محمود فنون
الحوار المتمدن-العدد: 3626 - 2012 / 2 / 2 - 13:28
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
لى الاخ ممدوح الاعرج مع الاحترام:
مصر كانت حبلى بالثورة وبحاجة للثورة وقامت فيها ثورات متواصلة خلال حكم الانجليز .
ولكن هناك ميزة صبغت هذه الثورات جميعها باستثناء ثورة 23 يوليو 1952م. ان جميع هذه الثورات لم تصل الى نهاياتها المظفرة.
فثورة 1919 والثورات والانتفاضات عبر الثلاثينات ,والتي اوصلت الى معاهدة 1936 ,ثم الثورات ضد معاهدة 1936 التي ابقت مصر في التبعية للانجليز وابقت على قواعد عسكرية انجليزية.
ومصر زمن حكم الوفدفي عهد الخديوية الملكية كانت مكبلة وليست مستقلة ,بل وكانت داخليا تحت نفوذ الاقطاعيين وهم بدورهم كانوا يتعاملون مع الحكم الانجليزي الذي فرض حكومة الوفد على الملك .وكانت البرجوازية الوطنية تسعى للاستقلال عن الانجليز دون الفكاك النهائي وكانت ضعيفة ,لأن الاقطاع كان يحصرها ,وكانت شريحة التجار والكومبرادور مرتبطة بالانجليز وتبقى على مسافة من فكرة الاستقلال الناجز السياسي والاقتصادي .
فقط ثورة العسكر عام 1952 التي استلمت الحكم وبعد زمن طويل بدأت وهي في الحكم باجراءات ثورية حيث طردت الانجليز واممت قناة السويس فأنجزت بهذا الثورة الوطنية ثم اجرت الاصلاح الزراعي وحررت التجارة الخارجية من الكومبرادور واسست لاقتصاد وطني مستقل .لقد قام نظام الناصرية بهمات الثورة الوطنية والثورة البرجوازية الوطنية ومقدمات الاشتراكية ,ولذلك يصح علميا ان نطلق على حركة الضباط الاحرار انها فعلا حركة ثورية .ونقلت مصر الى عالم الحداثة بالاضافة الى المشروعات الكبيرة.
ولكنها لم تنجز المهمة الديموقراطية بشكل واسع .وكان من الطبيعي ان تمنع الاحزاب الاقطاعية وشبه الاقطاعية في ذلك الوقت لأنها قضت على الطبقة التي تمثلها هذه الاحزاب وقامت بتصفية الاقطاع كخطوة ثورية (كانت البلدان المتقدمة قد تخلصت من الاقطاع قبل زمن طويل ,بينما بريطانيا واثناء استعمارها لمصر ابقت على الاقطاع وعززته وعززت الملكية التي تمثل الاقطاع وفقا لمصالحها)
وجاء انقلاب السادات على الناصرية وجاء بسياسة الانفتاح ,حيث باع القطاع العام واعاد التجارة الخارجية للافراد فعادت طبقة الكومبرادور الفاسدة والمجرمة مرة ثانية وظهرت طبقة القطط السمان والفاسدين وظهرت طبقة رجال المال وشركات توظيف الاموال ,وتم تحويل مصر مرة ثانية الى ملحق بالاقتصاد الغربي وذيل من ذيوله واصبح الاقتصاد المصري عرضا للنهب المزدوج على ايدي الاجنبي وعلى ايدي وبواسطة الطبقات المستغلة للشعب المصري وخيراته, وعاد حزب الوفد بثوب جديد وتوسعت جماعة الاخوان المسلمين وتحالف الحزبان موضوعيا مع السادات في انقلابه على الثورة الناصرية ,ولم يفتح السادات باب الديموقراطية كما هي معروفة بل اسس الحزب الحاكم الذي اصبح الحزب الوطني وتفرد هذا الحزب بالسلطة ,وجاء مبارك واستمر على نفس النهج الاقتصادي الاجتماعي السياسي ,وافتقرت مصر في عهد هذين الحاكمين وتغرب الملايين من ابنائها بحثا عن لقمة العيش واحيانا يضطرون للعمل في الاعمال السوداء ويتحملون الذل (اتذكر كيف كانت نظرة العربي للمصري في عهد الناصرية ,كانت تنطوي على اعجاب واعتزاز).
استمرت النضالات المصرية ضد نظا السادات ووقعت انتفاضة الخبز التي سماها السادات انتفاضة الحرامية ,ولم تجهز على السادات ثم جاء مبارك واستمرت النضالات ضده في حدود دون التمكن من الاجهاز عليه .ثم جائت الانتفاضة الاخيرة وتمكنت من طرد مبارك وعدد من رجالات حكمه وافسحت المجال لتداول السلطة بدلا من حصرها في الحزب الوطني ,وفاز التيار الديني وهو سيظل يفوز الى اجل غير مسمى (لا اعرف يطول ام يقصر)ولكن هذا التيار لا يخطط لاحداث تغييرات ثورية في البنية الاقتصادية الاجتماعية فهو كان مع انقلاب السادات ,اي هو من ذات الطبقات التي افرزها انقلاب السادات ,وفقط كان محروما من المشاركة في الحكم بسبب تفرد جماعة السادات ومبارك,
كانت ثورة في مصر في العام الماضي ولا زالت ذيولها حتى الآن وانجزت مهمة طرد مبارك وتعديلات على الدستور وفرصة شكلية لتداول السلطة ,
ولكن ظل الجزء الاكبر من السلطة في يد العسكر ولم يحصل اي تغيير على المبنى الاقتصادي الاجتماعي كما طالب شباب الثورة ,اي اقتصر الجزء الخاص بالاصلاحات على ما ذكر .
اما الجزء الخاص بالكرامة الوطنية فلم تتناوله القوى التي تتصدر المشهد السياسي :سيناء الحتلة من الامريكان واليهود ,النفط والغاز المرهون لاسرائيل ,المعاهدات المذلة وما ترتب عليها من دور مهين لمصر لصالح امريكا واسرائيل ,والدور الرجعي لحكا مصر ازاء القضايا العربية حيث شاركت مصر في حلف حفر الباطن وضرب العراق واحتلاله وتشارك ولا تزال في حصار غزة نيابة عن الاحتلال من الجانب المصري وتلعب دورا دوليا تابعا للامبريالية الامريكية ,وترهن الجيش لأمريكا بواسطة المساعدات التي لا تعزز من قوة الجيش شيئا بل هو في حالة اي مواجهة سيكون لقمة سائغة لاسرائيل وبسهولة بسبب نقص السلاح وبسبب تربية واعداد الجيش وعقيدته تجاه اسرائيل .
ليس هذا فحسب بل ان القوى التي تتصدر المشهد السياسي تقدم التطمين تلو التطمين لأمريكا بانها لن تمس بالمعاهدات ولا بالعلاقة باسرائيل.
ان هذه الثورة لم تكتمل ولم تنجز الا الجزء اليسير ثم سرقت ,سرقها الجيش من الثوار في الميادين وتماهت الثورة المضادة مع اهداف الثورة ورفعت شعاراتها لا من اجل تطبيقها بل من اجل اسقاطها ومن اجل حصر مدى الثورة ووقفها قبل ان تتحول الى ثورة جذرية تقضي على الطبقات المتعاونة مع الغرب اقتصاديا و تخنع له وطنيا .
ان المهمة الثورية في مصر لا زالت قائمة بشقيها الديموقراطي والاقتصادي الاجتماعي والشق الوطني والكرامة الوطنية
ولا زال الشعب المصري يريد سحق الفاسدين وتطهير جهاز الدولة الفاسد والرجعي وتطهير الجيش,واستعادة مصادر الثروة النفط والغاز والتجارة الخارجية ,واقامة الصناعة وتطوير الزراعة وحماية القطاع العام وتطهيره وتطويره,هذا على الصعيد الاقتصادي .
ولا زالت مصر تريد نظاما يكفل الحريات الفردية والمجتمعية وحرية المرأة وتداولا نزيها للسلطة وقانون احزاب يسمح بتعميق تحولات اجتماعية في صالح الغالبية العظمى من الجماهير صاحبة المصلحة في الثورة مثل حقوق العمال في العمل وحقوقهم من العمل بتوفير فرص العمل مع كل التأمينات الاجتماعيةوحق المجتمع في تملك ثروته والسيطرة عليها وتوظيفها لمصلحته.
ان الديموقراطية الحقيقية هي التي تخدم السواد الاعظم من الناس وليس ديموقراطية للمستغلين النهابين مهما كان اسمهم ولبوسهم وطريقتهم في الوصول الى الحكم .
ان مصر لا تقبل ان تظل سيناء مرتهنة للمصالح الامبريالية الامنية وقواعد متقدمة لهم من اجل العدوان على الامة العربية عموما ومصر خصوصا.
لا بد من التخلص من معاهدات العار التي وقعها السادات والتي رهنت مصر وكرامة مصر للاجنبي.ان مسؤولية تحرير فلسطين عموما وقطاع غزة خصوصا هي مهمة مصرية وعربية ,فقد سقط قطاع غزة بيد الاحتلال وهو بمسؤولية مصر, وكل حرب 1967 هي مسؤولية مصر وما ترتب عليها هو مسؤولية مصر ومعها بالدرجة الثانية كل من الاردن وسوريا.
ان تحرر مصر من معاهدات التكبيل سوف يمكنها من قيادة الامة العربية نحو الوحدة والتحرر من الاستعمار والتحرر الاقتصادي الاجتماعي ان هذه مهمة تاريخية لمصر ليس منها فكاك ,والشهد السياسي القائم حاليا لا يتجه بمصر نحو هذه الاهداف اعلاه ,مما يعطي الشرعية لحركة الشباب في الميادين,
ان حركة الشباب في الميادين هي نتاج استلهام هذه الاهداف ,وهي بحاجة الى احزاب وقيادات شعبية وشبابية تعبر عن هذه الاهداف وتتمسك بها وتحميها من الثورة المضادة التي تتصدر المشهد حاليا باسم الثورة والتغيير .
#محمود_فنون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟