القلب منها الشباب الثائر. وقد بدأت كل تلك القوى التحضير مبكرا لمناسبة مرور عام على اشتعال الثورة المصرية فى 25 يناير من العام الماضى.
المجلس العسكرى والاستعداد ليناير 2012
وتمثل التحضير الذى قام به المجلس العسكرى فى استمرار المحور الأساسى لسياستة فى محاولة استعادة الاستقرار عن طريق كسر إرادة الثورة فى معركة كبيرة مع الثوار، وهو ما دفعه إلى تدبير سلسلة المذابح المتتالية فى ماسبيرو (9 أكتوبر) وميدان التحرير ومحمد محمود (19 نوفمبر) ومجلس الوزراء والقصر العينى (15 ديسمبر). وبدأ المجلس العسكرى مبكرا فى التمهيد بإعلاناته المتكررة منذ شهر نوفمبر عن الأخبار التى بلغته عن وجود مخطط لحرق البلد فى 25 يناير 2012، ومن البديهى فى هذه الحاله أن يأخذ استعداداته لمذبحة أكبر من أجل كسر إرادة الثوار ومنعهم من تكرار اللجوء للشارع والعودة لأساليب الثورة من أجل تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
وتكامل هذا المحور الأساسى لسياسة العسكر مع عدد من المحاور الأخرى مثل الاستمرار فى استخدام فزاعات الانهيار الاقتصادى مع عدم تقديم تنازلات ولو فى حدودها الدنيا لتحسين مستوى معيشة الجمهور "حتى يكفروا بالثورة ويتوبوا عن الاحتجاج" (!)، وعدم الاستقرار الأمنى المتعمد حيث يتم توفير الاستقرار والأمن فى الفترات التى يرغب فيها المجلس العسكرى فقط مثل فترة الانتخابات أو التدخل لمواجهة البلطجية الذين احتلوا الشقق الخالية فى مدينة 6 أكتوبر خلال ساعات مع ترك الانفلات الأمنى فى معظم الفترات الأخرى يأخذ مداه من أجل إخضاع الشعب المتمرد، والاستمرار فى محاصرة الثوار بحملة دعائية منظمة لتشويههم وتصويرهم كعملاء لجهات خارجية لا هم لهم إلا تدمير الاستقرار الداخلى تنفيذا لأجندات خارجية، والاقتصار عند تصاعد الاحتجاجات على تغيير الأشخاص دون أى تغيير جدى فى السياسات.
والهدف من كل ذلك التكتيك بالطبع هو أقرب استعادة لاستقرار النظام الرأسمالى المباركى المستغل المستبد القديم بأقل قدر من التنازلات للشعب الثائر، والاعتماد فى هذا على الاستنزاف طويل النفس للشعب والثوار وإرهاقهم بتلك الضغوط الهائلة.
موقف الشباب الثائر
أما الثوار الذين لاحظوا بالطبع هذا المخطط كما لاحظوا بالضرورة نجاح دعاية المجلس العسكرى والحكومة فى جذب بعض قطاعات الشعب وبلبلة بعضها الآخر فى بعض الفترات، بالذات فى الخريف الماضى، وتخويفهم للجمهور من الثوار وتشويه هؤلاء الثوار ووصمهم بالعمالة للأجانب، أما هؤلاء الثوار فقد ردوا على هذا بشكل بالغ الدلالة والنجاح: أى بالنزول إلى الشعب. وكانت المبادرات الشبابية العظيمة بتشكيل مجموعات مثل "كاذبون" و"مصريون". ولجأ كل هؤلاء إلى النزول للأحياء فى مسيرات بهتافات تفضح مخططات المجلس العسكرى وتلاعبه بمستقبل الوطن، وعروض الفيديو فى الميادين لأفلام تدين المجلس العسكرى بالصور والوثائق، والوقفات الصامتة فى خطوط طويلة حاملين لافتات بشعاراتهم التى تفضح الأكاذيب على النيل، وعلى كورنيش الإسكندرية وفى غيرها من الأحياء والمدن. ونجحت هذه الأساليب فى توصيل رسالة قوية إلى شعبنا، كما لم يتمكن العسكرى من محاصرة تلك الأنشطة فى مختلف الأحياء بسبب انتشارها وكثافة جموع الشباب المشاركة فيها.
التيارات الإسلامية
أما تيارات الإسلام السياسى فقد كانت سعيدة بما حصدته من مقاعد فى مجلسى الشعب والشورى، ودعمت وباركت كل خطوات المجلس العسكرى لقمع الثوار وأيدته فى مذابح محمد محمود ومجلس الوزراء، زاعمة أن أهداف الثورة قد تحققت بوصولها للبرلمان وستستكمل بانتخابات رئاسة الجمهورية، ففى قاموس الإخوانة لا وجود لأهداف من نوع العدالة الاجتماعية، كما تقتصر الديمقراطية على حقها فى تشكل حزبها وإمكانية وصوله إلى السلطة عن طريق الانتخابات، ولكنها ديمقراطية لا تتسع إطلاقا لحقوق التعبير الجماهيرى من حرية الإضراب والتظاهر والاعتصام السلميين، ولا حقوق التنظيم النقابى والسياسى والأهلى المتحرر من سطوة السلطة التنفيذية، لا وجود لكل هذا فى أهداف الثورة عندهم. هم طلاب سلطة يتمسحون فى الثورة ويتمحكون فى فترة مشاركة بعضهم (الإخوان) المحدودة فيها!
فجر العام الثانى للثورة
وأخيرا جاءت لحظة اختبار كل تيار من تلك التيارات الثلاث لقوته فى الميدان فى 25 يناير، واتضح بالطبع نجاح قوى الثورة فى الظفر بتلك المعركة، حيث أثمرت جهود الشباب فى الحشد بنشاطهم فى الأحياء والمدن المختلفة، وأدت إلى خروج الملايين فى كل المدن والميادين مصممة على استكمال الثورة، وضد الخروج الاحتفالى للإخوان فى التحرير، مذكرينهم بجثث الشهداء التى لم يجف دماؤها ولم يتحقق ما نادوا به. وأعدت التيارات الشبابية المختلفة برنامجا احتفاليا ثوريا يغطى معظم الأيام الثمانية عشرة للثورة بالاحتفال بتكريم شهداء جمعة الغضب فى 28 يناير ومختلف مناسبات أيام الثورة.
ولكن معسكر الثورة المضادة بما فيه المجلس العسكرى والشرطة والفلول قرر مواجهة القوى الثورية و"الاحتفال" بذكرى مذبحة الجمل 2 فبراير بإعادتها من جديد على طريقته الخاصة! ففى عشية ذكرى موقعة الجمل، مساء يوم 1 فبراير، تفجرت موقعة الجمل الثانية فى صورة مذبحة استاد بور سعيد. فالثورة المضادة لا تتغير، وتطبق نفس فكرها، وتحت إمرة نفس قادتها، ومؤسساتها، ووتتبع نفس أساليبها، ولها نفس مصادر التمويل، وونفس الآليات. وأى خطأ فى حساب مقدار قوى الثورة المضادة سوف تكون له عواقب وخيمة فى سياق المعركة الدائرة الآن على قدم وساق بين طرفى التناقض الرئيسيين.
فمثلما لم تكن معركة الجمل الأولى مجرد هجوم على الثوار بل كانت مذبحة يقصد بها إنهاء الاعتصام والثورة فإن معركة الجمل الثانية فى بور سعيد تأتى كاستكمال للمذابح فى أكتوبر ونوفمبر وديسمبر بمذبحة كبرى لكسر إرادة الثوار ولا تقتصر بالطبع على بور سعيد. ومثلما ساهم فلول ضالعون فى التنفيذ فى موقعة الجمل الاولى يتضح فى موقعة الجمل الثانية دور الفلول فى استئجار البلطجية من المنصورة ونقلهم بأتوبيسات لبور سعيد والإشراف على تمويلهم وتسليحهم. ومثلما ترددت أسماء رجال أعمال متورطين فى التخطيط والتمويل لموقعة الجمل الأولى مثل إبراهيم كامل وفريد خميس وأبو العينين تحوم الشبهات القوية حول مشاركة إبراهيم كامل فى مخطط تخريب موقع مفاعل الضبعة أثناء التحضير قبيل أيام الاحتفال بذكرى الثورة، ولا يخفى بالطبع محاربته لمشروع بناء مفاعلات الضبعة وتلمظه على الاستيلاء على أرضها لتوسيع القرى السياحية التى يمتلكها بجوارها. ومثلما شوهد تواطؤ البوليس ورجال الشرطة السريين فى موقعة الجمل الأولى تظهر الوقائع الجلية دور قوات الشرطة – بل وحتى مدير الأمن المنقول حديثا إلى بور سعيد- فى التواطؤ على نقل الأسلحة البيضاء والملوتوف لداخل الاستاد والامتناع العمدى عن التدخل مبكرا لوقف المذبحة. ومثلما يتم تبرئة الجيش وقيادات الشرطة الذين سمحوا بإدخال الجمال والخيول إلى ميدان التحرير فى موقعة الجمل الأولى تبتعد التحقيقات عن وزير الداخلية وتتم الإشادة به فى مجلس شعب الإسلاميين ويصدقون وعوده بقيامه بتطهير الداخلية خلال عشرة أيام!
لقد كانت الشجاعة والبسالة المذهلين الذين تسلح بهما الثوار فى موقعة الجمل الأولى فى التحرير نقطة انعطاف قوية لم تقتصر فقط على إنقاذ الثورة من التصفية والذبح، بل ضاعفت من قوة الثوار وأعداد المتلتفين حولهم من الشعب وساهمت بقوة فى تحقيق انتصار الثوار والإطاحة بمبارك بعدها بتسعة أيام. وكان لنضج شعبنا ونضج شباب الإلتراس فى مواجهة مذبحة بور سعيد القذرة التى قتلت العشرات وأصابت المئات، كان له أكبر الأثر فى إفشال مخططات الثورة المضادة: فقد واجهوا تلك المذبحة باعتبارها مذبحة الداخلية والفلول والبلطجية ضدهم وليس باعتبارها تعصب مؤيدى نادى المصرى فى بور سعيد. وهكذا توجهوا باحتجاجاتهم إلى المسئول الفعلى بالمظاهرات المستمرة والاعتصام أمام مجلس الشعب بالقاهرة مطالبين بإقالة ومحاكمة مدير الأمن وزير الداخلية وتطهير الداخلية جديا وإجراء تحقيق شفاف حول المخططين والممولين وليس فقط المتورطين المباشرين الذين يتم دائما التضحية بهم حماية "للرؤوس الكبيرة".
وفى كل مواجهة كبيرة مع أحد مخططات الثورة المضادة لا يؤدى كسرها والانتصار فيها إلى العودة للوضع السابق بل يعنى مزيدا من القوة لمعسكر الثورة ومزيدا من الفضح والعزلة لمعسكر الثورة المضادة.
وقبيل انتهاء فترة احتفالات الثورة أطلقت فصائل من الشباب والسياسيين الدعوة إلى الإضراب العام والعصيان المدنى، وهى دعوة بالطبع خاطئة لأنها متجاوزة كثيرا لواقع مستوى السخط والتعبئة الموجودين. وبالطبع فالحاسم فى اتخاذ أى تكتيك كفاحى ليس هو مشروعيته المجردة ولا الأسباب الوجيهة التى يدعو إليها المشاركون، فلا شك طبعا فى تنامى مستوى السخط الجماهيرى من عدم الاستجابة لمطالب الثورة بالذات فى مجال العدالة الاجتماعية وفى مجال الديمقراطية للجماهير، ولكن الحاسم هو ميزان القوى الفعلى ومناسبة ذلك الأسلوب الكفاحى لمستوى التعبئة الجماهيرية. وكانت تلك الشعارات من تلك الزاوية قافزة على مستوى الوضع الجماهيرى وقتها. وأخذت الحكومة وأخذ المجلس العسكرى الأمر بمنتهى الجدية مرعوبا من إمكانية حدوثه، وهللوا طويلا عندما اقتصرت الاستجابة للإضراب على عدد من المؤسسات الطلابية وعدد محدود من النقابات المستقلة ببعض المؤسسات. وهناك فرق بالطبع بين طرح مثل تلك الأهداف (الإضراب العام أو العصيان المدنى) من أجل التعريف بها وبأهميتها وبين طرحها كشعار تكتيكى وهدف مباشر فى لحظة غير ملائمة من زاوية ميزان القوى إذ يؤدى فشلها إلى تآكل الثقة فى الفصائل الثورية التى تطرحها وإلى إحساس القوى المعادية الزائف بالانتصار فى حالة فشلها، ولكن عموما لم يؤد ذلك إلى تغيير نتيجة المحصلة الكلية للهبة الجماهيرية الضخمة فى ذكرى مرور سنة على الثورة والتى لخصتها معظم الجرائد باعتبارها كسبا للثوار وعلى حساب الإخوان والمجلس العسكرى.
وجاءت الفترة التالية لذكرى الأولى للثورة بمتغيرات شديدة الأهمية على ساحتين مختلفتين: فمن ناحية تعالت بشدة وتيرة الحركة الإضرابية فى مصر وتزايد عدد "المواليد الشرعيين" لتلك الإضرابات الهامة، أعنى النقابات المستقلة. ومن ناحية أخرى على الساحة السياسية فاجأ الجميع مستوى الصدام الضخم بين الإخوان المسلمين والمجلس العسكرى، وبين معظم أطراف الحركة السياسية وبالذات الثورية ولكن أيضا بين بعض القوى الليبرالية حول محاور الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية، وتشكيل الجمعية التأسيسية، ومحاولات الإخوان لتقديم الاستجوابات ومحاولات إقالة الحكومة.
تصاعد الحركة الإضرابية الديمقراطية العمالية
واتضح هذا جليا فى الحركة الإضرابية الضخمة فى قطاع النقل. بدأت تلك الحركة بأتوبيسات شركات شرق ووسط وغرب الدلتا والصعيد، واستمر الإضراب ثمانية عشر يوما فى صراع إرادات عنيف بين سلطة المجلس العسكرى التى ترفض الاستجابة للمضربين وبين العمال المصرون على مطالبهم حتى انتهى الإضراب فى 4 مارس بالاستجابة للمطالب. ومثلت تلك الاستجابة الشرارة التى أشعلت إضراب اتوبيسات النقل العام بمدينة القاهرة فى 19 مارس الذى أدى إلى شلل مواصلات النقل العام لمدة ثلاثة عشر يوما، بعد عدم الوفاء بمطالبهم فى إضرابهم السابق فى سبتمبر من العام الماضى. وانتهى الإضراب الحالى بالاستجابة لمعظم مطالب المضربين. ويهمنا فى هذا الإضراب توضيح عدد من الملامح الأساسية التى توضح درجة النضج العالية التى تميز بها: إذ كان المطلب الأول للمضربين هو مطلب ديمقراطى وهو الاعتراف بنقابتهم المستقلة، وهى نقابة عامة والنقابات المشتركة بها هى النقابات بمختلف الفروع والجراجات، والتى كانت الجهاز التنفيذى للإضراب الراقى الذى تمكن من إيقاف حركة النقل بالأتوبيسات تماما كما تمكن من القيام بمظاهرة بالأتوبيسات توجهت إلى مقر رئاسة الوزراء. وبعد النهاية الناجحة لهذا الإضراب الملهم أتى الإضراب الثالث فى قطاع النقل وهو السكك الحديدية!
وبالطبع لم تقتصر الإضرابات على المستوى الحكومى ولكن ساهم فيها القطاع الخاص مثل إضراب عمال مصنع حديد بشاى وإضراب عمال مدينة السادات، والذين أيضا كان من أهم مطالبهم الاعتراف بشرعية نقابتهم المستقلة فى المدينة.
ويعتبر مؤشر تطور عدد النقابات المستقلة فى مصر مؤشرا كميا واضحا لتطور الحركة الإضرابية العمالية المصرية وتطور تنظيمها فلم يتجاوز عدد النقابات المستقلة فى مصر 3 نقابات قبل ثورة يناير 2011 ووصل إلى نحو 140 نقابة فى ديسمبر الماضى، أى بعد عشرة أشهر من الثورة. ولكنه الآن فى إبريل 2012 وبعد أربعة عشر شهرا من الثورة، يناهز ستمائة نقابة مستقلة بين نقابة عامة ونقابة منشأة، أى أن العدد قد تضاعف أربعة أضعاف فى أربعة أشهر. لاشك فى أن مصر تشهد الآن أكبر حركة إضرابية بين العمال والموظفين فى الحكومة وقطاع الأعمال العام والقطاع الخاص فى تاريخها منذ أربعينيات القرن الماضى، وهى علامة هامة لتطور الحركة الجماهيرية الاحتجاجية بتأثير ثورة 25 يناير التى كسرت حاجزالخوف، وانطلقت الجماهير تمارس ديمقراطيتها المستقلة وترفض الظلم. وبالطبع اقترن بهذا تطور القمع، ولم يقف الكثيرون أمام الوقائع الهامة جدا المتمثلة فى قيام الشرطة العسكرية خلال الفترة الأخيرة بفض إضرابين لعمال شركة سوميد، ولورش صيانة شركة المقاولين العرب مع تحويل العمال المضربين إلى قضية تنظر أمام المحاكم العسكرية بمقتضى القانون الذى أصدره المجلس العسكرى بعد الثورة! إن تلك الحركة سوف تكون ذات أثر بالغ على مستقبل مصر كلها، وهو ما يقتضى من الثوريين أن يضعوها فى القلب من اهتمامهم.
الصراع حول الجمعية التأسيسية، رئاسة الجمهورية ومصير وزارة الجنزورى
لقد كان المسار الرئيسى للأحداث خلال كل الشهور الأخيرة هو تحالف المجلس العسكرى والإخوان ضد قوى الثورة، يساندهم فى هذا العناصر المحافظة فى المجتمع. بل إنهم منذ الثورة ولم يختلفوا فيما بينهم أى خلاف ذو وزن باستثناء الخلاف المحدود الذى برز فى أعقاب ما عرف بجمعة قندهار الثانية فى 18 نوفمبر الماضى حينما رفضوا ما سموه بوثيقة على السلمى ورفضوا أن يتضمن الدستور أى نص على مدنية الدولة. وباستثناء ذلك برز تأييدهم للمجلس العسكرى فى مواقف هامة مثل تأييدهم لقمع الثوار فى محمد محمود والقصر العينى وعدم استنكارهم لسحل الفتيات وقتل الثوار، وتأييدهم لحكومة الجنزورى فى مواجهة قوى الثورة التى طالبت بإسقاطها، ومحاذاتهم على المجلس العسكرى فى الأغلبية الساحقة من المتغيرات السياسية على الساحة. وبدا أنه فى إطار الصفقة السياسية بين العسكر والإخوان اكتفى الإخوان بالكعكة الضخمة التى نالوها بحيازتهم هم ومسانديهم من التيار الإسلامى الأغلبية الساحقة فى مجلسى الشعب والشورى.
إخوان وعسكر
ولهذا استغرب البعض من التطورات التى قادت إلى الصدام الحالى مع المجلس العسكرى. وفيما يبدو فإن البداية تتمثل فى أن الإخوان المسلمين قد رأو أن أسهمهم قد ارتفعت بشكل يشجعهم على زيادة نصيبهم من صفقة تقاسم السلطة مع العسكر. لقد كان الإخوان راضين بأن يمنحوا تأييدهم السياسى للعسكر وينتقدوا علانية معسكر استمرار الثورة وكل مبادراته الاحتجاجية وما نتج عنها من صدامات فى الشارع كما سبق القول، فى مقابل تغاضى المجلس العسكرى عن كل الأشكال الفجة لاختراق الإسلام السياسى حتى للقوانين الحالية مثل عمل أحزاب سياسية تحت رايات دينية وتكفير بعضهم الديمقراطية علانية ورفع شعارات الخلافة الإسلامية ضد الدولة المدنية التى يصفونها بالكفر والإلحاد، وفى مقابل الخلط بين الجماعة الدينية المسماة بالإخوان المسلمين التى تفتقد لأى نوع من الشرعية وبين حزب الحرية والعدالة وإعطاء تلك الجماعة حق الحديث عن تحكمها فى الحزب علانية، وتجاوزات التيارات الدينية لكل قوانين الدعاية الانتخابية من حيث الحصول على التمويل الخارجى بالمليارات والإنفاق الهائل على الانتخابات وممارسة الدعاية الانتخابية بتجاوز القانون من خلال استمرارها حتى وقت الانتخابات وليس وقفها قبلها ب48 ساعة، وممارستها على أبواب اللجان، بل وممارستها داخل كثير من اللجان، والترغيب والترهيب حتى للقائمين على العملية الانتخابية وبالذات فى القرى. بل إن القضية المرفوعة حاليا حول تزوير جداول الناخبين بإضافة ما يزيد عن مليون صوت مكرر تطال فى حالة صحتها من سمعة المجلس العسكرى المتحكم فى الكمبيوتر المركزى المسئول عن بطاقات الرقم القومى، ومعروف أيضا أين ذهبت تلك الأصوات. وكل ذلك التغاضى والتواطؤ من المجلس العسكرى لتيارات الإسلام السياسى فى مقابل تمكينهم من الأغلبية البرلمانية فى مجلسى الشعب والشورى.
وبالطبع تستند تلك الصفقة إلى وحدة المصالح بين الطرفين باعتبارهما ينتميان إلى نفس حلف الطبقات المالكة الكبيرة التى ثار الشعب على استبدادها واستغلالها فى 25 يناير، وتوحدهم المصلحة المشتركة فى قمع الثورة واستعادة الاستقرار القديم للحلف الحاكم مع بعض التعديلات.
ولكن الإخوان فيما يبدو قد اغتروا أولا بنسبة النجاح الكبيرة التى حققوها فى الانتخابات، وثانيا بالتأييد الواسع من الغرب وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية لمشاركتهم فى السلطة باعتبارهم التيار المؤهل للتصدى للموجة الثورية وسط الشعب بما لهم من رصيد يستند إلى خلفيتهم الدينية، وباعتبارهم ينتمون للطبقات المالكة صاحبة المصلحة فى مواجهة الثورة واستعادة الاستقرار، وأخذا فى الاعتبار بالتعهدات التى أعطوها للأمريكان والأوروبيين بخصوص ضمان الالتزام بكل أسس الاقتصاد الحر وكل الاتفاقيات السابقة وكذلك بالتعهد بعدم معارضة اتفاقية كامب دافيد وعدم محاولة إسقاطها أو تعديلها.
إقالة حكومة الجنزورى
لهذا غير الإخوان تكتيكهم فى الاكتفاء بما حققوه فى البرلمان، وسعوا للحصول على نصيب فى الحكومة. وبالتالى صعد الإخوان من معارضتهم لحكومة الجنزورى مطالبين باستقالتها، وإن كانوا متواضعين فى مطالبهم مع إدراكهم لمركز قوة المجلس العسكرى فلم يطالبوا بالوزارة كلها وتحدثت كل التكهنات وحتى أصواتهم نفسها باكتفائهم بوزارات الخدمات والوزارات غير السيادية مثل التربية والتعليم والتعليم العالى والصحة، مع ترك الوزارات السيادية فى أيدى وزارة يختارها المجلس العسكرى. ومع رفض المجلس العسكرى لذلك صعدوا من معارضتهم لحكومة الجنزورى وطالبوا باستقالتها. وردا على هذا صعد المجلس العسكرى المعركة ورد ببيان قوى يذكر فيه الإخوان بشكل غير مباشر بأزمة مارس 1954! وبالتالى اعتبر المجلس العسكرى أن وزارة الجنزورى خط أحمر! ورد الإخوان على هذا التصعيد بتصعيد آخر: أعلنوا عن ترشيح خيرت الشاطر كممثل لهم لرئاسة الجمهورية، وإن أعلنوا أنهم سيكتفون بإحدى الحسنيين: الوزارة أو الرئاسة! أيضا أعلنوا أنهم سيلجأون إلى الشارع فى جمعة 13 إبريل التى أسموها جمعة حماية الثورة، وبدأوا فى مغازلة المعارضة حول الخطر على الثورة وضرورة الوحدة والنزول للميدان؟!
ولا يغير هذا الصراع على تقاسم الأنصبة بين الشريكين: المجلس العسكرى والإخوان من قاعدة التحالف بين القوتين. ويستخدم كل طرف أدواته فى الصراع مع تقدم منطق الصراع، ففى جعبة المجلس العسكرى الكثير سواء على ساحة القضاء التى تملك التدخل فى الاختراقات الشديدة للإخوان لقوانين المرحلة الحالية، أو على ساحة استعماله لسلطاته العادية والاستثنائية أو على ساحة الخداع الاستراتيجى بإخراج مرشح مزعج للإخوان مثل عمر سليمان فى مواجهة ترشيح الشاطر.
بينما يصعد الإخوان مستخدمين سيطرتهم على البرلمان ويصدرون قانونا يبرر العزل السياسى لرموزالنظام السابق (وهو مطلب للثوار منذ الثورة يقابل بتجاهل الإخوان إكراما للمجلس العسكرى حتى يأتى صدامهم الحالى مع المجلس فيعيد إحياء مشروع القانون!)، وكذلك مستخدمين العودة للشارع فى مظاهرات استعراض القوة، وداعين مختلف القوى الثورية للتحالف فى مواجهة المجلس العسكرى!!!
ويتساءل البعض حول حدود وآفاق ذلك الصدام، وهل هو مرشح للتصاعد كما حدث فى أزمة مارس 1954 أم لا، ولكن التاريخ القريب لعلاقة الإخوان بالسلطة يقدم درسا بليغا فى هذا المجال، ألا وهو فترة تحالف الإخوان مع حسنى مبارك فى انتخابات مجلس الشعب عام 2005.
فقبيل انتخابات مجلس الشعب ورئاسة الجمهورية عام 2005 اتحدت كل القوى الشعبية حول شعارات حركة كفاية "لا للتمديد ولا للتوريث" بما فيها الإخوان فى البداية. وكانت اتصالات الإخوان بكوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية قد بدأت منذ عام 2003 التى صرحت وقتها بأن نظام مبارك ضعيف وأن الإخوان يمثلون أحد البدائل المحتملة. وقرر مبارك المبادرة بشق صفوف المعارضة ضده وعرض على الإخوان خروجهم من معسكر المعارضة والتأييد الضمنى أو الصريح له فى الانتخابات ولمشروع التوريث فى مقابل نسبة تدور حول 20% من مقاعد البرلمان، وهو ما تم بالفعل.
ولكن لم يستمر شهر العسل ذاك طويلا، حيث بالغ الإخوان فى تقدير قوتهم واقترابهم من تحقيق حلم الدولة الدينية فقاموا بخطوة جريئة وهى عرض الكاراتية وفنون القتال العسكرية فى جامعة الأزهر فى نهاية عام 2005. ولو كان هذا العرض قد مر دون تصدى لكانت قد انتشرت علنا فى ساحات الشباب وفى كل مكان معسكرات تدريب شباب الإخوان على فنون القتال تحت نفس الدعاوى التى ادعاها الإخوان فى الثلاثينات حول المسلم القوى وبناء جسد وروح الشباب، ولكانوا قد انتقوا من تلك المادة البشرية العناصر الملائمة للتجنيد فى أجهزتهم السرية للتدريب على السلاح!
ولكن النظام الحاكم الذى فقد رئيسه السادات على أيدى مثل تلك الجماعات الإسلامية المسلحة لم يكن ليتهاون أو ليسيء فهم مغزى الاستعراض العسكرى، فبدأ حملة مطاردات ضخمة للإخوان، وأحالهم لمحاكم عسكرية وعلى رأسهم خيرت الشاطر المسئول عن هذا النشاط كما قيل وقتها. كما صادر شركات وأموال لهم. وبعد سنوات من الإلحاح على النظام لاستعادة جو الصفقة معه قرروا قرب نهاية عام 2009 اليأس من معسكر النظام والتوجه لمعسكر المعارضة التى ظلوا بها حتى بدايات الثورة ليبدأ غزلهم مع النظام الجديد حتى قبل الإطاحة بمبارك بقبول التفاوض مع عمر سليمان!
وهكذا يتضح تغلغل الانتهازية السياسية فى سلوك الإخوان، ولعبهم بكل التحالفات من أجل أهدافهم الخاصة بالوصول للحكم والدولة الدينية دون أن يعنى ذلك بالطبع استقلالهم عن المجلس العسكرى أو السلطة بحكم وحدة المصالح معهم، ولكن الوحدة التى لا تستبعد الشقاقات والاختلافات بين أنصار المعسكر الواحد. أما التوقع بحدود هذا الخلاف وآفاق حله إما بحل سريع والعودة للاتفاق أو بتصاعد الصراع وإمكانية حدوث صدام مؤثر فتبقى لتجيب عنها الأيام، مع ترجيحنا ألا يتصاعد الصدام ليصل إلى القطيعة، ليس فقط بحكم المصالح المشتركة ولكن أيضا بحكم الخوف المشترك من الثورة.
ولا يخجل الإخوان من دعوة قوى الثورة للنزول للميدان ضد حكومة الجنزورى باعتبارها حكومة الفلول بينما تعرض الشباب الذى اعتصم أمام مجلس الوزراء لمنع الجنزورى من دخول الوزارة وإقالته، تعرض للقتل والسحل والتنكيل بمباركة الإخوان أنفسهم!!!
الجمعية التأسيسية
كما هو معروف لجأ الإخوان المسلمون فى موضوع الجمعية التأسيسية إلى تكتيك إقصائى، فقد أصروا أولا على اختيار 50% من أعضائها من داخل البرلمان بدلا من قيام البرلمان باختيارها من خارجة كما ينص الإعلان الدستورى مثلما نبههم الكثيرون، وقاموا باختيار أغلبهم من تيارات الإسلام السياسى من إخوان وسلفيين. ثم قاموا باختيار نصف الجميعة الآخر من خارج المجلس بنفس المعايير بحيث ضمنوا للتيارات الإسلامية أغلبية كبيرة. وبهذا لم يتعاملوا مع المنطق الديمقراطى فى تشكيل الجمعيات التأسيسية وكتابة الدساتير بالتوافق بين كل تيارات الوطن وتلاوينه ولكن اتخذوا موقف المغالبة باعتبارها فرصتهم الذهبية لكتابة دستور مطبوع بالطابع الإسلامى يوصلهم، أو على الأقل يقربهم كثيرا، من أملهم فى إقامة الدولة الدينية. ونلاحظ أن إحياء الخلافة الإسلامية ودولة الشورى وليست الدولة الديمقراطية هى الهدف المعلن للسلفيين بالطبع، ولكنها هى أيضا هدف الإخوان غير الواضح أحيانا. ولكننا نعلم أن إسقاط الخلافة الإسلامية فى تركيا على يد ثورة مصطفى كمال أتاتورك عام 1924 كان وراء مناداة الإخوان منذ نشأتهم عام 1928بإحياء الخلافة فى مصر. وطرح الإنجليز إحياء الخلافة بإعلان الملك فؤاد خليفة للمسلمين سعيا وراء رابطة روحية تربط البلاد العربية بمصر وتعطيها وضعا قياديا بينما هى تحت سيطرتهم وقتها فى أواخر العشرينات وأوائل الثلاثينات، وتلقف الإخوان الدعوة وأيدوها بشدة. وبينما عارض بشدة حزب الوفد وقتها تلك الدعوة باعتبارها دعوة مناهضة للديمقراطية ولمدنية الدولة والمقصود منها زيادة نصيب مؤسسة الملكية على البرلمان ودافعوا عن حق عن الديمقراطية، تصدى لهم الإخوان المسلمين فى موقف واضح مع الملكية، بل واحتفلوا بمظاهرات الفرح بتولى "مليكهم الشاب" فاروق عرش مصر!
وعندما لجأ الإخوان المسلمون بعد ثورة يناير بشهور للتحالف مع السلفيين ردا على انشقاقات الشباب وبعض الشيوخ عنهم (أبو الفتوح والزعفرانى وغيرهم) كان أول مؤتمر لهم مع السلفيين والصوفيين، والذى أعلن فيه السلفيون منهجهم فى المناداة بالدولة الدينية أعلن الإخوان أنهم مع الدولة الدينية ولكن "بعد التمكين"!!
وهكذا أثبت الإخوان أنهم بعد استخدام الديمقراطية وتحقيق أول نجاح لهم بأول أغلبية برلمانية فى التاريخ للتيارات الإسلامية أنهم يفضلون استخدامها فى الإطاحة بالديمقراطية من خلال منهج إقصائى وكتابة دستور بالتيارات الإسلامية وحدها والتمهيد لقيام دولة دينية تكفر الديمقراطيين والعلمانيين والاشتراكيين وكل من هو مختلف مع الإسلاميين!
وبهذا حقق الإخوان "نجاحا" مزدوجا، فأولا اتضحت طبيعتهم الانتهازية والمعادية للديمقراطية أمام قطاعات واسعة من الجمهور وثانيا وحدت تلك الإجراءات من كافة أطياف الثوريين والليبراليين فى مواجهتهم مما كان وراء الانسحاب الجماعى لهم من الجمعية التأسيسية المزعومة! وحتى الممثلين شبه الرسميين لمختلف مؤسسات الدولة مثل الأزهر والمحكمة الدستورية فقد انسحبوا أيضا من الجمعية، فلا خير فى جمعية يحتل التيار الإسلامى ثلثيها على الأقل بينما تؤخذ فيها القرارات بالأغلبية البسيطة (النصف + واحد) مما يضمن للتيارات الإسلامية تمرير ما تريد. والأصل فى جمعية وضع الدستور باعتباره عملا توافقيا بين تيارات المجتمع الأساسية ألا تمر القرارات إلا بأغلبية كبيرة (الثلثين أو ثلاثة أرباع) لضمان ألا يستأثر تيار واحد بصياغة مادة غير توافقية! ولم يؤثر كل ذلك فى تصميم الإخوان على السير عكس الجميع بعد أن استحال عليهم التخلص من وهم اقتراب حلمهم بإقامة الدولة الدينية رغم أنف الجميع!
وخاض الثوريون والليبراليون ومختلف المعارضين معركتهم على ساحات متعددة: الوقفات الاحتجاجية والمسيرات والمظاهرات، والحملات الصحفية والإعلامية، وعلى الساحة القانونية برفع قضية على تشكيل الجمعية التأسيسية. وجاء حكم المحكمة بإلغاء تشكيل الجمعية التأسيسية ضربة شديدة لمعسكر الإخوان، وقرروا بعدها إعادة الحسابات فى تكتيكهم فى معارك الجمعية التأسيسية ومعركة الرئاسة معا.
معركة الدستور
لما كان الدستور هو النظام الأساسى للمجتمع وهو أبو القوانين فلابد وأن تنعكس الفوارق بين مختلف الأتجاهات السياسية فى تصورها عن الدستور. ويتحدد النظام الأساسى للمجتمع بطبيعة النظام السياسى، وشكل الحكم، وتركيب السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية والعلاقة بينها (وأهم ما فيها حماية السلطة التشريعية المنتخبة من سطوة وتغول السلطة التنفيذية وضمان استقلال حقيقى للسلطة القضائية) ، والحقوق والحريات التى يضمنها الدستور للشعب والمواطنين على الحكومة (الطرف الأقوى).
والمطلب الأساسى لتيارات الإسلام السياسى ليس ما يدعونه من الحفاظ على المادة الثانية من الدستور بل هى فى الحقيقة ما يسمونه بتطبيق الشريعة وإسلامية الدولة فى مواجهة مدنيتها، وتحقيق دولة الخلافة أو على الأقل التمهيد لها. وبالطبع إلى جانب ذلك ضمان أسس الاقتصاد الرأسمالى الحر تحت اسم الاقتصاد الإسلامى مع تعديل بندى سعر الفائدة الثابت وإقرار الزكاة. وكما قال حسن مالك أحد زعماء الإخوان المسلمين أن نظام مبارك الاقتصادى ممتاز باستثناء ما شابه من محسوبية، وهو أيضا نفس المضمون الذى صرح به ناجح إبراهيم "أمير" الجماعة الإسلامية.
أما الليبراليون فيركزون على مفهوم الديمقراطية الخاص بضمان تداول السلطة وحرية الأحزاب والصحافة مع التأكيد على مدنية الدولة وسيادة حكم القانون.
أما الثوريون فلهم شأن آخر: ففى الوقت الذى تعنيهم فيه بالطبع الحريات الأساسية التى يطالب بها الليبراليون فإنهم لا يمكنهم بالقطع الاقتصار عليها. وإذا كان المجتمع المصرى يمر بفترة انتقال هامة تمس أسسا ترسخت فيه لفترة طويلة، فإن ضمان ألا يجور تغيير تلك الأسس على حقوقهم الثابتة. ويعنى هذا ألا يقتصر الدستور على حريات التعبير وما يسمى بتداول السلطة، ولكنه يضيف أيضا الحريات الأساسية التى تمكن الجماهير من الدفاع عن حقوقها مثل حريات الاجتماع والتظاهر والإضراب السلميين.
كما يجب النص على الحقوق الاجتماعية للجماهير مثل حق التعليم الذى تتكرر المحاولات لخصخصته منذ مدة والذى أدى ضعف الإنفاق الحكومى عليه إلى خصخصته من الداخل من خلال الدروس الخصوصية. لهذا يجب النص فى الدستور على أهداف ورسالة العملية التعليمية ودورها فى ترسيخ الانتماء الوطنى والتفكير الحر والثقافة العامة، وعلى أهمية توفيره مجانا بجميع مراحله وبمستوى لائق لجميع أفراد الشعب (وليس لغير القادرين كما يتهربون أحيانا). وفى مجال حق الشعب فى الصحة، بعد التجارب المأساوية فى المرحلة الماضية لخصخصة الصحة، يجب أن ينص على حق الشعب فى التمتع بأقصى مستوى صحى يمكن الوصول إليه وإتاحته لجميع المواطنين على قدم المساواة ودون تفرقة من خلال نظام للتأمين الصحى الاجتماعى الذى يشمل جميع المواطنين ضد جميع الأمراض (ونشير هنا إلى أن نضال قوى وطنية من أجل الصحة قد كسب حكما تاريخيا بوقف خصخصة التأمين الصحى من خلال إنشاء الشركة المصرية القابضة للرعاية الصحية بفضل مادة فى الدستور تؤكد حق الشعب فى الصحة ومسئولية الدولة عن ذلك). كما يجب النص فى الدستور على ضمان حق العمل، وحق تعويض البطالة لمن لا يجد فرصة عمل، الحق فى التأمينات الاجتماعية والمعاش والتأمين ضد العجز.
معركة رئاسة الجمهورية
فى إطار سعى المجلس العسكرى لاستعادة الاستقرار بعد الثورة واستبقاء أسس وحتى أكبر قدر ممكن من تفاصيل النظام القديم عمل على تقييد التغيرات فى أضيق الحدود الممكنة وخلف وعده عددا لانهائيا من المرات. فقد بدأ المجلس العسكرى بتعظيم سلام لشهداء ومصابى الثورة ثم تقاعس عن تعويضهم وأضاف إليهم المئات والآلاف من الشهداء والمصابين الجدد، وتعهد بالولاء لأهداف الثورة وأولها الحريات ثم أخرج المراسيم بقوانين لتجريم الإضرابات وتحويلها لمحاكمات عسكرية تشديد شروط تأسيس الأحزاب وغيرها. وفى مجال انتخابات رئاسة الجمهورية أحاطها بقيود مشددة على رأسها المادة 28 من الإعلان الدستورى التى تحصن قرارات اللجنة الإدارية لإدارة انتخابات الرئاسة من أى طعن قضائى.
وبالطبع لم يصدر المجلس القرارات التى طالب بها الشعب لعزل الفلول. وأتت انتخابات الرئاسة لكى يرشح نفسه فيها كل التيارات الرئيسية فى المجتمع ماعدا الإخوان المسلمين حيث قنعوا من الصفقة مع العسكر بمجلس الشعب. وكان من شأن إصرار عبد المنعم أبو الفتوح على ترشيح نفسه للرئاسة أن قام الإخوان بفصله من الجماعة لكى لا يفسد عليهم صفقتهم مع العسكر. ولكن عندما قرر الإخوان زيادة نصيبهم من الصفقة بالرهان على المشاركة فى الوزارة وإن بوزارات غير سيادية ورفض المجلس العسكرى بشدة قرروا تصعيد حملتهم، فطالبوا أيضا بإحدى الوزارات السيادية (وزارة الداخلية) كما قاموا بتقديم مرشح للرئاسة من بين صفوفهم هو المهندس خيرت الشاطر. وأدى هذا بالطبع إلى مزيد من اشتعال الحملة. وقام المجلس بتقديم عمر سليمان كمرشح للرئاسة لردع الإخوان من ناحية وكتكتيك لصرف الأنظار عن مرشحه الرئاسى، أعنى عمرو موسى كتكتيك لصرف الانتباه وتخويف الإخوان، وأخيرا كورقة تفيد فى نزولها كما تفيد أيضا فى سحبها حيث يبدو اعتراض اللجنة عليه حيادا بشطب مرشحين من الفلول وآخرين من التيار الإسلامى وكأنها قرارت موضوعية لا دخل لها بالاتجاه السياسى! وهنا أقدم الإخوان على تصعيد آخر هو الرجوع لأسلوب لم يستخدموه منذ شهور طويلة وهو النزول للشارع فى مواجهة المجلس العسكرى فى جمعة 13 إبريل كما سلف القول.
وبينما أيدت أغلبية التيارات الثورية مبدأ ترشيح مرشح مستقل عن قوى الثورة اقترح البعض الاكتفاء بتأييد أى مرشح ليبرالى ذو حظ من النجاح لضمان مدنية الدولة من أجل الوقوف فى وجه الفاشية الدينية القادمة باعتبارها الهدف الرئيسى لهذه المرحلة. ولكن تأييد أفضل الليبراليين تكتيك يضع اليسار فى موضع راديكاليى التيار الليبرالى ولا يساعدهم إطلاقا على وضع أسس لشعبية تيارهم الثورى الخاص وتنميته. وإذا كانت قائمة الثورة مستمرة قد حصلت على قرب المليون صوت (850 ألف صوت) بنسبة 3.5% من الأصوات فالأهم هو أنها تحولت من تيار سياسى إلى تيار سياسى جماهيرى، وأصبحت قطبا من أقطاب الحياة السياسية، وأصبح شعارها "الثورة مستمرة" شعارا بارز الدلالة بجانب شعار الإسلاميين سواء فى صيغته الإخوانية المستترة "الإسلام هو الحل" أم فى صيغته السلفية الصريحة "الدولة الدينية". وميزان القوى الآن شهد تغيرات قوية منذ انتخابات مجلس الشعب فى صورة هبوط نفوذ التيارات الإسلامية بعد افتضاح بعد أولوياتها عن أولويات الشعب فى مجلس الشعب (حيث لم تطرح قضايا الأجور والحريات وغيرها إنما طرحت قضايا الخلع وقوانين الأحوال الشخصية وبيت المال الإسلامى وتحصيل الزكاة كبديل للضرائب) بالإضافة إلى تأييدهم لقمع المجلس العسكرى للثورة فى محمد محمود ومجلس الوزراء ووضوح نفاقهم وانتهازيتهم السياسية وتغيير مبادئهم وتحالفاتهم باستمرار وفق مصالحهم.
وتقدم عدد من المرشحين على مبادئ استمرار الثورة، وطرح عدم توحدهم بالطبع مأزقا أمام القوى الثورية فى من تختار لتؤيد. ورغم أن ميزان القوى الحالى لا يؤهل مرشح ثورى للنجاح فى انتخابات رئاسية، فضلا عن أن العسكر لن يسمحوا بذلك، إلا أن خوض معركة مستقلة تستطيع أن تكسب مزيدا من المؤيدين لأهداف الثورة وشعاراتها وتزيد الضغط من أجل انتزاع أكبر ما يمكن منها، كما تمهد للجولات المقبلة من الانتخابات البرلمانية والرئاسية. ورغم أن حساب الأصوات التى ستذهب لهم جميعا ستعد من ضمن الأصوات المؤيدة لمبادئ الثورة إلا أن المرشح الأفضل هو بالطبع الأكثر ولاء لشعارات وأهداف الثورة المستمرة والذى لا تتحكم فيه أوهام النجاح بشكل يدفعه لتقديم تنازلات مجانية عن برنامجه من نوع تأييد اتفاقيات كامب دافيد!
المستقبل
إذا كان عمر الشعوب لا يقاس بالزمن بل بفعالية الشعوب فى صنع مستقبلها فإن الشعوب تتعلم فى شهور من زمن الثورات عشرات اضعاف ما تتعلمه فى سنوات الهدوء. والثورات لا تستمر 18 يوما ولا بضعة شهور، فوزارة سعد زغلول جاءت عام 1924 بعد خمس سنوات من ثورة 1919، وهذا هو درس التاريخ من الثورة الفرنسية للأمريكية لغيرها. والثورة الحالية لا تختلف عن ذلك، فما زال صراع الإرادات فى الشارع لم يحسم بعد، ومازالت قوى الشعب الثورية فى الشارع تطالب بنشاط بإسقاط النظام القديم وبتحقيق بمطالبها التى لم تتحقق بخلق نظام جديد. وما زالت قوى الثورة المضادة وفى القلب منها المجلس العسكرى والإخوان يحاولون استعادة استقرار النظام القديم وكسر إرادة الثوار. ويحكم منطق الصراع هذا أعمق المصالح المتمايزة بين الحكام وكافة الطبقات المالكة وبين الشعب المظلوم.
وإذا كانت التيارات الليبرالية تحصر مطالبها وفهمها للديمقراطية فى حدود تبادل السلطة والانتخابات البرلمانية والرئاسية الخالية من التزوير والتدخل مع بعض حريات الصحافة فإن الثوريين يدركون جيدا أن هذا وحده لا يحمل أى حل لمشاكلهم الناتجة عن الاستبداد والاستغلال. ويتسع مدى الديمقراطية عند الجماهير بالإضافة إلى ما سبق إلى انتزاع كافة حريات التعبير والمطالبة بالحقوق للطبقات الشعبية من حرية الاجتماع والتظاهر والإضراب السلميين، بالإضافة إلى حقوق التنظيم النقابية والسياسية والأهلية وإنشاء تلك المنظمات بالإخطار دون أى إذن مسبق من السلطات ودون أى قيود أو لوائح سوى ما يفرضها القانون العام.
وتحاول السلطة دائما أن تصور الديمقراطية على أنها الانتخابات البرلمانية والرئاسية وتطالب الشعب بالعودة "للاستقرار" مادامت أهداف الثورة قد تحققت أو أوشكت! أما الثوريون فيدركون ان اهتمامهم وعملهم فى دفع الثورة إلى تحقيق أهدافها معناها دائما المراهنة على الشعب. وجوهر التركيز ينبغى أن يكون على توسيع انتشار الفكر الثورى وتوسيع تنظيم الجماهير فى كل أنواع التنظيمات الشعبية النقابية والسياسية وغيرها، وهو ما تنفتح أمامه الآفاق الرحبة بتلك الموجات الاحتجاجية والإضرابية.
وبالطبع فللثوريين موقف ومطالب فيما يتعلق بشكل الحكم ودور البرلمان وطبيعة الدستور، وبالطبع يعملون على أن يأتى الدستور ضامنا لحقوق الشعب من النظام بالذات فى مجال عدالة الأجور مع ربطها بالاسعار، وإقرار حد أدنى عادل وحد أقصى غير مفسد لها. كما يجب أن يتضمن الدستور حق الشعب فى التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة من خلال نظام للتأمين الصحى الاجتماعى الشامل لكل أفراد الشعب وضد كل الأمراض، وكذلك حق الشعب فى العليم المجانى بجميع مراحلة والمساواة فى فرص التعليم للجميع. ولكن يجب الانتباه إلى أن الرئيس القادم والدستور سيعكسان فى النهاية توازن القوى الراهن، أما ما يجب التركيز عليه فهو ممارسة ديمقراطية الشعب، وبالتالى إعطاء الانتباه والتركيز الواجبين لتطور الكفاح الشعبى مع عدم إغفال النضال على ساحة البرلمان والدستور وانتخابات الرئاسة.
دكتور محمد حسن خليل الحزب الاشتراكى المصرى إبريل 2012



#محمد_حسن_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما يتقاطع مسار الثورة مع الانتخابات البرلمانية
- انتخابات مجلس الشعب تحت شعار استمرار الثورة
- مستقبل الثورة: قراءة فى ميزان القوى الراهن


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - محمد حسن خليل - فى العام الثانى للثورة الإصرار المقاتل على الثورة مستمرة يقابله كل عنف الثورة المضادة