أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عزالدين عناية - الثورات وهويّة المسيحية العربية المصادَرة














المزيد.....

الثورات وهويّة المسيحية العربية المصادَرة


عزالدين عناية

الحوار المتمدن-العدد: 3492 - 2011 / 9 / 20 - 16:19
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


دبّ بفعل الثورات العربية المحتدمة شيء من الوئام بين المسيحيين والمسلمين، فلم نشهد منذ عقود، وربما منذ عصر الاستعمار البغيض، تلك اللحمة الصادقة والعفوية بين دينين شاءت الأقدار أن يترافقا معا في السرّاء والضرّاء، داخل حضارة جامعة وأرض واحدة. فحين علا ترتيل أمّ الكتاب في ميدان التحرير في مصر وعقبه تردّد الصلاة الربّانية، كان الحدث بشيرا بميلاد تعايش إسلامي مسيحي حقيقي افتقدته الجماهير.
ذلك أن المسيحية العربية، منذ مصادَرة ثروتها الدينية وتحويلها إلى وقف سلطاني غدت ديكورا لحاكم يحرص على عرضها رياء في المحافل والتجمّعات، بصولجاناتها وصلبانها، ويتغاضى عن قضاياها الأساسية، من نقص للحرية وغياب للديمقراطية. لقد كشف انحياز الجموع المسيحية إلى الثورات العربية، أن السلطات مهما انحرفت بمؤسّسات الدين عن دورها، وسلبتها حرّيتها وشوّهتها، على غرار ما فعلته مع المؤسسات الإسلامية، تارة بطلب الفتوى وأخرى بتلمّس شهادة زور منها، فإن الجموع المؤمنة مدركة لموقعها ورسالتها. حتى غدت المسيحية الرسمية كالإسلام الرسمي أداةً طيعةً بيد النظام يقلّبها حيث شاء وهي تطاوع. ولكن اليوم بات الإقرار، بالتساوي بين المسيحي والمسلم، بفساد تلك الأنظمة الحاكمة، وإن ادعت حماية الأوطان وزعمت الذود عن ذلك الجناح المهيض من الإرث الديني.
لقد مرّت المسيحية في ديارنا من نظام الملل إلى نظام المواطنة المنقوصة، ولم تبلغ تلك الدرجة العليّة التي بقيت مقصداً منشودا، يعي ذلك المسلم الصادق قبل أن يذكّره به المسيحي المغلوب. لكن حكام بلاد العرب الذين اُبتلي بهم الناس في زمننا الحديث، زعموا أنهم يسوسون الناس بالعدل والقسطاس المبين. اختلقوا ما شاءوا من المبرّرات، صونا لكراسيهم، حتى جعلوا الإسلام العظيم في مرمى الاتهام داخلا وخارجا. والحال أنه قد عبّر ذلك الدين مبكّرا عن جوهر تلك المواطنة الراقية والمساواة الأصيلة، على لسان أحد أعلامه، في قول الإمام علي (ك) لمالك ابن الأشتر حين ولاّه مصر، التي تعجّ بالنصارى عصرئذ: "فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدّين أو نظير لك في الخلق".
واليوم تتمرّغ المسيحية العربية في بلاد الشام في دمائها الزكية، في صمت، جنب من دانوا بدين الإسلام، أملا في رفع ذلك الغبن الذي عطّل حركة الشعوب، ولكن إخوة الدين في الغرب المسيحي واجمون. وكأن الدماء المسيحية حين تمتزج بالدماء الإسلامية وتتلمّس طريقها النضالي تغشى الغرب بهتة، ربما تلك ضريبة استعادة الهوية المصادَرة من الداخل ومن الخارج. فقد أيقن المسيحي العربي أن محافظة المسيحية على عروبتها لا يكون تحت ظلّ أنظمة قاهرة، تلك الأنظمة التي طالما كانت عاملا فاعلا في تلف ذلك الرصيد الهووي.
ساء بعضهم انخراط الأقباط بعفوية في ثورة مصر المجيدة، فاغتنموا وقوع التجاوزات، التي أتت جراء تراكمات وتعفّنات لم تطهّرها ريح الثورة بعد، لتعلو عقيرتهم بالتحذير والتشكيك. وكذلك تجري مقارنة بين عراق الأمس وشام اليوم، مخوّفين أتباع المسيح بأن كنائسهم عوْرة حيث يُخشى أن تلاقي المصير نفسه الذي شهدته في العراق، ضاربين المثل بأن تراجع أعداد المسيحيين هناك حصل عقب رحيل صدّام. وها هم اليوم ينفخون في ذاك الرهاب ناصحين: لا تنفروا مع الثائرين، قل لظى الدكتاتورية أشدّ حرّا لو كانوا يفقهون.
إذ ثمة تخويف للمسيحيين العرب من الثورات العربية وادعاء بأنها سوف تأتي بأنظمة أصولية، والحقيقة أن التاريخ العربي لم يعرف تشدّدا شبيها بتشدّد الأنظمة الدكتاتورية، وهو ما لا يطاولها فيه طاغية. فقد كان نظام زين العابدين بن علي وبالمثل نظام نظيره حسني مبارك أكثرها تطرّفا وفسادا في التضييق على دين الناس ومعاش الناس، حتى أوشكا أن يلغيا مفهوم الإيلاف لدينا، مع أننا لنا فيه باع طويل من التعايش السلمي بين عوائل دينية شتى، أساسه قول الحق: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" (الممتحنة: 8). فما عادت المسيحية العربية تثق بجلاّديها، وقد بقيت حينا من الدهر مكرَهة على الصمت عن أنظمة الاستبداد العربية، وإن شُبّه للبعض أنها استظلت بظلّها ونعمت بفضائلها. لذلك ترمي المسيحية العربية اليوم لصنع الفضاء الديني الحر الديمقراطي، يد بيد مع المسلمين، بعد أن فشل النموذج السالب للحريات الذي طالما زُيِّن في أعيننا.
لقد ميزت مسار المسيحية العربية في العصر الحديث خاصيتان بارزتان: تظلّمات مستديمة من الواقع العربي الإسلامي بدعوى الدونية والاستضعاف، وارتماء يائس في أحضان الغرب، دفعاها للمراهنة عليه احتذاء وولاء علّه يغالبها على أكثرية مسلمة. وقد كانت في الحقيقة مناورة يائسة لم تكرّس سوى تعميق فرز المسيحية العربية وعزلها عن محيطها الحضاري. وهما مسألتان جوهريتان طالما أثّرتا غاية التأثير على واقع الديانة الثانية في البلاد العربية. وما كان ليحدث ذلك لو سلكت تلك الأنظمة مسلكا رشيدا، ينال فيه المسلم على غرار المسيحي، حقّه وحريته ومواطنته. إذ الحقيقة أن الوطأة التي يرزح تحت كاهلها المسيحي يقاسمه إياها المسلم، ففي واقعنا ثمة عطلٌ في الاشتغال الاجتماعي يتوزّع عطَبُه بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين.
لذلك أقدر أن الذين ما زالوا يراهنون على تغريب المسيحية العربية قد غفلوا عن التحولات التي دبت في الغرب، وبالمثل تخطّتهم مجريات الأمور التي يسير نحوها الشرق. إذ تنقص العديد تجربة عيش في الغرب لإدراك ما الذي يريده منهم، فلئن تبقى بعض الحظوة التي يلقاها المسيحي العربي، من حين إلى آخر، فهي حظوة مشروطة بقدر ما يتخلى فيها عن تميزاته الحضارية والدينية ويتحول إلى أداة طيعة بيد الغرب.
يأتي ملمح اكتشاف المسيحية العربية قدرها ثانية، ومن باب الثورات العربية، بعد تطواف طويل تبيّن لها فيه ألاّ ملجأ من الواقع العربي إلا إليه.
أستاذ تونسي بجامعة لاسابيينسا في روما
[email protected]



#عزالدين_عناية (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما كان المسيح للطاغين ظهيرا
- المسيحية العربية تكتشف لاهوت الثورة
- الكنائس والحراك الثوري في سوريا


المزيد.....




- قائد الثورة: الكيان الصهيوني انهار وسحق تقريباً تحت ضربات ال ...
- السيد الحوثي: نبارك لأمتنا الإسلامية بانتصار إيران العظيم عل ...
- الجهاد الاسلامي تنعى القائد الإيراني محمد سعيد إيزادي
- ثبت الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي على نايل سات وعرب سات وتا ...
- شاهد.. المرشد الأعلى في إيران يعلن النصر على إسرائيل
- إسرائيل ترفض فتح المسجد الإبراهيمي كاملا للمسلمين برأس السنة ...
- فنزويلا: المعارضة خططت لهجوم على معبد يهودي في كراكاس لاتهام ...
- الجيش اللبناني يعلن توقيف أحد أبرز قياديي تنظيم الدولة الإسل ...
- هيا غني مع الأطفال.. تردد قناة طيور الجنة الجديد على نايل سا ...
- ألمانيا: السوري المشتبه بتنفيذه عملية الطعن بمدينة بيليفيلد ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عزالدين عناية - الثورات وهويّة المسيحية العربية المصادَرة