|
الثورات العربية بين مطرقة الأنظمة وسندان الغرب..! - الحلقة الخامسة
عمر ياسين
الحوار المتمدن-العدد: 3658 - 2012 / 3 / 5 - 14:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الثورات العربية بين مطرقة الأنظمة وسندان الغرب..! - الحلقة الخامسة الاجتهاد وتراكم المعرفة في الفكر الاسلامي عمر ياسين يقوم الاجتهاد في الفكر الاسلامي على استنباط قاعدة او حكم ، لمعالجة قضية ما لم يتنزل فيها حكم في الكتاب او السنة بنص صريح ، او الاخذ من نص عام جاء مجملاً ، فيؤخذ بالتفريع عنه بعلّة تجمع الأصل الى الفرع ، وعليه يمكن الاخذ بالتفريع قياساً على حكم سبق الأخذ به يتماثل معه في مقاصده واهدافه مع الحالة المستجدة .
ونظراً للأهمية القصوى التي يُمثلها الاجتهاد في الامور العقيدية والفقهية ، واتّباع الناس لها في امورهم العبادية والاجتماعية والمعيشية ، والأخذ بالتحرّز في الأحكام ، شدد المجتهدون على انفسهم وغيرهم في الشروط التي يجب ان تتوفر في المجتهد الذي يتصدى لهذا الامر ، فأوجب بعضهم على المجتهد ان يكون عالماً بالكتاب ، ومقاصد النص ، واسباب نزوله ، ومحيطاً بتتابع ورود معانيه في مجمل النصوص حيث أتى ، والأخذ بالثابت من السنة عن الرسول( صلى الله عليه وآله وسلم ) قولاً وفعلاً ، ومواقع تطبيقها وحالاتها باعتبارها الاصل الذي يبنى عليه ويستَدُ اليه الاجتهاد.
وبتراكم الاجتهادات في حالات متنوعة وأزمنة مختلفة ، تتراكم المعرفة الفكرية للأنسان وللأمة ، فيستعين بمعرفة سابقة على تكوين معرفة جديدة .
فالاجتماع البشري خلال بحثه الدائم عن الافضل ، يستكشف معارف نظرية جديدة ، فيأخذ منها ما ينفعه ، وبتكرار الحاجة المجتمعية ، واجتهاد العقل في استنساب الأفضل من المعارف ، يصبح الفكر في تجديدٍ لا يتوقف ، ذلك ان التطور في الفكر الاجتماعي والسياسي في مسيرة كل امة ، ينتج عن حركة المجتمع ومقدرته على إحداث التغير .
وبمقدار ما يستجيب الفكر المنبثق عن الشريعة لحاجة الأمة ، ويصوغ القواعد والقوانين المتوافقة مع مكتسباتها الفكرية والبناء عليها ، لمواكبة التطورات الحادثة ، بقدر ما يحقق لها تواصلاً دائماً في رقيها وتحضرها ، وتأكيد وجودها وهويتها .
فمرجعية المسلمين في التأسيس للقواعد المنظمة لشؤون مجتمعهم ، وما يتمثل فيها من قيم العدالة الاجتماعية القائمة على العدل والمساواة وحقوق الافراد وحريتهم ،التي جاء بها الكتاب جلية واضحة لا تقبل التأويل.
وفي اتجاه أخر ، ربما ارتبط الاجتهاد في الرأي في استنباط بعض القواعد من رؤية مجتزأة من السياق العام للنص ، والترابط بين مقاصده الشاملة ، والتأثير المتبادل فيما بينها ، واجتماعها معاً في المقصد الكلي ، فيؤدي العمل بالمجتزأ منها وتطبيقها في الواقع ، الى خرقٍ في مجموعة الاهداف المكونة للعنوان الأساس ، وهنا يصبح إبطالها ، ووقف العمل بها ، وإحلال قاعدة اخرى مكانها امراً واجباً .
وهذا ما تنبه اليه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ، حين تغيّر حال الامة الاقتصادي والاجتماعي ، من حال واهن المقدرة لبيت مال الامة في العهد الاول ، الى حال من السعة والاقتدار في عهد عمر بن الخطاب ، فاقت مقدرة اهل الرأي من كبار الصحابة على التعاطي معها ، ولم يكن لهم سابقة عهدٍ بهذا الطارئ الاقتصادي ، فاجتهد الخليفة في إحلال قاعدة جديدة ، تُفاضلُ بين الناس بأعطاء البعض منهم حقوقاً من بيت المال ، ميّزتْهم عن غيرهم من افراد الامة ، مكان القاعدة السابقة ظنا منه بالتوسيع على الامة فيما يصلحها .
وتبيّن له بعد تطبيقها في الواقع ، آثارها الضارة على المجتمع وما سيتأسس عليها من تمايزٍ طبقي يطيح بقاعدة المساواة ، فأقر بخطأه ، واعلن العودة الى النظام الاول في قسمة العطاء بالمساواة بين افراد المجتمع .
وقال ((والله لو عشت لمثل هذا اليوم من قابل لألحِقنّ اخرها بأولها ، والسابق باللاحق )) فقد اظهر الاجتهاد في استنباط قاعدةٍ لجزء من النص ، وبناء قاعدة عليه ، دون الاخذ بعموميته ، الخروج بالنص عن مقاصده الشمولية التي ارادها الشرع ، وافسد مقاصده الاخرى .
وقد اظهر التطبيق ترابط قاعدة العطاء بقواعد نظرية اخرى جاء بها النص ، مما ادّى الى إحداث فوارق مادية واجتماعية في المجتمع ، وهيأ النفوس لنيْل رغباتها في التملّك ، ثم في القيادة ، ونَزعَ بها الى الحرص على ما امتلكتْ ، وإيثار مصالحها على مصالح المجتمع كله .
ولم يتمكن الخليفة من اجراء عملية التغير( نظراً لتغيبه بالموت ) فقد استثمرت الطبقات الناشئة عامل الزمن لحماية نفسها من التغير ، والحماية تتطلب القوة والمقدرة كمصدر اساس للحماية ، وهذه لن تتأتى لها إلا بسيطرتها على السلطة ، وبتداخل هذه المراحل واجتماع المنتفعين للعمل عليها ، بدأ الصراع بين الامة وحاكمها ومن وآلاه ، وبدأت الأسس الأخلاقية والاجتماعية والسياسية ، التي قام عليها الحكم في العهدين الاول والثاني تتهاوى واحدة تلو الاخرى امام تعنت السلطة .
من خلال هذه الرؤية انطلقنا في مقالتنا السابقة في تاريخ الدعوة لِنتبَيْن ، من استقرائها اين وقع الاجتهاد في النص ، ومدى ادراك مقاصده ؟ وأين التقت الأمة وأين افترقت ؟ وهل كان الاختلاف في الأصول والاركان ، أم في الفروع ؟ وما مدى التدخل الديني في الدنيوي ؟ والأسس التي قام عليها النظام السياسي والاجتماعي في العهد الاول وما تلاه ، وهو الاقرب الى التنزيل ومعايشة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) - قرباً واحتكاماً - بمن لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى .
وتوخينا من هذا الاستقراء ، أن نتعرف على ما توصل اليه الخلفاء الاربعة من نصوص اجتهاديه ومعرفية ، عملوا بها فأصابوا، إم توقفوا فيها واختلفوا ، أم أن التأويل أخذ طريقه بعيداً عن شمولية مقصد النص واستجابته لمصلحة الأمة ، فأتخذ مساراً آخر ، أسس بعضه لما حدث من بعد ، سياسياً واجتماعياً ، وسنختار لهذا مثالاً من امثلة اخرى سنتعرض لها في بحث اخر ، لنصل من خلالها واستقرائها وتَتبُعها الى تحديد العوامل التي أسست لنظام بديل الاول : اجتهاد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب بالرأي في العطاء ، مخالفاً بهذا الاجتهاد ، ما جرى عليه الحال في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والخليفة الاول .
وكان عطاء المسلمين من بيت المال في عهديهما ، يقوم على المساواة المطلقة في التوزيع ، لا فرق بين أحد وآخر، فالرجال والنساء والارقاء كلهم سواء ، وحين طُلب منه البعض أن يميز المهاجرين والسابقين عن غيرهم في العطاء قال (( أجرهم على ذلك عند الله ، وأنما الدنيا بلاغ )) .
ثم جاء العهد الثاني من الخلافة ليتعاطى مع معطيات التطور الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع ، آخذاً باجتهادٍ عقلي ، رأى فيه أن يكون الثواب على قدر الجهد والمنفعة ، وفضّل السابق على اللاحق ، وذوي القربى عن غيرهم من الناس في العطاء .
وقد شكل هذا التمايز بين الافراد بداية لنشوء الطبقات المتميزة مادياً واجتماعياً ، وفي التطبيق ظهر عدم صلاحية هذا الاجتهاد ، لِما أحدث من تغيرات حادتْ عن النظرية الاولى ، التي أسست لقيام المجتمع على أسس غير مسبوقة في العدل والمساواة .
وما ان خلا المشهد لهذه الطبقات الناشئة حديثاً - بموت الخليفة - حتى استثمرت عامل الزمن لحماية نفسها فما كانت لتخاطر بالظهور والتعبير عن رغباتها وطموحها ما دام الخليفة حياً بينها ، فقد احاط الخليفة زعماء هذه الطبقات بقيود لا تُتيح لهم حرية الحركة حتى في اسفارهم وخروجهم من - المدينة – عاصمة الخلافة ، تَحَرّزاً مما قد يُحيق بهم من اختلاطهم بالناس في العواصم التي فتح الله عليهم ، وما بها من بذخ في الحياة وزخرفها .
لهذا سنبدأ البحث في مرحلة بداية الانقلاب السياسي ، لنتعرف على مكونات هذا التغير ومدى تصالح الاجتهاد او تصادمه مع النص ، تلك العوامل التي استطاع البعض من خلالها الاستحواذ على السلطة ، والغطاء الذي استترت به ، والاسباب التي نتج عنها تفريق الامة ، والاسس التي تحصّنت بها كل فرقة مُعلنة انها وحدها هي الفرقة الناجية .
وعليه فقد نستكشف سبل الالتقاء المشترك اوالممكنة منها ، للبناء عليها مع التيارات والمذاهب المختلفة ، لتصحيح المسار ما امكن الاخذ ذلك .
#عمر_ياسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثورات العربية بين مطرقة الأنظمة وسندان الغرب..! - الحلقة ا
...
-
الثورات العربية بين مطرقة الأنظمة وسندان الغرب..! - الحلقة ا
...
-
الثورات العربية بين مطرقة الأنظمة وسندان الغرب..! - الحلقة ا
...
المزيد.....
-
في تايلاند.. قم بزيارة هذه الوجهات الجذابة الأقل شهرة خلال م
...
-
لقطات حصلت عليها CNN.. قوة إسرائيلية متخفية تداهم مستشفى بال
...
-
روسيا تتحدى ترامب.. العمل على نظام بريكس المالي مستمر رغم ا
...
-
ليون تحتفي بربع قرن من الإبداع.. مهرجان الأضواء يعود بتجربة
...
-
شخصيات على قائمة العفو من بايدن قبل نهاية ولايته
-
في خرق لاتفاق وقف إطلاق النار.. الجيش الإسرائيلي ينفذ غارات
...
-
البرلمان الألماني يناقش تسليم صواريخ -تاوروس- إلى أوكرانيا
-
-جمال رهيب- نادر في السماء الروسية
-
روسيا.. ابتكار إسفنجة لتنظيف القطب الشمالي من النفط
-
فرنسا: من هم المرشحون لخلافة بارنييه على رأس الحكومة المقبلة
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|