أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزالدين عناية - حول علاقة المثقف بالسلطة في تونس














المزيد.....

حول علاقة المثقف بالسلطة في تونس


عزالدين عناية

الحوار المتمدن-العدد: 3593 - 2011 / 12 / 31 - 19:18
المحور: الادب والفن
    



ثمة رأي شائع عند التطرّق بالحديث عن الثورة التونسية، وأجزم أنه خاطئ، مفاده أن الثورة اندلعت بدون قيادة، وبدون سياسة، وبدون ثقافة... الواقع أن حالة البدون أو حالة الخواء لا تولّد إلا السكون. لذلك تبدو سوسيولوجيا الثقافة مدعوة بإلحاح لإخراج الحدث الثوري من حيز التبسيط والابتذال والتسطيح للإجابة عن سؤال: من أين تدفّقت الثورة وأيّ جداول غذّتها؟
***
أذكر اليوم الذي خابرتني فيه الزميلة الإيطالية إيزابيلا كاميرا دافليتو وهي خاسئة حسيرة، على إثر زيارتها للملحق الثقافي في قنصليتنا العتيدة في روما، بعد أن كانت تظن أنها ستزفّ إليه بشارة سارة بترجمة رواية "دار الباشا" للكاتب التونسي حسن نصر. لم يعبأ بها أحد لا الملحق، ولا القنصل، ولا جميع المخبرين، ممن كانت تعج بهم القنصلية حينها. من يومها شرّقت كبيرة المترجمين الإيطاليين بعد أن همّت أن تُغرّب. وتأكّد لديها أن تونس قد تحولت إلى مستنقع آسن. غير أنها بعد الثورة عاودها الحنين إلى تونس، فما فتئ الشابّي يغويها بالترجمة. من هذا الباب حريّ أن نمتن علاقات تونس الجديدة بالنافذين في مجال الفكر والأدب والترجمة في العالم، إن كنا نريد خيرا لثقافتنا.
***
كثير من الكتّاب العرب والتونسيين ألحوا عليّ لترجمة أعمالهم إلى الإيطالية، أو التوسّط لتزكيتها لدى من يعمل في المجال في إيطاليا، إلى درجة الاستجداء الفاضح الذي لا يليق بالمبدع. في الحقيقة أنا لا أترجم إلاّ لمن كنت على يقين أنه زهد في الدنيا والآخرة، ولذلك سبق لي أن عكفت على ترجمة "المرائي والمراقي" للشاعر التونسي محمّد الخالدي وغيره. فقد رأيت أن الرجل نطق بالشهادة حين جحدها كثيرون، "وقال لي: سيُحرقُ المصْحفُ في رابعةِ النّهار/ويفْجُر الملوك في الكبار والصغارِ
وقال لي: لا تكترِثْ فآيةُ القيامه /يصير كل مسجدٍ مبولَةً /وكلُّ مُصْحفٍ قُمامه.
كما أني لا أزكّي نصّا لينقل إلى الإيطالية إلا متى رأيت فيه ألقا يليق بتمثيله فكرنا أو شعرنا أو أدبنا... فكيف أروّج لنصوص خدم أصحابها السلطان السابق أو السلطان الأسبق، والحال أن هناك ملْح الثورة، شعراء وكتاب ثوريون قبل الثورة. فمن المعيب أن يصير الأوائل أواخر والأواخر أوائل.
***
لم أستح يوما لأني تونسي مثلما استحيت يوم جاءني طلاب إيطاليون من كلية الدراسات الشرقية في روما ليرووا لي عن إقامتهم صيفا في بلدي. همسوا: قصدنا تونس لتعلّم العربية فتعلّمنا الفرنسية! وجلتُ من هول الفضيحة. إذ جلّ من ينزل بتونس للدراسة يكنّ احتراما لمعهد بورقيبة للغات الحية ويثني على تلك المؤسسة العتيدة. لكن السواد الأعظم منهم يحتقر الشارع التونسي لأنّ فيه تلوّث لغوي مشين، حتى ليهزأ المستعربون الإيطاليون من التونسيين قائلين، نقول لهم بعربية فصيحة: عمتم صباحا، فيردّون بروميّ الكلام "بُونْجُور".
***
لم تتسيّس الثقافة في البلاد العربية مثلما تسيّست في تونس. أُلصقت برموزها النعوت المغرضة وغاب التقييم الحقيقي للنصوص واستعيض عنه بحكم إيديولوجي، أو سياسي، أو ما شابه ذلك. قال لي الروائي التونسي الحبيب السالمي حين التقينا في روما: في تونس جوائز وملتقيات وأعمال على قدر عقول أهلها. في ظل ذلك الارتباك اصطنع النظام أوثانه، التي توهّم في تصديرها خارجا أن تلاقي قبولا حسنا. لذا أنصح بالاستئناس بخبراء الذائقة الأجنبية قبل خوض غمار التصدير حتى لا تولد المشاريع ميّتة.
***
في السياسة يمكن أن يخادع المرء ولا يفطن به الناس، ولكن في الثقافة، مثل النبوة، حين يخادع المرء سرعان ما يُفضح أمره. هذا التشخيص ينطبق على كثير من مدّعي الثقافة قبل الثورة. ففي ما مضى أغوى النظام الغارب كثيرا من العاملين في الحقل بالانضمام إلى جوقة كلاب الحراسة، ومن أبى زُجّ به في عالم التهميش والعزل قهرا وعنوة، ليكون في زمرة السائحين الهائمين. أذكر كلمة للصديق الروائي حسن بن عثمان، عشية الثورة: أن النظام جرّ الجميع إلى المستنقع، تورّط وورّط معه معشر المثقفين، حتى إذا لُعن لُعنوا وإذا سُبّ غضبوا له. الحمد لله أن بدأت تغرب شمس مثقفي السلطة...
***
يسألني كثير من الباحثين والدّارسين الإيطاليين عن الفكر التونسي المتوراي خلف الثورة؟ فأجيب كان شفافا ولا يزال أهله مهمَّشين أمثال: أبو يعرب المرزوقي، محمود الذوادي، راشد الغنوشي، المنصف المرزوقي، صلاح الدين الجورشي، أبوبكر العيادي، البحري العرفاوي، محمد الخالدي، المنصف الوهايبي، حميدة النيفر، عادل بلكحلة، المنصف وناس، وغيرهم كثير... هؤلاء أنبياء الثورة. ولكن في تونس ثمة تعامل مع المثقفين، قبل الثورة وبعدها، بمثابة خراف بيت إسرائيل الضالة.
أستاذ تونسي في جامعة لاسابيينسا في روما
[email protected]



#عزالدين_عناية (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ”مشروع كلمة” والترجمة من الإيطاليّة
- النهضة في السلطة: قلبٌ لمعهود السياسة العربية
- حركة النهضة ومستقبل تونس السياسي
- الثورات وهويّة المسيحية العربية المصادَرة
- ما كان المسيح للطاغين ظهيرا
- المسيحية العربية تكتشف لاهوت الثورة
- الكنائس والحراك الثوري في سوريا


المزيد.....




- كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا ...
- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...
- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...
- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...
- تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
- المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزالدين عناية - حول علاقة المثقف بالسلطة في تونس