أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - جليل شيعان ضمد - دبي... جدلية التنمية والمديونية















المزيد.....


دبي... جدلية التنمية والمديونية


جليل شيعان ضمد

الحوار المتمدن-العدد: 3642 - 2012 / 2 / 18 - 12:31
المحور: الادارة و الاقتصاد
    



ص 1
مقدمة :
تبدو تجربة دبي في التطوير والتنمية لأول وهلة نموذجا بارزا في المنطقة العربية نالت مديح الكثير من المهتمين في هذا المجال ، حيث حققت هذه الأمارة العربية الصغيرة ما عجز الكثيرون عن تحقيقه ، ونجحت في ان تكون مركزا ماليا وتجاريا وخدميا وسياحيا على المستوى العالمي بفضل الأستثمار الواسع في البنى الأرتكازية والأنفتاح الكبير والتسهيلات الهائلة الأدارية والضريبية ، مستفيدة في كل ذلك من فترة الأزدهار الأقتصادي العالمي وتصحيح أسعار النفط والتمويل السهل نسبيا . والأهم من ذلك التصميم الخلاق والأندفاع الكبير ضمن " رؤية " لتحويل هذه الأمارة الصغيرة والمحدودة الأمكانات ( وهي امارة غير نفطية حيث يشكل النفط أقل من 4% من الناتج المحلي الأجمالي البالغ مايقارب 40 مليار دولار لعام 2010 ) الى مركز نشاط اقتصادي عالمي يرتكز على المال والتجارة والسياحة . وقد نجحت في ذلك الى حد كبير واصبحت نموذجا ربما يتطلع اليه الكثيرون كما هو الحال مع سنغافورة وهونك كونك .
لكن لم يكن مقدرا لهذا النموذج في التطوير او ( التنمية ) الذي ابتدأ منذ ما يقارب العقدين من الزمن ان يستمر بآنسيابية دون صدمات ، كما بدا واضحا بعد الأزمة المالية والأقتصادية العالمية الحالية التي انفجرت في آب 2008 ولا زالت مستمرة مما انعكست آثارها السلبية في احد تجلياتها او ارتداداتها بقوة على آفاق النشاط الأقتصادي ومجمل التجربة التنموية في هذه الأمارة التي حاولت التكيف معها ومقاومتها لكن دون جدوى . فهي ليست اشطر من الدول المتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية ودول الأتحاد الأوربي التي لازالت تلعق جراحها نتيجة هذه الأزمة والآتي اعظم .
البحث هذا محاولة مختصرة لتحليل وتشخيص اهم الجوانب الأيجابية وأهم الجوانب السلبية ونقاط الضعف المرتبطة بتجربة هذه الأمارة العربية التي فقدت شخصيتها وهويتها العربية بكل المقاييس الموضوعية ، والتي لم يبق من هذه الشخصية سوى رمز الملابس التقليدية لسكان محليين لا يشكلون سوى اقل من 5% من قوة العمل . لقد اصبحت دبي مدينة كوزموبوليتينية متعددة الجنسيات والهويات والثقافات ويستحيل عليها العودة والأحتفاظ بشخصيتها وثقافتها العربية (ولكن بلهجة عربية هجينة ) الا في حالة واحدة تتمثل بسقوطها وآنهيارها اقتصاديا وعودة المقيمين والمهاجرين والمتجنسين الأجانب الى بلدانهم الأصلية بعد أن راكموا رؤوس الأموال الضخمة وتمتعوا بآزدهارها ومغانمها الأقتصادية في العقدين الماضيين ، تاركين الأمارة وسكانها الأصليين يعانون من مغارم تجربتها التطويرية والتنموية .

ص2
أولا : طلبت مجموعة دبي العالمية بشكل مفاجئ ( ولكن متوقع موضوعيا ) في 2009 تأجيل سداد ديونها المستحقة لمدة ست اشهر ، وهو الأمر الذي اثار ردود فعل سلبية حادة في
جميع الأسواق المالية العالمية بما فيها الأسواق العربية . ان طلب التأجيل هذا أثار تساؤلات مهمة تتعلق بكامل التجربة التطويرية والتنموية في هذه الأمارة التي أثارت الأعجاب سابقا وحاليا ولكنها بنفس الوقت تطلبت الأجابة على الأسئلة التالية :
1 – هل ازمة ديون دبي واستحقاقاتها أزمة "سيولة " طارئة يمكن تجاوزها بما يسمى " أعادة الهيكلة " ، وهو اجراء اعتيادي تقوم به جميع الشركات والمؤسسات والدول في مثل هذه الحالات ، أم هي أزمة " ملائة " أرتبطت بالأزمة المالية والأقتصادية العالمية الحالية التي كان من أبرز آثارها أولا : أنخفاض قيمة أصول الشركات والمؤسسات المالية والعقارية الى أقل من 50% مما جعل مطلوباتها أكثر من موجوداتها ، وثانيا : صعوبة الحصول على القروض والتمويل الذي أعتادت عليه ( بل أدمنت عليه ) على طريقة " خدمة الدين بالدين " من الجهات المالية والمصرفية التي أصبحت هي بدورها في حالة أزمة ، وبالتالي اصبحت تحت ضغط الأعسار المالي وأشهار الأفلاس أو محاولة أعادة جدولة ديونها أو موضوعا لمساعدة دولها 1 .
2 – هل أن سبب أزمة دبي مرتبط بالتمادي الكبير في الأقتراض لتمويل مشاريع عقارية وسياحية ومظهرية وتفاخرية أسطورية تحت شعار " الأطول ، الأعلى ، الأكبر ، الأول...الخ " التي تم تنفيذها بأندفاع وطموح يبدو غير مدروس من الناحية الأقتصادية أو غيرعقلاني في بعض جوانبه . فالتساؤل هنا يكون مزدوجا : يتمثل جانبه الأول في كمية ونوعية المشاريع المختارة وجدواها الأقتصادية والكلف التشغيلية الضخمة المرتبطة بها وآنسيابية وآستمرارية الطلب الداخلي والخارجي على خدماتها . أما الجانب الثاني فمرتبط بالربحية التجارية والأجتماعية وكفاءة الأداء من ناحية ومدى التوافق بين الأيرادات المتوقعة من هذه المشروعات الممولة بشكل أساس بقروض ضخمة باهضة التكاليف وبين مواعيد خدمة هذه القروض من ناحية أخرى .
ثانيا – تراكمت ديون دبي بشكل كبير تفوق قدرة أقتصادها على خدمته . ورغم صعوبة تقدير قيمة هذه الديون بشكل دقيق ، لآنعدام الشفافية ، الا أن بعض المصادر تقدرها ما بين 100 – 185 مليار دولار . علما ان هناك أربع مجموعات او شركات رئيسية ( بنات دبي الأربع ) قادت عملية التطوير والتنمية في هذه الأمارة وهي من الناحية القانونية مستقلة عن الدولة ولكن من الناحية الواقعية تتداخل معها من ناحية الملكية والأدارة . فهناك مثلا مجموعة دبي العالمية التي يقدر اجمالي ديونها 60 مليار دولار ، وهناك شركة دبي القابضة التي تقدر ديونها 80 مليار دولار ( هذه الأرقام غير دقيقة لآنعدام الشفافية ولكن تتداولها الكثير من التقارير وبالتالي تعطي صورة تقريبية) 2.

ص3

ثالثا– هناك تساؤل كبير حول كيفية حصول شركات دبي على هذا الحجم الكبير والضخم من التمويل والقروض والتسهيلات الأئتمانية من مؤسسات ومصارف ذات خبرة كبيرة فيها أقسام متخصصة لدراسة المخاطر المحتملة والضمانات المطلوبة لمثل هذا النوع من االتمويل والقروض . ورب قائل يقول ان مؤسسات التمويل والمصارف الدولية هذه ربما كانت تحت وهم التصنيف الأئتماني الذي حصلت عليه شركات دبي وبمستوى (AAA ) من قبل شركات التصنيف الأئتماني العالمية ، مثل شركة ستاندرد آند بورز وشركة موديز ، الذي يساويها أئتمانيا مع الدول . وأن شركات التصنيف العالميةهذه كانت ايضا تحت وهم أن شركات دبي (وهي شركات مستقلة ذات شخصية معنوية لايرتبط نشاطها الأقتصادي بحكومة دبي رغم أنها من الناحية الواقعية كذلك كما أشرنا أعلاه ) هي شركات حكومية أو مضمونة من حكومة دبي على الأقل . وهذا يثير أكثر من تساؤل حول مدى مصداقية شركات التصنيف الأئتماني العالمية ( لاحظ التصنيفات الأئتمانية العالية لدول غارقة بالديون مثل الولايات المتحدة الأمريكية وأغلب دول الأتحاد الأوربي مثل اليونان وفرنسا وأيطاليا وأسبانيا والبرتغال وأيرلندة ) أولا ، ومدى مصداقية تطبيق معايير الشفافية والحوكمة على مستوى المؤسسات المالية والمصرفية في الدول المتقدمة بشكل عام ثانيا .
رابعا – أذن كيف نقيم تجربة دبي التطويرية والتنموية التي أثارت وتثير الأعجاب الى حد أعتبارها أعجازا ، وأصبحت نموذجا " تنمويا " يتمنى الكثير من الدول وخاصة في العالم العربي تطبيقه رغم ما صاحب هذه التجربة أو النموذج من صعوبات وأخطاء وخطايا حقيقية وجدية ؟
1 – فطيلة العقدين الماضيين كان ينظر الى تجربتها التنموية وكأنها أنجاز لامثيل له بحكم محدودية مواردها من جهة وقدرتها في الحصول على التمويل والقروض بشكل مستمر ( قروض بلا حدود ) ولكنها وهي في نشوة الأنجازات والتحولات نست أو تناست الحكمة القديمة الجديدة أن التوسع في الأقتراض هي مسألة فنية وأقتصادية ذو حدين فأذا لم تدار بكفاءة فقد تنقلب جوانبها الأيجابية الى سلبية وتقع في المحظور بآنفجار فقاعتها الأقتصادية ودخولها في أزمة حقيقية قد تؤدي الى أفلاسها .
ولعل شخصية القيادة والأدارة " ورؤيتها " الطموحة ( وهو شئ جيد ولكن بشروط ) والأندفاع الكبير وروح المغامرة، أضافة الى عدم مأسسة أدارة هذا المشروع التطويري الضخم والمتعدد الجوانب والأكتفاء بأدارته من قبل فرد او مجموعة افراد ، مهما كبرت طموحاتهم وحسنت نواياهم ، فأن هذا المشروع في النهاية خاضع لآعتبارات اقتصادية ومالية وفنية تخطيطا وتنفيذا وتمويلا ويتطلب الشفافية والمحاسبة الحقيقية ضمانا للجدوى الأقتصادية وكفاءة الأداء .

ص4
فالأمور ظلت تسير على مايرام وتحققت انجازات وتحولات اقتصادية وآجتماعية هائلة في مدة قصيرة رغم تراكم الديون ما دام هناك أزدهار وآنتعاش اقتصادي ( مضاربي في جوهره ) ىؤدي الى ارتفاع مستمر في أقيام الأصول المالية والمادية وخاصة العقارية المنجزة وتحت الأنجاز ، وهو الأمر الذي أتاح تمويلا مستمرا من جهة وامكانية الحصول على المزيد من القروض من جهة اخرى ، حتى كانت الواقعة التي تمثلت بثلاث أبعاد :

أ– البعد الأول : وقوع الأزمة المالية والأقتصادية العالمية التي انفجرت في آب 2008 ، فآكتسحت جميع اسواق المال والبورصات والسلع والخدمات في العالم وآنهارت أسواق الأئتمان والتمويل وجف المصدر التمويلي الذي مثل الوقود الحقيقي لأمكانية هذا المشروع الطموح .
ب– البعد الثاني : تمثل في دفع فترة الأزدهار الأقتصادي والنمو المستمرفي الطلب على سوق العقارات ،الذي كان المحرك الحقيقي للتنمية في دبي ، خلال العقد الماضي في رفع أسعار الأصول وخاصة العقارية الى الأعلى بشكل مستمر ( وفق نظرية القطيع ) لتصل الى مستويات مبالغ بها وحرجة لابد وأن ترتد عكسيا لتطيح بكامل البناء كأحجار الدومينو ، كما حدث في أزمة الأئتمان العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت الصاعق للأزمة المالية والأقتصادية العالمية والتي تعتبر أزمة دبي أحد أرتداداتها .
ج– البعد الثالث : وقد تمثل في ألأستحقاقات الضخمة المتتالية لخدمة الديون التي تراكمت بشكل كبير والتي عجزت دبي وبناتها الأربع عن تسديدها وبدأت الطلب من الجهات الدائنة أعادة هيكلتها من ناحية كما طلبت مساعدة أمارة ابو ظبي من ناحية أخرى 3.
لقد تفاعلت الأبعاد الثلاث أعلاه ليبدأ التعثر في تنفيذ المشاريع تحت الأنشاء كما بدأت الخسائر تلحق بالمشاريع التي تم أنجازها ، وبدأت الهجرة العكسية للأيدي العاملة الأجنبية و لرؤوس الأموال كمؤشر لايخطأ لحتمية وقوف هذه التجربة عند هذه النقطة من الأنجاز المادي الرائع ، وذلك لألتقاط الأنفاس وأعادة تقييم هذه التجربة الرائدة في المنطقة العربية وكذلك لأيجاد الحلول الممكنة في التعامل مع الديون الهائلة التي بدأت تترى في أستحقاقاتها .

ص5

2 – لقد أستطاعت دبي تحويل اقتصادها البدائي الى اقتصاد مزدهر مستند بشكل أساس على قطاع الخدمات في مجال خدمات السياحة أولا وخدمات أعادة التصدير ثانيا ، وهو أنجاز كبير في كل المقاييس بالنسبة لهذه الأمارة الصغيرة . لكن أنتعاش قطاعها السياحي وآستمرارية الطلب على خدماته أرتبط بعامل مهم جدا تمثل بوجوب أستمرارية تنفيذ المشاريع الكبيرة وخاصة في مجال الأسكان الفاخر من جهة ، وأستمرارية تنفيذ المشاريع السياحية والخدمية المبهرة من جهة اخري ، وهما يتطلبان بالضرورة استمرارية ضخ رؤوس الأموال والأستثمارات ، وهذا يعني بدوره ضرورة أستمرارية التمويل الخارجي والمديونية وتراكمها . - أن توقف هذه المشاريع والأستثمارات سوف يؤدي الى أنخفاض شديد في الطلب على خدمات القطاع السياحي والذي هو أساس أزدهار أقتصاد دبي ، وهو طلب يتميز بطبيعته بكونه خارجي أجنبي . وما أن أنفجرت الأزمة المالية والأقتصادية العالمية حتى بدأ توقف تنفيذ المشاريع وتوقف ضخ المزيد من الأستثمارات وكذلك الأنخفاض الشديد في الطلب على الخدمات السياحية ووقع الأقتصاد في المحظور.
خامسا – من الأمور القاتلة في تجربة دبي :
1 - أعتمادها على مشاريع وأستثمارات عقارية وسياحية باهضة التكاليف ، وتتطلب تكاليف تشغيلية بنسب عالية ، مما جعل جدواها الأقتصادية وكفاءة أدائها محل تساؤل . والسبب الأقتصادي في ذلك ، أولا : أن الطلب على هذا النوع من الخدمات السياحية والسكنية سوف يقتصر على فئة أجنبية محددة ومحدودة ذات دخول وثروات مرتفعة ،وثانيا : تعرض خدماتها السياحية الى منافسة شديدة من قبل الدول والمناطق السياحية الأخرى المنتشرة في العالم .
2 – كما أشرنا في رابعا أعلاه أن المحرك الأساسى للأزدهار الأقتصادي وأستمرارية الطلب على خدمات قطاع الخدمات وخاصة في مجال السياحة والأسكان في أقتصاد دبي أرتبط بشكل رئيسي بآستمرارية تنفيذ المشاريع والأستثمارات . لكن لكل أقتصاد قدرة معينة تمثل أقصى مستوى من الطلب تتحقق في ضوءه الجدوى والكفاءة الأقتصادية لهذه المشاريع والأستثمارات ، أي أن ما هو معروض من الخدمات السياحية والأسكانية يفترض أن لايتجاوز هذا المستوى من الطلب . أن الأستمرار في تنفيذ المزيد من المشاريع والأستثمارات لما بعد هذا المستوى من الطلب المثالي يعني المزيد من العرض مقابل الطلب ومن هنا يبدأ انخفاض الكفاءة الأقتصادية

ص6
وعدم جدوى هذا المزيد منها . لقد أصبح الأقتصاد في دبي في ورطة حقيقية فآزدهاره مرتبط بالمزيد من الأستثمارات ولكن المزيد منها يعني عدم الكفاءة وعدم الجدوي التى تعم جميع مرافق الأقتصاد . واذا علمنا ان أغلب هذه الأستثمارات مدفوعة بعامل المضاربة وممولة بالديون الأمر الذي يعني عدم أمكانية الأستمرارية وهذا يعني تحول الأقتصاد من حالة الأزدهار الى حالة الركود وآندلاع أزمة المديونية . لقد وصل الأقتصاد في دبي الى حالة الأشباع التي لايمكن تجاوزها منذ مدة طويلة . فقد قدر أحد الخبراء حاجة الأقتصاد من السكن والفنادق والأبراج مثلا في دبي بنصف ما هو معروض منها فعلا .
3 – من الأمور السلبية في تجربة دبي التطويرية والتنموية التمدد والتمادي والتوسع الخارجي والدخول في مغامرات أستثمارية غير محسوبة أو حتى القدرة على السيطرة عليها وهي ممولة بنسبة كبيرة بقروض اجنبية . فمثلا تم الأستثمار كلا أو جزءا في الفنادق والموانئ العالمية والمدن الترفيهية والفرق الرياضية والرحلات الفضائية ، اضافة الى مشاريع عقارية وترفيهية اسطورية مما ادى الى تراكم الديون الأجنبية وصعوبات حقيقية في خدمتها .

4 – أعتمدت دبي فى نموذجها التطويري على فرضيتين تتميزا بأعلى درجات المجازفة والمخاطرة وعدم التأكد . الفرضية الأولى ترتكز على أستمرارية ونمو الطلب على خدماتها السياحية والعقارية ، وهو طلب بالأساس خارجي المصدر (طلب بلا حدود ) . أما الفرضية الثانية فترتكز على أستمرارية أمكانية الحصول على التمويل والأقتراض من المؤسسات المالية الأجنبية (تمويل بلا حدود ) . وهاتين الفرضيتين ثبت عدم صحتهما لأرتباطها بعوامل خارجية وآنعكستا تماما مع الأزمة المالية والأقتصادية العالمية الحالية التي ابتدأت منذعام 2008 كما أشرنا سابقا 4.
5 – أعتمدت تجربة دبي التطويرية على الأيدي العاملة الأجنبية بنسبة عالية جدا ، حيث تقدر بحوالي 95% من أجمالي العمالة . ومن المعروف أن هذا التوجه يتناقض مع مفهوم التنمية البشرية المستدامة حيث أحال المواطنين الى غير منتجين حقيقيين يتمتعون ( بريع المواطنة ) متكدسين في الوظائف العامة دون كفاءة . وأذا علمنا أن العمالة الأجنبية تم تقديرها بحوالي 5 مليون في بلد لايتجاوز عدد سكانه المليون نسمة ، فأنه يمكن الأستنتاج ، اضافة الى ضياع الهوية والثقافة المحلية وحتى مصير البلد ، خطورة هذا النوع من التوجه الذي أحال الأمارة الى ورشة لصالح الأجانب بشكل أساس لأمتصاصه أيجابياتها وتركها تعاني سلبياتها في حالة توقفها لأسباب محتملة .

ص7
وأخيرا يمكن القول أن تجربة دبي في التطوير والتنمية تجربة رائدة تثير الأعجاب استطاعت أن تغير هذه الأمارة الصحراوية ذات الأقتصاد البدائي الى أقتصاد متطور وفق مؤشرات التنمية البشرية ( غير المستدامة ) في مدة قصيرة . ولكن كأي تجربة طموحة ألتصقت بها مجموعة سلبيات يمكن تجاوزها برؤية وتخطيط محكمين .
أن نقاط الضعف في هذه التجربة تبتدأ من التفاؤل الشديد في رؤية جامحة بأمكانية التطوير والتنمية بالأعتماد على قطاعات اعادة التصديروالعقارات والسياحة ، وتنفيذ مشاريع أسطورية باهضة التكاليف تنفيذا وتشغيلا ، دون الأهتمام بالقطاع الأنتاجي السلعي الحقيقي ، وهو أمر أصبح من بديهيات التنمية البشرية المستدامة . كما أنها أستندت على الأقتراض والتمويل الخارجي بكلف عالية جدا لتصل المديونية الى مستويات يصعب أو يستحيل خدمتها ألا بمنقذ خارجي ،أبو ظبي مثلا وهذا ما حصل فعلا . لقد وقعت الأمارة في مصيدة المديونية من ناحية ومصيدة اقتصاد الفقاعة المبني على المضاربات المالية والعقارية من ناحية أخرى . وبشكل ما كررت دبي أسباب ألأزمات المالية والأقتصادية لدول جنوب شرق آسيا في عام وروسيا والأرجنتين في نهاية تسعينات القرن الماضي .
وأذ أردنا ان نلخص سلبيات هذا النموذج التنموي الرائد والطموح ، رغم أيجابياته في بض الجوانب ، فأنه يمكن القول أنه نموذج لتنمية غير مستدامة محفوفة المخاطر ، تميزت بالغربة اقتصاديا وأجتماعيا وثقافيا ، وأحالت الأمارة الى أن تكون بلا هوية . أنها تجربة تنموية أثارت الأعجاب في أندفاعها كما أثارت التساؤل حول مستقبلها .

شباط 2012


المصادر
1- Frank Shostak , What’s Behind the Dubai’s Financial Crisis?
http://blog.mises.org/11119/whats-behind-the-dubais-financial-crisis/
2- Kenneth Rogoff , The Limits of Dubai ,
http://www.project-syndicate.org/commentary/rogoff63/English
3- Mike Whitney, Financial Crisis in Dubai: Towards a Nightmare Scenario?
http://globalresearch.ca/index.php?context=va&aid=16310
4 - Dr Mohd Nazari Ismail , The Dubai crisis: A case of the inevitable biz.thestar.com.my/news/story.asp?file=/2010/1/12/business/5450742&sec=business



#جليل_شيعان_ضمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مبادئ ستراتيجية اولية لتطوير محافظة البصرة - عراق
- ثراء الموازنات وفقر التنمية -تحليل الموازنات العامة العراقية ...
- حرب العملات والنظام النقدي الدولي
- حرب العملات والنظتم النقدي الدولي
- سقف الدين الأمركي والنظام النقدي الدولي


المزيد.....




- الذهب يبلغ أعلى مستوى في أسبوعين بفضل مشتريات المركزي الصيني ...
- في 11 شهرا.. زيادة 20% في أعداد السياح بالمغرب
- أسواق المنطقة تتباين وسط ترقب لبيانات التضخم بأميركا
- الإمارات.. تعديلات على قانون ضريبة الشركات والأعمال
- ما مصير -العقوبات الاقتصادية- على سوريا؟
- البورصة المصرية تكشف موعد بدء التداول على أسهم المصرف المتحد ...
- مؤسسة -ترامب- ودار جلوبال تطلقان مشروعين عقاريين في السعودية ...
- أسهم أوروبا تغلق عند أعلى مستوى في 6 أسابيع
- روسيا.. إيرادات الميزانية تسجل 330 مليار دولار في 11 شهرا
- الصين تستهدف -إنفيديا- بتحقيق يتعلق بمكافحة الاحتكار


المزيد.....

- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - جليل شيعان ضمد - دبي... جدلية التنمية والمديونية