منال فهمي البطران
الحوار المتمدن-العدد: 3598 - 2012 / 1 / 5 - 08:24
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
في 23 أكتوبر 2011 توجه أكثر من 28 مليون ناخب إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في اختيار رئيس البلاد في الأرجنتين، لولاية تمتد إلى أربع سنوات، وتمكنت الرئيسة الأرجنتينية كريستينا فرنانديز دي كيرشنر من إعادة انتخابها بانتصار غير مسبوق منذ إعادة الديمقراطية في البلاد عام 1983، بحصولها على أكثر من 53% من الأصوات من الدورة الأولى، وقد تنافس في هذه الانتخابات ستة مرشحين أمام فرنانديز وكان ابرزهم واقربهم إلى فرنانديز الخصم الأشتراكي هيرميس بينر الذي حصل على 16.9%، وبعده الراديكالي ريكاردو ألفونسين،والرئيس السابق ادواردو دوالري (2002-2003) التابع لحزب (الجبهة الشعبية)، وألبرتو رودو يجث سا، وإليسا كاريو، وخورخي ألتاميرا.
نظام الانتخاب
يحتم النظام الأنتخابي الأرجنتيني انه للفوز من الدورة الأولى في الانتخابات الرئاسية يحصل الناخب على أكثر من 45% من الأصوات أو على 40% من الأصوات لكن بفارق يزيد على عشر نقاط عن أقرب منافس وبالفعل فازت كريستينا فرنانديز بــ 53.8% من الأصوات مقابل حصول منافسيها الستة على أقل من 47% ، في الوقت الذي حصل فيه أقرب منافسيها هيرميس بينر على 16.9%، وريكاردو ألفونسين على 13,2%، وأليسا كاريو 3,18%، وألبرتو رودريجز سا 4,21%.
وجدير بالذكر ان نظام الحكم في الأرجنتين جمهوري، حيث تناط الصلاحيات التنفيذية بأيدي رئيس منخب يتولى ايضا رئاسة الوزراء، ويساعده نائب الرئيس في إدارة شئون البلاد.
وقد تزامنت الانتخابات الرئاسية مع الانتخابات التشريعية وقد توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع لتجديد نصف مقاعد مجلس النواب وثلث مقاعد مجلس الشيوخ ، فمن المتوقع أن تبقى فرنانديز مسيطرة على الأغلبية في الكونجرس الأرجنتيني، بعد فقدانها لهذه الأغلبية في الانتخابات السابقة في 2009. واختار الناخبون نائبا للرئيسه المنتخبه وزير الاقتصاد أمادو بودو، كما اختاروا 24 سيناتور و130 عضوا لمجلس النواب و9 حكام للمقاطعات.
انجازات كريستينا الأقتصادية
من المعروف ان الأرجنتين عضو في تجمع الميركسور وقد انضمت إليه بعد التوقيع على معاهدة اسونسيون وقد برزت الأرجنتين في تجمع الميركسور كقوة اقتصادية وسياسية فاعلة على المسرح الدولي، ورغم تأثر الأقتصاد الأرجنتيني سلبا بالأزمات المالية التي انتابت العالم في أواخر التسعينات حيث وصلت الأرجنتين إلى حافة الأفلاس، ومرت بفترة من عدم الأستقرار السياسي، إلا أن الاقتصاد الأرجنتيني عاد إلى الانتعاش خلال ولاية الرئيس الأرجنتيني السابق(نستور كيرشنر) الذي تولى الرئاسة (2003-2007)، وكذلك خلال ولاية زوجته الرئيسه الحالية كريستينا فرنانديز التي خلفته في أواخر 2007، فقد حقق الأقتصاد الأرجنتيني أرتفاعا بنسبة 7,5%، وهو ما أدى إلى أرتفاع شعبية فرنانديز خاصة وأن الاقتصاد الأرجنتيني من بين أكثر الاقتصادات نموا في العالم نتيجة زيادة عدد السلع المخصصة للتصدير.
كما تبنت فرنانديز سياسات اجتماعية حظيت بشعبية واسعة، وتمكنت من التوافق مع الطبقات الوسطى التي كان زوجها قد أثار مخاوفها خلال النزاع مع المزارعين في عام 2008 رافضا في النهاية التقاوض معهم.
كما نفذت حكومة فرنانديز برامج اجتماعية شملت تخصيص مساعدات لصالح ثلاثة ملايين طفل فقير في البلاد وتوزيع أجهزة كمبيوتر محمول على سكان الأماكن المحرومة.
في الوقت الذي أجمع فيه المراقبون الاقتصاديون ان النهضة الاقتصادية التي شهدتها الأرجنتين منذ تسلم الرئيسة فرنانديز زمام الأمور عقب وفاة زوجها في 2010 كان المساهم الأكبر في إعادة انتخابها.
كما اتبعت فرنانديز خططا في مواجهة الازمات بتوجيه برامج تقشفية مما مكن الأرجنتين في الدرجة الأولى من تسديد الجزء الأكبر من ديونها إلى البنك الدولي، ثم تابعت المسيرة عبر التعاون مع النقابات العمالية والشركات الكبيرة بتخفيف الضرائب عنهما مقابل توفير أماكن عمل، وبهذا خفضت من ارتفاع البطالة العمالية، وبناءا على هذه الانجازات تعتبر الارجنتين اليوم اقتصاديا أهم بلد في أمريكا اللاتينية بعد البرازيل والمكسيك حيث وصل الأنتاج القومي لديها العام 2010 إلى 368,7 مليار دولار وكان عام 2009 ،307 مليار دولار، وارتفع دخل الفرد إلى 9200 دولار بعن أن كان العام الذي قبله 7650 دولار, كما انها صاحبة ثالث أكبر اقتصاد بعد البرازيل ومولومبيا.
كما نشطت حكومة كريستينا قطاع تربية الاسماك بنسبة 9,2% من الدخل القومي الإجمالي، إضافة إلى النمو الذي طرأ على قطاع انتاج المواد الغذائية والمشروبات على اختلافها وسلع أخرى للتصدير. خاصة ان الارجنتين مشهورة بتصدير المواد الخام، كما أن التجارة وقطاع الخدمات زادا نموا حتى 54,2% من الناتج القومي الاجمالي والانتاج الصناعي بحوالي 19%، وهذا جعل قطاع البناء يزدهر وينمو بنسبة 5,1%.
تحليل الانتخابات
لقد حققت كريستينا فرنانديز كيرشنر الفوز الثالث على التوالي لحزب جبهة النصر البيرونية اليساري الذي أسسه زوجها الراحل نيستور كيرشنر، وهر أول أمرأة في الأرجنتين يعاد انتخابها لدورة ثانية وبفارق تاريخي، ويرجع فوزها إلى سياستها الاقتصادية وما حققته من نمو اقتصادي ملموس، كما ان الاجتماع الذي عقدته فرنانديز مع قادة المزارعين قبل الاقتراع بقليل نال استحسانا كبيرا، وهو امر لم يكن ممكنا تصوره قبل سنه، علاوة على ان موت زوجها الرئيس السابق كان له أثر كبير في تعاطف الأرجنتين معها، علاوة على ان ضعف المعارضة السياسية وتفككها كان له تأثير أيجابي لصالح فرنانديز، كما أنها حصلت على تأييد الطبقات الشعبية، ويؤيدها أيضا جزء كبير من الطبقات الوسطى وحتى الفئات العليا في المجتمع الأرجنتيني التي تراهن على الأستقرار الأقتصادي.
وقد أكد المحللون الاقتصاديون على أن إنجازات كريستينا الاقتصادية هي مفتاح فوزها بفترة رئاسية جديدة بفضل النهضة الاقتصادية التي شهدتها الأرجنتين منذ تسلم فرنانديز الرئاسة في 2007.وتؤكد على ذلك البيانات التي صدرت عن النمو الاقتصادي الذي وصل في النصف الأول من 2011 إلى 9,5%، إضافة إلى تنشيط قطاع إنتاج السيارات وتصديرها إلى بلدان في أمريكا اللاتينية بشكل كبير بعد ان زاد الانتاج 60%.
وقد تنبأت كل استطلاعات الرأي التي اجريت قبل الانتخابات بفوز كريستينا الذي لم يحصل عليه أي رئيس أرجنتيني سابق منذ الجنرال خوان دومينيجو بيرون الذي حصل على 62% من الأصوات، حيث أشارت إلى أن فوز كريستينا سيكون بما بين 51 إلى 55,4% من الأصوات، مقابل 12,4 إلى 15,6% لأبرز منافسيها الأشتراكي هيرميس بينر.
بالرغم من النمو الاقتصادي الذي حققته الأرجنتين خلال ولاية كريستينا فرنانديز وزيادة الانتاج الذي وصل إلى 60% إلا أن هناك تحديات تواجه الحكومة الجديدة فاالتضخم المالي الذي ما زال مرتفعا ويتعدى 10,9% وهي مشكلة قديمة تحملها الحكومات منذ التسعينات من القرن الماضي، وما زالت تعاني منها, علاوة على المديونية الخارجية البالغة حاليا 160 مليار دولار.
لذا وعدت وأكدت فرنانديز عقب إعلان النتائج بمواصلة طريقها فيما يتعلق ببرنامجها الذي يدعو في الدرجة الأولى إلى تحفيز الاقتصاد وتقليص نسبة البطالة العمالية، بالرغم من ان كريستينا تتبع سياسات يسارية لا تلقي ترحيبا من رجال الأعمال في الأرجنتين، وتستهدف اساسا تحسين أوضاع الفقراء الذين يمثلون قاعدتها الانتخابية.
منال فهمي البطران
#منال_فهمي_البطران (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟