أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - جقل الواوي - أدب سجن تدمر - 2 -















المزيد.....

أدب سجن تدمر - 2 -


جقل الواوي

الحوار المتمدن-العدد: 3690 - 2012 / 4 / 6 - 15:57
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


أدب سجن تدمر


2
يتطابق البناء الروائي لكل ما كتب عن سجن تدمر، حيث يبدأ الراوي رحلته بهواجس ما قبل تدمرية عندما يتناهى الى سمعه بأنه منقول الى تدمر فتطفو على الذاكرة السمعه السيئة لذلك السجن و تختلط بما يمكن أن "تنتجه" مخيلة الكاتب،يصف ياسين الحاج صالح ذلك بقوله " ورغم أني طمأنت زملائي بأن تدمر مجرد تهديد فإن عقلي الباطن لم يطمئن. في تلك الأسابيع الثلاثة كتبت 40 صفحة متوترة عن الحرية والأمن"،البراء السراج سجين إسلامي " بدأنا نجهز أنفسنا للسوق أيضا ... أمضينا الليل دون نوم الخوف باد على الوجوه لكن كل منا يشجع الآخر"،لحظات الرحلة المهولة تجعل الكاتب حريصا على تسجيل كل لحظة فيها فينتقل الى وسيلة النقل التي أخذته الى هناك يكذيب الطريق و الإتجاهات الجغرافيه في محاولة سرابية للهروب الوهمي من تدمر، يصور آرام كرابيت تلك الحظات "في داخل كل واحد منا هوس مجنون رغبة أن تتابع الحافلة سيرها الى العاصمة،الى دمشق الخيبات و الهزائم المتتالية"و الطريف أن نقل السجناء الى تدمر على زمن دانيال نعمة كان يتم في المواصلات العادية التي يستعملها المواطنون العاديون "ووصلنا إلى تدمر نحو العصر، وأذكر أن السيارة كان فيها ركاب كثيرون وأطفال من عمر حفيدي علاء الآن، وكنت في أوائل شباط عام 1953 ابن ثمان وعشرين سنة، أي شاباً، لذلك حاولت مداعبة الأطفال، فاستجابوا، وكثيراً ما حدثت الرفاق وقلت لهم: (كأنه يوجد ود بيننا وبين الأطفال، جيل المستقبل). أثناء الطريق تعهدت لرجال الشرطة بألا أخلق لهم مشكلة، وألا أحاول الفرار، لذلك لم أكن مقيدا"،يسلي الكاتب نفسه بإستعراض هواجسة و كأنه يريد أن يجعل الطريق الى تدمر طويلا فلا يصل الى هناك ابدا.

لا يتم الدخول القادمين الجدد الى مهاجع السجناء قبل عمليات تسجيل و إستلام و تسليم تنتهي هذه الإجراءات بما أجمع الكتاب على تسميته التشريفة و هي "حفلة" تعذيب سادي جماعية يتعرض فيها السجناء للضرب الشديد المبرح، يختلف عن أي ضرب تلقوه قبل ذلك هو أقرب الى التنكيل الحقود بشكل إنتقامي فاجر مع تركيز خطابي على إلغاء آدمية السجين، توقفت الروايات عند التشريفة طويلا لفداحة تأثيرها، و أختلط وصفها بالألم و الدماء ووصل بمصطفى خليفة في القوقعة بأن جعل الموت أحد عناصرها.لم ينفع الأدب كثيرا في وصف حفلة التشريفة لذلك جاء التعبير عنها مباشرا و تفصيليا دقيقا لأبشع عملية ضرب قد يتعرض لها إنسان،يقول محمد سليم حماد " ويبدأ الضرب من غير رحمة ومن غير عد .. فإشارة الإنتهاء لدى الوحوش أولئك أن تتفتح بطن الرجل وتسيل منها الدماء . فإذا تم ذلك فكوا القيد عن الرجلين وأخرجوا المعتقل من الدولاب وأمروه أن يفتح كفيه ليتلقى هدية أخرى . وتنهال على الراحات سياط من الجلد العريض سمعنا أنها صنعت من حزام مروحة الدبابات ! حتى إذا حل بالأيدي مثل الذي حل من قبل بالأرجل وتأكد الجلادون أن الدم الآن يسيل أمروا ضحيتهم بالإنبطاح . ولا يكون المسكين بحاجة لسماع الأمر لأنه منهار ومُنْتَهٍ بذاته ، فيستقبل الأرض لا حول له ولا قوة .. وتلحق به السياط والعصي تأكل الآن ظهره وجنبيه : خمسون .. مائة .. وربما مائتا جلدة قبل أن يتوقف الزبانية "،كان فرج بيرقدار كان كثيفا و عميقا في حديثه عن التشريفة فوصف الأمر و كأنه يقرع طبلا
" صرخ الرقيب:
-خذوهم الى التشريفة
ذاً، ليس كل ما مضى سوى تحضيرات للتشريفة؟!
- إخلع كامل ملابسك.
بدأنا بخلعها ونحن نتلكأ بفك الازرار، كمن يحاول تأجيل قدر محتوم، ولو لبضع ثوان اضافية، لعل معجزة ما تغيّر مجرى الحكاية.
باحة شاسعة تتسع لخمسين زنزانة.
- نخلع الكلاسين ايضاً؟؟؟
- قلت كامل ثيابك... أترك الجلد فقط فنحن بحاجة اليه.
أغمضت أمنا الدنيا عينيها، وصكت اسنانها، وانزوت في الركن الأبعد من باحة التشريفة، مديرة ظهرها لأمواج متدافعة من الاصوات الممزقة بين الصراخ والعواء وما يشبه الولاويل.
هياكل لكائنات غريبة، محزومة أرجلها ومشدودة الى أعلى.
كل الاشياء مقلوبة... كل الآلهة عاجزة ومجللة بالخزي... وحده الموت يقف عابساً مهيباً ثابت الجنان.
كانت السياط والكرابيج تشخط الهواء بزفيرها تاركة وراءها أنيناً مخطوفاً تتخلله شهقات دامية متقطعة.
- إنهضوا... ثبتوا الطميشات على عيونكم، وليضع كل منكم يده على كتف الآخر...
طقس التشريفة كما وصفته الروايات حدد طبيعة علاقة السجين بالسجن خلال الفترة القادمة و منذ اللحظة الأولى ،تهدمت المعالم الإنسانية عبر عمليات التعرية و البذائة و الضرب على كل أنحاء الجسد و إظهار بلادة السجان و برودة السوط. التشريفة تحول السجين الى طاقة خامدة مستسلمة مستعدة لتلقي العقاب،فلايبقى من الكائن الحي إلا الجلد و العظام التي يتم إستهلاكها هي الأخرى على مدار فترة السجن.

تأخذ التشريفة حقها كاملا عند كل من كتب عن سجن تدمر و يعود معظمهم الى التذكير بها خلال مراحل سرده كنقطة علام أو كتاريخ فاصل للأحداث، بعد أن يقف الكاتب عند طقس التشريفة و كأنه وقوف على الأطلال عن الشاعر الجاهلي لازمة حزينة و مبكية لا بد منها تستسلم الروايات لسرد يوميات السجن والتشابه هنا كبيرا أيضا، تناول الجميع أساليب التفقد و التنفس و الحلاقة و النوم و كذلك الإعدام، و كلها عناوين لمضمون واحد هو التعذيب، حيث أن التعذيب يصادفك تحت كل حجر من أحجار تدمر و خلف كل باب و ربما داخل جيوب السجين نفسها، و التعذيب كان كذلك في الروايات يطل برأسة بين الكلمة و التي تليها.

يعيد كل من فرج بيرقدار و مصطفى خليفة حكاية الرجل الذي أطعموه فأرا فيوردها خليفة كحدث عادي حصل كثيرا أما بيرقدار فيتوقف عنده كمفصل اساسي و يدقق في تفاصيل المشهد و كأنه يجبر القارىء على تذوق قطعة من الفأر، عذابات النوم و المراقبة الليلية و تفنن الحارس الذي يراقب من "الشراقة" في إلحاق الأذى بمن يحاول النوم، أذى من كل الأنواع تبول عشوائي على المساجين الذين لا يجرؤون على مجرد التململ دلق الماء البارد أو رمي الأحجار و لكن لحسن الهويدي تجربة فريده فقد أجبره الحارس أن يمارس العادة السرية بشكل علني،و لكنه لم يفلح في الوصول الى النهاية السعيدة، فقد يستطيع السجن أن يخرج الألم من الجروح و لكنه لايمكن أن يستجلب اللذه.

تتساوى سرديات الحياة اليومية في كل الروايات بالرغم من أن بعضهم أمضى في سجن تدمر عامان و بعضهم أمضى أحد عشر عاما و لكن سجن تدمر هو ذاته ألم في كل لحظة قد يأخذ أشكالا عديدة و لكنه ابدا ذلك الجحيم الضاغط على كل الجملة العصبية، تنتهي الروايات بإفراج و عودة الى الأهل و ربما مرور بسجن آخر مؤقت قبل الإفراج النهائي، هنا تسود السكينة و الهدوء فيترك السجين السجن خلفة متابطا الحياة التي أعيد لها فيتفرس في الوجه كالغريب قد ينكر الأشياء و الناس و قد ينكره الناس و الأشياء، جعل آرام كربيت من الخروج "دويتو" يجمعه بالخابور و لكن خابور الإفراج يختلف عن ذلك القديم الذي يعرفه غزيرا نقيا خابور ما بعد السجن بخيلا شحيحا و كأنه خابور آخر و لا ينهي كربيت روايته قبل أن ينعي نهره بحرقة و كأن سجن تدمر السبب في كل ذلك
" قلت بصوت حزين رباه أين الخابور اين الماء أين الشجر و السمك أين الجمال و البهاء أين ذلك الخابور الساحر و ألقه و تألقه في المساءات المفرحة عند المشاوير أو تدويرة الصباحات الرائعة أين ذهب هذا كله كيف غرق الخابور و مات"
" مونولوج يظهر فيه اثر السجن جليا و عميقا و كيف تحطيمت الذائقة لدى السجين فقد تم تزييف بيئته التي عرفها طويلا. الإفراج عن مصطفى خليفه كان أكثر هدوءا و دعة، ركب سيارة أجره و تركها تركض في أنحاء دمشق على هواه و كأنه يريد أن يتأكد أنها مازالت هناك حيث تركها
" دارت بي السيارة زهاء ساعة، تجاهلت السائق تماماً، كنت في حالة انعدام تفكير، صحوت بعدها .. وسألت نفسي : إلى أين .. إلى أين ؟.
شعرت برغبة جارحة للنوم ! .. أريد أن أنام , أريد أن أنام.
الشعور العارم بالحاجة الى الدفىء و الفراش الهادىء، سرقه موصوفة جديدة يسجلها سجن تدمر فلا راحة و لا دفىء و إطمئنان.
قابل البراء السراج الحرية بوجه مختلف قليلا كان أكثر تفائلا و أملا و لم يتمالك نفسه من إلتهام سندويشة شاورما
"طلبت أن ينزلوني أمام الجامعة القديمة بجانب سانا صاح بي صديقي رائد لوين أبو ذر ..أجبته بلهجه فيها سمة غضب مازحه لا تقلق أتركني بحالي.كانت الساعة التاسعة و النصف ليلا أجمل منظر أضواء البيوت و هي تنحدر على سفوح جبل قاسيون نسيم بارد لطيف.جائع جدا فنزلت الى ساحة فكتوريا و أكلت بنهم سندويشة شاورما التي كانت رائحتها تاملأ الأجواء"
الرحلة الى تدمر و التشريفة ثم اليوميات و الإفراج هي المحطات الأربعة التي عالجتها الروايات و لم تخرج عنها ابدا، كان الكتاب الإسلاميون أميل الى الوصف الحسي المباشر و التركيز على الوجوه و الأسماء بنزعة توثيقة و لكن التفاؤل كان يرفرف على رأس السجين في كل مراحل حياته داخل السجن، بينما ظهر آرام كربيت غاضبا كل الوقت و لم تهدأ ثورته حتى بعد خروجه، كان ألمه مضاعفا أثر يحدثه الضرب و الإهانه و اثر آخر يحدثه بنفسه نتيجة ثورته التي لم تهدأ لم يستطع أن يكون طريفا حتى ولا مرة واحدة و هو ما أظهره مصطفى خليفة في القوقعة و هو سلوك مفهوم يهدف الى التسرية و تبديد آثار الألم ، أعتمد في روايته على عدة مشاهد مميزة تبقى في الذاكرة طويلا بجرعة زائدة من الميلودراما ف، و قد أنفردت القوقعة بذكر مشهد مهول يقوم فيه مدير السجن بإعدام مباشر بالرصاص أمام الجميع و هو الذي لم يذكره الإسلاميون، لغة مصطفى خليفة كانت خائفة و في بعض مراحلها مرتعدة و كأنه يكتب و السجان واقف فوق راسة رغم طرافته في بعض المواقع، أما فرج بيرقدار فكتب و كانه يعزف على وتر ثخين أو يقرع طبلا في نثر له لكنة شعرية حاول أن يخفي ألمة و نجح في ذلك و لكن وجع السجين كان واضحا في كل خلجة من خلجات الرجل الذي اطعموه فأرا،النص القصير لياسين الحاج صالح كان تحليليا و بخمسين كلمة فكك لغز التشريفة و ما يليها من جداريات مؤلمه.

يتبع ...



#جقل_الواوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مات خالد تاجا ...
- أدب سجن تدمر - 1 -
- حراسة الهواء و حراثته .... روزا ياسين حسن ما زالت تحمل صليبه ...
- النادي الأهلي و النادي المصري نتيجة بائسة
- الولادة من الخاصرة.....فانتازيا -نفسية- بطعم السفرجل
- سياسة الإنفعال
- فيلم و هلأ لوين.... يا ويلي ملا -لبكي-
- مناع أم غليون. المكان لا يتسع للجميع
- افسحوا الطريق الإسلاميون قادمون
- الشخص
- أردوغان و حسن البنا، أماني باراك أوباما


المزيد.....




- واشنطن تريد -رؤية تقدم ملموس- في -الأونروا- قبل استئناف تموي ...
- مبعوث أمريكي: خطر المجاعة شديد جدا في غزة خصوصا في الشمال
- بوريل يرحب بتقرير خبراء الأمم المتحدة حول الاتهامات الإسرائي ...
- صحيفة: سلطات فنلندا تؤجل إعداد مشروع القانون حول ترحيل المها ...
- إعادة اعتقال أحد أكثر المجرمين المطلوبين في الإكوادور
- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي للاشتباه في تقاضيه رشوة
- مفوض الأونروا يتحدث للجزيرة عن تقرير لجنة التحقيق وأسباب است ...
- الأردن يحذر من تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين على أراضي ...
- إعدام مُعلمة وابنها الطبيب.. تفاصيل حكاية كتبت برصاص إسرائيل ...
- الأونروا: ما الذي سيتغير بعد تقرير الأمم المتحدة؟


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - جقل الواوي - أدب سجن تدمر - 2 -