أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - القاص والروائي العراقي فؤاد التكرلي: الكتابة عملية غامضة وممتعة ومُحاطة بالمعاناة















المزيد.....

القاص والروائي العراقي فؤاد التكرلي: الكتابة عملية غامضة وممتعة ومُحاطة بالمعاناة


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 1084 - 2005 / 1 / 20 - 10:07
المحور: الادب والفن
    


نظّمت مكتبة " Bouwlust " في مدينة لاهاي الهولندية أمسية أدبية للقاص والروائي العراقي فؤاد التكرلي قدّم خلالها شهادة عن تجربته الأدبية التي تمتد منذ أوائل الخمسينات وحتى يومنا هذا. وقد جاءت هذه الشهادة تحت عنوان " تجربة الحياة والكتابة، والعلاقة المتبادلة بينهما ". ويمكن تلخيص هذه الشهادة بعدد من المحاور الأساسية أبرزها " مدى تأثير الكتابة في الحياة الشخصية، وبالعكس، القراءات القصصية المكثفة منذ عام 1939- 1942، وانفتاحه على العوالم القصصية والروائية الجميلة التي لا عهد له بها سابقاً، بداية وعي الذات والممارسة الآلية لكتابة المذكرات، وبعض القصص والمسرحيات، كتابة رواية " بصقة في وجه الحياة " وتأجيل نشرها قرابة 52عاماً، ثم انفتاحه على الموسيقى الكلاسيكية التي أمدّت نصوصه بالتناغم، والتماسك، والوحدة العضوية، الابتعاد عن بغداد، وعزلته في " بعقوبة " التي هيأت له فرصاً ذهبية في تأمل الذات الشخصية والعالم المحيط به، إضافة إلى الهمّ الفني، وتوقه اللامحدود لكتابة قصة قصيرة لا يمكن أن نردّها إلى الأدب الأجنبي، كتابة " العيون الخضر " القصة العراقية القصيرة التي وضعت التكرلي في مصاف المجددين في القصة العربية، مواصلة هذا النمط الفني الجديد الذي أشعره بثقة عالية في النفس، ووفر له عنصر الإحساس بالحرية الداخلية التي أفضت إلى كتابة " المجرى، أمسية خريف، الآخرون، موعد مع النار " وقصص أخرى لا تقل شأناً عن سابقاتها ونشرها بين عامي 1956-1957، ثم نشر رواية " الوجه الآخر " عام 1960، مجازفته بنشر رواية " الرجع البعيد " عام 1980 في بيروت برغم انتقاده الشديد للنظام السابق، وما يترتب هذا الموقف من مسؤولية جسيمة، انقطاعه عن الكتابة السردية لمدة خمس عشرة سنة، ثم الشروع في كتابة روايته التي كانت مستعصية " خاتم الرمل " بعد إيجاد الصيغة الملائمة التي تعبّر عن رؤيته الفنية الجديدة، نهوض روايته الكبيرة التي كانت راقدة في أعماقه " المسرات والأوجاع " وإنجازها في وقت قصير قياساً بأعماله الروائية السابقة. " هذه هي أبرز المحاور التي تحدث عنها خلال الندوة. في اليوم الثاني، وفيما نحن نتجول في مدينة أمستردام دار بيننا حديث من نوع آخر، لا يقتصر على قصصه ورواياته المعروفة، وإنما يمتد إلى روايته الإشكالية " بصقة في وجه الحياة " ومجموعته القصصية الجديدة " خزين اللامرئيات " اللتين لم تأخذا حقهما الكامل من النقد والدراسة والتحليل. وما إن شعر التكرلي بأهمية هذا الحوار حتى قال لي " من الأفضل أن تدوّن هذه الأسئلة، وتترك لي فرصة الإجابة عنها حينما أعود إلى الفندق. " هكذا كانت الأسئلة، وفي الآتي نص الإجابات التي تعتبر مطوّلة بعض الشيء قياساً بالحوارات الصحفية السابقة التي أجريت معه.


* طالما أن قصة " العيون الخضر " تشكّل منعطفاً أساسياً في كتابة النمط القصصي الحداثي في العراق دعني أتوقف عندها في أكثر من موضع. لماذا اخترتَ " العيون الخضر " عنواناً لهذه القصة؟ هل يحمل هذا " اللون " دلالة رمزية ساعدت في الشروع بالنص، وبنائه، وتصعيده، والانتهاء منه بطريقة فنية؟ هل أن هذا العنوان جاء مصادفة أم أنك توصلت إليه نتيجة تأمل طويل مدروس هيأته لك حياتك الهادئة والمنعزلة في أثناء تواجدك في بعقوبة؟
- " العيون الخضر " أقصوصة شكلّت إنعطافة أساسية عندي، وليس في كتابة النمط القصصي العراقي، إذ لا أستطيع أن أدعي أن إنجاز أقصوصة فنية واحدة يمكن أن يغيّر المجرى الأدبي في قطرٍ ما، لكنها كانت عملاً أساسياً بالنسبة لي كما قلت، جعلتني أثق بنظرتي إلى اللغة وإلى الفن القصصي عموماً. العنوان له صله بمجرى الأقصوصة وبمسارها، فهي تحكي عن بغي تترك بغداد ذاهبة إلى كركوك بسبب ملاحقة الشرطة لها، وحين يمّر القطار بمدينة تتذكر شخصاً كان يزورها في بيتها المشبوه في بغداد وأخبرها أنه يسكن في بعقوبة، فإذا قررت الهرب من حياتها التعيسة التي تعيشها فما عليها إلا أن تأتي إلى بعقوبة، وتسأل عنه. لم يمارس معها الجنس، وكان عاشقاً لعينيها بصورة خاصة، فقد كانت ذات عينين خضراوين جميلتين، ومن هنا جاءت التسمية مبدئياً. لقد جاءني العنوان بشكل تلقائي، وفرض نفسه عليَّ من دون تأمل طويل ولا دراسة، وهو، في اعتقادي، عنوان موحٍ وجذّاب، وله دلالة " ملوّنة " وهذا يكفي.
* قلتَ غير مرة بأنك عرضتَ " العيون الخضر "، هذه القصة التي كتبتها بتأنٍ ملحوظ على القاص عبد الملك نوري، وقد حاول مداراة دموعه التي غالبته في أثناء قراءته لها، جرّاء تأثره البالغ بأحداث هذه القصة ودلالتها الرمزية العميقة. هل لك أن تحدثنا عن مشاعره الحقيقية، وانطباعاته الصادقة عن غبطته بهذه القصة إلى درجة التصريح بالقول " إنه كان يتمنى أن يكتب قصة مثلها أو على شاكلتها ". وبالمناسبة لماذا لم تعرض هذه القصة على صديقك الشاعر عبد الوهاب البياتي في حين أنه كان يعرض عليك محاولاته الشعرية الأولى؟
- أخبرتك بظروف كتابة هذه الأقصوصة، وكيف كانت ولادتها سهلة ومن دون تعقيد، وكنت سعيداً بإنجازها. آنذاك كانت صداقتي مع عبد الملك في بدايتها، وكنّا نلتقي بين أسبوع وآخر. أنزل أنا بعد ظهر يوم الخميس لألتقيه عصراً في المقهى " السويسري "، فنذهب مع أصدقاء آخرين إلى كازينو " بلقيس " أو كازينو " كاردينيا " من أجل جلسة شراب أو حديث أدبي جميل. كان عبد الملك نوري اسماً لا معاً في سماء الأقصوصة العربية، وكنت أجد فيه الصراحة والرأي النافذ. لم يكن يخفي رأيه مهما بدا ذلك الرأي قاسياً، ولذلك كنت واثقاً بأنه سيبدي رأياً جديراً بالاستماع إليه. لم أتوقّع أن يتأثر هكذا، وأن يحاول إخفاء تأثره، كنت أراه هكذا أول مرّة. قال بعد هدأ وأشعل سيجارة، إنه يشعر وكأنه هو الذي كتب هذه الأقصوصة. أما لماذا لم أعرضها على عبد الوهاب البياتي رغم صداقتنا القديمة فلأنه كان مدرّساً في الرمادي، ولا يأتي إلى بغداد إلا لُماما، وكنّا نتبادل الرسائل لنتغلّب على هذه المسافات.
* عطفاً على السؤال السابق، وفيما يتعلق بالسياق الزمني ودوره في حياتك الإبداعية التي وُسِمَت بميسم الحداثة منذ زمن مبكّر. ففي العام 1951 أسستم جماعة أدبية صغيرة، لم تُعلن عن نفسها ببيان أو خطاب أدبي محدد، وقد تألفت هذه المجموعة من أربعة أسماء أدبية مهمة وهي القاص عبد الملك نوري، والشاعر عبد الوهاب البياتي، والناقد نهاد التكرلي، والقاص فؤاد التكرلي، وكنتم تجتمعون كل خميس تقريباً في مقهى السويسري، هل لك أن تتحدث لنا عن طبيعة هذه اللقاءات وأهميتها في تكوينك الثقافي، وما هي طبيعة الفائدة الأدبية منها خصوصاً وأن بين هذه المجوعة القاص والروائي والشاعر والناقد؟
- يهمني كثيراً أن أذكر بالخير هذه الجماعة الصغيرة: نهاد التكرلي، وعبد الملك نوري، وعبد الوهاب البياتي، وأنا. كنّا نجتمع أغلب الأحيان مساء الخميس، ليس كل خميس، ولكن بين أسبوع وآخر، أنا ونهاد نأتي من بعقوبة حيث كنا نسكن بحكم الوظيفة، ويأتي عبد الوهاب من الرمادي حيث يقيم بحكم عمله أيضاً. نجتمع في المقهى " السويسري ". كان مقهى رائعاً، يحلو الجلوس فيه والنقاش، وكنا، في جلستنا تلك، وقبل أن نترك المقهى، نتبادل ما لدينا من إنتاج أدبي وفكري. ثم يحثّنا عبد الملك بعد نفاد صبره من الجلوس، خاصة بعد أن يأتي نديمه وصديقنا ساطع عبد الرزاق. نقوم قاصدين كازينو " كاردينيا " سيراً على الأقدام، وخلال مسيرتنا نشتري بضع قناني صغيرة من البراندي نعمل على خلطها مع كؤوس البيرة التي نطلبها من أجل الاقتصاد في المصروفات. الجلسات في تلك الكازينو، تبدو لي كأنها حدثت فيما قبل التاريخ. كم مضت بسرعة؟! كنا ندوام على الحديث والمداعبات والتعليقات خلال الساعة الأولى، ثم إذ يبدأ مفعول الشراب، تتأجج الأحاديث والمناقشات، ورغم ما كان يفصل بيننا من أفكار، فإنّ المودّة والاحترام المتبادل كانا سائدين على الدوام. خلال سنوات اللقاء تلك " 1950-1954 " كنا ننصهر روحياً وفكرياً ونحاول أن نتمثّل مشاكل العالم الحقيقية، وأن نتلمّس معنى التغييرات الجذرية التي كانت تحدث على الساحة العالمية بعد الحرب العالمية الثانية. كان أخي نهاد يتابع باهتمام مستجدات الجو الثقافي والأدبي في فرنسا، وكنّا نتلقف كل صغيرة وكبيرة باهتمام زائد. كان عبد الملك قارئاً شرهاً للأدب الإنكليزي والأمريكي. وكنت أدرك أن الوعي الفني والسيطرة عليه هو الأهم. وكان عبد الوهاب يحمل " معملاً " داخلياً من طاقة شعرية لا تنفد. لم يكن يتكلم في تلك الجلسات، لا كثيراً ولا قليلاً. يشير أحياناً بيديه دلالة على الموافقة أو على الرفض. إذا أمكن أن نفترض أن المواهب والطاقات الأدبية " تطبخ " أحياناً على نار هادئة، فقد كانت تلك اللقاءات هي نارنا الهادئة المباركة. فإذا اعتبرنا من بعض نتائجها صدور ديوان " أباريق مهشّمة " لعبد الوهاب البياتي و " نشيد الأرض " لعبد الملك نوري، ومجموعتي " الوجه الآخر "، ومقالات أخي نهاد المتميزة، فإن النتائج الأخرى التي حققناها أنا وعبد الوهاب كانت أخطر، وأكثر اتساعاً وتأثيراً.
* منذ قصصك الأولى وأنت منشغل بالتجريب والتجديد، ما الذي يدعوك لهذه النزعة التجديدية؟ أهو الملل من الأساليب القديمة، أم حاجة القارئ أو الناشر لذلك؟ أم حاجتك الشخصية بوصفك مبدعاً لا يروق له السقوط في فخ النمطية؟
- يمكن أن أقول لك أيها الصديق عدنان، بأني لم أكن منشغلاً بالتجديد، بل كنت منشغلاً بإتقان تنفيذ الأفكار التي كانت لدّي عن كيفية كتابة الأقصوصة. كانت هناك مشاكل غير مرئية أمام الكاتب القصصي العربي، عليه أن يحلّها قبل أن يبدأ، ليس آخرها استكمال رؤياه عن العالم والإنسان، وأمام هذا الموقف يصير البحث عن التجديد من أجل التجديد أمراً عبثياً، ولا جدوى منه.
* في قصصك ورواياتك اللاحقة اتضحت معالم " الكلاسيكية الجديدة " بحيث بات القارئ قادراً على ملاحظة الخصائص والمزايا السينمائية في أعمالك كالتقطيع السينمائي، والفلاش باك، والتداخلات الزمنية، وتسارع الأحداث تارة، وتباطئها تارة أخرى وما إلى ذلك. هل أن هذه البنية الدرامية السينمائية متأتية من ولعك بتيار " الواقعية الجديدة " التي رسم ملامحها مخرجون كبار من طراز أنتونيوني، وفلليني وروسلليني. هل لك أن تضيء لنا جوانب من هذا الأسلوب الذي يجمع بين الأدب والسينما والدراما إلى حد ما؟
- أتفق معك في وصف أعمالي بأنها كلاسيكية جديدة، وأعتقد أن القارئ، بمستواه الحالي، يمكن أن يستجيب لها، ويتمتّع بها فنياً. الأسلوب السينمائي لم ألجأ إليه إلا مؤخراً، قبل ذلك كنت أحاول أن أستغل مخيلة القارئ لأحرّكها بواسطة اللغة فتترسّم عليها صور تتحرك وتؤثر في نفس هذا القارئ، هذه عملية شبه سينمائية، ولكنها لا تتبع الأسلوب السينمائي. تأثرت طبعاً ببدايات " الواقعية الجديدة " في السينما الإيطالية، وخاصة لدى " دي سيكا " في فيلمه " سارق الدرّاجات " المشهور، وفيلم " La Strada " " الطريق " لفلليني، و " الليلة " و " فوق الغيوم " لأنتونيوني. سحرتني فيها بساطة الأسلوب، وعمق الصورة، وما يتولّد من دراما إنسانية مؤثرة للغاية. وبسبب اختلاف وسائل التعبير، وتعقيد التقنيات السينمائية المعاصرة، يصعب على المؤلف الروائي أن يتأثر أكثر مما يجب بما يفعله المخرجون الحاليون. كل تقنية سينمائية يجب أن تؤخذ بحذر حين نحتاج إلى تطبيقها أدبياً. لدينا الصورة وكيفية تقديمها، ووجهة النظر، ثم التقطيع، والانتقال الزماني والمكاني. صحيح أن هذه التقنيات توسّع أمامك مجالات الاختيار، ولكن يجب أن تُستغل من أجل تقديم الفكرة الأدبية بصورة جيدة، ولذلك فقد مارست بعض هذه التقنيات لضرورة استكمال فكرتي الروائية.
* في أغلب قصصك القصيرة ورواياتك ثمة بطل مثقف، متحدر من الطبقة الوسطى، مسكون بالأفكار الوجودية، والقلق الحياتي المتواصل. هل تريد أن تخلق نمطاً محدداً من الشخصية العراقية التي تنتمي إلى فؤاد التكرلي أكثر من انتمائها إلى القصاصين والروائيين العراقيين كما هو حال محمد جعفر في " الوجه الآخر " و توفيق لام في " المسرات والأوجاع " وما إلى ذلك؟
- كلا، وفي ظني، أن هناك اختلافاً بين الشخصيات التي قدّمتها. . اختلافاً أخلاقياً إذا أمكن القول " محمد جعفر " لا علاقة له " بمدحت " في " الرجع البعيد "، وهذا الأخير لا يشبه أبداً " هاشم السليم " في " خاتم الرمل "، وكلهم لا يرتبطون، كما أعتقد، " بتوفيق لام " بأية صلة. لقد أردت دائماً أن أقدّم فرداً لا نموذجاً، ولابد لكل ما أقدّمه أن يكون منتمياً لي بوعي، أم من دون وعي.
* روايتك المهمة " الرجع البعيد " فلتت من الرقيب بعد أن جازفت بنشرها في بيروت، ثم دخلت العراق لاحقاً في أوائل أيام الحرب العراقية – الإيرانية. هل لك أن تتحدث لنا الآن عن وجه الإدانة لما فعله النظام السابق من قتل، وتغييب، وهتك، وتدمير للعراقيين، وخصوصاً أن هذه الإدانة فنية، بعيدة عن الشعارات والزعيق السياسي الصارخ؟
- خضعت " الرجع البعيد " للرقابة، وقد رفضها الرقيب الحزبي، فاضطررت للسفر مرتين إلى بيروت خلال الحرب لطبعها والإشراف على تصحيحها. كانت تلك معاناة من نوع خاص كنت في غنى عنها. والغريب أن دخول الرواية إلى العراق كان سهلاً ومن دون تعقيدات.
* أجلّتَ نشر روايتك الأولى " بصقة في وجه الحياة " قرابة " 52 " سنة، هل جاء هذا التأجيل لأن الرواية تتحدى التابو الجنسي وتتعاطى مع فكرة " سفاح المحارم " أم أن هناك أسباباً أخرى ورد بعضها في تقديمك للرواية التي وصفتها ظلماً بأنها " ثمرة فجة قُطفت قبل أوانها " في حين أن الرواية تكشف عن هاجس وجودي قوي " وتصفية لحسابات الذات المرتبكة "، ولغة متوهجة في الكثير من مواضع النص؟
- لم يكن المجتمع العراقي في أواخر الأربعينات يتحمل أو يطيق عملاً من نوع " بصقة في وجه الحياة "، ولم يكن باستطاعتي، في سني آنذاك، أن أنشر تلك القصة. لا تنسى أن حسين مردان حوكم على نشره " قصائد عارية " وسُجن ستة أشهر بحكم من محكمة جزاء بغداد. " بصقة في وجه الحياة " كانت أخطر بكثير من قصائد حسين، ولم يكن أمامي إلا المحاكمة إذا نجحت في نشرها. وبسبب أنني كنت في السنة الثالثة من دراستي الجامعية، وكان وضعي العائلي معقداً، لم أستطع أن أغامر بنشرها وأقضي على مستقبلي. إضافة لذلك، فقد كان بإمكاننا، أنا والرواية، أن ننتظر الوقت المناسب، وقد جاء بعد أن طال كثيراً.
* في أغلب حواراتك الصحفية تتحدث عما يشبه الثالوث المؤلف من " الحرية الداخلية، والطاقة الكتابية، والرؤية الفنية " هذا الثالوث الذي يساعدك دائماً في كتابة نص مختلف لا ينتمي إلى السائد والمكرور من النتاجات القصصية والروائية. ما صحة هذه المقاربة النقدية؟
- أعتقد أن هذه المقولات ضرورية لكل كاتب مخلص يريد أن يقدّم عملاً متميزاً هو صدى لا خلاصة، ومن خلال تجربتي وجدت أن فقدان أحد هذه المقولات يهبط بالعمل الأدبي، بل قد لا يؤدي إلى استكماله، فهذه المقولات مرتبطة ببعضها ارتباطاً يكاد يكون ارتباط السبب بالنتيجة، فالحرية الداخلية تطلق الطاقة الكتابية من عقالها فتمسك بها الرؤية الفنية لتوجهها الوجهة الصحيحة المطلوبة.
* غالباً ما تصف اللحظة التنويرية التي تدفعك للشروع في الكتابة، سواء في القصة أو الرواية أو الحوارية، باللحظة الغامضة أو المبهمة أو المعقدة لأنك تغوص في الأعماق السفلى السوداء من ذاتك، وأناك العميقة، وباطنك الوجودي العصي من أجل استجلاء الرؤى الفنية والفكرية السابحة في السديم الأول أو الهيولي الذي لم تتحدد ماهيته بعد؟ ما صحة هذا التأويل في مقاربة فعل الكتابة لديك، وطقوسها إن كانت لديك طقوس محددة؟
- في الحقيقة تطرقت إلى وصف لعملية الاقتراب من الفعل الكتابي فقلت بأنني أشعر بأنني " مبتلع " من قبل فكرة طاغية مستبدة ترغمني على الجلوس والإمساك بالقلم والكتابة. هذا الابتلاع، هو في الواقع، الدخول في نفق مظلم لا أعرف نهايته بالضبط أحياناً، ولذلك أميل إلى تشبيهه، كما قلتَ، بالسديم أو الهيولي. إنها عملية غامضة وممتعة ومحاطة بالمعاناة.
* لماذا لم تُمثّل حوارياتك مثل " الصخرة " و " الكف "و " لعبة الأحلام " و " أوديب، الملك السعيد " و " الثمن الآخر "، هل لصعوبتها الأسلوبية، أم لأنها تجمع بين القصة والمسرحية، أم لأنها جنس ثالث أدبي ثالث يحمل خواصاً معينة؟
- أعتقد أنها تحتاج إلى مَن يعمل عليها ليجعلها صالحة للتمثيل، فأنا لست كاتباً مسرحياً، بل كاتب حوار. وكم بودي لو شاهدت إحدى هذه الحواريات تنجح على المسرح.
* في روايتك " بصقة في وجه الحياة " المُنجزة عام 1949، والمنشورة عام 2001 نهاية محبوكة، وقوية، لكنها تشي بتهرّب الكاتب من رسم النهاية الطبيعية لهذا اللقاء الحميمي ( الخارق للتابو الجنسي " الذي أفضى بالأب لأن يخنق ابنته فاطمة التي رفضت لأن تنصاع لغرائزه ونزواته المجنونة. فكان القتل هو المخرج الوحيد لحل هذه الإشكالية. هل تتفق مع هذا التأويل؟ وهل أن بنية هذه القصة الشائكة تعتمد بقدر أو بآخر على المعادل الموضوعي لقصة الشيخ الألحى الذي استباح ابنته، وأعترف بجريمته لحظة لقائها بعد عشرين يوماً؟
- هذا صحيح، وأنا أجد الأفكار الموجودة فيها مهلهلة وغير ثابتة الأساس، وكل ما أتذكره حين أكتبها، لأني كنت أحاول أن أبرز فكرة تدمير سبب الشعور بالعبودية لدى البطل.
* في مجموعتك الأخيرة " خزين اللامرئيات " الصادرة عام 2004 وفي هذه القصة بالذات التي تحمل المجموعة عنوانها ينتكس البطل عبد الرحمن بطريقة فنية توحي بأن القاص لا يريد له أن يتجاسد مع حبيبته السابقة خديجة، تماماً كما يتجه الأب في " بصقة في وجه الحياة " إلى خنق ابنته وقتلها كي لا يقع هذا الاتصال الجسدي، هل هذه حيلة فنية أم أن طبيعة الحدث القصصي تقتضي هذا النوع من المراوغة؟
- يخيّل لي أن عبد الرحمن في " خزين اللامرئيات " كان أقرب إلى العجز وعدم التوازن حين كانت فتاته تستسلم له بعيون حزينة. كان مملوكاً بالشفقة عليها آنذاك، ومع هذا الشعور يصير امتلاكها أمراً صعباً وبعيداً.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - صائد الأضواء - بين تطويع اللغة المقعّرة وكاريزما الممثل
- مسرحية - تداعيات صالح بن زغيّر - لرسول الصغير وهيمنة البُعد ...
- عصابة شاذة تختطف ثلاث نساء شمال أفريقيات من بروكسل، وتغتصبهن ...
- الفنان والمخرج صالح حسن: قراءة في طفولة الجسد، وتفكيك - شيفر ...
- الفيلم التسجيلي- غرفة التحكّم - لجيهان نُجيم والقراءة المحاي ...
- فيلم - جبّار - لجمال أمين وحكاية البطل التراجيدي الذي يقارع ...
- فيلم - غرفة التحكّم - لجيهان نُجيم: قناة - الجزيرة - محور ال ...
- مسرحيون عراقيون في لاهاي
- حوار الشرق والغرب: المسلمون بين الأصولية والاندماج
- التطرّف الإسلامي يخترق قلعة التسامح في هولندا
- ضوء- بيار سلّوم والنهاية المفجعة التي تشيع اليأس لدى المتلقي ...
- فيلم - رشيدة - للمخرجة الجزائرية يامينا شويخ وآلية التعاطي م ...
- فاقد الصلاحية - للمخرج العراقي رسول الصغير ثيمة غربية ساخنة ...
- فوز الكاتبة، وعضوة البرلمان الهولندي أيان هيرسي علي - من أصل ...
- زنّار النار - لبهيج حجيج: هذيان، وقلق، ولهاث خلف حلمٍ متوارٍ ...
- فيلم - خضوع - يفضي إلى اغتيال مخرجه الهولندي ثيّو فان خوخ عل ...
- طيّارة من ورق - لرندة الشهّال جماليات الخطاب البصري، وتفكيك ...
- فيلم - زائر - لبسام الذوادي بين بنية التخاطر والنهاية الرمزي ...
- باب العرش - لمختار العجيمي- الشريط الذي ترقّبه الجمهور التون ...
- فوق كفِّ امرأة - لفاطمة ناعوت: خدع فنية، ومتاهات نصِّية حافل ...


المزيد.....




- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - القاص والروائي العراقي فؤاد التكرلي: الكتابة عملية غامضة وممتعة ومُحاطة بالمعاناة