أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راندا شوقى الحمامصى - غروب وشروق















المزيد.....

غروب وشروق


راندا شوقى الحمامصى

الحوار المتمدن-العدد: 3691 - 2012 / 4 / 7 - 20:20
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إن المبدأ الأساسي الذي ينطبق على جميع الأديان هو أن هناك علاقة خاصة بين دين والدين الذي يعقبه مباشرة. فحينما يأتي مظهر إلهي تكون روح الإيمان قد انطفأت في الدين السابق، ونفخت في الوقت نفسه في الدين الجديد. على سبيل المثال، مع مجيء حضرة المسيح كان الدين اليهودي قد فقد نشاطه وحيويته، وهذه غُرست في الدين المسيحي. ورد في القرآن الكريم ما يلي:
"ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون."(1)
هذا يعني أن لكل دورة رسولية بداية ونهاية، وعند ظهور الدورة البهائية التي ابتدأها حضرة الباب، كانت جميع الأديان الرئيسة في العالم قد فقدت قدراً عظيماً من قوتها الروحية. فالنفوذ الذي كانت تمارسه وتستجيب له أفئدة الناس كان يقل ويتلاشى مع مرور كل يوم. ومن العوامل المساهمة في هذه العملية، عجز القادة الدينيين عن التمسك بالحقائق الأساسية المنصوص عليها في كل دين. فبدلاً من فهم جوهر دينهم، وتوضيح الحقائق العقائدية لأتباعهم، قاموا، بسبب جهلهم، بعرض العديد من المعتقدات والتفاسير التي وضعها الإنسان بحيث حجبت نور الدين الحقيقي. وبالتالي فإن كثيراً من الناس الأذكياء الصادقين تخلوا عن الدين نهائياً وانضموا إلى صفوف اللاأدريين والملحدين. فلا أحد يمكنه أن يلوم شخصاً وُهِب الحس السليم، الذي يرفض إدعاء بعض الزعماء الدينيين بأن جسد السيد المسيح ارتفع في الفضاء، أو أن النجوم ستتساقط يوماً ما على الأرض!


ومنذ مجيء حضرة بهاءالله فقط، ومن خلال كتاباته، صارت الفقرات الغامضة في الكتب المقدسة للأديان السابقة واضحة في شرحها وتفسيرها بحيث لم تبق منها عبارة واحدة تبدو مناقضة للمنطق والحس السليم. في الواقع، إن أحد تعاليم حضرة بهاءالله يؤكد أن الحقيقة الدينية والنظريات العلمية يجب أن يكونا في وئام. لكن للأسف فإن الفجوة بين الدين والعلم قد اتسعت بسبب عجز الزعماء الدينيين عن فهم التعاليم الدينية الحقيقية. واليوم صارت كلمة "الدين" ترتبط عموماً بالجهل وضيق الأفق والأوهام من جانب عدد كبير من الناس المستنيرين. من ناحية أخرى، جعل بعض الناس من الدين سخرية عن طريق خلق الطوائف التي أثبتت أنها ليست إلاّ أوكاراً للفساد والتربح. إن قدسية العديد من الأعمال الدينية، والتي كانت الدعامة الأساسية للمجتمعات المحلية في الأزمنة القديمة، قد باتت الآن إمّا مهملة تماماً أو تالفة، وتتحول على وجه السرعة إلى أنشطة سياسية أو تجارية.
وبتلاشي نور الدين في هذا اليوم، تكون نبوءة حضرة بهاءالله قد تحققت. كما جاءت في "الإشراق" الأول: "لما أشرقت شمس الحكمة من أفق سماء السياسة نطقت بهذه الكلمة العليا: تجب على أهل الثروة وأصحاب العزّة والقدرة ملاحظة حرمة الدين بأحسن ما يمكن في الإبداع. فإن الدين هو النور المبين والحصن المتين لحفظ أهل العالم وراحتهم إذ إن خشية الله تأمر الناس بالمعروف وتنهاهم عن المنكر فلو احتجب سراج الدين لتطرّق الهرج والمرج وامتنع نيّر العدل والإنصاف عن الإشراق وشمس الأمن والاطمئنان عن الأنوار. شهد ويشهد بذلك كل عارفٍ خبيرٍ."

فالهرج والمرج قد وقعا فعلاً، وامتنع نير العدل والإنصاف والأمن والإطمئنان عن الإشراق. وسوف تستمر هذه العملية وتزداد ظلمة آفاق العالم شدة حتى تتحق تحذيرات حضرة بهاءالله التي صدرت منذ أكثر من مائة وستون عام مضت. واقتبسنا هذه الفقرة من قبل:
إن العالم متقلب ويزداد تقلبه يوماً فيوماً ويتوجّه بوجهه إلى الغفلة والإلحاد، وهذا الأمر سيزداد شدة بحيث لا يقتضي ذكره. ويستمر الحال على هذا النهج لأيام طويلة. وإذا تمّ الميقات يظهر بغتة ما يرتعد به فرائص العالم إذاً ترتفع الأعلام وتغرد العنادل على الأفنان...(2)
تؤذن كلمات حضرة بهاءالله هذه بأن معاناة كبيرة تنتظر البشرية. من المهم هنا أن ندرك بأن حدوث هذه المعاناة ليس من قبيل الانتقام الإلهي، بل على العكس من ذلك، فهي كلها من صنع الإنسان والنتائج المترتبة على أعماله، ذلك لأن الله قد خلق الإنسان على صورته، مما يعني أنه أسبغ عليه صفاته، ومنحه أيضاً الإرادة الحرة، ووضع القوانين التي تحكم العلاقة بين كل الأشياء –السبب والنتيجة، الفعل ورد الفعل، الثواب والعقاب. هذه القوانين هي جزء من خلق الله، فحيثما يعيش الناس ويعملون متحدين، تكون النتيجة هي السلام والوئام، وحيثما يتجاهلون هذا المبدأ الأساسي وتقوم مجموعات من الناس ضد بعضها البعض، فالنتيجة هي الدمار والمعاناة. فلا يسرّ الله أن تموت الملايين في الحروب أو تهلك بالمجاعات. وكل هذه الأحداث المأساوية هي نتاج عصيان الإنسان لأحكام الله وتعاليمه التي أنزلت في هذا العصر.
وقد أكد حضرة بهاءالله في كثير من ألواحه بأن جزءاً كبيراً من المعاناة البشرية هي من صنع الإنسان. فيصرح في أحد الألواح بما معناه :(3) بأن أهل العالم محاطون بالعقاب بما اكتسبوا بعملهم، وفي كل فترة يتخذ هذا الجزاء شكلاً مختلفاً. في لوح آخر(4) يصرح حضرته بما معناه أيضاً: بأن الله خلق كل الناس لعرفان ظهوره العظيم في هذا اليوم، لكن فشلهم في الاعتراف بأمره هو في حد ذاته جزاء لأعمالهم. إن الثواب والعقاب هما الدعامة الأساسية للمجتمع الإنساني، وهذه سُنة الخلق ولا يمكن تغييرها.
في لوح آخر(5) يعلن حضرة بهاءالله: "لمّا وجدنا الناس عبدة الظنون والأوهام من دون الله لذا اشتغلناهم بهم جزاء أعمالهم لعل يتنبهن بذلك خلق آخرين."
ويصرح في لوح آخر:

"... ولو كان لها [الدنيا] عنده من قدر لم يؤتها على أعدائه قدر خردل ولكن اشتغالكم بها بما اكتسبت أيداكم في أمره وهذا عذاب لأنفسكم بأنفسكم على أنفسكم إن أنتم من الشاعرين. هل تفرحون بما أوتيتم بما لا قدر له عند الله وبه يمتحن عباده المتوهمين."(6)
ولكن الغاية الرئيسة من ظهور حضرة بهاءالله هي أن تعمر أفئدة الناس بقدر من محبة الله وتوهب لنفوسهم روح الإيمان. وفقط عندما يحدث ذلك على نطاق عالمي، فإن المعاناة والمصائب التي صنعها الإنسان ستزول ويحل محلها السلام والصلح الأعظم الدائم. وعندما تبلغ الإنسانية هذه المرحلة العليا والتي تنمحي فيها أسباب الاختلاف والفرقة فإن البلايا والمحن سوف تقتصر على تلك التي قدّرها الله لكل فرد. إن المعاناة التي تأتي من الله لا غنى عنها للتنمية الروحية لنفس الإنسان، في حين أن المصاعب التي صنعها الإنسان أصبحت اليوم لا تطاق، فإن البلايا المقدرة من الله لا تفرض على نفس إلاّ في حدود طاقتها.
ويتفضل:
"يا أهل البهاء كنتم ولا زلتم مشارق محبة الله ومطالع عنايته فلا تدنسوا ألسنتكم بسب أحد ولعنه وغضّوا أبصاركم عما لا يليق بها. أظهروا ما عندكم فإن قبل فالمقصود حاصل وإلاّ فالتعرض باطل. ذروه بنفسه مقبلين إلى الله المهيمن القيوم. ولاتكونوا سبباً لحزن أحد فضلاً عن الفساد والنزاع عسى أن تتربّوا في ظل سدرة العناية الإلهية وتعملوا بما أراده الله كلكم أوراق شجرة واحدة وقطرات بحر واحد."(7)
أنزل حضرة بهاءالله بعض من نصائحه العظيمة الشأن للبشر بصفة عامة، ولأتباعه بصفة خاصة. فيفرض على البشرية جمعاء إرساء الصلح الأصغر، ويحث أتباعه على العمل بما أراد الله، ويذكّرهم بأن نصرة أمر الله تتأتى من خلال "الأعمال والأخلاق المرضية". وعلاوة على ذلك يؤكد أن العدل يقوم على "عمادين: المجازاة والمكافاة". و"يوصي الكل بتعليم الأطفال وتربيتهم"، معلناً بأن دين الله قد نزل "لمحض اتحاد أهل العالم واتفاقهم"، ويمنع أتباعه من جعل الدين "سبب الاختلاف والنفاق"، ويدعو إلى استعمال لغة عالمية مساعدة، ويوكل أمرها إلى أمناء بيت العدل إمّا "أن يختاروا لساناً من الألسن الموجودة أو يبتدعوا لساناً".
ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن حضرة بهاءالله أمر حكومات العالم في "لوح البشارات أحد ألواحه" باعتماد اللغة العالمية. ويمكن اعتبار هذين التصريحين، اللذين يبدوان متناقضين، على أنهما مرحلتان مختلفتان في عملية اعتماد اللغة العالمية المساعدة. ففي المرحلة الأولى سيتم تبني اللغة العالمية من قبل الحكومات، في حين أن المرحلة الثانية تؤجل إلى الوقت الذي يبرز فيه بيت العدل الأعظم كهيئة عليا لنظم حضرة بهاءالله العالمي ويُعترف بسلطته، عندئذ فقط يمكن أن تعيد النظر في اختيار اللغة إمّا بإبقاء ما اتفقت عليه الحكومات أو تغييرها كلياً.
و يشدد حضرة بهاءالله في أحد ألواحه على أهمية اعتماد لغة عالمية مساعدة كما نصّ عليها في "الكتاب الأقدس". ويذكر أن تنفيذ هذا الأمر سيوفر وسيلة للحفاظ على وحدة الجنس البشري، وسوف يسهل الاتصال والتفاهم بين شعوب العالم. وفي هذا اللوح نفسه يمتدح اللغة العربية مبرزاً ميزاتها وثراءها في التعبير والبلاغة، إذ ليس هناك لغة أخرى تضارعها بإمكاناتها الواسعة. إلاّ أنه لا يفرض على الإنسانية اعتمادها لغة عالمية بالضرورة، بل يترك الخيار للمؤسسات المناسبة.

المراجع

1- "القرآن الكريم"، سورة الأعراف، الآية 34.
2- "منتخباتي از آثار حضرت بهاءالله"، رقم 61.
3- مجموعة لم تنشر، لجنة المكتبة المركزية، رقم 41، الصفحة 331.
4- "آثار قلم أعلى"، المجلد الخامس، الصفحة 113.
5- المصدر السابق، المجلد الرابع، الصفحة 19.
6- "منتخباتي از آثار حضرت بهاءالله"، رقم 103.
7- "مجموعة من ألواح حضرة بهاءالله"، الصفحة 28.
8- "نفحات قدس"، الصفحات 5-8.



#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المساواة بين المرأة والرجل
- الاتحاد في المجتمع
- بعضٍ من الحقائق الأساسية عن البهائية ومبادئها تَدَارُكًا لما ...
- بعض من الحقائق الأساسية عن البهائية ومبادئها تَدَارُكًا لما ...
- مصيرُ وقَدَرُ العالمِ الإنساني
- الجامعةُ المتحدةُ للعالم الإنساني2-2
- الجامعةُ المتحدةُ للعالم الإنساني1-2
- نداء لأهل العالم- وحدةُ العالمِ الإنساني3-3
- نداء لأهل العالم- وحدةُ العالمِ الإنساني2-3
- أرجوك ياشيخ الأزهر الشريف تحرى الحقيقة ( يا أيها الذين آمنوا ...
- نداء لأهل العالم- وحدةُ العالمِ الإنساني1-3
- نداء لأهل العالم -مصائب العالم الإنساني 2-2
- نداء لأهل العالم (3)- مصائبُ العالمِ الإنساني
- نداء لأهل العالم-(2) الدين البهائي وشخصياته المحورية البارزة ...
- نداء لأهل العالم-1
- أبدية الشريعة (7-7) - - عبدالبهاء -
- أبدية الشريعة (6-7) - - بهاءالله -
- أبدية الشريعة (5-7)- - الباب -
- أبدية الشريعة (4-7)- بين القرن التاسع عشر والعشرين
- أبدية الشريعة (3-7)


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راندا شوقى الحمامصى - غروب وشروق