أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - جليل شيعان ضمد - ثراء الموازنات وفقر التنمية -تحليل الموازنات العامة العراقية 2006 - 2010















المزيد.....



ثراء الموازنات وفقر التنمية -تحليل الموازنات العامة العراقية 2006 - 2010


جليل شيعان ضمد

الحوار المتمدن-العدد: 3634 - 2012 / 2 / 10 - 10:01
المحور: الادارة و الاقتصاد
    



مقدمة:
ص1 تعتبر الموازنة العامة اهم اداة سياسية اقتصادية اجتماعية تعكس توجهات واهداف القوى المهيمنة في المجتمع لانها الوسيلة الاكثر فاعلية في ضمان تحقيق هذه التوجهات والاهداف .فالموازنة العامة ليست مجرد تخمينات رقمية مالية وحسابية لتمويل انشطة وفعاليات الدولة وانما تمثل ترجمة عملية لمجمل اهدافها .وعليه فهيكل النفقات العامة وهيكل الايرادات العامة وطبيعة عجز الموازنة العامة وطرق تمويله تعكس بشكل حاسم طبيعة ومضمون هذه الاهداف .
لقد صدرت الموازنة العراقية لعام2010متضمنة عجزا متوقعا بمقدار22.9ترليون دينار او19.4مليار دولار و بنسبة مايقارب 27%من اجمالي النفقات العامة المتوقعة البالغة 84.6 تريليون دينار او72.4 مليار دولار مقابل اجمالى الايرادات العامة المتوقعة بمقدار61.7 ترليون دينار او53مليار دولار.1 ان تطور هذا العجز بهذا الشكل الملفت للنظر يثير الكثير من التساؤلات في ضوء اهداف السياسة المالية و طبيعة الاقتصاد العراقي ومتطلبات تطويره وطاقته الاستيعابية اولا, وطبيعة المرحلة الانتقالية التي تمر بها الدولة العراقية ثانيا, وطبيعة تطور نفقاته الجارية والاستثمارية وقدرته التنفيذية ثالثا, وطبيعة تطور وتقلب ايراداته العامة المتاتية من مصدر وحيد تقريبا هو النفط رابعا, وطبيعة تطور المديونية الداخلية والخارجية واثارها خامسا.ان هذا البحث محاولة للاجابة عن هذه التساؤلات واقتراح بعض المؤشرات والاشتراطات التي تحكم تطور النفقات العامة بشكل عام وتطور عجز الموازنة بشكل خاص.
العجزوتدخل الدولة والنظرية الاقتصادية:
يعتقد البعض افضلية عدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي والاجتماعي بحجة ان تدخلها يفسد الكفاءة في تخصيص الموارد وتوزيع الدخول .وهذا ما مثله فكر المدرسة التقليدية والتقليدية الجديدة. وكان حصاد التطبيق العملي لهذا الفكر الراسمالي في احد تجلياته الازمة الاقتصادية العالمية وحصادها المر في الاعوام 1929-1933 وما تلاها والذي شمل اغلب دول العالم المتقدم والنامي .هذا الامر ادى الى سيادة فكر اقتصادي جديد متمثلا بالمدرسة الكينزية الذي اوضح تحليليا ضرورة تدخل الدولة واستخدام سياستها الاقتصادية وبالاخص المالية بما فيها عجز الموازنة للتعويض عن نقص الطلب الفعال بسبب تفضيل السيولة والاكتناز لتحقيق التشغيل الكامل (شبه الكامل) والاستقرار الاقتصادي بعيدا عن الركود الاقتصادي والازمات ,ومن هنا كان الحديث عما سمي المالية الوظيفية .
استمر هذا الاتجاه في التحليل الاقتصادي الى السبعينات من القرن العشرين ليدخل الاقتصاد الراسمالي مجددا في ازمة وحالة ركود مصحوبة بالتضخم (الركود التضخمي) , اعطى فرصة جديدة لظهور فكر اقتصادي اخر هو فكر جمع بين ادوات تحليل المدرسة التقليدية وادوات المدرسة الكينزية تمثل بالمدرسة النقودية (او مدرسة شيكاغو او الكمية الجديدة), ومن ابرز ممثليها ميلتون فريدمان التي اكدت مجددا على ضرورة عدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي حتى لاتوقف الاليات والادوات الاقتصادية التي بتفاعلها الحر في السوق تضمن الكفاءة والنمو المستمربعيدا عن الازمات ,وان تدخلت فبحدود ضيقة جدا عبر السياسة النقدية لضمان عرضا نقديا يواكب متطلبات النمو . ورغم تبني فكر هذه المدرسة عمليا من قبل حكومات الدول الراسمالية منذ الثمانينات الى الوقت الحاضرالا انه وللمرة الثالثة عصفت باقتصادات هذه الدول وطالت اغلب اقتصادات دول العالم ازمة عنيفة طاحنة ابتدات منذ نهاية عام 2007 ولازالت ,رغم ان جذورها ابعد من ذلك وهي في حقيقة الامر مرتبطة بطبيعة النظم الراسمالي وآلياته , كادت ان تطيح بها وبالاقتصاد العالمي وذكرتنا بازمة 1929-1933 الامر الذي اجبر حكومات هذه الدول على التدخل المباشر في النشاط الاقتصادي بشكل غير مسبوق في النظم الراسمالية عن طريق تاميم وامتلاك شركات ومؤسسات كبرى وتقديم قروض هائلة لاخرى تحت عنوان خطط الانقاذ.
1- قانون الموازنة العراقية2010 http://www.parliament.iq/dirrasd/law/2010/20.pdf
ص2 وكما حدث سابقا وتكرر مرارا بدأ يتبلور فكر جديد ومدرسة جديدة في اطار النظام الراسمالي ,وهي كما يبدو عملية لاتنتهي لارتباطها بحتمية ازمات النظام الراسمالي. يرتكز هذا الفكر على اهمية وضرورة تدخل الدولة لضمان الاداء الاقتصادي الكفوء والنمو المستمر بعيدا عن الازمات . ونتوقع ان ياخذ هذا الفكر الجديد مسميات مثل (الفريدمانيون الجدد على طريقة الكينزيون الجدد) او اي مسمى اخر يمثل خليط من افكار المدارس الاقتصادية القديمة والجديدة. وهى عملية ستتكرر مستقبلا ايضا. وهذا التوجة الجديد لحتمية تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية اصبح حقيقة واقعة ,اجبر احد كبار ايديولوجيو الراسمالية المعاصرين (فوكوياما) الى الدعوة للتدخل الحكومي لمعالجة الخلل الملازم لالية السوق والنظام الراسمالي.1
والخلاصة ان التجربة التاريخية للنظم التي اختبرتها البشرية ,سواء كانت راسمالية او اشتراكية وما بينهما , تثبت ان للدولة دور كبير وضروري لتحقيق اهداف المجتمع في النمو والتنمية والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي . وان كانت هذه حقيقة ترقى الى مستوي البديهية في الدول المتقدمة (وهي تشكو من مشكلة قصور الطلب بشكل اساس ) كما راينا اعلاه,ولدرجة شن الحروب لضمان وتحقيق مصالحها, فهي كذلك من باب اولى في الدول النامية ( وهي تشكو من مشكلة العرض وقصور الطاقات الانتاجية والتخلف ) 2 .وبالتالي فمن الطبيعي ان تلجا الحكومة لتمويل انفاقها العام بشقيه الجاري والاستثماري الى مختلف الوسائل بما فيها العجز المخطط او المقصود للموازنة 3.
واقع عجز الموازنة في الدول المتقدمة والنامية :
تشير الاحصاءات الخاصة بتطور عجز الموازنة انه بدأ يمثل مشكلة حقيقية لجميع الدول المتقدمة والنامية لاسباب تتعلق بكفاءة الاداء الاقتصادي والاجتماعي لديهما معا رغم اختلاف طبيعة مشاكلهما . وقد اخذ هذا العجز بالتطور والنمو ليبلغ مستويات غير مسبوقة تثير التساؤل والمخاوف. فقد ارتفعت نسبة العجز الممولة بالقروض الداخلية والخارجية في الدول المتقدمة على سبيل المثال من 40% عام 1980 الى 70% عام 1995 , وفي امريكا بلغ العجز 39.4% بمقدار1.5 تريليون دولار عام2010 4 . وفي الدول النامية قد تتفاوت نسب عجز الموازنة كثيرا الا انها تميل الى الارتفاع مع الوقت .ففي مصر مثلا تطورت هذه النسب من 3% الي6.6 % من الناتج المحلي الاجمالي للاعوام 98/ 99 و2002/2003 , 5 وفي العراق من 21.4% الى27.8% من اجمالي النفقات العامة (الجدول) للاعوام2006 و2010.

----------------------------------------------------------------------------------------------------------
1-Francis Fukuyama ,A New Era , The American Interest On Line ,vol. 4 ,no.3 jan-feb2009 http://www.the-american-interest.com/ contents.cfm? Mld=23
2-طبعا المشكلة اعقد من ذلك بكثير .ففي الدول المتقدمة تتمثل المشكلة في الوقت الحاضر اضافة الى ذلك بتشويه هيكل النشاط الاقتصادي المتمثل بالنمو السرطاني للقطاع المالي المضاربي على حساب القطاع السلعي الحقيقي , ونمو النفقات العامة وعجز الموازنة والمديونية الداخلية والخارجية بنسب تفوق قدرة الاقتتصاد على تمويلها بسبب سياسات التسلح والامن والحروب , اضافة الى الفساد الاداري وعدم تطبيق معايير الحوكمة والشفافية ,وزيادة التفاوت في توزيع الثروة والدخل وتطبيق سياسات منحازة الى الفئات الغنية . اما بالنسبة للدول النامية فقد تتطابق مشاكلها مع اعلاه مع بعض التعديل مع احلال قصور العرض محل قصور الطلب .
3-الهدف من هذه الفقرة من البحث تبيان اهمية تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي واللجوء لمختلف الوسائل لتحقيق اهدافها ومن ضمنها العجز المقصود في الموازنة . لهذا ليس من هدفها استعراض النظريات التقليدية والكنزية والنقودية. ويمكن الرجوع الى كتب الاقتصاد الكلي لمزيد من التفاصيل .
www.aljazeera.net/NR/EXERES/1E66B7A8-D304-4BED-B7A9-0A68B5909B47.htm - 4
5-مجلس الوزراء, مركز المعومات ودعم اتخاذ القرار , تجارب دولية في السيطرة على عجز الموازنة, جمهورية مصر العربية, 2005, ص (3) .
ص3 ورغم ان التبريرات الموضوعية للجوء الى العجز في الموازنة مرتبطة بطبيعة اهداف الموازنة العامة الاقتصادية والاجتماعية والتي يمكن تلخيصها كما يلي:
- رفع مستويات المعيشة والغاء خطوط الفقر وفق مؤشرات التنمية البشرية .
- اعادة هيكلة الاقتصاد وانجاز مشاريع البنى الارتكازية الاساسية وخلق الطاقات الانتاجية الحقيقية .
- خلق فرص عمل ومصادر دخل جديدة من انشطة انتاجية حقيقية .
- ضمان نمو اقتصادي مستمر مستند بشكل اساس على المصادر الداخلية.
الا ان الالتجاء المتزايد نحو العجز في الموازنة واستسهاله قد تترتب عليه اثار سلبية وربما كارثية على الدولة والمجتمع.
وتتاتى هذه الاثار من عاملين اساسيين :
1- النفقات العامة بشكل عام والنفقات الممولة بالعجز بشكل خاص يترتب عليها اثار عميقة في متغيرات الاقتصاد الكلي.
2- طبيعة مصادر تمويل عجز الموازنة حيث تختلف الاثار المترتبة عليها و بشكل جوهري باختلاف وتنوع هذه المصادر التي اهمها الاقتراض الداخلي (من الجهاز المصرفي والمالي والجمهور ) اولا, والاصدار النقدي الجديد ثانيا, والاقتراض الخارجي او الاجنبي ثالثا .
وهنا يتاتى موضوع في غاية الاهمية يتعلق ( بادارة عجز الموازنة العامة) , وهو في تقديرنا علم وفن في آن واحد, ومضمونه تمويل عجز الموازنة من المصادر المتنوعة (بسقوف ونسب محددة ) بشكل آمن ومسيطر عليه لضمان قدرة موارد الدولة واقتصادها على تحمل اعباء وكلف هذه القروض الداخلية والخارجية دون التاثيرعلى تحقيق اهداف الموازنة المشار اليها اعلاه, وذلك عن طريق تناغم عوامل متمثلة: اولا بتوقيتات الاقتراض العام القصير والطويل الاجل من المصادر المختلفة وبالنسب المختلفة ,وثانيا توقيتات خدمة هذه القروض وثالثا توقيتات النمو المتوقع لموارد الدولة المالية .وكما يلاحظ فهي عملية معقدة يمكن تشبيهها بعملية ادارة المحافظ المالية والاستثمارية ولكن الاولى اكثر تعقيدا لتعقد وظائف الدولة واهدافها. ؤسوف نتناول هذا الموضوع بشئ من التفصيل عند الحديث عن عجز الموازنة في العراق.
اسباب نمو وارتفاع عجز الموازنة العامة :
هناك العديد من الاسباب التي تجعل النفقات العامة وعجز الموازنة العامة تميل الى النمو والتطور خاصة في الدول النامية , ويمكن ايراد اهمها فيما يلي :
1- اسباب حقيقية مرتبطة بوظائف الدولة واهدافها المذكورة سابقا . علما ان هذه الاسباب ليس لها علاقة بما يسمى (قانون فاجنر ) الذي ربط هذا الميل لنمو النفقات العامة بوظائف الدولة التقليدية في حدودها الدنيا .1
2-عدم ترشيد وعدم كفاءة الانفاق العام لعدم خضوعه لدراسات الجدوى والكفاءة الاقتصادية من جهة , واتجاه اغلب الدول الى تضخيم الجيوش وقوى الامن والتسلح, والدخول في حروب ونزاعات داخلية وخارجية مكلفة .
3-تخلف النظام الضريبي وعدم كفاءته مما انعكس سلبا على حصيلة الضريبة وعزز هذه النتيجة انتشار التهرب
1- مضمون هذا القانون ان النفقات العامة تميل الى الزيادة بنسبة اعلى من نسب نمو الناتج القومي, او بتعبير اخر ان مرونة الطلب الدخلية تساوي اكثر من واحد . وقد تم اختبار القانون بدراسات متعددة لم تصل الى نتائج حاسمة , ولعل احد الاسباب لذلك ان القانون بصيغته الاصلية يخص الدول الصناعية المتقدمة .
http://www.springerlink.com/content/t54536140736w467
ص4 الضريبي وضخامة مايسمى باقتصاد الظل او الاقتصاد غير الرسمي . وفي بعض الاحيان قدد يكون التمادي في فرض الضريبة سببا في انخفاض حصيلتها كما يقترح ذلك منحنى ( لافر ) .
4- طبيعة العلاقات الاقتصادية الدولية وماتتضمنه من تقلبات في اسعار سلع الصادرات وسلع الواردات واسعار الصرف .
تحليل عجز الموازنة العامة في العراق :
من المعرف ان هناك نوعين من عجز الموازنة : الاول العجز الحسابي الذي يمثل الفرق بين النفقات العامة والايرادات العامة , والثاني العجز الاقتصادي الذي يمثل الفرق بين الاهداف الاقتصادية والاجتماعية التي يفترض ان تتضمنها الموازنة العامة وبين الاهداف الفعلية الممكنة التحقيق مترجمة بتخصيصات الموازنة . ومن الطبيعى ان يكون هناك وباستمرار عجزا اقتصاديا لان الاهداف الاقتصادية والاجتماعية التي يفترض تحقيقها تكون دائما اكبر من الممكنة التحقيق بحكم محدودية الموارد او الايرادات العامة . ولهذا السبب يكون الالتجاء الى التمويل بالعجز مكتسبا الشرعية او الواجبة لتقليص العجز الاقتصادي . لكن هذه الشرعية او الوجوب مرتبط بطبيعة وشرعية الاهداف الاقتصادية والاجتماعية التي تمت الاشارة اليها سابقا. وعلية فالعجز قد لايكون حالة سلبيه بل وضرورية اذا كانت الاهداف ايجابية .
سنحاول الان دراسة تطور النفقات العامة والتخصيصات الاستثمارية و عجز الموازنة العامة في العراق وما تثيره من ملاحظات في ضوء الجدول التالي :

تطور النفقات العامة والاستثمارات االعامة وعجز الموازنة العراقية
للمدة 2006- 2010
السنة العجز النفقات العامة الاستثمارات العامة
تريليون دينار مليار دولار % من النفقات تريليون دينار مليار دولار تريليون دينار مليار دولار % من النفقات
2006 4.6 3.7 10.7% 42.8 34 9.2 6.2 21.4%
2007 9.5 7.6 18.4% 51.6 41 12.6 9 30%
2008 7 5.8 12% 58.1 48.4 15.8 13.4 27.7%
2009 18.7 15.8 27% 69 57.5 15 12.7 21.7%
2010 22.9 19.4 27% 84.6 72.4 23.6 20 27.8%
المصدر: وزارة المالية, دائرة الموازنة ,موازنات العراق للسنوات 2006-2010 ,بغداد.
ص5 الملاحظات التي يمكن ذكرهافي ضوء الجدول اعلاه, اضافة الى مضامين الديباجات التي تصدرت هذه الموازنات وبعض تفاصيل الجداول المرفقة بها , نوردها كما يلي :
اولا : لاغراض التحليل والوصول الى استنتاجات دقيقة من المهم ان نفرق بين مفهوم الموازنة كحالة متوقعة او مخططة ( ex-ante ) في بداية السنة المالية والميزانية كحالة متحققة فعلية في نهايتها ( ex-post ) . وفي غياب او عدم توفر ارقام الميزانيات العراقية للفترة محل الدراسة (حيث لم تقدم الحسابات الختامية لجميع الموازنات ولم يصادق عليها منذ التغيير) , اضافة لوجود موازنات تكميلية تضاف الى الموازنات السنوية الامر الذي يغيرها من الناحية الكمية ومن ناحية توزيع تخصيصاتها للوصول الى حقيقة اهداف وسياسات الحكومة , فقد تم الاعتماد على الموازنات الاولية كتقريب لحقيقة هذه الاهداف والسياسات كما تعكسها الميزانيات وليس الموازنات .
ثانيا : المصدر الرئيسي للايرادات العامة يتاتى من الايرادات النفطية التي تشكل اكثر من 95%, ثم اضيف اليه مصدر اخر مهم نسبيا مرتبط بخدمات الهاتف النقال بلغت نسبة ايراداته 16.4% في موازنة 2008 . وهذا يعني ان تقديرات الايرادات العامة مرتبط بتقديرات الكميات المتوقع تصديرها من النفط الخام اضافة الى تقديرات اسعار النفط العالمية المتوقعة وهي عوامل تتميز بالتقلبات, واحيانا الشديدة , مما يوجب الحذروالدراسة المتحفظة المتأنية عند تقدير كل من النفقات العامة ( وخاصة النفقات التشغيلية الجارية ) والايرادات العامة . ان القفزات الكبيرة في معدلات نمو الانفاق العام ,كما نلاحظها في الجدول اعلاه , يشكل مؤشر يوجب المراجعة الجدية والسريعة لتفادي الاثار السلبية المحتملة. فقد ارتفعت النفقات العامة من 34 مليار دولارعام 2006 الى 72.4 مليار دولار لعام 2010.واذا اخذنا بنظر الاعتبار نسب التنفيذ المنخفض للمنهاج الاستثماري السنوي والتي قد لاتتجاوز 50% بسبب الظروف الانتقالية للعراق , يمكن الاستنتاج ان الارتفاع الكبير في الانفاق العام انصب على الانفاق التشغيلي الجاري بشكل اساس وهو مايشكل مؤشرا خطيرا في دولة نامية كالعراق تحتاج الى موارد كبيرة وهائلة لاعادة اعماره في كل المجالات ابتداء من البنى التحتية بما فيها التعليم والصحة والاسكان والطرق الى قطاعات النفط والصناعة والزراعة بالاضافة الى توفير الحد الادنى لمستويات معيشة تليق بانسان القرن الواحد والعشرين في بلد متخم بالموارد. ان الاثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على هذه السياسة المالية التوسعية والتي احد تجلياتها معدلات التضخم المرتفعة في الاقتصاد العراقي تتناقض مع اهداف السياسة النقدية التقشفية التي تركز على مكافحة التضخم كهدف اساسي من خلال استقرار اسعار الصرف بدل ان تكونا متكاملتين ومتناغمتين في اطار سياسة اقتصادية واحدة 1 . ان الخطورة الجدية للمعدلات المرتفعة لنمو الانفاق التشغيلي الجاري تتجسم اكثر اذا ارتبطت بنمو معدلات مرتفعة في عجز الموازنة كما سيتبين لنا ذلك من الفقرة اللاحقة.
ثالثا : يلاحظ من الجدول اعلاه نمو عجز الموازنات في السنوات الاخيرة الى مستويات خطيرة وصلت الى نسبة اكبر من27 % من اجمالي الانفاق العام واكبر من 41% من اجمالي الايرادات العامة وبمبلغ قارب 20 مليار دولار في موازنة 2010 . ان مصدر الخطورة الحقيقية, كقاعدة عامة, يتاتى من الربط الوثيق بين نمو عجز الموازنة ونمو المديونية الداخلية والخارجية . وهذا الامر قد يدخل الاقتصاد والموازنات اللاحقة في حلقة مفرغة ذات اثار مدمرة للاقتصاد (مضمونها التغذية المتبادلة بين العجز والمديونية). ويتبين ذلك بشكل واضح انه ولاول مرة في موازنات ما بعد 2003 ان ينص في موازنة2010 الالتجاء الى الاقتراض الداخلي والخارجي لتمويل عجز الموازنة وتخويل وزير المالية صلاحية الاقتراض من صندوق النقد الدولي بحدود 4.5 مليار دولار ومن البنك الدولي 2 مليار دولار و باستخدام حقوق السحب الخاصة SDR بحدود 1.8 مليار دولار 2.

رابعا : رغم خضوع السياسة المالية مترجمة عمليا بطريقة اعداد الموازنة الى شروط صندوق النقد الدولي, في ضوء

1- هناك ملاحظات هامة تخص السياسة النقدية ومدى فاعليتها المتبعة حاليا من قبل البنك المركزي العراقي سوف نشير اليها لاحقا.
2- قانون موازنة العراق 2010 , المادة 2- ثانيا – أ و ب . http://www.parliament.iq/dirrasd/law/2010/10.pdf -
ص6 اتفاقيةالترتيبات المساندة SBA المعقودة في تشرين الاول 2005 مع الحكومة العراقية, اضافة الى وثيقة العهد الدولي , وما تفرضه عليها من توازنات مالية تقشفية لمعالجة العجز المزدوج-عجز الموازنة وعجز ميزان المدفوعات- وسياسات انفتاح اقتصادي مصحوبة بتحجيم دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي , الا انه بسبب الظروف الامنية والاقتصادية الصعبة التي مر بها العراق خلال الفترة الانتقالية لما بعد التغيير عام 2003 اجبرته على عدم الالتزام بالجزء الاول من سياسات صندوق النقد الدولي , الخاصة بالتوازنات المالية وتخفيض الانفاق الحكومي.وذلك لمعالجة الجوانب الامنية التي لها الاولوية اولا, ولمعالجة بعض الجوانب الاقتصادية والاجتماعية الهامة المتعلقة بالبطالة والاعانات والمنافع الاجتماعية والدعم من ناحية ثانية , والتزامات متعلقة بالمديونيات الاجنبية وفوائدها ثالثا . فعلى سبيل المثال بلغت التخصيصات للقضايا الامنية والدفاع 2.8مليار دولار و للمنافع الاجتماعية 5.3 مليار دولاروللمديونيات 3.5 مليار دولار وبمجموع 11.6 ملياردولار في موازنة 2009 , بينما بلغت هذه التخصيصات 3.3 مليار دولار و5.2 مليار دولارو4.6 مليار دولار وبمجموع 13.1 مليار دولار في موازنة 2010 .وتتجلى الاثار السلبية لهذه الظروف الضاغطة على الموازنة اذا علمنا ان هذا المجموع يشكل 27% من اجمالي الايرادات العامة البالغة 43 مليار دولار في موازنة 2009 , كما يشكل نسبة 24% من اجمالي الايرادات العامة البالغة 52.7 في موازنة 2010 . 1
اذن من الناحية الموضوعية فان الظروف الاستثنائية الانتقالية التي مر ويمر بها العراق ادت الى نمو النفقات العامة وعجز الموازنة بمعدلات مرتفعة للسنوات الخمس الماضية . لكن من الناحية الاخرى الموضوعية ايضا يجب التاكيد انه كان بالامكان تخفيض هذه المعدلات بشكل كبير فيما يخص الانفاق الجاري التشغيلي اولا , ورفع نسب انجاز وتنفيذ مشاريع المنهاج الاستثماري(الانفاق الاستثماري ) في البنى التحتية وفي القطاعات الحقيقية الانتاجية السلعية الزراعية والصناعية ثانيا. ومن هنا يمكن ان نستنتج ان الخلل العام في موازنات الخمس سنوات المذكورة في الجدول اعلاه ( ودون الدخول في التفاصيل والاسباب ) يكمن في ضخامة الانفاق التشغيلي الجاري ونموه بمقادير ونسب كبيرة.
خامسا : تنص موازنة 2010 في مقدمتها (ان المفهوم العلمي الحديث للموازنة الحكومية يتعدى كونها بيانات مالية وحسابات ... بل اصبحت في عالم اليوم اوسع واعمق بكثير, كونها تعكس مضمون السياسات المالية المعتمدة وهي مرآة الحكم بذاته في فلسفته المالية وتوجهاته الاقتصادية وقواعده الضريبية وخياراته الاجتماعية والتربوية والصحية.الى جانب ذلك فانها تمثل الاداةالتي تسهم الدولة من خلالها في التحول نحو مواكبة التغيرات الحاصلة في المجتمع والاقتصاد من خلال الاستثمارات والبرامج المعتمدة وهي في ذلك تسهم في تحريك الدورة الاقتصادية ودفع وتعزيز النشاط الاقتصادي العام وتحفيز القطاع الخاص على الانتاج والمبادرة ... .كما تنص في اهدافها تحقيق الامن والاستقرار واشباع الحاجات الاساسية وزيادة الاستثمارالمادي والبشري وفي البنى التحتية للاسهام في معالجة البطالة والعمل على توفير السكن لذوي الدخل المحدود اضافة الى العمل لزيادة الايرادات غير النفطية وخاصة الضرائب ) 2 .
ان هذا النص كفلسفة واهداف موجود ايضا في كل الموازنات السابقة , وهو ذا مضامين علمية موضوعية , الا انه لم يتم ترجمته الى برنامج عمل محدد وفق خطة محكمة شاملة ضمن اطار زمني معين . كما ان طبيعة توزيع تخصيصات الموازنة بشقيها التشغيلية والاستثمارية , وواقع المنجز منها فعلا , يجعلها بعيدة عن تحقيق اهدافها . فمثلا لايوجد برنامج محدد لتقليص او القضاء على البطالة مرتبط بخلق فرص حقيقية انتاجية عن طريق تنمية وتطوير الطاقات الانتاجية في اهم قطاعين اقتصاديين الزراعة والصناعة بتنفيذ مشاريع محددة بشكل مباشر او غير مباشر من قبل القطاع العام او القطاع الخاص . علما انه لاتوجد احصاءات دقيقة عن حجم البطالة التي تتراوح تقديراتها ما بين 15%- اكثر من50%.3 ,وتكتفي هذه الموازنات بالالتزام بخلق وظائف جديدة تتراوح بين 100 – 250 الف وظيفة سنويا اغلبها في اجهزة الدولة الخدمية . وهو اجراء رغم اهميته في خلق فرص عمل اضافية ,في ظل ظروف العراق الانتقالية الاستثنائية , الا انه يضيف اعباء كبيرة على الاقتصاد والموازنات العامة في الامدين القصير والطويل .فقد ارتفعت فقرة تعويضات الموظفين من 6.6 مليار دولارفي موازنة 2006 الى 8 مليار دولار في موازنة 2007 الى 26.2 في موازنة 2009 و 26.8 في موازنة 2010 . وهذه تشكل نسبة 21.7% و23.9% و60.8% و50.8% من اجمالي الايرادات العامة في
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------
1- وزارة المالية , دائرة الموازنة ,مشروع قانون الموازنة لجمهورية العراق لعام 2010 ص 24 و 28 .
2-المصدر السابق , ص 9 و 11 .
3- وزارة التخطيط العرااقيةhttp://www.mop-iraq.org/mopdc/index.jsp?sid=1&id=412&pid=36

ص7 الموازنات الاربعة على التوالي . ومن المهم جدا معالجة هذا الخلل عن طريق التوسع في خلق فرص العمل الانتاجية الحقيقية بالتركيز على تطوير القطاعات السلعية الزراعية والصناعية كما اشرنا اعلاه .
ومن الناحية الاخرى , ورغم التاكيد على العمل لتحقيق تنوع الايرادات العامة في كل الموازنات , الا انها لم تنجح في تحقيق هذا الهدف الحيوي . فلا زالت الايرادات النفطية تشكل النسبة الاكبرتتجاوز 90% من اجمالي الايرادات العامة في جميع الموازنات المذكورة في الجدول ,عدا موازنة 2008, حيث شكلت الايرادات النفطية نسبة 83.6% بسبب ايرادات الهاتف النقال .ومع الاخذ بنظر الاعتبار ان السبب الرئيسي والحقيقي لهذا الاختلال في هيكل الايرادات هو اختلال الهيكل الاقتصادي وتخلفه ,الا انه يعود ايضا الى الانخفاض الشديد في حصيلة الايرادات الضريبية لاسباب تتعلق بتخلف النظام الضريبي وعدم كفائة جهازه الاداري وشيوع ظاهرة التهرب الضريبي . ورغم اهمية الضرائب في تحقيق اهداف اقتصادية واجتماعية متعددة باعتبارها اداة تخطيطية وتوجيهية للنشاط الاقتصادي اضافة الى وظيفتها في اعادة توزيع الدخل القومي فأن النظام الضريبي وجهازه الاداري لم ينجح حتى في تحقيق اهدافه الضيقة المرتبطة بتعظيم حصيلة الايرادات العامة .فمثلا لم يكتب النجاح في رفع الرسوم الكمركية من5% الى 10% رغم صدور القرارات الخاصة بذلك وسهولة تطبيقها منذ اكثر من اربع سنوات , بل انخفض رسم اعادة الاعمارمن 600 مليار دينارعام 2006 الى 369 مليار دينار عام 2007 .
ورغم الحديث عن اهمية القطاع الخاص ودوره المركزي في قيادة النشاط الاقتصادي وتقليص دور الدولة كهدف اساسي في الموازنات الخمس , كانعطاف ستراتيجي في الفلسفة والسياسة الاقتصادية لعراق ما بعد التغيير2003, الا انها لم تنجح في تحقيقه بسبب عدم ترجمته الى سياسات عمليه محددة مثل تشجيع هذا القطاع الحيوي لتنفيذ مشاريعه الانتاجية الصغيرة والمتوسطة والكبيرة عن طريق تقديم القروض الميسرة والاعانات المرتبطة بالتنفيذ الحقيقي لهذه المشاريع . بل الادهى والامر انها قدمت للاستثمار الاجنبي مميزات وتسهيلات لايحلم بها القطاع الخاص الوطني رغم كثرة التصريحات والندوات والمؤتمرات وورش العمل الرسمية وغير الرسمية في داخل العراق وخارجه 1.
سادسا : لقد تطورت تخصيصات النفقات الاستثمارية بشكل ايجابي مهم في الموازنات الخمس وهو اتجاه منسجم مع حاجة الاقتصاد الماسة لمزيد من الاستثمارات في البنى التحتية وفي اعادة الهيكلة ومتطلبات التنمية البشرية.فازدادت هذه التحصيصات من 6.2 مليار دولار الى 9 مليار دولار و 13.4 و 12.7 و 20 مليار دولار في موازنات 2006 و 2007 و 2008 و 2009 و 2010 على التوالي .الا ان هذه التخصيصات الاستثمارية الضخمة فقدت تاثيرها العملي المتوقع منها على الاقتصاد العراقي لاسباب عديدة من ضمنها :
1- امام المهام الكبيرة المتعددة التي تتطلبها عملية التنمية كان بالامكان ان تزداد التخصيصات الاستثمارية بمقادير ونسب اكبر فيما لو تم تخفيض تخصيصات النفقات التشغيلية الجارية للاسباب الموضوعية التي تم الاشارة اليها في الفقرة رابعا اعلاه . فقد بلغ مجموع تخصيصات النفقات التشغيلية الجارية 191.4 مليار دولار وبمعدل سنوي 38.2 مليار دولار في الموازنات موضوعة البحث , بينما بلغ مجموع تخصيصاتها الاستثمارية 61.3 مليار دولار وبمعدل سنوي 12.2 مليار دولار . ويتجسم هذا الخلل اذا علمنا ان نسبة تنفيذ المنهاج الاستثماري السنوي لاتزيد عن 50% في ضوء بعض التقديرات. وعليه فالمحصلة تكون لصالح النفقات التشغيلية الجارية وعلى حساب النفقات الاستثمارية , رغم الاهمية الجوهرية للاخيرة ورغم الاثار السلبية المترتبة على مثل هذا التوزيع في التخصيصات . ان احد اهم هذه الاثار المباشرة تعرض الاقتصاد الى الضغوط التضخمية بتاثيراتها السلبية المعروفةعلى مستويات المعيشة , حيث اتجهت نسب التضخم نحو التصاعد منذ بداية هذه الفترة تراوحت ما بين %50 – 70% سنويا ثم اتجهت نحو الانخفاض اخيرا 2.
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------
1- قانون الاستثمار , رقم 13 ,لعام 2006 .
2- د.مظهر محمد صالح ,الاتجاهات الراهنة للتضخم في العراق ,مجلة الاصلاح الاقتصادي , العدد 3 , تشرين
اول- 2006 و http://www.alsabaah.com/paper.php?source=akbar&mlf=interpage&sid=90515
ص8 2- وجود خلل كبير في توزيع التخصيصات الاستثمارية بين القطاعات الاقتصادية لغير صالح القطاعات الانتاجية السلعية , وخاصة الزراعة والصناعة , التي تعتبر اساس كل تنمية حقيقية . فمثلا كانت حصة الزراعة من هذه التخصيصات 155.4 مليون دولار وبنسبة 1.2% من اجمالي التخصيصات البالغة 15 مليار دولار في موازنة عام 2009 .كما بلغت 174.3 مليون دولار وبنسبة 0.8% من الاجمالي البالغ 23 مليار دولار في موازنة عام 2010. اما قطاع الصناعة فكانت حصته 508.5 مليون دولار وبنسبة 3.9% من الاجمالي عام 2009 . وبلغت هذه الحصة 427.3 مليون دولار وبنسبة 2.1% من الاجمالي عام 2010 .علما ان حصة وزارة الشباب والرياضة كانت 145.2 مليون دولار بنسبة 1.1% عام 2009 , و470 مليون دولار وبنسبة 2.3% عام 2010 . 1
ان هذا الشكل من التوزيع للتخصيصات الاستثمارية جاء منسجما مع السياسات والتوجهات الجديدة التي حكمت جميع موازنات ما بعد التغيير 2003 ,التي تنص علي انسحاب وتحجيم دور الدولة في النشاط الاقتصادي والاعتماد على القطاع الخاص بشكل اساس في تحقيق التنمية والتطور تحت تاثير الالتزامات الدولية المتمثلة باتفاقية صندوق النقد الدولي ووثيقة العهد الدولي 2 . المشكلة الحقيقية هنا ان الحكومة في سياساتها قامت بتنفيذ الجزء الاول من هذه التوجهات الحاكمة ولم تطبق الجزء الثاني الخاص بنهوض وتشجيع القطاع الخاص والاليات المساندة,كما اشرنا الى ذلك في الفقرة الخامسة , وبالتالي لم تستطع تحقيق اهدافها الاقتصادية والاجتماعية . النتيجة دخول الاقتصاد العراق في حلقة مفرغة بكل ما تعنيه من اختلالات هيكلية 3 ومن انحراف في المتغيرات الكلية الاساسية مثل البطالة والتضخم والعجزالمزدوج ومؤشرات التنمية البشرية, التي لايمكن تجاوزها الا بالرجوع عن تطبيق سياسات الجزء الاول او تطبيق سياسات الجزء الثاني مع آلياته المساندة او تطبيق الجزئين معا بنسب متفاوتة في ضوء الظروف الموضوعية التي تضمن تحقيق هذه الاهداف .
عجز الموازنة العراقية والمديونية والاحتياطات الاجنبية :
أ- سبق وذكرنا في القسم الاول من هذا البحث ان الالتجاء الى عجز الموازنة الممول بالاقتراض ليس هو المشكلة بشرط ارتباطه بتمويل المشاريع الاستثمارية التي تخلق انشطة اقتصادية وطاقات انتاجية اضافية تساعد على خلق آليات لمصادر ايرادات جديدة تضمن عملية خدمة الدين ولا تدخل الموازنة في حلقة مفرغة تؤدي الى المزيد من العجز ثم المزيد من المديونية وما يترتب عليها من آثار مدمرة للاقتصاد.
ولاحظنا ايضا ان هناك اتجاها تصاعديا لافتا في عجز الموازنات العراقية بسبب زيادة النفقات العامة وخاصة التشغيلية الجارية, مع وجود الضوء الاخضر في التوسع في الاقتراض لتمويل هذا العجز كما نصت عليه موازنة 2010 .علما تبلغ مديونية العراق50مليار دولارفي2009, 4 وهو الامر الذي يتطلب العمل بكل جدية الى ايقاف وعكس هذا الاتجاه الخطر واول خطوة اساسية في هذا المجال تقليص وترشيد النفقات التشغيلية الجارية كما اشرنا الى ذلك في الفقرة رابعا اعلاه .
ب- وحتى لو كانت هناك ضرورة موضوعية لزيادة النفقات العامة فانه يمكن تقليص عجز الموازنة عن طريق زيادة الايرادات العامة باصلاح وتفعيل النظام الضريبي وتطوير هيكله ورفع كفاءة ادائه ليقارب ما وصلت اليه بعض الدول النامية مثل الهند ومصر التي تجاوزت ايراداتها الضريبية 50% من اجمالي ايراداتها العامة مقارنة مع مثيلاتها في
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------
1- موازنة 2010 ص 52 و 53 .
2- كما تم النص على ذلك في موازنة 2010 ص 10 مثلا .
3- تبلغ حصة كل من الزراعة والصناعة التحويلية في الناتج المحلى الاجمالي 10.4% و2.2% لعام 2007.
- وزارة التخطيط والتعاون الانمائي العراقية,الجهاز المركزي للاحصاء وتكنولوجيا المعلومات ,المجموعة
الاحصائية السنوية 2007 , جدول 6/14 . http://cosit.gov.iq/2007/14-7.htm
4- البنك المركزي 4 http://www.almadapaper.com/paper.php?source=akbar&page=11
ص9 العراق التي تقدر باقل من 5% كما اشرنا اليه في الفقرة خامسا .
ج- واذا لم تغط حصيلة الايرادات العامة بانواعها النفقات العامة فلا يجوز في هذه الحالة ايضا التوجه نحو الاقتراض بل النظر في امكانية تمويل عجز الموازنة بالاحتياطات الاجنبية المودعة لدى البنك المركزي العراقي ضمن نسب امينة تخضع للاعتبارات والشروط الاتية 1 :
1- ان يكون عجز الموازنة ناتج عن زيادة الانفاق الاستثماري بشكل اساس والضروري من الانفاق التشغيلي الجاري .
2- بعد ان يتم بذل كل الجهود الممكنة لرفع حصيلة الايرادات العامة وخاصة الضرائب لتصل الى المعدلات التي تحقق الاهداف الاقتصادية والاجتماعية .
3- ان يكون الالتجاء الى الاحتياطات الدولية لدى البنك المركزي الى المدى الذي لايفقد فاعلية سياسته النقدية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي المتمثل باستقرار المستوى العام للاسعار واستقرار سعر الصرف .
4- وكذلك الى المدى الذي يحافظ على نسبة امينة من هذه الاحتياطات لتغطية حاجات الدولة من الاستيرادات والتزاماتها الخارجية ولفترات تتراوح ما بين 3-6 اشهر . 2والتي تتاثر بالقدرة على التصدير وحالة ميزان المدفوعات .
من الجدير بالذكر ان امكانية لجوء الحكومة الى الاحتياطيات الاجنبية 3 لتمويل عجز الموازنة قد جوبهت برفض قوي من قبل البنك المركزي العراقي بحجج عديدة اهمها :
- استقلالية البنك المركزي حيث لا ولاية للحكومة عليه .
- ان الاحتياطات الاجنبية لدى البنك المركزي هي لتغطية مطلوباته مقابل اصدار العملة المتداولة, وبالتالي فان هذه الاحتياطات هي حق المواطنين حاملي هذه العملة .
- اضعاف قدرة البنك المركزي في تحقيق اهداف سياسته النقدية في الاستقرار الاقتصادي والسيطرة على التضخم عن طريق استقرار اسعار الصرف .
وفي تقديرنا ان هذه الحجج رغم انها تستبطن الحرص والحذر الشديدين ومدفوعة باهداف نبيلة الا انها غير مقنعة وغير موضوعية شكلا ومضمونا .
فمن ناحية الشكل فان البنك المركزي في النهاية مؤسسة تابعة للدولة وان استقلاله النسبي لايعني ابتعاده عن تحقيق هدف الدولة الاساس في التنمية والتركيز على هدف فرعي هو الاستقرار الاقتصادي, كما يوصي صندوق النقد الدولي,رغم اهميته لكنه لايشكل بديلا عن هدف التنمية. وعليه لابد وان يكون هناك تنسيق وتوافق وتكامل بين السياستين المالية والنقدية .
اما من ناحية المضمون فليس من المعقول التجاء الحكومة الى الاقتراض مقابل فوائد ضخمة تثقل كاهل الموازنة

1- يمكن الالتجاء الى الاقتراض في هذه الحالة ضمن حدود معينة ,تخضع لاعتبارات ومعايير اقرب ما تكون لادارة
المحفظة المالية لتحقيق اقصى كفاءة باقل الكلف والمخاطر .
2- لمزيد من الاراء انظر : د.مظهر محمد صالح ,السياسة النقدية في العراق : رؤية تحليلية
http://www.metroarab.net/newspapers/index.php?newspaper=34&sid=3205
3- بشكل مباشر او غير مباشر بقبول البنك المركزي لاذونات الخزانة المشتراة من المصارف كجزء من الاحتياطي ا القانوني .
ص10 وتؤدي الى المزيد من العجز وهي بالوقت نفسه تملك من الاحتياطات الاجنبية ما يكفي ويزيد عن حاجتها . فليس
المطلوب ان يحتفظ البنك المركزي بنسبة 100% من الاحتياطات الاجنبية كغطاء للعملة المصدرة وهو في استطاعته ان يحقق جميع اهدافه عن طريق الاحتفاظ بنسبة اقل تحدد في ضوء مؤشرات اقتصادية معروفة تتعلق بشكل اساس بمعدلات الحاجة الى تغطية الاستيرادات والالتزامات الخارجية لمدة محددة 1 . واذا اخذنا بنظر الاعتبار خصوصية الاقتصاد العراقي الريعي واعتماده على سلعة واحدة ,النفط الخام , كمصدر اساسي لايراداته العامة وبالتالي تعرضه لتقلبات غير محسوبة , فيمكن زيادة هذه النسبة من الاحتياطات لتصل مثلا ما بين 40% – 60% 2. اما المتبقي من هذه النسبة فيمكن ان يمول عجز الموازنة لتحقيق اهدافها التنموية بدل التوسع في الاقتراض . علما ان هذة الاحتياطات تقدر بحدود 50 مليار دولار .3

ملاحظة هامة : يتطابق التحليل اعلاه تماما على موازنة 2011 وكذلك على موازنة 2012 ، والاخيرة تم تقديرها باكثر من 100 مليار دولار .




.






-----------------------------------------------------------------------------------------------------------
1- يمكن تشبيه الحالة بنسبة الاحتياطي القانوني الخاص بالمصارف التجارية – مع الفارق بالطبع – لكون ان الدولة
تحتمل افلاس بعض مصارفها , لكن لا يمكن تصور افلاسها هي كدولة . علما ان اليونان في الوقت الحاضر وقد
سبقتها ايسلاندا بعد الازمة المالية الاخيرة قد قاربتا هذه الحالة الخطيرة.
2- قد ترتفع هذه النسبة لاسباب غير اقتصادية تتعلق بالاوضاع السياسية والفساد الاداري .
3- يشيرمحافظ البنك المركزي ان الاحتياطات الاجنبية بلغت 43 مليار دولار نهاية عام 2009 قابلة للتغير يوميا نتيجة
المزاد وشراء الدولارات http://www.almadapaper.com/paper.php?source=akbar&page=114
المصادر
1- قانون الموازنة العراقية2010 http://www.parliament.iq/dirrasd/law/2010/20.pdf
2- Francis Fukuyama ,A New Era , The American Interest On Line ,vol. 4 ,no.3 jan-feb2009 http://www.the-american-interest.com/ contents.cfm? Mld=23

www.aljazeera.net/NR/EXERES/1E66B7A8-D304-4BED-B7A9-0A68B5909B47.htm-3
4- مجلس الوزراء, مركز المعومات ودعم اتخاذ القرار , تجارب دولية في السيطرة على عجز الموازنة, جمهورية مصر العربية, 2005, ص (3) .
5-http://www.springerlink.com/content/t54536140736w467
6- وزارة المالية, دائرة الموازنة ,موازنات العراق للسنوات 2006-2010 ,بغداد
7- وزارة التخطيط العرااقية http://www.mop-iraq.org/mopdc/index.jsp?sid=1&id=412&pid=36 -
8- د.مظهر محمد صالح ,الاتجاهات الراهنة للتضخم في العراق ,مجلة الاصلاح الاقتصادي , العدد 3 , تشرين
اول- 2006 و http://www.alsabaah.com/paper.php?source=akbar&mlf=interpage&sid=90515
9- وزارة التخطيط والتعاون الانمائي العراقية,الجهاز المركزي للاحصاء وتكنولوجيا المعلومات ,المجموعة
الاحصائية السنوية 2007 , جدول 6/14 . http://cosit.gov.iq/2007/14-7.htm
10- البنك المركزي 4 http://www.almadapaper.com/paper.php?source=akbar&page=11
11- د.مظهر محمد صالح ,السياسة النقدية في العراق : رؤية تحليلية
http://www.metroarab.net/newspapers/index.php?newspaper=34&sid=320



#جليل_شيعان_ضمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حرب العملات والنظام النقدي الدولي
- حرب العملات والنظتم النقدي الدولي
- سقف الدين الأمركي والنظام النقدي الدولي


المزيد.....




- قيمة صندوق الثروة النرويجي تقفز إلى 1.8 تريليون دولار
- التجارة تستبعد تأثير الأزمة السورية على الاقتصاد والأمن الغذ ...
- وزير خارجية الهند: بريكس لا تريد إضعاف الدولار
- 5 اتجاهات استثمارية ستقود مشهد الأسواق في 2025
- آبل تعزز استثماراتها في الإمارات وتفتتح متجرا جديدا في العين ...
- اقتصاد منطقة اليورو ينمو بالربع الثالث بـ 0.4%
- فائض المعروض يطارد النفط.. برنت يخسر 2.5% في أسبوع
- الذهب يتكبد خسائر للأسبوع الثاني على التوالي
- وزير خارجية الهند: مجموعة البريكس لا تريد إضعاف الدولار
- بعد عامين من إطلاق ChatGPT.. من هم أبرز الفائزين؟


المزيد.....

- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - جليل شيعان ضمد - ثراء الموازنات وفقر التنمية -تحليل الموازنات العامة العراقية 2006 - 2010