أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - كريم الصامتي - الإله مات.. الإله حي















المزيد.....

الإله مات.. الإله حي


كريم الصامتي

الحوار المتمدن-العدد: 3210 - 2010 / 12 / 9 - 16:50
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


«... لقد كانت فكرة الإله حتى الآن، الاعتراض الرئيسي ضد الوجود إننا نجحد الإله، ننفي المسؤولية عن الإله بهذا فقط ننقد العالم»1
«... وإذا كنت جلست مرحا مسرورا حين دفنت آلهة الأزمان المنصرمة لأبارك العالم واغمره بالحب قرب أنصاب من افتروا عليه. فما ذلك إلا لأنني أتوق إلى رؤية المعابد ومدافن الآلهة عندما تفترق عين المسلم الصافية قبابها المحطمة, فأجلس على الركام المتهدمة كالعشب الأخضر والشقائق الحمراء...»2.
«... إن الله* افتراض وأنا أريد ألا يتجاوز بكم الافتراض حدود التصور، فهل تستطيعون أن تتصوروا إلاها؟ فاعرفوا من هذا أن واجبكم هو طلب الحقيقة فلا تطمحوا إلى مالا يبلغه تصور الإنسان وبصره وحسه, أمسكوا بتصوركم كيلا يتجاوز حدود حواسكم»3
بدءا بهذه الشذرات، يتبين لنا مدى التصاق نتشه بالحس الأرضي، ومحاولاته لرفع الخطيئة على براءة الأرض، التي ما فتئت تعلنها جميع الديانات،
و المثالية عموما باسم الإله, مشوهة بذلك الإنسان، و محاولة سلب حرية منه و معترضة القوة الإبداعية القابعة في أعماق إرادته, هاته القدرة الخلاقة التي نتيجة لانشغالها بالانحناء في ذلة و خضوع أمام قدرة إلهية مدعاة ومزعومة، لم تستأنف فعاليتها وتباشر نشاطها الإيجابي في- رأي نتشه-
ورغبة منه في تحرير هذه القوة الإبداعية، لا يتردد نتشه في إعلانه "موت الإله"، مريدا بذلك أن "يطلق جناحي الإنسان لكي يدعه يحيا أعظم مخاطرة ميتا فيزيقية على الإطلاق" 4
وبهذا الإعلان، يكون قد بدد هذه الفكرة التي في رأيه كانت أوطأ امتناع واعتراض على الوجود. ففي قتل الإله انقاد للعالم من تلك السلطة المستبدة, المتسلطة بالإنسان الكابسة على إرادته, إرادة القوة الكامنة فيه.
هكذا يعلن نتشه، و بدون تحفظ على لسان الرجل الأخرق « مات الإله وسيظل الإله ميتا، أما سمعتم بذلك الرجل الأخرق الذي بعد أن أوقد فانوسه في وضح النهار, صار يجري في ساحة السوق ويصيح بدون توقف إني أبحث عن الإله ..., ولما كان كثير مما لا يؤمنون بالإله متواجدون هناك(....) فقد أثار ضحكا كثيرا، هل فقدناه , قال أحدهم هل شرد مثل طفل؟ قال آخر، أم هل يختفي في مكان ما؟ هل هو خائف منا؟ هل أبحر؟ هل هاجر؟(....) هكذا كانوا يصيحون ويضحكون في ذات الوقت، سارع الأخرق إلى وسطهم و اخترقتم بنظراته - أين الإله - صاح فيهم أنا سأقول لكم لقد قتلناه أنتم وأنا نحن قتلته (....) ألا نشم رائحة التدعص الإلهي ؟ فالآلهة أيضا تتدعص ؟ مات الإله ويضل الإله ميتا (....) إن أقدس وأقوى ما ملك العالم إلى الآن قد نزف دمه بطعنات مدانا... » 5
ولن يتحقق هذا الموت تحققا كاملا في رأيه، إلا إذا وعينا وعيا تاما بكون جميع القيم التقليدية**، والحقائق الأزلية, و الأصنام الأخلاقية المسيحية، إن هي إلا مبتدعات إنسانية*** و" موت الإله هو الموقع الذي يؤسس نهاية جميع هذه التقويمات المثالية." 6
و ما كان نتشه يعلن "موت الله"**** لولا إدراكه بأنه مع هذا الموت سيسترد الإنسان كل"حقوقه" التي استلبتها منه القيم و التقويمات الميتافيزيقية و الأفكار اللاهوتية. إنه لم يكن ليفعل ذلك، لولا إيمانه بأن مع هذا الموت سيمكن للإنسان أن يتجاوز الطبيعة و العلو على نفسه. لقد جاء دوره ليخلق قيمه بنفسه، و يخلص الأرض كما يقول نتشه في مستهل زارا دشت: « أتوسل إليكم أيها الأخوة أن تحتفظوا للأرض بإخلاصكم، فلا تصدقوا من يمنوكم بآمال تتعالى فوقها، إنهم يعللونكم بالمحال فيدسون لكم السم (...) أولئك هم المزدرون للحياة (...) لقد تعبت الأرض منهم فليقلعوا عنها » 7
و رغم ما قد يظهر مما قلناه، بكون نتشه ملحد أشد الإلحاد، فهناك من يعتبر صراع نتشه ضد الله يفرض سلفا هذا الله، و لو كان على ثقة تامة بعدم وجوده لما أرهق نفسه في التمرد عليه. فهذا الإنكار العنيف لله، إنما يكشف في رأي هؤلاء إن - صح التعبير- عن حنين وشوق خفي إلى هذا الإله، وعلى رأس هؤلاء ياسبيرز الذي " يعاود تأويل عبارات نتشه الصريحة مثل " الإيمان بالله سلب العالم" أو"أن الله مجرد افتراض" أو"اكبر خطرا" أو"الله يجب أن يموت"(...) بأن ذلك يعني رغبة الإنسان في البحث عن موجود أسمى و غاية أعظم... " 8
ويفسر إعلان نتشه « أن الله قد مات » بأن « الله حي» لأن موت الله معناه خلقه من جديد بصورة أخرى9 .
ونحن نرى خلاف هذا الرأي، فنتشه عندما يعلن إنكاره ل، له فهذا لا يعني أنه ينكر الله كوجود، بل انه على وعي تام أن الله أصلا غير موجود، إلا في أذهان وعقول الناس، وهو إذ يحارب الله، إنما يحارب فكرة وجود الله ، لما لهذه الفكرة من خطورة على فعالية الإنسان.
هكذا نخلص، إلى أن الدين أو اللاهوت ساهم في تسرب قيم الانحطاط إلى الغرب، وعجل - هذا المتعالي اللاهوتي- بحلول العدمية " فقد أقام الدين للإنسان عالما مواز للعالم الدنيوي، وجعل الإنسان يستند إلى هذا العالم ويستمد منه معناه" . وهو لم يكتفي بذلك، بل قد انتزع من نفسه خير ما فيها، لكي يزيد من صلابة تلك الصورة المثالية التي خص بها ذلك العالم. وهو عندما فعل ذلك « قد فقد مركز ثقله و صار لا يعلم إلى أي أمر يسلم نفسه، ولا أين يتجه، لقد صار كائنا بدون هوية » لقد تاه عن المركز.
-------------
جزء من دراسة قمت بها حول الفكر النيتشوي
* لهذا الاسم عند الفلاسفة عدة معاني الأول هو المعنى الاجتماعي، وهو إطلاق للفظ الإله على معبود الجماعة، وهذا المعنى المنتشر في الجماعات البدائية لا يمنع التعدد، لاختلاف الإله باختلاف الجماعات، أو لاعتقاد الجماعة الواحدة أن لها آلهة كثيرة تتوزع السيطرة على الأشياء وتتنازع فيما بينها(...).
والمعنى الثاني: هو المعنى الأخلاقي وهو الاعتقاد أن الله مصدر جميع القيم الأخلاقية لانك إذا فرضته غير موجود لم تستطيع أن تبني نظام الأخلاق على أساس تابت ولا أن تفسر معنى العقاب والتواب ولا أن تحقق اقتران الفضيلة بالسعادة لانه لا خيرية للشيء بذاته قبل إرادة الله التي خلقته وأمرت به ( ...) .
والمعنى الثالث: هو المعنى المنطقي وهو القول أن الله مصدر العالم ومبدأ العقل، الأساس الذي يضمن مطابقة الحقائق في الأذهان للأشياء الموجودة في الأعيان، ومعنى ذلك أنه لا معقولية للحقائق الأبدية المطلقة إلا بنسبتها إلى الله لانه الموجود الحق الباقي بقاء أبديا، وكل حقيقة لا تنسب إليه فهي متغيرة وزائلة.
المعنى الرابع: هو المعنى الوجودي، وهو القول أن الله مبدأ العالم وغايته، ومصدر وجود الكون وضابط الكل ولهذا القول ثلاثة أقسام وهي: القول أن الله جوهر الموجودات وباطنها, القول أن الله هو الواحد المتعالي المفارق الذي خلق كل شيء وبسطه خارج ذاته فهو إذن علة فاعلة (...)، القول أن الله غاية العالم التي من اجلها كان كل شيء(...). الدكتور جميل صليبا " المعجم الفلسفي" الجزء الأول 1994ص 127 .
** عندما نقول القيم التقليدية فإننا نجعلها مقابل القيم الجديدة التي يدعو إليها نتشه
***نفس الرأي نجده لدى فويرباخ في كتابه: osier avec la collaboration de jean pierre grossein , paris édition Maspero année 1973 page 377 حين اعتبر بان القيم ما هي إلا مبتكرات إنسانية ابتدعها الإنسان كما ابتدع فكرة الله التي بواسطتها يتمكن من تمثل وجود آخر خارج عنه ويقول بهذا الصدد إن الإنسان هو الذي خلق الله كما يريد ويبتغي فهو بذلك عندها يعبد الله فإنما يعبد نفسه، وبهذا يكون الدين عنده وهما عن طريقه يتمكن الإنسان مكن إسقاط كمالاته على موجود خارج عنه.
****وجبت الإشارة إلى أن الإله الذي نتشه ليس بالضرورة هو الإله الذي تتحدث عنه الأديان فقط، بل يقصد به كذلك جميع التفسيرات المثالية المتعالية للإنسان والعالم
1 فريد يريك نتشه: "أفول الأصنام" ترجمة حسان بورقية ومحمد ناجي إفريقيا الشرق الطبعة الأولى 1996 ص 56
2 نتشه فريد يريك: "هكذا تكلم زارا دشت" مرجع سابق ص 221
3 نفس المرجع ص 111
4 زكريا إبراهيم"مشكلة الإنسان" دار مصر للطباعة (دون تاريخ) ص 187
5 نتشه "العلم المرح" ترجمة حسان بورقية ومحمد ناجي إفريقيا الشرق ص 132
6 جمال مفرج : "نتشه الفيلسوف الثائر" إفريقيا الشرق 2003 ص 47
7 نتشه فريد يريك: "هكذا تكلم زارا دشت" مرجع سابق ص 33
8 حسن حنفي " بين ياسبرز ونتشه" أوراق فلسفية العدد الأول نونبر 2000 مرجع سابق ص28
9 المرجع السابق ص27
4 المرجع السابق ص 130



#كريم_الصامتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النقد النيتشوي للمسيحية*
- - بلدي وإن جارت علي عزيزة-
- طموح المغرب التنموي وهواجس الجيران


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - كريم الصامتي - الإله مات.. الإله حي