الرّبيع العربيّ الباهت

زهير دعيم

الحوار المتمدن-العدد: 3623 - 2012 / 1 / 30 - 18:51
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    

الانسان الفاحص بعين حياديّة ، سيجد أنّ هذا الشرق الذي سار مئات السنين خلف الركب الحضاري الانساني ؛ سار لاهثًا ، يأكل ويشرب ويستهلك ويتشدّق ويحنُّ الى الآثار والاطلال والاوابد، ما زال بانسانه وعقليته يسير في نفس المسار ، برغم "الثورةالرّبيعيّة"
التي يتباهى بها، وفي الحقيقة لا اظنّها ثورة ربيعيّة تمامًا ، مع انني كنت وما زلت مؤيّدًا لرياح التغيير والانتفاضة ضد الظلم والظالمين والاستعباد والاستبداد من الأخ لأخيه ومن الحاكم لمحكوميه.
وكيف أكون مناصرًا لهذا الربيع العربيّ!!وأنا أرى وأحسّ وألمس التقهقريّة تصيب اوصال الشرق وترميه بدائها؟
فالفنّ بكلّ تشكيلاته ومُكوّناته من شعر ورقص وتمثيل وموسيقا ورسم ونحت وكلّ الفنون الجميلة أضحت حرامًا ونجاسةً وكُفرًا.
امّا التعدديّة العقائدية والعقيديّة فحدّث يا صاحبي ولا حرج ، فمصطلح الوطنيّة التي طالما امتدحناه واحتمينا تحت كنفه شامخين ، أضحى نقيصةً ، واللون الواحد لا غير هو المفروض والمقبول ..وإن عشقت لونًا آخر فالويل لك ثمّ الويل ، فأنت كافر ومارق وطابور خامس وتدقّ اسافين في جسد الأمّة وقلب الوطن ، وتزرع الفتنة ..عليك أن تكون أسود لا رماديًّا ولا أحمر..فما يُسمّى بالنسيج الاجتماعي هو من مُخلّفات الاستعمار الكافر ، وحكم اعوانه المُستبدين ، تمامًا كما حريّة الرأي والتعبير والديمقراطيّةـ فكلّها من الاستعمار جاءت لتضعف جسد هذه الأمّة " المباركة" وتفتّ في عضدها لهدفٍ وغاية في نفس يعقوب ..وما أدراك من يعقوب!!!.
استبشرنا خيرًا بميدان التحرير وقلنا : انه اصبح اسمًا على مُسمّى ، فالشباب ؛ كلّ الشّباب التحموا وتلاحموا وتعاضدوا وهبّوا هبّة رجل واحدٍ في الذود عن الحقّ الانساني وحرية الفرد وحرية معتقده ، وإذا الامر ينقلب الى ضدّه ، فركب الموجة أهل الأطلال واهل الفكر الغائر في الماضي ، فركبوا قوارب غيرهم ووصلوا الدّفة ، الى موضع القرار باسم "إله" يُرخّص الطحين والقشطة باموال تأتي من الصحراء ، من الوهابيين ، اولئك الذين يحكمون بالحديد والنّار ، فيُبدِّدون اموال السعوديين وثرواتهم ونفطهم ، ويبقون النزر اليسير والفتات الساقط من تحت موائدهم للشعب البسيط..وما أكثرهم!!!.
عشرات ومئات الامراء واخوالهم واقربائهم يعيشون بحبوبة العيش في حين لم يُمسك أحد منهم ازميلا او فأسًا او منكاشًا، في حين تنهال عليهم الاموال من كوى شركات البترول ...
من أعطاهم هذا الحقّ؟
ضحكت وكدت " أفقع من الضّحك" من خبر تناقلته وكالات الانباء يقول : ان السعودية ستسمح في عام 2014 للنساء فيها من ان تحضر مباريات كرة القدم..
2014؟ لماذا بالذات في هذا العام وليس "الآن الآن وليس غدًا" – مع اعتذاري للسيّدة فيروز- وهل الآن السعوديات غير مؤهلات ان يحضرن مباراة لكرة القدم؟ اتحتاج هذه " الشغلة" الى مؤهلات خارقة مثلا ؟..في حين ان الاوروبيّات والامريكيات والروسيات والصّينيّات يقدن سفن فضائية وحربية وطائرات ويقمن بأعقد العمليات الجراحيّة..هل السعوديات ما زلت يحتجن الى اللبن الطفوليّ؟
وهل سيصبح دخول السعوديات الى الملعب حلالا في حين انه حرام اليوم..قضيّة الحلال والحرام هي اضحوكة ومسخرة في الشّرق ، فهذا الشرق العربي لا يحلو له الا هذا الميزان الاعوج البغيض الذي زاد طينتنا بِلّة..فالحرام نسبي يا سادة وكذا الحلال..
ربيع عربيّ !!! إنّه خريف وشتاء عاصف سيقود المنطقة الى الهلاك والفئوية والتقوقع والانعزالية والتفرقة..فلا ولن استغرب يومًا اذا ما قرّر السلفيون يومًا هدم الاهرام وقلع الحضارة الفرعونية في مصر لانها حرام كما فعل الطالبان !!!
ان ما اخشاه ان تصبح سوريا كما ليبيا مسرحًا للفصائل " الثورية" تزرع البلاد دمارًا وخرابًا....انّ غدًا لناظره قريب.
أملي ان يصحوَ ...الشباب العربي ويقول لهؤلاء : ..مكانكم..قفوا..شبعنا رجوعية ، شبعنا غيبيّات ، شبعنا تفرقة ..حان الوقت ان نلمّ الشمل من كلّ المشارب والمعتقدات ونركض خلف العلم والحضارة... دعوا الدين لاهله ولمكانه.
أتراني متفائل أكثر من اللزوم ؟ أظنّني كذلك!

#زهير_دعيم (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل