أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - محمد المساوي - حوار صريح مع صحفي غير صريح















المزيد.....

حوار صريح مع صحفي غير صريح


محمد المساوي

الحوار المتمدن-العدد: 3624 - 2012 / 1 / 31 - 00:45
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


قبل أيام نشر توفيق بوعشرين الصحفي ومدير النشر ليومية "أخبار اليوم" مقالَ رأيِ في الصفحة الأولى من جريدته معنوناً ب"حوار صريح مع » معطل « " (هكذا معطل بين مزدوجتين)، على هامش الحوار الذي كان قد أجرته جريدته مع منسق تنسيقية المرسوم الوزاري لمعطلي الأطر العليا، وبصفتي معطلاً ( من دون المزدوجتين) أجد نفسي معنياً بهذا النقاش وبالتفاعل مع ما طرحه بوعشرين، وهنا سأتحدث بصفتي الشخصية ولست ممثلاً ولا متحدثاً باسم المعطلين بقدر ما سأحاول أن أبسط رأيي فيما قاله بوعشرين.
قبل الدخول في نقاش مع السي بوعشرين لابد من التأكيد والتذكير على أن تطور وجرأة العمل الصحافي يعتبر تيرمومتر حقيقي لقياس مدى تطور أي مجتمع، ودور الصحافة هنا أن تتقن دور السلطة الرابعة وأن تكون جريئة في وضع اليد على مكامن الجرح لا أن تظل تحوم حول الجرح دون امتلاك جرأة ملامسته. والصحفي الحقيقي هو الذي لا يستهويه فقط القفز على الحائط القصير بل يكون مستعدا للقفز على أي حائط يستحق القفز، فأي حائط اختار السي توفيق القفز عليه؟
يفتتح توفيق مقاله بالتذكير بمأساة محرقة الأطر ليوم الأربعاء بقوله "إن صورة الشبان الثلاثة الذين أحرقوا أجسادهم أول أمس بالرباط احتجاجاً على عدم تشغيلهم، أمر محزن يدمي القلب، وأملنا أن تتوقف سياسة حرق الجلود في الرباط لأنها لا تجدي شيئا وتمس بالكرامة الإنسانية" وجلي أن المقال كُتب قبل أن يستشهد أحد هؤلاء الثلاثة وهو المعطل عبد الوهاب زيدون. ونحن إذ نقدّر للسي بوعشرين رهافة الإحساس التي جعلت قلبه يدمى أمام هذه الصورة، لكن نأسف لعدم حضور الحس الصحفي الذي يفترض فيه أن لا يرتكن إلى ترديد ما يردده الشارع أو وكالات الأنباء الرسمية، بل لا بد من التحري في إيراد الخبر وهو ما يغيب عما ذكره بوعشرين، لأن الشبان الثلاث لم يقدموا على حرق أجسادهم احتجاجاً على عدم تشغيلهم بل أقدموا على ذلك من أجل فك الحصار المضروب عليهم من داخل المعتصم في مقر ملحقة وزارة التربية الوطنية حين استنفذوا كل المحاولات وتم منع وصول الماء والدواء والغذاء إلى المعتصم، أضف إلى ذلك أن نية هؤلاء المعطلين كانت هي التهديد لعل الرأفة تدب في قلوب مسئولي القمع لترك الماء والدواء والغذاء ليصل إلى المعتصم، لكن هيهات فرغم هذا التهديد إلا أن الهراوات كانت في الموعد لكسر ضلوع المعطلين الذين تجرؤوا على محاولة التقاط أكياس الخبز والدواء، وفي تلك اللحظة أقدم المعطل محمود الهواس على إشعال النار في رجله معتقداً أن النار لن تطال جسده بأكمله، لكن النار لم تسر وفق ما اشتهاه محمود بل قفزت إلى أي نقطة حيث يوجد البنزين من جسده، وعندما لمحه زميله عبد الوهاب أسرع إلى إنقاذه ناسياً أن هو أيضا ملابسه مبللة بالبنزين فانتقلت النار بسرعة إلى جسد عبد الوهاب، ليبقى طريح الفراش في مستشفى ابن رشد ستة أيام ليلتحق بقوافل شهداء هذا الوطن؛ شهيدا للحصار القمعي والبطالة، وأظن أن هذا قد شاهده بوعشرين وشاهده الملايين في اليوتوب وعلى القنوات الإخبارية العالمية. وأمام هذه المعطيات كيف للحس الصحافي أن يدين وأن يستنكر ما سماه ب "حرق الجلود في الرباط" (كأنها جلود الدببة) دون أن يتجرأ على الحديث عن مسؤولية الدولة في هذه المحرقة. ألم يكن الحصار؛ حصار الماء والخبز والدواء سبباً مباشراً في حدوث ما حدث؟ ففي الدول الديموقراطية التي يحلو دائما لتوفيق الحديث عنها فإن مجرد تهديد بسيط بالانتحار أو أي فعل أخر تجعل المسئولين يأخذون الأمر على محمل الجد والتعامل بحزم مع الأمر من أجل معرفة أسباب ذلك وتلافي حدوثه، أما في هذا الوطن الجريح أن يهدد المعطلون بحرق أنفسهم إن لم يفرج القمع عن إمدادات الماء والخبز والدواء يتعامل معها المسئولين وكأنها مجرد تسلية، وليحترق من أراد أن يحترق. لو كانت مطالب هؤلاء تعجيزية لقلنا ليس بيد الدولة ما تفعل، لكن أن يطالبوا بحقهم في أخذ الماء والخبز والدواء الذي لن يكلف الدولة ولو سنتيما على اعتبار أن هذا الخبز والدواء يوفره زملاءهم المعطلون الذين هم خارج المعتصم، ويكون مصيرهم كسر الأضلع والدفع بهم للإقدام على تنفيذ تهديدهم، فإن مسؤولية الدولة في هذه الجريمة ثابتة إلاّ من أراد أن يستعير نظارات لا ترى هذه المسؤولية.

ومما أثاره بوعشرين في مقاله أيضا حديثه بطريقة استغبائية عن الاطر المعطلة، وكأنهم سذج لا يفقهون شيئاً في سياسة الدولة وإمكاناتها في مجال التشغيل، واستحالة توظيف كل حاملي الشواهد في الوظيفة العمومية، ولكن الواقع ليس بهذه السطحية، بل هناك أمر مهم تغافله بوعشرين عن قصد أو عن غير قصد، وهو أن المشكل في ملف الاطر لهذه السنة 2011 هو أن النظام المغربي (وليس الحكومة) أصدر مرسوماً وزارياً يقضي بتشغيل كل الأطر العليا عبر التوظيف المباشر في الوظيفة العمومية، وحدد مدة سيران هذا المرسوم الى غاية 31 ديسمبر 2011، وتجدر الإشارة أن سبب نزول هذا المرسوم هو الأحداث التاريخية المهمة التي عرفتها المنطقة؛ من حرق البوعزيزي لجسده الذي أحرق عرش الديكتاتور بنعلي وإلى إرغام الشعب المصري الديكتاتور مبارك على التنحي، وكذا الحراك الشعبي في المغرب الذي انطلق بداية من 20 فبراير 2011، وكان هذا المرسوم بمثابة خطوة استباقية لتحييد المعطلين عن هذا الحراك الاجتماعي والسياسي، لكن عندما استشعر النظام أن عاصفة 20 فبراير مرت دون أن تهز أركانه وما زال الحراك الشعبي يراوح مكانه، عمد إلى الالتفاف على هذا المرسوم وأصبح الموضوع أنه لا توظيف ولا هم يحزنون وأن ميزانية الدولة ليس باستطاعتها تحمل المزيد من رواتب الموظفين، لكن لو كان الحراك ما زال مستمراً بتلك القوة ومازال الأفق مفتوحاً على كل الاحتمالات لكانت ميزانية الدولة قادرة على استيعاب كل هؤلاء الأطر وزيادة. وهذه هي القصة السي بوعشرين ولسنا سذجاً أو منفلتين من عقالنا نطالب المستحيل من الدولة، فقط نحن نطالب بتفعيل ما سبق للدولة أن وعدت به.
أما بالنسبة لحكاية القطاع الخاص، فإن الحديث عن التشغيل في هذا القطاع حديث ذو شجون، وليس بتلك الطريقة الوردية التي تحدثت بها. ومن عمق التجربة فإن كاتب هذه السطور جرب الاشتغال في القطاع الخاص، واشتغلت لما يزيد عن سبع سنوات في القطاع الخاص، أعمل مثل حمار الطاحونة بأجر لم يتعد ألفي درهم في أحسن الحالات ولأزيد من 10 ساعات يومياً مع عطلة نصف يوم في الأسبوع، وبعد هذه المعاناة المتجددة قررت التخلي عن الاشتغال في القطاع الخاص والتحقت بالجامعة مجدداً لاستكمل دراستي في سلك الماستر. وبعد ذلك التحقت بالرباط لأخذ حصتي من هراوات القمع.

سيد بوعشرين، الاشتغال في القطاع الخاص قول حق أريد به باطل، وليس هناك إلا حالات نادرة وقليلة هي من تشتغل في ظروف ملائمة أما الأغلبية الساحقة من أبناء هذا الشعب فإنهم يتعرضون لامتهان الكرامة واستنزاف الطاقة الإنسانية في ظروف مزرية، أما زلت تتذكر ضحايا محرقة معمل "روزاروما" في "ليساسفة" بالدار البيضاء، وكذا التعويضات التي حكمت بها المحكمة لأهالي الضحايا التي لم تتجاوز في بعض الاحيان 200 درهم؟؟؟

سيد توفيق ليس متاحاً لكل أبناء الشعب المغربي أن يربطوا علاقات مع الأمراء، ومع أصحاب المال والجاه كي يجودوا عليهم بالمال الوفير لاستثماره في مشاريعهم ومن ثمة الاستغناء عن الوظيفة العمومية، بل ما زال في هذا الشعب من يريد أن يأكل لقمة عيشه غير مغمسة في أوحال التبعية ولا في أوحال الذل وامتهان كرامة الإنسان.
صحيح لا يمكن للقطاع العام أن يستوعب كل الخريجين، لكن أيضا ليس صحيحاً الحل هو رميهم بين مخالب الباطرونا الجشعة في القطاع الخاص، وكلنا نعلم أن سر نجاح أي استثمار في القطاع الخاص مرهون بمدى الاستغلال المفرط لليد العاملة، مع غض الطرف من طرف الدولة بمبرر تشجيع الاستثمار، وهذه معادلة لا يتناطح بشأنها كبشان وبالأحرى عاقلان. إن التعامل الجدي مع معظلة البطالة يستدعي ضرورة إنشاء مؤسسة وطنية تسهر على التكفل بملف التشغيل والبحث عن بدائل معقولة تضمن كرامة المواطن. فمثلا سيد توفيق مادمت تعشق الأرقام، فتأمل معي هذه الارقام:

- راتب غيريتس يساوي راتب الإطار الوطني بادو الزاكي، بالإضافة إلى رواتب حوالي 450 موظفاً مرتبا في السلم العاشر، خاصة أن راتب غيريتس غير مبرر حتى من الناحية التقنية، (الخروج من الدور الأول بهزيمتين متتاليتين) عكس تجربة بادو الزاكي التي أوصلت المنتخب حتى المقابلة النهائية.

-إن تخفيض ميزانية علف حيوانات القصر الملكي والاعتناء بها إلى النصف فقط كفيل بخلق أزيد من 200 منصب شغل.

-إن تخفيض ميزانية القصر الملكي إلى النصف والتي تفوق ميزانية القصر الملكي الاسباني 13 مرة أكثر، قادر على توفير الآلاف من مناصب الشغل. آه نسيت أنك تحب الأرقام، إذن فتخفيض ميزانية القصر الملكي، ولنأخذ ميزانية هذه السنة مثلا المقدرة ب 257 مليار سنتيم، إذا خفضنها إلى النصف سنربح ما يفوق 125 ألف منصب شغل...
سأكتفي بإيراد هذه الأمثلة البسيطة، وأظنك على علم بباقي الأمثلة وأنت الصحفي المطلع على كل الخبايا، من حكايات الصناديق السوداء إلى الموظفين الأشباح إلى أذونات النقل ورخص مقالع الرمال والصيد ووو...
سيد توفيق ألا ترى أني أوردت هذه الأرقام المهولة، وتوخيا لبعض الواقعية الآنية وحتى يستقيم التواصل بيننا، لم أطلب إلاّ تخفيض هذه الأرقام، أما الحقيقة فتستلزم القول لابد من إخضاع هذه الأرقام للرقابة الشعبية، وهذا مطلب كل حر وديموقراطي. وفي انتظار تحقيق هذا المطلب دع مهمة القفز على الحيطان القصيرة للأقزام فذاك جهدها، أما أن تتماهى مع الأقزام في القفز، فذاك ليس من شيم الصحفي الذي يحترم نبل وأخلاق هذه المهنة التي سُميت مهنة المتاعب لا مهنة التلاعب.



#محمد_المساوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسكوت عنه في قرار انسحاب -العدل والاحسان- من حركة 20 فبراي ...
- السيدة هلاري و-الشيخ- القرضاوي يشيدون بعرس الذئب؟
- الملكية وحزب العدالة والتنمية الاسلامي
- افتحوا الابواب:شبيبة المغرب الكبير قادمة
- في مديح الردة
- العرابthe godfather
- بنكيران، خيرات، شعو، ووزارة الداخلية؟؟؟
- إني أتهم،المثقف :كلب الحراسة الجديد
- في حوار مع الشاعر ادريس علوش
- رسالة الى رئيس جهة الحسيمة-تازة-تاونات
- من منظمة الى الامام الى النهج الديموقراطي، قطيعة ام استمراري ...
- ملاحظات ووجهة نظر حول ندوة وكلاء القاعديين بمراكش
- ملاحظات حول ندوة شيوخ القاعديين بمراكش
- صحافي الصحافة الصفراء والاضرابات العمالية,عمود شوف تشوف نموذ ...
- هل سينجو لبنان من مخالب غول التفكيك وتحطيم الامة اللبنانية؟؟ ...
- هل يكفي ان تكون قلوبنا مع عائلات عمال ضحايا محرقة الدار البي ...
- في الحاجة الى الاضراب العام؟ حول انسحاب CDT من مجلس المستشار ...
- ملاحظات على هامش وقفة طنجة ضد الغلاء
- الستالينية في المتن الروائي العربي,اسأل الشرطة ماذا تريد نمو ...
- السيد شاكر النابلسي,دونكيشوت الليبراليين الجدد


المزيد.....




- الشرطة الإسرائيلية تعتقل محاضرة في الجامعة العبرية بتهمة الت ...
- عبد الملك الحوثي: الرد الإيراني استهدف واحدة من أهم القواعد ...
- استطلاع: تدني شعبية ريشي سوناك إلى مستويات قياسية
- الدفاع الأوكرانية: نركز اهتمامنا على المساواة بين الجنسين في ...
- غوتيريش يدعو إلى إنهاء -دوامة الانتقام- بين إيران وإسرائيل و ...
- تونس.. رجل يفقأ عيني زوجته الحامل ويضع حدا لحياته في بئر
- -سبب غير متوقع- لتساقط الشعر قد تلاحظه في الربيع
- الأمير ويليام يستأنف واجباته الملكية لأول مرة منذ تشخيص مرض ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من استهداف وحدة المراقبة الجوية الإسرا ...
- تونس.. تأجيل النظر في -قضية التآمر على أمن الدولة-


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - محمد المساوي - حوار صريح مع صحفي غير صريح