هشام القروي
كاتب وشاعر وروائي وباحث في العلوم الاجتماعية
(Hichem Karoui)
الحوار المتمدن-العدد: 1069 - 2005 / 1 / 5 - 07:56
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
تيارات
أما وقد أعطى أسامة بن لادن أوامره علنا لجماعته في العراق بطاعة أميرهم الزرقاوي ومقاطعة الانتخابات, فلقد بدا الأمر وكأنه يضع كل الرافضين لهذا السياق تحت جبته, جاعلا من "القاعدة " طرفا في الصراع على السلطة في العراق, من حيث مناداته علنا بإقامة "دولة الحق " هناك. وهذا ما أخرج التنظيم لأول مرة , كما يبدو لي , من موقع "المحارب" الذي شغله من البداية لتحويله الى طرف سياسي في بلد عربي, غير المملكة السعودية, كاشفا بذلك عن طموحات جديدة, ومقدما لإدارة بوش خير مبرر لإبقاء قواتها في العراق من أجل "مكافحة الارهاب ".
هناك حسب المصادر ثلاث تطورات بارزة تحدد مسار تنظيم القاعدة والجماعات ذات الصلة به خلال فترة ما بعد هجمات 11 سبتمبر، مما قد يساعد فى شرح ما يجري الآن:
أولاً: إن تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن قد تطور إلى حركة من أربع وعشرين جماعة. وفى ميثاقه التأسيسى الذى وضعه الفلسطينى الاردنى عبد الله عزام فى عام 1988 كان على تنظيم القاعدة أن يلعب دوراً رائدا لطليعة الحركات الإسلامية. وكان كل هجوم يشنه تنظيم القاعدة بما فى ذلك الهجمات الفاصلة عام 2001 على مركز التجارة العالمى فى نيويورك ووزارة الدفاع الأمريكية والبنتاجون، كل هجوم كان يقصد ويعني حث وتحريض الجماعات ذات الصلة بالتنظيم على القتال ضد كل من العدو القريب للإسلام (الحكام والأنظمة المرتدة) والعدو البعيد للإسلام (الكفرة والملحدون).
ولقد حقق تنظيم القاعدة هدفه عن طريق التحريض الايديولوجي للجماعات الإسلامية المحلية والإقليمية على مقاتلة ليس فقط "الأنظمة الإسلامية الفاسدة والحكام المسلمين المضللين"،ولكن أيضاً على مقاتلة الدول المناصرة لهذه الحكومات مثل الولايات المتحدة وحلفائها. إن تنظيم القاعدة بنفسه لم يكن مسؤولاً عن معظم الهجمات الإرهابية منذ 11 سبتمبر 2001. وفى الواقع فقد نفذت هذه الهجمات الجماعات التابعة للتنظيم والتى نشأت فى الشرق الأوسط، شرق أفريقيا، أسيا، وفى والقوقاز مثل جماعة الزرقاوى، أنصار الإسلام، أنصار المجاهدين، الجماعة الإسلامية، الجماعة السلفية، وجماعة أبو سياف. وفى نفس الوقت الذى استمرت فيه المخابرات العالمية فى التركيز على تنظيم القاعدة تحول التهديد إلى الجماعات التابعة للتنظيم.
ومنذ هجمات الحادى عشر من سبتمبر تقلصت قوة تنظيم القاعدة من حوالى أربعة آلاف عضو إلى بضع مئات من الأعضاء، كما تم قتل أو اعتقال حوالى 80% من أعضاء وقيادات التنظيم فى 102 دولة. ومع ذلك فلقد تكيف التنظيم مع هذا الوضع بنقل المهمة والرؤيةبشكل تدريجي إلى الجماعات التابعة له ونقل قدراته إليهم .ولقد أدى تركيز الولايات المتحدة على العراق وتنظيم القاعدة والتخلص من قيادات التنظيم إلى قصور فى رد فعل المسؤولين الأمريكيين حيال مصدر التهديد الجديد.
ثانياً: على الرغم من كل الجهود والموارد التى تم تكريسها للحرب ضد الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة، فإن التهديد الإرهابى قد تصاعد لبضعة أضعاف منذ هجمات الحادى عشر من سبتمبر 2001. ورغم أن تنظيم القاعدة نفذ بنفسه فى المتوسط هجوما إرهابياً واحداً فى العام منذ ذلك الوقت، فإن أربعة أضعاف هذا الرقم أو فى المتوسط، هجوم واحد كل ثلاثة أشهر تم عن طريق الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة. ولقد نتجت الزيادة المطردة فى التهديد الإرهابى عن تحول تنظيم القاعدة من جماعة إلى حركة. وقد أظهر التنظيم قدرته على تنسيق عملياته على الرغم من افتقاده مأواه التقليدي وموت أو اعتقال قياداته وأعضائه وتجفيف منابعه وتمزيق شبكته. وخلال العامين والنصف الماضيين تمكنت السلطات القانونية فى أنحاء العالم من كشف أو إحباط أكثر من مائة هجوم إرهابى أثناء التخطيط والإعداد والتنفيذ لها، وفى الولايات المتحدة فقط تمكنت الإدارة الأمريكية من إحباط أكثر من أربعين هجوماً إرهابياً.
وعلى الرغم من زيادة قوة القانون وإمكانيات المطاردة فى أنحاء العالم لأعضاء التنظيم والداعمين لهم فقد ازدادت حوادث الإرهاب. وعلى الرغم من أن قدرة الجماعات الإرهابية على تصعيد هجماتها- خاصة ضد المنشآت ذات النظم الدفاعية المحكمة أو الأهداف الصعبة مثل البعثات الدبلوماسية والقواعد العسكرية وأهداف حكومية أخرى- قد تراجعت وضعفت، فإن الإرهاب ظل عاقداً النية والعزم على مواصلة الهجوم. ولقد تحول التهديد الإرهابى من الأهداف الصعبة إلى السهلة مثل المراكز التجارية ومراكز تجمع السكان أو الأشخاص مما جعل إمكانية وقوع الخسائر البشرية الفادحة أمرا يتعذر اجتنابه، ومثل هذه الأهداف الحساسة كثيرة جداً بدرجة لا يمكن معها حمايتها.
ثالثاً: كيف تنظيم القاعدة نفسه خلال العامين والنصف الماضيين مما زاد من التهديد الإرهابى على المستوى العالمى ورغم أن ازدياد الإجراءات الأمنية فى البيئة المحيطة قد أجبر بعض خلايا الإرهاب على وقف عملياتها فإن بعض الخلايا الأخرى أرجأت عملياتها فقط مفضلة تأخير الإرهاب عن إعلان هزيمتها. واعتقد تنظيم القاعدة أنه يمكن تصعيد عملياته حتى فى ظل ازدياد الإجراءات الأمنية حوله الآن، وقد أثبت بالفعل قدرته على ذلك, لا سيما في العراق, حيث أصبح جزءا من المشهد العام. وطبقاً لاستجواب أجرته وكالة المخابرات المركزية للعقل المدبر لهجمات الحادى عشر من سبتمبر خالد شيخ محمد (المعروف باسم مختار العقل ) فإن القاعدة كانت تخطط لشن هجوم على مطار هيثرو فى لندن حتى فى ظل الإجراءات الأمنية المضاعفة حالياً. وكما أظهر التنسيق للهجمات المتزامنة فى وقت واحد فى كل من تركيا ومدريد، اضافة الى العمليات الجارية في العراق, وكذلك الرسائل المتوالية التي بثها الاعلام لقائدي التنظيم اسامة بن لادن وايمن الظواهري فإن القاعدة مستمرة فى تصعيد عملياتها وسط إجراءات الأمن الحكومية والإجراءات المضادة .
ويبدو لي أنه لا مفر من رؤية الواقع كما هو: فالحرب الجارية في العراق اليوم لم تعد قائمة بين التنظيمات المحلية ( أي العراقية) الا ظاهريا. الحقيقة أن الحرب العالمية على الارهاب انتقلت من أفغانستان الى العراق, الذي انتقل اليه جزء مهم من "جيش" القاعدة لدى فراره من أفغانستان. وقد كنا نعلم أن بعض الشيوخ الوهابيين يشجعون الأهالي السنيين في العراق على التمرد على النظام الجديد, دون أن يقولوا ما هو البديل الذي سينتج عن ذلك. فالشيعة أصبحت الأغلبية الفاعلة في هذا البلد , وهو ما لايروق للبعض. وفي وقت سابق, كنا تحدثنا عن الرسالة التي نسبت الى الزرقاوي والموجهة الى بن لادن , وفيها تخطيط لحرب أهلية بين الشيعة والسنة. وهي ورقة خاسرة يلعبها خاسرون في وضع من العنف والفوضى سوف يقود فقط الى تعويض ديكتاتور بآخر, حيث سيتضح آنذاك أن العرب عاجزون عن اقامة أي شكل من أشكال الحكم الديمقراطي. وما رفض الانتخابات الا رفض للديمقراطية. وليس ربطها بانسحاب القوات الامريكية الا من قبيل التجديف . فالجميع يعلمون تماما أن الامريكيين لن ينسحبوا تاركين البلاد مفتوحة للقاعدة.
جريدة العرب , باريس. لندن.
http://www.hichemkaroui.com/
http://www.phoenixmagazine.tk/
#هشام_القروي (هاشتاغ)
Hichem_Karoui#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟