|
فيما نقمت الامة على عثمان بن عفان
عمر ياسين
الحوار المتمدن-العدد: 3677 - 2012 / 3 / 24 - 18:14
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
اختارت هيئة الشورى من بين أعضائها عثمان بن عفان ,لِيخلف عمر بن الخطاب بعد قبوله البيعةعلى العمل بكتاب الله وسنة رسوله ونهج الشيخين في الحكم ، وكان عليّ قد رفض البيعة على هذا الشرط حين عرضه عليه عبد الرحمن بن عوف – ممثل هيئة الشورى -وقال : بل اعملُ بكتاب الله وسنة رسوله واجتهاد رأيي . كان عثمان سمحاً جواداً ليناً ، وله من الصحبة مع - رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - والسبق في الاسلام ، وما منحه له الرسول بالمصاهره ،وبذله من امواله في سبيل الله ، موقفاً متميزاً بين الصحابه ، لكن المتتبع لسيرته في عهد الرسول وعهد الخليفتين من بعده ، يرى انه لم يكن لعثمان اي دور في ممارسة العمل السياسي او الاجتماعي او أي شأنٍ من شؤون الامة ، إلا ما كان من حضوره لقاءات اهل الشورى للنظر في الامور الطارئة احياناً . وقد وجد بني امية في انتمائه لهم نقاط ضعف ، نفذوا منها لتحقيق اطماعهم وطموحهم في السلطة ، فأسْلَس لهم القياد ، وصدر في كثير من أمور الدولة عن مشورتهم ورأيهم ، مما اتاح لهم البدء في تأسيس ملكهم واقامة لبناته الاولى ، ممثلة في ولاية الشام التي كان يحكمها معاوية بشكل مستقل عن مركز الخلافة . والشواهد من التاريخ كثيرة ، تلك التي تَشِي بأطماع بني أمية في الاستيلاء على السلطة واحياء مجدهم الذي نعموا به طويلا قبل الدعوة الاسلامية ، فقد كانت لهم قيادة مكة قبل الاسلام , ممثلة بأبي سفيان قائد حربها وحامل لوائها في قتالها ضد الاسلام وأهله ، ولم تَخْبو جذوة هذا العداء الا بعد فتح مكة واستكانة اهلها لسطوة الاسلام وسيفه , ومنهم ابو سفيان وولديه معاوية ويزيد , الذين جعل لهم الرسول حصة من الفيئ الذي نفله للمؤلفة قلوبهم من زعماء مكة والقبائل الأخرى. كان في سلوك ابي سفيان بعد اسلامه الكثير من المواقف التي تنبئ عن رقةٍ في ايمانه ، وتمسكه بالعصبية القبلية ، وحنينه الى مجد بني امية الغابر ، فبعد وفاة الرسول (صلى الله عليه آله وسلم) واختلاف المسلمين حول خلافته ، برز دوره في تأليب علي والعباس على عدم القبول باستخلاف ابي بكر وحضّهم على قتاله ومن معه ، مبديا استعداده لملئ الارض على مناوئيهم خيلا ورِجْلا ، ومتمثلا في تحريضهم بقول الشاعر : ولا يقيم على خسف ألمَّ به إلا الأذلان عير الحي والوتد وأدرك علي بن ابي طالب غايته في التحريض فقال له ( والله ما عَلِمْتُكَ تضمر للأسلام والمسلمين خيراً ، وما أردت إلّا الفتنة بقولك هذا ) . ويُروى عن عمار ابن ياسر ، بأنه لما ولي عثمان الخلافة اجتمع بنو امية ، فدخل اليهم ابو سفيان وكان قد كُفّ بصره ، فسألهم ( أفيكمْ أحدٌ من غيركم ؟ قالوا : لا ، فقال : يا بني امية تلقفوها تلقف الكرة ، فوالذي يحلف به ابو سفيان ، ما زلت ارجوها لكم ، ولتصيرنّ إلى صبيانكم وراثة ) اضافة الى هذه المواقف الدّالةِ على ضعف ايمان ابي سفيان زعيم مكة السابق ورأس بني امية ، فهو لم يغفل يوما عن السعي لإعادة مجد بني امية البائد في مقابل بني هاشم الذين اكرمهم الله بنبي من انفسهم ، ولم تكن لديه الجرأة على البوح بما يُضمر ويسعى اليه ، إلا بعد مقتل عمر بن الخطاب وتولي عثمان الخلافة من بعده ، حيث لاحت لأبي سفيان سانحة من الحال عزت عليه زمنا طويلا ، فتلقاها بالاعلان عما يُضمر دون مواربة او تحرُّز ، ودعى قومه الى بذل كل جهد لتطويع العقيدة واستغلال قوتها وعظمتها لتحقيق ملك بني امية في اطراف الارض . كان للسياسات التي احدثها الخليفة الثالث عثمان بن عفان ، اثرها الكبير على نظام الحكم الاسلامي ، ومبادئه الاساسية التي اقرها النص ، وَوُضعت لها القواعد والأسس في العهد الاول من حياة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعهد الخليفتين من بعده ، وظل الكتاب والسنة هما الاصل والمرتكز في اقامة النظام وبناء النظرية الاسلامية في الحكم ، المتطابقة مع الشريعه ومقاصدها ، وما كان من اجتهاد جاء به الخليفة الثاني ، لمواجهة أمورٍ طارئةٍ في سياسة تتعلق ببناء الدولة وحاجاتها ، فقد انبثق عن المبادئ التي جاءت بها الشريعة لتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة في المجتمع ، وضمان حرية الفرد وأمنه ، وتقديم مصلحة الامة على مصلحة الفرد في العموميات ، فإن استجاب الاجتهاد لتحقيق القصد جرى العمل به وتأصيل قواعده ، وان تبدّى فيه من الثغرات ما يوجب التعديل او الاستبدال اُعلن عنها ، كي يكون للناس رأيهم ومشاركتهم في تحديد البديل الأمثل . وقد اثبت الاخذ بهذه الأسس والقواعد في العهدين الاول والثاني من الخلافة ، صِدْقِية القصد وتحقيق أهدافه المتطابقة مع الشريعة سياسيا واجتماعيا - إلا ما نتج عن تطبيق نظام التفاضل في العطاء بين افراد الامة – وقد أقرّ الخليفة الثاني بما كان لهذا النظام من آثار سلبية حافت على جوانب هامة في منظومة العدل الاجتماعي ، فأعلن عن عدم صلاحه، وقرر العودة الى النظام الاول في العطاء . وبالعودة الى ما إسْتُحدث فيعهد الخليفة الثالثومقارنته بسيرة من سبقه ,والإلتزام بالعهد في العمل بنص البيعة فأننا نجد في الواقع الممارس ، انفصاما شاملا في كافة المجالات السياسية والاجتماعية التي سار عليها الخليفة وولاته في الامصار ، مخالفا بذلك القواعد والاسس التي ارساها من سبقه من الخلفاء . ولايستطيع أحد أن ينكرعلىالخليفة حقه في الاجتهاد برأيه ، لو كان لِلإجتهاد الذي إسْتُحدِث في عهده ما يبرره من الاخذ بمصالح الأمة وكيانها ومقاصد شريعتها ، فهذا حق لكل إمام او حاكم يقود الامة ، لكن هذا الحق يظل مشروطا بالالتزام بمقاصد النص وادراك مصلحة المجتمع ، ومبدأ الشورى ، ما امكن ذلك . ومن العدل والايمان والتحرُّز ، نرى لزاما علينا ان نؤكد قبل استعراض بعض ما جرى العمل به ، في عهد الخليفة الثالث من مخالفته لسيرة الشيخين ، وتناقضه مع مصالح الامة ، وتأسيسه لنظام حكم اسلامي بديل ، ان نُقرّ بأن بطانة الخليفة ، وضعف إيمان بعضها , وطموحها في تحقيق مصالحها الخاصة ، وانقياد بعضها لنزعة الجاهلية الاولى ، وسعيها لإستعادة مجدها الغابر ، قد وجدت في شخصية الخليفة السمحه وطيبته ووقاره ، واجتنابه العمل السياسي والاجتماعي طيلة الفترة التي سبقت توليه الخلافة ، غطاءً لها ومدخلا لتحقيق اهدافها وإستئثارها دونه بالرأي والقرار ، حتى اصبح لا يقطع بأمر او يُقرّ قراراً يخص الدولة وشؤونها دون العودة الى بطانته او من يقوم مقامها في مركز الخلافة . وبمقدار ما كانت تُحققه هذه البطانة من إفساد في بُنية الدولة والمجتمع ، كانت تحوز على أنصار يُمالئوُنها ويعملون على تحقيق اهدافها وغاياتها ، لتكون لهم الإثرة في مشاركتها مكاسب السلطة ومنافعها ، وكان جُلّ هؤلاء من الامصار البعيدة عن مركز الخلافة ، واتسعت دائرة الاستقطاب لتشمل غير هؤلاء بعض الصحابة والتابعين ، وذلك حين أوْحَت بطانة الخليفة له ، بإلغاء ما اقَرّه الخليفة الثاني من إبقاء أرض الصوافي والسواد ، في العراق والشام ملكاً لْبيت المال حيث تجاوز دخلها خمس مائة مليون درهم في كل عام ، تعود المنفعة منها للامة جمعاء ، فيما يَنُوبها ويجعل للفقراء والمحتاجين حظاً وعوناً لهم في أمورهم المعيشية ، بما يحقق العدالة الاجتماعية ويكفل لهم حياة كريمة ، وقد نتج عن هذا الإلغاء (بيعا واقطاعاواستبدالا ) تكوين طبقة اجتماعية فاحشة الثراء ، من كبار الصحابة والولاة ، تليها طبقة اخرى من زعماء الأمصار وقادتها ، ممن آثروا دُنياهم على دِينهم ، وأتباعهم على بقية الامة ، ومن بين هؤلاء جميعا تَفَرّد بنو امية بالحصة الاكبر من الغنيمة والإقطاع وبالعودة الى التناقض في الاُسس والمبادئ التي قام عليها الحكم في عهد الخليفة الثالث عن سابقيه ، نرى ان ما حدث في خلافته كان الأصل في التأسيس والمنطلق لما تَلاه من فِتَن وإبتلاء أصاب الأمة في أنفسها وأموالها ونسلها ومقاصد عقيدتها . في الفتنة وما نقم عليه الناس . 1- أن الفتنة في جوهرها تمثلت في إستيلاء بني أمية على الحكم بالتفافهم حول الخليفة الثالث ، وإنقياده لهم لتحقيق هذا الهدف . 2- ان ملامح السيطرة إبتدأت باستبدال ولاة الامصارالسابقين وتولية رجالات بني امية مكانهم . 3- تعطيل مرجعية نظام الشورى الذي كان مُتّبعاً في العهدين السابقين للنظر في شؤون الامة واتخاذ القرارات من قبل من بقي من اعضاء هيئة الشورى التي جاءت بعثمان خليفة . 4- إعادته لعمه الحكم بن العاص طريد رسول الله الى المدينه و الذي سبق ان رفض الخليفتين ابا بكر وعمر عودته اليها قائلين ، لن نعيد من طرده رسول الله . 5- استئثار بطانته بالرأي والمشورة من خلال تزين رغباتها للخليفة بما يوطد نهجها وسلطانها في الحكم ، فاتخذ الخليفة من مروان بن الحكم مرجعية لسياسته في شؤون الدولة ، ومن كعب الاحبار ومن يماثله مرجعية دينية . 6- استفراد ولاته بالحكم دونه في الامصار والولايات بعيدا عن رقابة المركز ،والإستهانة بالرأي الاخر وتسفيه رأي المعارضة فيما يخصّ سلوك الولاة وفسادهم 7- نقض العمل بقرار ابن الخطاب في ملكية الدولة للصوافي والسّواد وا ، وبيعها للأثرياء من الصحابة والولاة والتابعين لهم او مقايضتها بأرض لهم في الجزيرة واليمن . 8- التصرف في بيت مال المسلمين بما يراه وينوبه ، وتطبيق ولاته لهذه القاعدة في ولاياتهم . 9- تولية الامصار لبعض المفسدين والفاسقين بنص الكتاب فيهم ، والثابت من حديث رسول الله عنهم ، على علم من الأمة بذلك . 10- نفيه وقمعه للمعارضة ، ان جاءوا بما يخالف رأي بطانته واهوائهم ، ولو كانوا من كبار الصحابة (أبا ذر الغفاري وعمار ابن ياسر وعبدالله بن مسعود وغيرهم..) 11- رفضه لمطالب المعارضين له من الامصار بعزل الفاسدين من بطانته وولاته ، وتولية غيرهم من الأتقى والاكفئ والاعدل من رجالات الامة . 12- دعوة ولاته من امصارهم والاخذ بأرائهم في مواجهة معارضيه ، والتنكيل بهم واشغالهم في امور تباعدهم عما يعانون من ظلم واستبداد وافساد ولاتهم . هذا في عمومياتِ ما نقم الثائرون على عثمان ، أما في تفصيل بعض هذه المآخذ نرى الأخذ ببعضها لتوضيح أهميتها. ثبت بأن مروان ابن الحكم تصرف برأيه في أدق الامور وأشدها خطرا على الامة , فحين اُلقي القبض على رسول الخليفةوهو في طريقه الي مصر، كان يحمل رسالة ممهورة بخاتم الخلافة الى الوالي يأمره فيه بالتنكيل بزعماء المعارضة وقتل بعضهم بعد أن وعدهم الخليفة بتلبية مطالبهم . وقد أقسم عثمان ابن عفان انه لم يكتب لواليه على مصر بشأنهم شيئا ، وعليه فليس غير مروان ابن الحكم حامل ختم الخليفة هو من فعل هذا ، فلم يعاقبه عثمان ,وَلَم يجد في هذا الجرم العظيم من الإفساد في الارض ، ما يُوجب علي مروان القصاص ، ويدرءُ بعضاً من الفتنة ويكون المدخل الى الاصلاح. ** استئثار رجالات بني امية بولاية الامصار والولايات ،فكانت ولاية الكوفه للوليد بن عقبة بن معيط ، وولاية البصره لعبدالله بن عامر بن كريز ، وولاية مصر لعبد الله بن سرح ، وولاية الشام لمعاويه بن ابي سفيان ، واستبدل على الكوفة سعيد ابن العاص بدلا من الوليد بن عقبة ، وولاية سجستان لعبد الرحمن ابن سمرة بن عبد شمس وجميعهم من بني اميه **كان الوليد ابن عقبه فاسقاً يشرب الخمر ، وقد شهد عليه جمع من اهل الكوفه بانه أمّهُم في صلاة الصبح وهو مخمور و زادهم في الصلاة وثبتت عليه المعصيه ، فأقيم عليه الحدّ في المدينه على يد علي بن ابي طالب وكُرهٍ من عثمان . وكان رسول الله قد بعث الوليد على صدقات بني المُصطلق ، فلما سمعوا به خرجوا لاستقباله فرحاً ، فلما رآهم رجع الى المدينة وأبلغ النبي انهم لقوه بالسلاح ومنعوه الصَدَقه ، فهمّ رسول الله صلى الله عليهوآله وسلم ان يبعث اليهم بعثاً لتأديبهم ، فلما علموا به قدموا على النبي وقالوا سَلْهُ ، هل نَاطقْنَا او كَلّمنا ، فتبيّن للرسول صدقهم، وانزل الله في الوليد آية من القرآن ((يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبينوا ان تُصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)) . **وحين اُكره الخليفة على عزل الوليد ابن عقبة استبدله بسعيد بن العاص ، وكأنّ الامة خلت من القادة الاتقياء الأكِفْاء ولم يبقى لها من يَلي أمرهاإلا في بني امية ، وكان من أمره أنه اظهر إحترازه أن يقف على منبر علاه من قبله الوليد إلا بعد غسله وتطهيره من رجس سلفه ، ليُظهرَ للناس مخالفته لسيرته ، ولكنه ما ان تمكن له الامر حتى استَبَدّبأموال الامة ، وأخذ يردد في مجالسه بأن السّوادَ بستان قريش ، فتصدى له الأشتر بن مالك النخعي في جمع من قومه وقال له ، اتجعل ما أفاء الله علينا بسيوفنا ومراكز رماحنا بستاناً لك ولقومك ، وثار عليه القوم فكتب سعيد الى عثمان بأمرهم , فأمره بتسير زعمائهم الى معاويه ليرى رأيه فيهم ، فأجتمعوا اليه فعَنّفَهُم وتوعدّهم فردوا عليه رداً قاسياً .....، وعابوه وطلبوا اليه ان يعتزل فأن في الامة خيرٌ منه ، وتلاحَوْا حتى وثبوا عليه .....، فأخرجهم وكتب الى عثمان فيهم ((اما بعد يا امير المؤمنين فأنك بعثت اليّ اقواماً يتكلمونبألسنة الشياطين وما يُمْلون عليهم ، وليس كل الناس يعلم ما يريدون ...... ، وإنما يريدون الفرقة للمسلمين ، وقد افسدوا كثيراً من الناس ، ممن كانوا بينهم ، ولست أمن إن اقاموا في وسط اهل الشام أن يغروهم بسحرهم ووفجورهم ، فرُدّهم الى مصرهم الذي نجم فيه نفاقهم )) إن قراءة عاجلة لألفاظ رسالة معاوية الى الخليفة تُبيّن خلوها من ايّ مضامين سياسية او اجتماعية اشتمل عليها الحوار الذي دار بين معاويه والمنفيين اليه من الكوفة ، ذلك ان الهدف الاساس للسياسة الاموية كان الترغيب والترهيب في التبعية او المعارضة ، وليس اقدر من معاوية على هذا ، فهو مرجعية الخليفة في الامور السياسية للأمة ، وهذا ما يؤكده ترحيل اطياف المعارضة - غالباً – الى دمشق بدءاً, للقاء كاهن السياسة الاموية ،ومن ثم اعلان الحكم على افرادها وتبليغ الخليفة بفحواه ،فرد عليه عثمان بالموافقة . وما لبث سعيد ابن العاص أن عاود الكتابة الى عثمان في امرهم ، فكتب اليهم عثمان بالمسير الى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد في حمص ،ومماقال لهم في الكتاب (أنكم لستم تألون الاسلام واهله إلا شراً )فقال الاشتر حين ورده كتابعثمان(اللهم اسوأنا نظراً للرعية وأعجلنا فيهم بالمعصية فعجل له النقمه). **واما عبدالله بن سعد ابن ابي سرح وهو أخٌلعثمان في الرضاعة ، فقد ولاه عثمان ابن عفان ولاية مصر ، وكان قد اسلم وكتب الوحي للنبي ، فربما املى عليه رسول الله ( سميع عليم ) فيكتب هو (عليم حكيم )، فيقره الرسول ،فإفتتن عبد الله وقال هذا الذي كتبت يوحى اليّ كما يوحى الى محمد ، ثم ارتد وهرب من المدينة الى مكة ، فأهدر رسول ( الله صلى الله عليه وآله وسلم) دمه يوم الفتح ، فجاء الى عثمان مستجيرا ومقراً بجرمه يستعطفه بأن يشفع له عند الرسول ، فلما جاء به اليه اعرض عنه رسول الله اكثر من مرة ، ارادة ان يقوم اليه احد من المسلمين فيضرب عنقه ، ثم قبل شفاعة عثمان به ، ولما خرجا من عنده قال لمن حوله: لَمَ لَمْ يقم احدكم فيضرب عنق هذا الفاسق ؟ وظل بعدها يفرُ من النبي كلما رأه . في الخلاف بين عثمان وابا ذر كان ابو ذر من اكثر الناس اختلافاً مع عثمان ، وهو من قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( ما اظلت الخضراء ولا أقلّت الغبراء اصدق لهجة من ابي ذر ) وكان حنيفيا موحدا ، عبد الله قبل الوحي بثلاث سنوات ، ولمعرفة رسول الله بصدق ايمانه وجرأته في قول الحق ، قال فيه صلى الله عليه وآله وسلم ( يا ابا ذر تعيش وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك ) وهو خامس من آمن بالاسلام ، اما عن سعة علمه فقال عنه الامام علي ( إن أبا ذر وَعَى عِلماً عَجِزَ عنه الناس ثم أوكأ عليه فلم يخرج منه شيئاً ) فهو حامل لواء العدالة الاجتماعية ، المنافح عنها بكل جهد وطاقة مُستطاعة ، يُفتي في المدينة للناس بما يؤمن به ، ويَجْبه الخليفة برأيه ، بمن يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله من طبقة الاثرياء الجدد ويجادله ومن معه بأن الزكاة في الاموال إن هي إلا بعضا مما يتوجب عليهم ، وهي واحدة من سبعة مصارف أوجَبَها الله للفقراء على الاغنياء بحسب النص المقدس ( ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الاخر والملائكة والنبين وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب ). وكذلك فيما يتعلق بحق الخليفة في بيت المال والتصرف فيه برأيه وما ينوبه ، فبينما كان عثمان يرى بأن له الحق في التصرف في فضول الاموال بما يشاء ، عطاءً واقطاعاً كونه خليفة الله وان المال مال الله ، كان ابو ذر يرى بأن المال مال المسلمين وما للخليفة فيه إلا كأحد من رعيته ، وبهذا اتسعت دائرة الخلاف والشقاق بين ابي ذر والخليفة وولاته ومن والاهم . فأمره عثمان بأن لا يحدث الناس في مسجد رسول الله ليلجم صوته عن القول ، ولما لم يلتزم بالامر نفاه عن المدينة ، وقال له غيّب وجهك عني فقد آذيتنا ، فاختار الذهاب الى الشام ، وكانت اوضاعها في عهد معاوية اكثر ملائمة لأبي ذر في دعوته من المدينة ، فقد فشا فيها الثراء وازداد الفقراء فقراً واستباح معاوية بيت المال يتصرف فيه بهواه كما يشاء ، فتصدى لمعاوية ، ثم اخذ يطوف في المدينة ويدعوا الاغنياء لمواساة الفقراء وبأن لهؤلاء حقاً فيما يملكون ، ويصرخ في منتدياتهم مستعيراً من النص ( بشر الذين يكنزون الذهب والفضة بمكاوي من نار تكوى بها جبابهم وظهورهم وجنوبهم في نار جهنم ) فتبعه الفقراء وحقد عليه الاغنياء ، وكاد يفسد الناس على معاوية. فكتب معاوية الى عثمان يحذره من استقطاب ابي ذر لحشود الفقراء وبأنه سيفسد اهل الشام عليه ، طالبا منه ارجاعه الى المدينة ، فاُرجع اليها على اسوأ حال . ولم يثنه الوعيد الذي تلقاه من الخليفة مرة في المدينة واخرى من معاويه في الشام عن متابعة التصدي لسياستهما ، حتى ضاق عثمان به ذرعاً ، فطلب اليه مغادرة المدينة مرة اخرى ، واختار له ( الربذه ) وهي موقع على بُعد ثلاثة اميال عن المدينة خالية من الناس إلا قليل ، فأقام بها حتى وافته المنيه ، وتولى دفنه ركب من الناس فيهم عبدالله بن مسعود ، وكان في هذه النهاية مصداقا لنبؤة رسول الله فيه ( تعيش وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك) في ضعف الخليفة وحزم الولاة لم يكن ما يَقَعُ في ولاية ما ، بخفيٍّ على الولايات الاخرى أو المدينة مركز الخلافة ، ذلك ان موسم الحج اصبح منتدى لوفود الولايات والامصار ، يَعْرضُ فيه كل وفد من الوفود على غيره ما يلاقونه من عسفٍ واستبداد ، واستئثار بني امية عليهم في حقوقهم وتعديهم حدود الله . وكانوا يبثون شكواهم لصحابة رسول الله المقيمين بالمدينة ، ويطلبون منهم التوسط لدى الخليفة ليرفع عنهم الجور ويستبدل ولاته عليهم ، ويعزل بطانته ومن حوله من بني امية , وما زالوا في امرهم هذا حتى ضاقت بهم السُبل ، ولم يجدوا من يغيثهم . ولم تُجدهم وساطة الصحابة شيئاً ، فقد بدى الخليفة لهم فاقداً للرأي والقرار ، فبلغت النقمة عليه أقصىاها , ولم يجد الخليفة مخرجاً مما هو فيه غير استدعاء ولاته للتشاورفي الأمر ، ولنا في مقولة كل منهم اوضح دليل على صدقية المعارضة فيما نقموا على الخليفة من فساد ولاته ، واستبدادهم واصرارهم على التَمسُك بنهجهم واستئثار بني امية بالسلطة ، كما تبدّى ضعف الخليفة وعجزه واضحاً في ركونه لمجموع الآراء دون ترجيح رأي على غيره ، وموافقة كل منهم على الأخذ بما يراه في ولايته . وينقل الينا المسعودي في مروج الذهب وابن سعد في الطبقات الكبرى ، نص ما قاله المجتمعون : قال عبد الله بن عامر : أرى ان تأمرهم بجهادٍ يُشغلهم عنك ، وأن تُجَمّرهُم في المغازي حتى يذلوا لك ، فلا يكون همة أحدهم إلا نفسه ، وما هو فيه من دبر دابته وقمل فروته . وقال سعيد بن العاص : إحسم عنك الداء ، واقطع الذي تخاف ، فلكل قوم قاده متى تَهْلكْ يتفرقوا ولا يجتمع لهم شمل . قال معاوية : أرى ان ترد عمالك على ما قِبَلهُم ، وانا ضامن لك ما قِبَلي . وقال عبدالله بن سعد : ارى الناس أهل طمع ، فاعطهم من هذا المال تَتَعَطّف عليك قلوبهم . وقال عمرو بن العاص : ارى انكركبت الناس بما يكرهون ، فإعتزم ان تَعْتَدِل ، فأن أبيت فإعتزم ان تعتزل ، فأن أبيت فإعزم عزماً ثم امضِ قُدماً . فقال عثمان : مالك قُمل فروتك ؟ أهذا الجدّ منك ؟ فسكت عمرو حتى خرج الناس ، وقال والله يا أمير المؤمنين لأنت أعز عليّ من ذلك ، ولكن علمت انه سيبلغ الناس قول كل رجل منّا ، فأردت ان يبلغهم قولي ، فيثقوا بي ، فأقود لك خيراً او ادفع شراً. فلما ضاق الحال بالمعارضين وعثمان معاً ، دعوا علي بن ابي طالب للتوسط بينهم وبين الخليفة، لتلبية مطالبهم فجاءه ناصحاً ومُبيّناً له بعض ما نقم عليه الناس . وساطة علي بين الخليفة والمعارضة وبِحسْبِ ما جاء في رواية الطبري – في تاريخ الامم والملوك - قال له علي (لقد صحبت رسول الله وعَلِمْتَ مِنهُ ما عَلِمْناه , وسَمِعْتَ ما سَمِعنا ، وما خصّنا بشيء دونك فَنُخبرك ، ونِلْتَ من صهره ما نِلْتَ ، وما إبن أبي قحافة وإبن الخطاب بأولى بالحق منك ، واُحَذّرك أن تكون إمام هذه الأمة المقتول ، فقال عثمان قد والله علمتليقولون الذي قُلْتَ ، اما والله لو كُنتَ مكاني ما عنّفْتُك وما أسلمتُك ، ولا عِبتُ عليك ، ولا جئت مُنكرا ( ان وصلتَ رحماً ، وسددتَ خِلّة ، وآويت ضائعا ، وَولّيت شبيها بمن كان عمر يولي ) اُنشدك الله هل تعلم ان المغيرة ابن شُعبه ليس هناك ؟ فقال علي : نعم ، قال : فتعلم ان عمر ولاه ، فلم تلومني ان ولَيّتُ ابن عامر في رحمه وقرابته ؟ قال علي : سأخبرك ، ان عمر بن الخطاب كان كلّ من ولّى فأنما يطأ على صِمَاخهان بلغه عنه حرف جلبه ثم بلغ به أقصى الغايه وانت لا تفعل ، ضعفت ورققت على اقربائك ، قال عثمان واقرباؤك ايضاً ، فقال علي : لعمري ان رحمهم لي لقريب ولكن الفضل في غيرهم ، فقال عثمان : هل تعلم ان عمر ولّى معاويه خلافته كلها ، فقد وليّته ، قال علي : اُنشدك الله ، هل تعلم ان معاويه كان أخوف من عمر من يرفأ غلام عمر ، قال عثمان : نعم ، قال علي : فإن معاويه يقطع الامور دونك وانت تَعْلمها ، فيقول للناس هذا أمر عثمان ، فيبلغك ولا تغير على معاويه ، ثم خرج علي من عنده وخرج عثمان (1 ). رد عثمان على نصيحة علي وبدلاً من ان يستمع الخليفة عثمان لنصيحة علي له والأخذ منها بما يُبطل الفتنة او يُعِيقها ، خرج الى جموع المعارضين ومن معهم من اهل المدينة ، وخاطبهم مُعيباً عليهم انفسهم وقادتهم واهدافهم الدنيوية ، مُحذّراً ومُفاخراً ، وقد اشتملت خطبته على العناوين التالية - كما نقلها الطبري في تاريخ الامم والملوك - ومما جاء فيها : 1- وصفه للمعارضه بأنهم كالنعام يتبعون كل ناعق . 2- وانهم تبع لعيّابون طعّانون ، أعيتهم الامور وتعذّرت عليهم المكاسب 3- وانهم عابوا عليه ما قبلوه من عمر ابن الخطاب ،وذلك ان عمر إتّبع الشِدة في فرض امره ، فوطئ الناس برجله وضربهم بيده . 4- وانه ( اي عثمان ) إتّبع اللين في سياسة الناس ، فكف عنهم يده ولسانه . 5- وان عليهم ان يحذروا ، فهو أعز نفراً ، وأقرب ناصراً ، واكثر عدداً ،وانه اعدّ لهم اقرانهم ، فليكفّوا السنتهم عن القول ، ولا يعيبوا على ولاتهم . وتساءل عن اسباب نقمة الناس عليه وقد اُعطوا حقهم ، وختم حديثه بالدفاع عن حقه بالتصرف في بيت المال بقوله : ( فَضَلَ فَضْلٌ من مال ، فما لي لا اصنع في الفضل ما اُريد , فلم كنت إماماً ذن ؟) لكن مروان لم يكتفي بالتلميح الذي جاء في حديث الخليفة ، فقال : إن شئتم حكّمنا والله بيننا وبينكم السيف ، فقال له عثمان : اُسكت لا سَكتْ ، ألم أتقدم إليك ان لا تنطق ؟ ولخطورة ما جاء في خطاب عثمان ، ارسل المهاجرون من الصحابة رسالة الى أندادهم من الصحابة والتابعين في مصر تدعوهم الى المدينة ان يقبلوا عليهم ليقيموا الحق ، وقالوا في رسالتهم ، لقد غُلبنا على حقوقنا واسْتُوْلِيَ على فيئنا ، وحِيلَ بيننا وبين أمرنا ، وقد ذهبت الخلافة واصبحت ملك عضوضا ومن غلب على شيئ أكله ( كما جاء النص في كتاب الإمامة والسياسة ) وتداعى الناقمون الى المدينة من الولايات ، فجاء من الكوفة مالك ابن الحارث النخعي في مئتي رجل ، ومن البصرة حكيم ابن جبلة العبدي في مئة رجل ومن مصر عبدالرحمن ابن عديس البلوي في ستمائة رجل ، فاحتلوا المدينة وحاصروا بيت الخليفة ، ثم تسوروا عليه وقتلوه ومما لا شك فيه ان كل باحثٍ في عهد الخليفة عثمان ، لن يجد في صفحات التاريخ القديم لهذا العهد ، سبباً واحداً يَحوُل دون نَجْدَةِ معاوية للخليفة ، وحمايته من الثائرين عليه ، وهو المتتبع الحاذق لتطورات المشهد الذي دام حصار الخليفة فيه تسعاً واربعين يوما ، غير عدد الايام التي أحاط بها الثائرون بالمدينة ..........؟؟ ولكنها السياسة .
#عمر_ياسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثورات العربية بين مطرقة الأنظمة وسندان الغرب..! - الحلقة ا
...
-
الثورات العربية بين مطرقة الأنظمة وسندان الغرب..! - الحلقة ا
...
-
الثورات العربية بين مطرقة الأنظمة وسندان الغرب..! - الحلقة ا
...
-
الثورات العربية بين مطرقة الأنظمة وسندان الغرب..! - الحلقة ا
...
المزيد.....
-
منى واصف لـCNN بالعربية: -مرتاحة- للمشهد في دمشق
-
الأطفال الناجون من الموت في قطاع غزة ليسوا أحسن حالا ممن فقد
...
-
إسرائيل تعتقل مشتبها به بعد إطلاق النار على طفل بعمر 10 سنوا
...
-
مصدر دبلوماسي يؤكد لـCNN جدية حديث حماس وإسرائيل بالمفاوضات
...
-
روسيا.. ابتكار منصة لإجلاء الجرحى من الخطوط الأمامية
-
مراسلة CNN: الشخص الذي ظهر في أحد الفيديوهات في سوريا اليوم
...
-
المبادرة المصرية تدين القبض على سوريين احتفلوا بسقوط الأسد .
...
-
فيديو متداول على نطاق واسع لشخص يشبه الصحفي الأمريكي أوستن ت
...
-
بيان هام للسوريين في مصر
-
-إسرائيل هيوم-: أكراد سوريا طلبوا مساعدة عاجلة من إسرائيل
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|