كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 3663 - 2012 / 3 / 10 - 17:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مرت الذكرى السنوية الأولى للحراك الشبابي الديمقراطي الاحتجاجي في العراق ضد الأوضاع المزرية التي واجهت وما تزال تواجه نسبة عالية من السكان باحتفالات رمزية في ساحة التحرير أو في مواقع أخرى من العراق. ولم يكن يتوقع أحد أن تتحول هذه البداية الواعدة خلال فترة وجيزة إلى حركة جماهيرية واسعة وعريضة تلهب ظهور الحكام وتجبرهم على تغيير نهجهم الأمني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والبيئي. ولكن ما زال الكثير, وأنا أحدهم, يتوقع بأن هذه الحركة الشبابية ستتحول إلى حركة شعبية تشمل فئات واسعة من بنات وأبناء الشعب العراقي ومن كل القوميات والأديان والمذاهب والأعمار, بل ومن داخل الأحزاب الحاكمة ذاتها إذا ما استمرت الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والثقافية والتعليمية ...الخ على حالها الراهن, وإذا ما استمر الفساد المالي والإداري, وإذا ما تفاقم دور المؤسسة الأمنية-العسكرية, كدولة جديدة داخل الدولة العراقية الضعيفة.
إن الحركة الاحتجاجية التي لم تنقطع طوال عام رغم تراجعها النسبي الملموس, كانت تمريناً مهماً لمن شارك فيها, وكانت تحريكاً مهماً لمن وقف يتفرج عليها ويقرأ شعاراتها الأساسية ويتطلع إلى الوجوه المشاركة فيها, وكانت تعريفاً واستيعاباً مهماً لكل الناس في العراق وخارجه بالأساليب القهرية والزجرية والقمعية التي مارستها الحكومة المالكية وأجهزتها الأمنية والإعلامية ووعاظ السلطان ضد الحركة الاحتجاجية الشعبية الديمقراطية الهادئة, وكيف يمكن أن تتفاقم هذه الأساليب بحكم التحول التدريجي إلى الأساليب الأمنية بدلاً من الأساليب السياسية في معالجة مشكلات المجتمع.
في الذكرى السنوية الأولى لهذه الحركة الاحتجاجية أجد مفيداً أن تتعاون قوى التيار الديمقراطي لتلخيص تجربتها النضالية في مواجهة أوضاع العراق المتحركة. وسأحاول من جانبي أن أطرح رؤيتي لهذه التجربة المهمة والغنية والجديدة بمقالين أحدهما يبحث في التيار الديمقراطي والثاني يبحث في الجانب الحكومي.
قوى التيار الديمقراطي: حققت قوى التيار الديمقراطي خلال العام المنصرم عدة منجزات مهمة هي:
1 . تسنى لها أن تكشف عن عورات الحكومة وتجبرها على الاعتراف بالنواقص والسلبيات التي ترافق نشاطها ودورها في كافة المجالات, بما في ذلك الفساد وغياب التنمية وغياب الإستراتيجية في سياسة الحكومة وبرامجها الاقتصادية والاجتماعية والبطالة والفقر و...الخ, وأن تلتزم أمام مجلس النواب بالبدء بالتغيير خلال مئة يوم ولم يتحقق ذلك مما ساهم في الكشف عن طبيعة الحكومة وقدراتها الفعلية وضعفها الشديد وتفككها.
2 . تسنى لها توحيد بعض قواها السياسية والاجتماعية في كيان موحد, في لجنة التنسيق. وهي خطوة مهمة وأساسية على طريق العمل المشترك.
3 . كما تسنى لقوى التيار الديمقراطي أن تعبئ حولها مزيداً من الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي ممن لم يكن قد التحق بهذه الحركة أو تعاطف معها قبل ذاك, وهو جانب مهم.
4 . تسنى للحركة أن تنشط الكثير من الإعلاميين والصحفيين وتزجهم في النضال الفكري والسياسي لصالح القوى الديمقراطية. وقد لعبت الصحافة الديمقراطية, وبشكل خاص جريدة المدى وطريق الشعب وصحف أخرى دوراً مهما في التعبئة والتحريك وفي فضح الأساليب القمعية للسلطة. كما تحسن الخطاب السياسي لقوى التيار الديمقراطي.
5 . وبدا واضحاً إن تحسناً قد طرأ على الثقة المتبادلة بين قوى التيار الديمقراطي وتقلصت الحساسيات السابقة بين المتعاونين حتى الآن.
هذا من جانب الإيجابيات التي تبلورت خلال الفترة المنصرمة, ولكن ما نزال بحاجة إلى استكمال فحص التجربة من جوانب أخرى أشير إليها فيما يلي:
1 . فشل الجهد المشترك لقوى التيار الديمقراطي إلى دفع الحركة الاحتجاجية وتصعيدها لمواجهة سياسة الحكومة المالكية السيئة والفردية وغير الديمقراطية, وبالتالي فهو ما يزال على رأس الحكومة ولم يغير من نهجه, بل اشتد التدهور فيه.
2 . لا يكفي أن يتركز التحرك في بغداد على أهمية العاصمة الاتحادية, بل لا بد من العمل في المحافظات والأقضية والنواحي, رغم كل المصاعب المرتبطة به, بما يساعد على تحقيق حراك اجتماعي سياسي مشترك ومنسق على صعيد العراق عموماً. لا شك إن القول به سهل وتحقيقه صعب, ولكنه مطلوب في كل الأحوال.
3 . لجنة التنسيق بحاجة إلى كسب بقية القوى الديمقراطية إلى هذا التنظيم الديمقراطي الذي يشكل شارعاً عريضاً يضم أطيافاً كثيرة ابتداء من القوى اليسارية إلى القوى اللبرالية وقوى علمانية وشخصيات مؤمنة ديمقراطية. وقد شخصت قوى التيار هذه النقطة بشكل جيد وتسعى إلى تحقيقها.
4 . لم يتمكن التيار الديمقراطي حتى الآن, على أهمية ما تحقق في هذا المجال, من إيجاد السبل المحركة والمحفزة للشبيبة للالتحاق بالحركة الاحتجاجية لإصلاح الوضع الراهن وتحصينها من الإعلام الحكومي والحزبي المذهبي الطائفي المتزمت والتمييزي. ولا بد هنا من خوض صراع فكري متواصل ضد القوى التي تروج لتشديد الصراع الطائفي وتحويله على عداء بين أتباع الديانات والمذاهب الدينية في العراق وتشديد الاصطفاف الطائفي لصالح الانتخابات القادمة. لا بد من بدء حملة فكرية واضحة للتمييز بين احترام وتبجيل ذكرى استشهاد الحسين وصحبه وبين إثارة البغضاء والكراهية والحقد بين أتباع المذاهب المختلفة من أجل تحصين الأحزاب الطائفية وتعبئة الناس البسطاء حولها لأغراض لا تخدم مصلحة الشعب والوطن الواحد.
5 . لا بد لقوى التيار الديمقراطي أن تلتزم قضايا الكُرد الفيلية والمتضررين حتى الآن من عرب الجنوب والوسط من سياسات النظام السابق وكذلك قضايا الفلاحين ومعاناتهم الجديدة من الإقطاعيين وشيوخ العشائر والتي تبرز على سطح الأحداث يوماً بعد آخر.
6 . كما لا بد من تبني واضح وعبر الإعلام لقضايا القوميات الأخرى وما تعانيه من مصاعب وكذلك أتباع الديانات الأخرى وما يعانيه أتباعها من مشكلات ومن ضغوط وقهر وقتل مستمر, كما في حالة المسيحيين والصابئة المندائيين على سبيل المثال لا الحصر.
7 . ولا بد من ممارسة الضغط لمعالجة المشكلات المعلقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم من أجل تقويض القدرة على الاستفادة من تلك الخلافات في غير صالح الوحدة في العراق, إضافة إلى ضرورة مشاركة الكُرد عموماً والقوى الديمقراطية في الإقليم مع قوى التيار الديمقراطي في الموقف من الانتهاكات التي تمس المجتمع العراقي والحريات الديمقراطية.
7 . الكشف المتزايد عن الأساليب القهرية التي تمارسها أجهزة الأمن والاستخبارات ضد القوى الديمقراطية والمحتجين وضعف دورها في مقارعة قوى الإرهاب والموت اليومي الذي يتعرض له الشعب العراقي.
8 . لا بد من العمل لإقناع التحالف الكردستاني بضرورة دعم قوى التيار الديمقراطي باتجاهات ثلاثة:
أ. بتحسين أوضاع الحريات والحياة الديمقراطية في إقليم كردستان العراق.
ب. التعاون ودعم متنوع للجنة التنسيق والقوى الديمقراطية العراقي في نضالها من أجل الحريات الديمقراطية وضد التحول صوب الفردية والاستبداد والحزب والفكر الواحد.
ج. مزيد من النقد لتلك السياسات التي تمارسها الحكومة الاتحادية في جوانب كثيرة ومنها الموقف من المرأة أو من المشاريع الاقتصادية الاتحادية والخدمية ...الخ.
9 . لا بد من العمل المكثف لتحسين مالية لجنة التنسيق وقوى التيار الديمقراطي لضمان تحسين دوره وإعلامه, إذ بدون توفير المال يصعب تحقيق تقدم في الحركة الديمقراطية العراقية, بما في ذلك التفكير بمشاريع اقتصادية من خلال تبرعات المساندين للتيار الديمقراطي مثلاً أو تبني طبع وبيع الكتب وأخذ ريعها لصالح التيار.
10 . وأرى ضرورة مواصلة الضغط على الحكومة ومجلس النواب لإنجاز مشاريع القوانين المعطلة ومنها قانون الأحزاب وتعديل الدستور وقانون الانتخابات ...الخ, لأنها من العوامل المحركة للشارع العراقي أيضاً بسبب إصرار الحكومة على عرقلة ذلك وكسب الوقت لدفع اتجاه التطور وجهة أخرى وفق رغبة حزب المالكي.
الحلقة الثانية تبحث في التجربة المرتبطة بالصف الحكومي
10/3/2012 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟