أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم الصامتي - دلالة العنوان في المجموعة القصصية -الرقص مع الأموات- للقاص المغربي عبد السميع بنصابر















المزيد.....

دلالة العنوان في المجموعة القصصية -الرقص مع الأموات- للقاص المغربي عبد السميع بنصابر


كريم الصامتي

الحوار المتمدن-العدد: 3596 - 2012 / 1 / 3 - 00:29
المحور: الادب والفن
    


لا انتصاب أمام القول، بأن النظريات الحديثة في القراءة وجماليات التلقي وسميائيات النص، قد أعلت من قيمة العنوان وبقية النصوص التي لا تدخل ضمن المثن القصصي، والتي لطالما انفلتت من سلطة القراءة النقدية. ومنها صورة الغلاف وتصميمه ولونه، بالاضافة إلى التقديم وكلمة المؤلف إلخ. على اعتبار أنها من النصوص الموازية paratextes الدالة. وقد اعتبر جيرارت جينيت gérard génette العنوان والمقدمة من النصوص التي لا سبيل إلى الاستغناء عنها أو إهمالها.
ويبقى العنوان أهم هذه المكونات، باعتباره الشرط الأولي للدخول إلى النص، وعلامة تدخل مع المتلقي في حوار مغري ومفعم بالإغواء، حوار متخن بالتشويق المتوسل بآليات التحرش والابتزاز من أجل اسثمالة القارئ، لإرتكاب فتنة القراءة.
وما دام للقارئ سلطة على النص، تتجلى في إخراجه من الكمون والسكون إلى الحركة وممارسة فعل القول، الذي هو انقاد له من الموت. فأيضا إن للعنوان سلطة على القارئ، فهو إما أن يكون صادقا أو ماكرا في توجيهه للمتلقي. وهو بهذا السلطة يمارس إكراها أدبيا وشَرَكًا أو مصيدة للمتلقي. ومن تمة فالأهمية التي يحضى بها العنوان تأتي من كونه الرقم السري لفتح خزائن النص في بعديه الدلالي والرمزي، باعتباره علامة كاملة تحوي دالا ومدلولا.
على هذه الخلفية تغيَّيْتُ أن أجتزئ لحظة العنوان داخل المجموعة القصصية" الرقص مع الأموات" للقاص المغربي عبد السميع بنصابر، على اعتبار أن العنوان نص يستحق منا إعمال نفس الجهد في قراءة المثن.
تتناغم قصص المجموعة البالغ عددها 18 قصة، لتقدم رؤية فلسفية وتشريحية للذات البشرية، ولا سيما في باطنها العميق المرتكن خلف اللاشعور الفرويدي، والذي وخزه الكاتب من أجل أن يعلن عن نفسه من خلال قضايا معينة أوالصور والإيمات، واستدعاء شخصيات مختلفة رامزة وغامزة. هذه القضايا والشخصيات الجدلية والمثيرة، يمكن لنا من خلال عتبة العنوان "الرقص مع الأموات" أن نفهم المجال الذي سوف يتحوط بها ويلفها لفا.
إن عنوان مجموعتنا القصصية يفتح نافذة على التجلي الدلالي الأول للنص، وهو يعبر عن مفارقة paradoxe لا تستوي إلا في ذهن أو مخيال الأنا اللاشعورية للذات الكاتبة، بحيث أن فعل "الرقص" الذي يحيل على الحياة وعلى السعادة، وعلى جسد جدلان ومغتبط بمركزيته، جسد يخرج من نمطية الآلة العضوية الملبية لحاجات بيولوجية، إلى كائن حي وخالق للفن (الرقص)، الذي يعبر عن الانتشاء الروحي، مقابل "الموت" الجدر الثاني من العنوان الذي يحييل على الظلام/النهاية/ الصمت المستمر. ويجعل من الحداد التيمة الوتد (المركزية) التي تؤطره (الموت) باعتباره جمودا.
إذن، لدينا جدرين (الرقص ـــــ الأموات)، يرشدنا كل واحد منهما إلى بنية مفاهمية مضادة للاخرى. لكن الكاتب عن طريق هذا العنوان، دفعنا "غصبا" إلى التوقف والرسو منذ البداية للقيام بتمرين تاملي وفكري في عتبة "النص" الموزع داخل دفتي المجموعة القصصية. فالكاتب جعلنا ككرة مضرب تروح وتنثني وتتوتر بين مضربي لاعبين (الموت والرقص). هذا التداخل الواعي والمقصود الذي عمد إليه الكاتب، خفف من معنى الموت وضمنه شيئا من الحياة – الرقص مع الأموات، أي إخراج الميت من دلالة الجمود والبرود إلى حالة الدفئ والحركة، والمشار إليها بالرقص، وأيضا تكسير الإضاءة القوية للرقص، باستدعاء الظلام المتمثل في الموت.
إن الذات الكاتبة، بدهاء شيطاني، لا يتأتى إلا للهائمين في كل وادي، والمُبايَعِين من طرف شيطان الابداع، أو الذين "يمرق من رأس قلمهم، دخان أفعواني بلون الحبر(...) بهيئة كائن غريب له صوت الرعد". كما عبر عن ذلك السارد في قصته الأولى: (الكاتب الذي لم يلعن الشيطان). لقحت (الذات الكاتبة) كلمة الرقص بكلمة الموت، وكلمة الموت بكلمة الرقص، جامعة بذلك التنافي بين قيمتي الحياة والموت، وهذا النسيج لم يحتاج من الكاتب غير توظيفٍ بسيط لعبارة "مع" والتي تفيذ التضمين والمعية.
إذن، مكر العنوان، حدد موقع القارئ منذ البداية، إذ جعله، في اعتقادي، في المنزلة بين المنزلتين، أي بين هذه الثنائيات: الموت/الحياة، السعادة/ الحداد، الجسد المقدس/الجسد المدنس، الظلمة/النور، الدفئ/البرود، الحركة/السكون... وهو موقع متوتر ونشِطٌ، لا يترك للقارئ فرصة للراحة أو الخمول وهو يمسك المجموعة بين يديه.
بيد أن مكر العنوان وإنفلات دلالته العصية على القبض المستحكم، يفتحنا لنا أفاقا وعوالم واسعة لتفكيك بعده الرمزي، إذ يمكن أن نسرح في دلالة أخرى، ربما سيتبينها القارئ عندما ينتهي من قراءة المجموعة القصصية، وهي أن الرقص يفيد أيضا الشطح، والجذب، والنرفانا بالمعنى الصوفي، فكثير هي الرقصات التي التؤدى من أجل التخلص من الآلام النفسية، وهي نوع من التطهر من العلل النفسية العميقة، والتي تجد في هزات الجسد منفذا للإفراج عن الضغوط التي تكبل الذات، إنه نوع من التحرر من الجسد عبر تطويعه وتأليمه بل وأذيته أحيانا كما يحدث في "الحضرة". لكن وإن نحى الرقص منحى هذا المعنى فإنه يبقى دائما دالا على الراحة والانتشاء...
ولا يفوتني أن أشير بعجالة، إلى أن ما تبنيته من قول، يمتد في رأيي إلى الغلاف (صورة وتصميا ولونا)، باعتباره الشكل البصري المتيقن، والشكل الذهني المتخيل الذي تشير العبارة اللغوية (أي العنوان) إليه. فاختيار اللون الأسود والأحمر علامة بصرية لها مكانتها في تكثيف دلالة النص المعروض، مما يثيره هذين اللون في نفس المتلقي من وجدانات. فاللون الاسود يتماشى مع ما إشرنا إليه من دلالات يقدمها لفظ الموت داخل العنوان، على اساس أن السواد يحيل على الحداد والظلمة والقبر والحزن، واللون الاحمر يدل على الحياة والفرح والدفئ... هكذا كانت دلالة اللون قادرة على جذب الانتباه وإثارة الاهتمام، مما تطلبه من خاصية التناسب والمرونة البصرية.
وقد زادت لوحة الغلاف كعلامة كاليغرافية متراكبة الألوان والصور (اللون الاحمر دائما، واللونين الاسود والرمادي) وصورة لأجساد هائمة "هيولى" في حالة تشكلها الاول أو في حالة تبخرها، أجساد هائمة، بدون ملامح، شبيهة بأشباح، لكنها راقصة من خلال إلتوائها الواشي. قد زادت كما قلت من دلالة لغة العنوان، فاقتران الرسالة اللسانية (العنوان) بالرسالة البصرية (اللوحة والألوان)، جعلت النص القصصي "يختزل" في دلالة مضغوطة ومكثفة منذ البداية.
على سبيل الختم:
إن اختيار عتبة العنوان في المجموعة القصصية "الرقص مع الاموات" أو غيرها، مجالا للتحليل لا تفتح اي آفاق عليمة، ولكنه يبقى اي العنوان بؤرة إبداع خاضع لمخاض القص والقراءة، والعيش داخل المجموعة القصصية مكانيا وزمانيا (الزمان والمكان السردين) والاختلاط مع عرمرم شخصياتها بمشاركتهم الرؤية من الداخل أو من فوق. حسب ما يتطلبه التفاعل مع النص.



#كريم_الصامتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فريديريك نيتشه: إعوجاج الصراط المستقيم
- حفريات في تاريخ قبيلة زعير - المغرب -
- -الحَبَّة والبَارُودْ مِنْ دَارْ القَايْدْ-
- لعل الذكرى تنفع..!
- الإله مات.. الإله حي
- النقد النيتشوي للمسيحية*
- - بلدي وإن جارت علي عزيزة-
- طموح المغرب التنموي وهواجس الجيران


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم الصامتي - دلالة العنوان في المجموعة القصصية -الرقص مع الأموات- للقاص المغربي عبد السميع بنصابر