أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شوقية عروق منصور - قصة قصيرة .. الأسنان الباكية ..














المزيد.....

قصة قصيرة .. الأسنان الباكية ..


شوقية عروق منصور

الحوار المتمدن-العدد: 3679 - 2012 / 3 / 26 - 21:46
المحور: الادب والفن
    


مرتب، نظيف، أسنانه "صفين من اللولي"- على رأي عبد الوهاب في أغنيته الشهيرة. حذاؤه يلمع لدرجة منافسة المرايا المعلقة على الجدران. ما أن يخرج من البيت حتى يشعرن انه سحب الاختناق، والنوافذ تفتح وتتسلق أشعة الشمس والهواء النقي.
- أف... جبل وانزاح عن ظهرنا...! ما أن تسمع الأم كلام بناتها حتى تجن، لكن جنونها يتدفق رفضاً:
- عيب عليكو.. هذا أخوكم الكبير.. بدو يلمكو بعد ما خربت اخلاقكو.. فيقاطعوها بحزم..!
- لا .. إحنا ما خربنا.. هو اللي خرب في السجن.. مفكر كل البنات دايرات على حل شعرهن.. بعرفش انو الحياة تغيرت... عشر سنوات بغيروا الأنبياء...!
صورة يومية تتدفق حين يخرج الأخ من البيت إلى المقهى، حيث يكنّ في حالة تكوم. يلتصقن بعضهن ببعض حتى يخرج، فيشعرن بتكسر القيود والسلاسل. ينفضن غبار السكوت، ويصرخن. يفتحن التلفزيون، يرقصن، يغنين، يحضن صور المطربين الرجال, الذين يشكلون في عالمهن المنفذ الوحيد لرؤية الرجل الرقيق، القادر على تحريك بحيرات الأنوثة النائمة. الأم تؤكد انه لم يكن شقيقهن كذلك، هن لم يعرفنه جيداً. سنوات طويلة وهو في السجن، كانت صورته أمامهن تحمل رائحة البطولة المخفية تحت قميص ابيض، وعضلات تكاد تبرز من تحت الأكمام، وصدر يتحدى مراهقة السنوات التي غمرت ضحكته العابثة، التي مسحها ظلام السجن. من خلف القضبان، من بعيد تتسلل ملامح الغائب، البطل الذي تكللت جبهته في طعن جندي إسرائيلي في سوق البلدة. لم يمت الجندي، لكن هن متن تحت عجلات نشرات الأخبار, التي صورته كأنه الشيطان الذي قبض روحاً بريئة، والبطل الذي تصدر الإعجاب وانحنت الأعناق لجرأته وبسالته، وعلقت صوره على الحيطان، وذكره بعض الخطباء في خطبهم العصماء. لكن ذابت الصور بعد ذلك وتمزقت عن الجدران, ولم يعد اسمه يذكره احد. مات والدهن نتيجة مرض الم به، وبقيت البنات مع الأخ الأصغر يعانين الفقر والذل، والأم تعمل خادمة في احد بيوت المستوطنة القريبة، والتي أشفقت عليها ربة البيت اليهودية القادمة من روسيا، رغم أن الابن في السجن قد طلب من والدته الابتعاد عن العمل في المستوطنة. لكن ماذا تفعل؟ لا حيلة..! من أين تطعم البنات والراتب الذي تتلقاه من إحدى المؤسسات للمساعدة لا يكفي ثمن الخبز الحاف؟! والدة حولتهم إلى رهائن في قبضة الأخ الكبير. في زيارتها له تحكي له عن مشاكلهن وقصصهن، ومدارسهن. البنات الأربع والأخ الأصغر الذي لم يستطع الهرب من قبضة البنات، الذي أصبح في جيوبهن، انه ليس برجل... وتنعته الأم قائلة: هذا رجل كرسي أحسن منه.... هذاك بس البطل اللي في السجن..!!
في السجن كانت السنوات تركض والبنات يكبرن. البطل يركض مكانه، وهن يركضن في الحياة التي تدفعهن للخروج، والعمل. خرج بعد انتهاء فترة الحكم، ومع خروجه دخلن السجن. انه يتصرف معهن كأنه يعيش في زنزانة، هو خرج منها وهن دخلن الزنزانة. ممنوع العمل, ممنوع الخروج إلى الشارع، ممنوع الذهاب إلى أي مكان..! كل صديقة هي فاسدة، كل جارة هي الطريق إلى الرذيلة. أجبرهن على دخول كيس اسود لا تظهر منه الا العيون، حتى لا يراهن أحد.
رجع من المقهى، جلس لوحده أمام التلفزيون الذي نقله إلى غرفته الخاصة. انه يعشق المسلسل التركي، ويعشق بطلة المسلسل، تلك المرأة الجميلة، الجذابة والتي قال لأمه انه مستعد "يبيع فلسطين لأجلها"....! الأخوات في الغرفة المجاورة يسمعن حوار المسلسل دون رؤية الشاشة. يتخيلن أشكال الأبطال والبطلات. لم يعد بلاط البيت يتحمل العد. كل يوم يقمن بالعد، حتى سئمن الجدران. وجدن الحل... ذهبت الأخت الكبرى إلى بيت احد العملاء، همست في أذنه أن شقيقها سيقوم بخطف جندي وقد سمعته وهو يتكلم مع أحدهم. انه يرصد حركة الجنود وهو جالس في المقهى، يراقب ويخطط وينتظر لحظة التنفيذ.
داهم الجيش البيت. اعتقلوا الأخ. لم يسمعوا صوته, وهو يؤكد انه بريء وانه إنسان في حاله.. يذهب إلى المقهى، يقضي وقته في مشاهدة التلفزيون.. لم يعد يفكر في شيء، سوى تربية أخواته البنات. أنه يراقب حركاتهن, ويرصد أحلامهن. حكمت المحكمة عليه بالسجن عشر سنوات. الأخوات تنفسن الصعداء. سيشاهدن عشرات المسلسلات التركية, والأم بكت أمام المرأة الروسية التي تسكن في المستوطنة. وبعد أن شفقت عليها، قالت لها إنها ستساعدها بإقناع الجارة أو المستوطنة الجديدة، القادمة من فرنسا بأن تعمل عندها، وهكذا سيزيد راتبها..!!



#شوقية_عروق_منصور (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رقبة خادم الحرمين في جيب القاضي سليم
- ذاكرة الحقيبة الفارغة
- قصة قصيرة ... أنا وغولدا مائير تحت المطر
- الجزر الفلسطيني والسرير المباركي
- رجل العام -بوعزيزي- بدون نار ولا عربة خضار .
- شاليط في رام الله
- انزع رأسك أيها العربي
- قصة قصيرة .. فوق البيعة .. شوقية عروق منصور
- علياء والوليد بن طلال
- الزوجة تتحدث من مالطة ...
- بقايا نشارة خشب ..
- الجد نوبل والأم توكل والابن الضائع ستيف
- قصة قصيرة .. التصريح والأفعى ..
- ليلة ابو عبد الله الكبير
- بحثت عن طارق فوجدت قبيلة من القرود
- قصة قصيرة ..امرأة من تمر هندي ..
- قصة قصيرة .. سوار تحمل حزاماً ناسفاً .. شوقية عروق منصور
- الفاجومي يدخل الحكاية
- سرير يوسف هيكل
- تجبير قدم التاريخ المكسورة ..!


المزيد.....




- حين أكل الهولنديون -رئيس وزرائهم-.. القصة المروّعة ليوهان دي ...
- تكريم الإبداع والنهضة الثقافية بإطلاق جائزة الشيخ يوسف بن عي ...
- أهمية الروايات والوثائق التاريخية في حفظ الموروث المقدسي
- -خطر على الفن المصري-.. أشرف زكي يجدد رفضه مشاركة المؤثرين ف ...
- هل يحب أطفالك الحيوانات؟ أفلام عائلية أبطالها الرئيسيين ليسو ...
- أحمد عايد: الشللية المخيفة باتت تحكم الوسط الثقافي المصري
- مهرجان -شدوا الرحال- رحلة معرفية للناشئة من الأردن إلى القدس ...
- لغز الإمبراطورية البريطانية.. الإمبريالية مظهر للتأزم لا للق ...
- لغز الإمبراطورية البريطانية.. الإمبريالية مظهر للتأزم لا للق ...
- وصمة الدم... لا الطُهر قصة قصيرة من الأدب النسوي


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شوقية عروق منصور - قصة قصيرة .. الأسنان الباكية ..