أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - أسماء صباح - لاجئة -فلسطينية- حتى النخاع!















المزيد.....

لاجئة -فلسطينية- حتى النخاع!


أسماء صباح

الحوار المتمدن-العدد: 3672 - 2012 / 3 / 19 - 20:47
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


يكون الانسان مهم كأهمية القضية التي عاشها، وتأخذ القضية ابعادا مختلفة باختلاف حامليها، وللقضية الفسطينية نساءها ورجالها، يحملونها في كل مكان فهي الحلم وهي الواقع المرجو تحقيقه في المستقبل.

ولأن فلسطين تشكل لهم اكثر من بلاد، لأنها "جنة الله" على الارض، يبدع فلسطينوا الشتات في وصفها ووصف "أيام العز" فيها، فعندما تكون لاجئا، لا يتحتم عليك معرفة معنى اللجوء اصطلاحا، لأنك تعرف معناه حقيقةً، تعيشه كل يوم، تتنفسه، لا تحلم بأكثر من كسرة الخبز في النهار بينما سقف الحلم مفتوح في الليال.

"بتعرفي شو يعني "لاجىء" ؟" ..."ما بعرف بس بعيش" بتلك الكلمات وصفت "أم احمد" ذات الاربع والثمانين عاما حياتها في الزرقاء إحدى المدن الاردنية، هي لم تكن تدري انها ستبلغ هذه السن بعيدة عن فلسطين، موطنها، ومسقط رأسها، الا ان السنون توالت، ولم تدر كيف عاشت تلكم الاعوام في هذه الظروف القاسية.

"أم أحمد" ام لثماني أطفال أو الاجدر ان أقول "شباب وشابات"، بعضهم في الضفة، واخرون في الاردن، زجت بها ظروف الحياة في بيت صغير في إحد أحياء مدينة الزرقاء، المدينة التي تكرهها حد الموت، لدرجة انها تفضل البقاء بين جدران منزلها الاربعة على ان تخرج لتتجول في أسواقها وشوارعها وازقتها.
قبل الرحيل كان لها بيت وعائلة وأراض تأكل من خيراتها، كانت سعيدة بالقليل، تعمل طوال النهار وتنام ليلا مرتاحة البال.

قصص اللجوء كثيرة، ولكل واحد وواحدة ظروف تحيط به وبها وكأنه لاجىء لوحده، فمن كثرة الحكايات تكاد تجزم ان فلسطين هذه وقراها هن مئات، أقصد ان فلسطين في حكايات اللجوء تبدو مختلفة في كل حكاية.

فلسطين عند "أم احمد"، قطعة من الجنة وان كانت تعرف بأن الحياة هناك أيضا ليست سهلة، وانما يبقى الوطن جنة بعقل ووجدان المحروم منه، أسالها عن سلبيات القرية التي كانت تعيش فيها قبل الانتقال القسري للمدينة فتفاجئني بأن لا سلبيات تذكر في فلسطين "الذاكرة".

كنت أريد ان أخفف عنها حجم وحدتها، فقلت في نفسي بان لابد لحياة القرية من سلبيات أو لابد لحياة المدينة من ان تكون افضل مثلا في الخدمات، الا ان ام أحمد لا تحمل سوى الحب لقريتها على الرغم من انها عاشت ما يزيد على ستين عاما خارجها الا انها لا تزال تذكر عدد بيوتها واسماء الاطفال وكيف كانت تمشي لعين الماء صباحا لتملأ الجرار من أجل الشرب والاستحمام والطبخ، هذه التفاصيل الصغيرة تسردها بتلقائية ودون تكلف.

ودون أي استفسار مني لها عن حياة زمان، تبدأ هكذا لوحدها تفصيل يوم من أيام حياتها في"الجنة" التي كانت تعيش فيها "كنت بقوم الصبح بدري، قبل الفجر، بحمل على راسي هالجرة الكبيرة، بوصل على العين بلاقي النسوان سبقني، بنتخرف وبنعرف اخبار البلد كلها واحنا نستنا في الدور، كان في نسوان قويات يحاولن يعبين قبل النسوان الهاديات، ولما كانت اصواتهن تعلا وهن متقاتلات، كنا نسكتهن بلاش يفظحنا قدام الزلام اللي رايحين على الارض منشان يحرثوا او يزرعوا".

فبالرغم من قلة الخدمات او انعدامها "الماء والكهرباء" كان الناس سعداء، يتأقلمون مع الاوضاع ويعتبرونها سر سعادتهم، بل انهم يعتبرون تلك السنوات من حياتهم كانت تسودها الرحمة والبركة التي فقدت هذه الايام في عصر الزحمة والسرعة.

ثم تشتعل ذاكرتها حبا وأسى، وتتغنى بأيام القرية واصفة اياها بـ"أيام العز أيام زمان"، وما ان تذكرها بفلسطين حتى تفيض عيناها بالدموع متمنية ان تدفن على الاقل في قريتها ان لم تعد لتعيش باقي ايامها هناك.

""أيام العز" كانت أيام قصيرة، يدوب نقوم من النوم ونجيب شوية المي، نجلي ونغسل ونتحمم ونطبخ، ونروح على الأرض نلقط زتون او نحصد القمح، نرجع تعبانين صحيح بس مبسوطين، وننام من غير هز ولا تفكير، كنت ازرع باب الدار البندورة والخيار والكوسا والجرجير والفجل وكل اللي بتشتهي نفسك مش مثل اللي بنشتريه من السوق كلو مواد مسممة".

" "أيام العز" كانت العيلة تحب بعض، والناس توقف جمب بعض في المناسبات، في العرس بتلاقي الكل يرقص للكل، وفي العزا كل الناس بتتجع عشان تواسي أهل الميت، وما حدا بيقصر في حدا، أما في هالمدينة ما حدا داري عن حدا، انا جوزت ولادي هان، كنا لحالنا في العرس، وحتى الاعراس تغيرت وصار ملهاش طعم زي إعراس زمان، لما كنا بنقعد نغني سبع ايام بلياليهن للعريس وللعروس".

بين الفينة والاخرى كنت استدرجها لتتحدث عن أيام اللجوء وما بعده، وما ان تبدأ بعبارات قصيرة حتى تجدها عادت لذات محور " أيام زمان" وكأنها لم تستفق أبدا من ذاك الحلم الذي ظل مسيطرا عليها سنوات طوال ويأبى الزوال.

عن النكبة تقول عبارة واحدة ولا تسطيع اكمال ما حدث لها أو لهم "الله ينكب اللي نكبونا، الله يسود عيشتهم مثل ما سودوا عيشتنا، هي عيشتنا عيشة، بعد بلادنا ما إلنا، والله ايام زمان كنا" وتعود ام احمد لأيام زمان.

هنا لم استطع أبدا ان اجعلها تعود للوقت الحاضر أو حتى لفترة ما بعد "أيام زمان" وهي فترة النكبة، وكأن حياتها انحصرت في العشرين عاما التي قضتها في قريتها في فلسطين، ورافضة ان تعتبر حياتها في الملجأ حياة تستحق ان يحكى عنها لأي أحد لانها مليئة بالمرارة والظلم والالم، ولأنها لا تعتبرها حياتها وانما شيء من الكابوس فرض عليها وعلى غيرها من الفلسطينين.

ثم تذكر الابطال الذين قضوا أيام الانجليز "جوز بنت حماي كان ثورجي، كان رجل طول بعرض، الله يرحمو شو كان قوي والو هيبة وكلمة، بس الانجليز كانوا اعطل من اليهود، مسكوه واعدموه على طول، حتى ما شفنا جثتو ولا عرفنا ان كانوا دفنوها او رموها".

وتسترسل في ذكر محاسن "الشهيد" لأن الشهداء بالنسبة لأم احمد كـ"الانبياء"، فلم تذكر أي صفة سيئة لهذا الثائر، بل انها بالغت في وصفه الى حد القول"كان الذيب يخاف منو لما يطل، مهو طول عمره بين المغاير يعني قلبو ما بيعرف الخوف".

أكثر من ستين عاما مضت على النكبة، اجيال ولدت واخرى توفيت، واللافت ان كل مولود يحمل قصص اجداده ويرددها وكأنه ولد بها ومعها، والكبار الذين عاصروا النكبة ما زالوا يعيشون على انقاض وطن ويحلمون بالرجوع اليه يوما قبل الممات.

هذه حالة لاجئة "فلسطينية" حتى النخاع وتأبى ان تكون غير ذلك، مازالت كغيرها تحمل حبا للوطن وتذكر "أيام عزه" ترويها لكل الاجيال التي لم تشهد "عز" الوطن.
ان الذاكرة الجمعية الفلسطينية سيعاد تشكيلها بشكل دوري ودائم طالما ظل معاصروا النكبة وما قبلها يروون الاحداث وطالما بقيت الاجيال الجديدة مهتمة بمعرفة تفاصيل عن الوطن المسلوب، فستبقى فلسطين "الجنة" حية في قلوب كل صغير وكبير.



#أسماء_صباح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صفعة لنساء الربيع العربي!!
- معاناة مقدسية(1)!
- في ِيوم المرأة العالمي.. وضع النساء ما زال يزداد صعوبة
- أهمية جمع وتأريخ مشاركة المرأة في الثورات العربية؟
- المرأة شاركت في صنع الثورة..فهل ستظهر ملامح هذه المشاركة في ...
- المرأة العربية بين مطرقة السلفيين وسندان الغربيين!!
- الزواج العرفي من السر الى العلن في تونس!!
- أية تغيرات قدمها الربيع العربي للمرأة؟؟
- خيبة أمل نسائية !!
- المرأة الخطأ في المكان الصحيح!!!
- عن النسوية الاسلامية !!!
- حكم الاسلاميون وحقوق المرأة؟؟
- نساء بين الدين والتقاليد!!!
- هل تحتاج المرأة العربية -الكوتا-؟
- أين مجلات المرأة من قضاياها؟؟؟
- الربيع العربي بعيون النساء!!
- ديمقراطي الا فيما يتعلق بالمرأة!!
- الربيع العربي: خيانة المرأة !
- المرأة العربية: من الحيز الخاص الى العام
- النساء في جزيرة العرب!! ردا على رد سميون جرجي


المزيد.....




- السعودية تترأس لجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة رغم ان ...
- البابا فرنسيس يغسل ويقبل أقدام السجينات في مراسم خميس العهد ...
- السعودية رئيسا للجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة عام 2025
- انتخاب السعودية لرئاسة لجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة وسط ...
- -اكتشاف هام- يمنح الأمل للنساء المصابات بـ-جين أنجلينا جولي- ...
- ما حقيقة مشاركة السعودية في مسابقة ملكة جمال الكون بالمكسيك ...
- إيه الحالات اللي بتحتاج استئصال للرحم؟
- بعد خلاف حول الحجاب .. فرنسا تقاضي تلميذة اتهمت مدير مدرستها ...
- -موقف محرج-.. تداول فيديو استقبال ميقاتي لرئيسة وزراء إيطالي ...
- طفل أوزمبيك.. كيف يزيد سيماغلوتيد خصوبة المرأة وهل يسبب تشوه ...


المزيد.....

- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع
- النسوية.المفاهيم، التحديات، الحلول.. / طلال الحريري
- واقع عمل اللمراة الحالي في سوق العمل الفلسطيني الرسمي وغير ا ... / سلامه ابو زعيتر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - أسماء صباح - لاجئة -فلسطينية- حتى النخاع!