أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عمر جاسم محمد العبيدي - الاقليات الاسلامية التاريخ والمصير (البوسنة والهرسك)















المزيد.....



الاقليات الاسلامية التاريخ والمصير (البوسنة والهرسك)


عمر جاسم محمد العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 3591 - 2011 / 12 / 29 - 14:56
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


ماجستير في التاريخ الحديث - جامعة الموصل - كلية الاداب
مقدمة
شهد القرن الثالث قبل الميلاد، بداية الغزو الروماني لشبه جزيرة البلقان، ومن ثَمّ، خضعت البوسنة للرومان منذ ذلك الحين، وحتى القرن الرابع الميلادي. ثم خضعت لحكم القوط، حتى تمكن الإمبراطور جوستنيان من غزو القوط، وحرر إيطاليا، في القرن السادس الميلادي. وبذلك، تكون بلاد البوسنة، قد دخلت ضمن أراضيه، حتى توفي عام 565م. وتفككت أجزاء الدولة، من جديد، في منطقة غربي البلقان، إثر هبوط قبائل الآفارAVARS، والسلاف الصقالبة SLAVS، من الأراضي المجاورة لنهر الدانوب، من الشمال، في نهاية القرن السادس، حيث استوطنوا هذه المنطقة واستقروا فيها بشكل نهائي.
وفي القرن السابع الميلادي، تدفقت جموع الصقالبة وحلفائهم، من البلغار والآفار، إلى شبه جزيرة البلقان. وتغيرت، بذلك، التركيبة السكانية، إذ ساد العنصر السلافي على غيره من العناصر. وتمكن الصقالبة من الذوبان في الحضارة البيزنطية، وهضم متطلباتها، ثم تغلبوا عليها، بعد ذلك. وانقسم الصقالبة، بعد ذلك، إلى مجموعات:
• مجموعة الصقالبة الشرقيين، ويضمون الروس، والأوكرانيين، والروس البيض.
• مجموعة الصقالبة الغربيين، ويضمون السلوفاك، والتشيك.
• مجموعة صقالبة الجنوب، ويضمون الصرب، والكروات، والسلوفين، والبلغار، والمقدونيين. وإلى هؤلاء ينتمي "البشانقة"، سكان البوسنة والهرسك.
وهكذا تحول الصقالبة، من مهاجرين إلى مستوطنين، ثم محتلين، في المناطق التي تُعرف، الآن، بصربيا والبوسنة والهرسك وكرواتيا.
أمّا القبائل، التي احتلت معظم دلماسيا، وجزءاً من شمالي غربي البلقان، شمال البوسنة، فكانت تُعرف باسم الكروات. في حين عُرفت القبائل، التي استقرت في الجبل الأسود وصربيا وما جاورهما، بقبائل الصرب. وبين هاتَين الفئتَين الكبيرتَين، نشأت قبائل البوشناق الصقلبية، على أرض البوسنة والهرسك. وأدى ذلك إلى بروز ثلاثة مجتمعات: صربي أرثوذكسي، وبوشناقي وثني، وكرواتي كاثوليكي. وأدى الاختلاف المذهبي بينها، إضافة إلى جشع التوسع، إلى تقوية جذور العداوة، فأوجدت الحافز إلى نشوب حرب طاحنة، كانت أراضي البوسنة ميدانها.
ولم تتأثر القبائل الصقلبية البوشناقية بمذهب الكروات الكاثوليكي، ولا بمذهب الصرب الأرثوذكسي. إلاّ أنها اعتنقت المذهب البوجوميلي، وهو مذهب يخالف الكنيستَين السائدتَين ويرميهما بالشرك.
وفي أواخر القرن الحادي عشر، بدأ في البوسنة إرساء العناصر الأساسية، لتنظيم الدولة والسلطة. ويُعَدّ الحاكم، كولين، هو مؤسس الدولة البوسنية، وهو الذي أرسى دعائمها، في القرون الوسطى. وأصبحت البوسنة واحدة من أكبر الدول، على أرض السلاف، في النصف الثاني من القرن الرابع عشر، عندما ترأس الدولة الحاكم، تفرتكو الأول كوترومانيتش (1353 ـ 1391م)، الذي أُطلق عليه لقب ملك راشكا والبوسنة ودلماسيا وكرواتيا والسواحل. وبعد موته، حلت بالبوسنة فترة، ضعف فيها الحكم الملكي. واستولى الأتراك العثمانيون، عام 1463، على البوسنة، التي كانت قد مزقتها الصراعات الداخلية، وأوهنتها الحروب الدينية. وفي عام 1482، استولوا على الهرسك.
ومع الحكم العثماني للبوسنة، بدأ انتشار الإسلام إنتشاراً مكثفاً. وأخذت تأثيرات الحضارتَين، الإسلامية والشرقية، تعم البلاد. وامتدت فترة الحكم العثماني قرابة خمسة قرون، حتى نشوب حرب البلقان، عام 1912. ولم تخلُ فترة الحكم العثماني، خاصة في القرنَين، الثامن عشر والتاسع عشر، من مقاومة بعض أهل البلاد وثورتهم وانتفاضتهم. فقد اتسمت الأحوال، في البوسنة والهرسك، في بداية القرن التاسع عشر، بزيادة حدّة التناقضات، الاجتماعية والسياسية والدينية، الناجمة عن الإصلاحات الجديدة، التي سعى السلطان العثماني، سليم الثالث، إلى إجرائها، في جميع أنحاء الإمبراطورية. ولاقت هذه المحاولات الإصلاحية قبولاً طيباً، من جانب الطبقات الاجتماعية المتميزة. وفسرها أفراد الشعب، من الإقطاعيين والمسلمين، على أنها تنازلات مقدمة إلى غير المسلمين من الرعية.
وفي مؤتمر برلين 1878، اتفقت سياسة ألمانيا مع سياسة كلٍّ من النمسا وبريطانيا. وأيد بسمارك جميع المشروعات الإنجليزية، التي كانت ترمي إلى تضييق الخناق على روسيا. وقرر المؤتمرون وضع البوسنة والهرسك تحت حماية النمسا وإدارتها. وظل ساسة النمسا ينتظرون سنوح الفرصة، لكي يضموا هاتَين الولايتَين نهائياً. وقد سنحت تلك الفرصة، عام 1908، حينما قامت الثورة على حكومة السلطان عبدالحميد، وتكونت، سراً، في الدولة العثمانية جمعية، سمت نفسها "جمعية الاتحاد والترقي". وكان من أهدافها إنقاذ إستنابول من الخضوع الشائن للدول الغربية، وتكوين دولة عثمانية عصرية، تقوم على أُسُس متينة من القوة والنظام.
انتهت الحرب العالمية الأولى، في نوفمبر 1918، بتوقيع معاهدة فرساي. وكان من أبرز ما أسفرت عنه، انهيار الإمبراطورية العثمانية تماماً، وتقسيم الإمبراطورية النمساوية ـ المجرية، إلى النمسا والمجر. كذلك، استقلال كلٍّ من اليونان وبلغاريا وألبانيا ورومانيا. وهو ما ترتب عليه انتعاش الحلم الصربي بإقامة دولة الصرب الكبرى. وبدعم من بريطانيا وفرنسا، أُسست المملكة الصربية ـ الكرواتية، وهي المملكة التي ضمت صربيا والجبل الأسود وكرواتيا وسلوفينيا والبوسنة والهرسك. ونودي بـ "بطرس الأول" الصربي، ملكاً عليها، عام 1918. وفي عام 1929، أُطلق اسم يوغوسلافيا على مملكة الصرب والكروات والسلوفيين.
وبعد اغتيال ألكسندر، ملك يوغسلافيا، غرقت البلاد في صراعات عِرقية، لاقى فيها مسلمو البوسنة كثيراً من العنف والمعاناة. وتواصلت هذه الصراعات، حتى غزو الألمان يوغوسلافيا، في أبريل 1941. ثم دخلت البوسنة، بموافقة المحتل الألماني، في إطار دولة كرواتيا المستقلة. وسرعان ما بدأت أعمال الإرهاب والمطاردات والسَّجن الجماعي والقتل، ضد المسلمين. وأبدى سكان البوسنة مقاومة ضد هذه الأعمال الإرهابية.
وقاد تيتو حركة المقاومة، ابتداءً من يونيه 1941، ونجح في أن يجمع حوله كل العناصر، ذات العِرقيات والطوائف والاتجاهات والميول المختلفة، ويصهرها، إلى حدٍّ ما، في بوتقة واحدة، ذات هدف محدد، وتحرك في اتجاه واحد، مضادّ للاحتلال النازي. وفي عام 1945، شُكِّلت أول حكومة مستقلة للبوسنة والهرسك، في إطار يوغوسلافيا الاتحادية. وعلى الرغم من المعاناة الأليمة، التي تعرض لها مسلمو البوسنة والهرسك، خلال الحرب العالمية الثانية، وأثناء حرب التحرير الشعبية اليوغسلافية، وعلى الرغم من تأييدهم للرئيس تيتو، إبّان حرب التحرير، تطلعاً منهم إلى الاعتراف بكيانهم وهويتهم، إلاّ أن تيتو لم يفِ بوعوده، وصادر جميع أوقافهم الخيرية وأملاكهم، وعمد إلى تفتيت وجودهم في البوسنة، من طريق توطين قوميات أخرى معهم، وإلى حرمانهم من حقوقهم، بل تعرض كثير منهم للاضطهاد والقمع والمطاردة، ولحظر نشاطهم، ومنعهم من ممارسة شعائرهم الدينية. كما تعرض مفكروهم وعلماؤهم للسَّجن والاعتقال، من دون مبرر.
وكانت النتيجة الطبيعية لغياب القبضة الحديدية، لزعامة تيتو التاريخية، من جهة، وللتفاوت الاقتصادي بين الشعوب اليوغوسلافية من جهة ثانية، أن تحوّل هذا التعدد القومي، والتناقض، العِرقي والديني، في غير مصلحة اليوغوسلاف. فانطلقت النعرات القومية الكامنة، وسادت المشاعر العدائية بين الشعوب والقوميات، فانفجر برميل البارود.
وتعرض النظام السياسي في يوغسلافيا، بعد ذلك، لتطور كبير؛ إذ أُخذ بنظام التعددية الحزبية. وكانت هذه فرصة ذهبية لمسلمي البوسنة والهرسك، الذي يمثلون الأغلبية فيها، أن يؤكدوا هويتهم. وفي الانتخابات الحرة، التي جرت عام 1990، فاز حزب العمل الديموقراطي، الحزب الذي يمثل المسلمين، بأكبر عدد من مقاعد البرلمان وانتُخب علي عزت بيجوفيتش لمنصب رئيس الجمهورية. في حين قُسِّمت المواقع السياسية المهمة الأخرى، وفقاً للتوزيع السكاني، بين المسلمين والصرب والكروات.
وبعد إعلان نتيجة الاستفتاء، المتعلق باستقلال البوسنة عن الاتحاد الفيدرالي اليوغوسلافي، في مارس 1992، بالموافقة على إعلان استقلال الجمهورية. طالبت حكومة البوسنة والهرسك الجيش الاتحادي بالانسحاب من مواقعه. غير أنه لم ينسحب، بحجة أن انسحابه، سيؤدي إلى المزيد من إراقة الدماء. وتصاعد العنف في سيراييفو لدى إفصاحها عن رغبتها، وإرادة غالبيتها في الاستقلال عن الاتحاد الفيدرالي اليوغوسلافي. وفي السادس من أبريل 1992، اعترفت الدول الأوروبية الاثنتا عشرة، وكندا والولايات المتحدة الأمريكية، بالبوسنة والهرسك، دولة مستقلة. وفي الثاني والعشرين من مايو 1992، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قبول عضوية جمهورية البوسنة والهرسك، في المنظمة الدولية. وكان رد فعل الصرب على ذلك، إعلان قيام جمهوريتهم الصربية، في البوسنة، والبدء بالقتال، والشروع في محاصرة سيراييفو.

- تفجر الصراع ومسارُه
في عام 1989، أصدر الرئيس الكرواتي، توديمان، كتاباً عن تاريخ العلاقات الدامية، بين شعوب يوغوسلافيا وقومياتها وأديانها. وقد أثار هذا الكتاب كل أحقاد الماضي، وانتهى إلى خلاصة هي أن كرواتيا دولة قائمة، منذ زمن بعيد، وأن الكرواتيين يفضلون العيش في إطار قومي، يجمعهم، وحدهم، دون سائر القوميات الأخرى. وفي هذا الوقت، عمدت صحيفة "فيسنك" الكرواتية إلى نشر حلقات متتابعة، أعادت، من خلالها، الأحداث الدامية، التي وقعت بين الكرواتيين والعثمانيين، قبْل حوالي 400 سنة. وقد تحمس كاهن كاثوليكي كرواتي لهذا الكتاب، فراح يصب زيت الحقد على نار العصبية والعِرقية، المشتعلة في يوغسلافيا. فدعا، صراحة، إلى الثأر من مسلمي كرواتيا، وأخذ مَن يبقى منهم حياً رهائن، مقابل الكرواتيين الذين يقيمون بالبوسنة.
ولم يكن الصرب يريدون غير هذه الدعوة، لتبدأ حرب تصفية الحسابات ضد البوسنيين المسلمين، والكرواتيين الكاثوليك معاً. وهو الأمر الذي دفع رئيس البوسنة، علي عزت بيجوفيتش، إلى إعادة إصدار بيان، يدعو فيه إلى إقامة نظام إسلامي في جمهورية بوسنية مستقلة. وكان قد أطلق هذه الدعوة في مطلع الثمانينيات، قبل انهيار النظام الشيوعي في يوغوسلافيا، فحوكم وسجن. ومنذ ذلك الوقت، بدأ نجمه يلمع، كزعيم بوسني مسلم، مناضل من أجل استقلال بلاده.
ومع انهيار النظام الشيوعي في وطن الشيوعية الأول، الاتحاد السوفيتي، في يونيه 1990، ولحق به نظام رومانيا الشيوعي، الذي كان يقوده نيقولاي شاوشيسكو، وما سبقه، عام 1989، من تساقط أنظمة الحكم الشيوعية في بلدان أوروبا الشرقية، بلغاريا والمجر وبولندا وتشيكوسلوفاكيا وألمانيا الشرقية وألبانيا ـ كان لا بدّ للحكم الشيوعي في يوغوسلافيا كذلك، أن تهتز أركانه. ففي يناير 1990، أعلن الحزب الشيوعي اليوغوسلافي تخلّيه عن احتكار السلطة في البلاد، والسماح بإقامة نظام متعدد الأحزاب. ودعا النظام الحاكم في بلجراد، آنذاك، إلى إجراء انتخابات حرة، هي الأولى، منذ الحرب العالمية الثانية، وكان من نتائجها فوز الشيوعيين، في الصرب والجبل الأسود، في ما كان نصيبهم الفشل في سائر الجمهوريات المشكلة للاتحاد اليوغوسلافي. وهكذا، بدأ التصادم بين الجمهوريات، التي أصبحت تقودها جبهات المعارضة، وتلك التي خضعت لهيمنة الحزب الشيوعي. إذ شرعت الأولى تعيد النظر في الصيغة الاتحادية لحكم جمهوريات يوغوسلافيا، واستبدال رابطة أخرى كونفدرالية بها، بمعنى تخفيف قبضة السلطة المركزية على الجمهوريات، وأن البديل من ذلك هو الانفصال عن الاتحاد، وإعلان الاستقلال. وفي يوم 25 يونيه 1991، أعلن كل من كرواتيا وسلوفينيا استقلالها عن الاتحاد اليوغسلافي. وبعد يومين فقط، اندلع القتال بين الصرب والكروات، واستمر حتى بداية عام 1992. وقد اعترفت مجموعة الدول الأوروبية باستقلالهما، في 25 يناير 1992.

أسباب الصراع وإعلان استقلال البوسنة
أولاً: الأسباب التي أدت إلى تفجر الصراع
الأسباب الداخلية لتفجّر الصراع
1. العوامل الداخلية، من الناحية السياسية
يُعَدّ غياب تيتو، بما كان يشكله من قوة وقدرة ومهارة في ضبط الأوضاع الداخلية، والحدّ من تناقضاتها، وقدرته على إيجاد نظام، أيديولوجي وسياسي، خاص بهذه المنطقة (وهو ما انعكس في نظامَي التسيير الذاتي، واللامركزية)، التي كان يعرف ظروفها جيداً ـ عاملاً مهماً ومؤثّراً في تفجير الأوضاع. خاصة أنه كان الطرف الوحيد، القادر على إمساك خيوط المعادلة اليوغسلافية جيداً في يده، وتلك عملية بقدر ما ساعدته على ضبط الأمور، كانت سبباً في تفجيرها، بعد رحيله. فقد ترك فراغاً لم يستطع أحد، بعده، أن يشغله، مما أصاب النظام السياسي القائم بالعجز والارتباك، وفقدان القدرة على التحرك، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية والتغيرات الدولية، التي أعقبت وفاته. وكان تيتو قد أقر، من خلال الدستور الذي وضعه، تكوين مجلس رئاسي، يضم ممثلين عن الجمهوريات الست والإقليمَين، اللذين يتمتعان بالحكم الذاتي، يتداول رئاسته هؤلاء الممثلون واشترط أن تكون قرارات المجلس بالإجماع، مقدّراً أن هذه الصيغة، هي التي ستحقق التوازن بين القوميات، وتمنع سيطرة قومية على أخرى، خاصة الصربية. . وعقب وفاته، في يناير 1980، استمرت آلية القيادة الجماعية تعمل بشكل طبيعي، في ظل التماسك، الذي يحدث، عادة، عقب رحيل القـادة التاريخيين، لا سيما حين تواجهها أزمة سريعة، كالتي حدثت في مارس 1981، حين تمرد ألبان كوسوفو، الذين يشكلون أغلبية هذا الإقليم، الذي كان يتمتع بقدر من الحكم الذاتي، تحت وطأة الأزمة الاقتصادية، التي كانت تعانيها البلاد عامة، وكوسوفو خاصة.
في تلك الأزمة، عبّر ألبان كوسوفو عن رغبتهم في الانفصال، بل دعا بعضهم إلى ضم ألبان الجبل الأسود إلى جمهوريتهم المنشودة، التي يرغبون في ضمها إلى جمهورية ألبانيا الأمّ. وكانت هذه أولى إرهاصات تفكك يوغسلافيا، وأول مِحنة يواجهها المجلس الرئاسي، قُمعت بعنف. والأرجح أن هذه الأزمة، أدت إلى تماسك المجلس، وتأجيل انفجار تناقضاته، إلى أن تفجرت وحدثت أول أزمة دستورية، عندما رفضت صربيا والجبل الأسود انتقال الرئاسة إلى الممثل الكرواتي، وفشل المجلس في الوصول إلى الإجماع، بعد أن رحل تيتو، القادر على تحقيقه.
مع تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية، وارتفاع نسبة التضخم، وانخفاض قِيمة العملة، وتفاوت نِسب الدخول، نتيجة للتفاوت الاقتصادي بين الجمهوريات ـ وجدت النعرات القومية المتطرفة وقودها، الذي تتغذى به، وازداد الأمر تعقيداً، بعد أن بدأت عصبة الشيوعيين نفسها السير في هذا الاتجاه القومي، بحثاً عن حلفاء، واستثماراً لتلك النزعة، التي زاد لهيبها المثقفون الصرب. فسرعان ما بدأت القيادات الصربية تستخدم النعرة القومية المتعصبة، كأيديولوجية بديلة، تملأ بها الفراغ الناتج من انهيار الأيديولوجية الشيوعية، ونجحت في إحياء المشاعر القومية الصربية. وقد انعكس ذلك، بوضوح، في الوثيقة التي أقرتها أكاديمية العلوم والفنون الصربية، حول الأوضاع القائمة في يوغسلافيا، وموقف الصرب فيها. وهي الوثيقة التي صدق عليها وتبنّاها ميلوسيفيتش، رئيس صربيا، منذ سبع سنوات. وقد انتقدت هذه الوثيقة تيتو "الكرواتي" وشعاره القائل: "كلما كانت صربيا ضعيفة ازدادت يوغسلافيا قوة". ورأت أن نظام حكم تيتو، قد أدى إلى تقدم كبير في كرواتيا وسلوفينيا، على حساب الأجزاء الأخرى، وخاصة الصرب، التي تعمّد إضعافها.
وقد أدت هذه الوثيقة الصربية إلى تغذية وبروز روح عدائية، متعصبة، وعنصرية، داخل الصرب تجاه الجمهوريات الأخرى. ومن ثم، تزايدت المخاوف داخل هذه الجمهوريات من الصرب، خاصة أن الوثيقة تحدثت عن أوضاع الصربيين في كرواتيا والبوسنة. وكرد فعل لهذا، بدأت روح الاستقلال تنمو وتتزايد داخل الجمهوريات، خوفاً من أن يجتاحها المدّ الصربي المتطرف. ومما زاد الخوف من الهيمنة الصربية القادمة، أنه في الوقت الذي بدأت تتصاعد فيه روح الاستقلال، داخل بعض الجمهوريات، مع تصاعد المطالبة بالتعددية الحزبية، خاصة بعد انهيار الشيوعية في أوروبا الشرقية، وفي معقلها الاتحاد السوفيتي، وظهور علامات تفككه ـ ألغت القيادة الصربية الاستقلال الذاتي، الذي كان يتمتع به إقليما كوسوفو وفوفودينا، بموجب دستور 1974؛ وهو إجراء يمكن وصفه بأنه أقرب إلى "بالون" اختبار لسائر الجمهوريات. وفي ظل هذا الوضع، كان من الطبيعي أن تتصاعد المشاعر القومية المماثلة، بين القوميات الأخرى، دفاعاً عن النفس، مما دفع الكروات والسلوفنيين والمسلمين إلى اختيار طريق الاستقلال، كإجراء وقائي، في مواجهة الهيمنة الصربية المتنامية. في الوقت عينه، أعلنت صربيا تحويل الحزب الشيوعي الصربي، إلى الحزب الاشتراكي الصربي. وبدأت عملية تشكيل الأحزاب في الجمهوريات، حتى وصل عددها إلى 250 حزباً. وفي البوسنة، أُعلن، في مايو 1990، قيام "حزب العمل الديموقراطي"، برئاسة علي عزت بيجوفيتش. أما في كرواتيا، فقد خاض معركة الانتخابات نحو ثلاثين حزباً، إلا أن جبهة المعارضة القوية، التفّت حول فرانكو توديمان، وهو كاتب مؤرخ، سبق أن حُكم عليه بالسجن، عهد تيتو، لأنه ألَّف كتاباً عن الجاسوسية. وقد أيده الكرواتيون،لإصراره على معارضة الهيمنة الصربية، التي انطلقت من عقالها، عقب رحيل تيتو مباشرة، تستهدف إقامة دولة الصرب الكبرى، خاصة أن جمهورية صربيا، أعلنت، صراحة، أنها سوف تضم إلى أراضيها كل المناطق التي تعيش فيها أغلبية صربية، سواء كانت في كرواتيا أو في البوسنة والهرسك أو غيرهما.
ولكن القيادات الجديدة /القديمة، المتنافسة، والتي تشكل بقايا الطبقة الحاكمة السابقة في يوغسلافيا، لم تجد وسيلة لاكتساب الشرعية، إلا أن تستخدم النعرة القومية. وبدأت سلوفينيا وكرواتيا يسعيان إلى التخلص من الفيدرالية، التي فرضت عليهما دعم الجزء الجنوبي، المتمثل في صربيا. وبالطبع، رفض الصرب ذلك، وتزعمت صربيا والجبل الأسود، اللذان يعتبران نفسهما ورثة يوغسلافيا القديمة، الدعوة إلى بقاء الصيغة الفيدرالية، وأيدهما في ذلك الجيش الاتحادي، الذي تسيطر عليه حكومة بلجراد.
كان الإصرار الصربي على بقاء الصيغة الفيدرالية كما هي، في ظل تصاعد القومية الصربية، وزعامتها للاتحاد، يعني وقوع سائر القوميات تحت هيمنتها، ومن ثم، تحقيق حلم "صربيا الكبرى". لذلك، وفي مواجَهة الصيغة الفيدرالية، التي أصرت عليها صربيا، طرحت كرواتيا وسلوفينيا صيغة الكونفيدرالية، التي يترتب عليها تفكك الفيدرالية القديمة. ثم طورت سلوفينيا الاقتراح إلى تكوين كيانَين، يضم كلٌّ منهما، طوعاً، الدول الراغبة في الفيدرالية، والآخر يضم الدول الراغبة في الكونفيدرالية، على ألاّ تُعدَّل الحدود الخاصة بكل جمهورية. وهذا يعني فتح الطريق أمامها إلى الاستقلال عن صربيا. أما البوسنة، فقد طرحت حلاً وسطاً، يقضي باستقلال الجمهوريات الست، في ظل اتحاد كونفيدرالي، مع الاعتراف بحدود كل كيان وخصوصيته، وسيادته على أرضه، وأن يكون لكل جمهورية حقها في رسم سياستها الخارجية، وإقامة تمثيل دبلوماسي خاص بها، مع قيام سوق مشتركة بين الجمهوريات. وبالطبع، كان المشروع البوسني هو الأقرب جداً إلى مصالحها. فالاستمرار في الكونفيدرالية بهذه الشروط، يعني الحفاظ على كيانها كدولة. أما الصيغتان السابقتان فأحلاهما مُرَّة، لأنها إن نجت من صربيا، سقطت في براثن كرواتيا.
ومع عدم الوصول إلى حل يرضى جميع الأطراف، بدأت معركة الاستفتاءات حول الاستقلال. ولأن سلوفينيا، ليس لديها أقلية صربية ذات وزن، فقد شرعت تتخذ أول خطوة عملية في اتجاه الاستقلال والانفصال، حين أوقفت العمل بالقوانين الاتحادية، وأعطت الأولوية لقوانينها المحلية، بما يعنيه ذلك من إقامة مؤسساتها الخاصة. وتبعها في هذا الاتجاه كرواتيا. فجاء دور المؤسسة العسكرية الصربية، والجيش الفيدرالي، خاصة في ظل عجز مجلس الرئاسة، الشاغر فيه منصب الرئيس، عن تجاوز الأزمة. وعلى ما يبدو، كان الهدف من إبقاء منصب رئاسة المجلس شاغراً، هو ألاّ يصبح ممثل الكروات في المجلس، والذي كان دوره قد آن ليكون رئيساً له، قائداً عاماً للجيش، بحكم الدستور. ومن ثم، فقد أتاح إبقاء منصب رئاسة المجلس شاغراً، الفرصة لكي تكون المؤسسة العسكرية، والجيش في حرية تامة، وهو ما حدث بالفعل، خصوصاً أن الجيش كان يتمتع بميزات خاصة، أدرك أنه سيفقِده إياها الانفصال والتفكك. فبدأت المواجَهة الدامية، أولاً، في سلوفينيا. وكان قد سبقها، عام 1990، عمليات تحرش، لجأ إليها الصرب في سلوفينيا. بدأت بتكوين جماعات مسلحة من الصرب المتعصبين، اتجهت في قوافل، بالسيارات، إلى لوبليانا، عاصمة سلوفينيا، حيث هاجمت الأهالي، واعتدت على محلاتهم ومنازلهم، وذلك في ظل حملة دعائية، وجهتها أجهزة الإعلام الصربية ضد سلوفينيا. اتهمت فيها أهلها بالهمجية وعدم التحضر. كما قطعت الصرب علاقاتها التجارية بسلوفينا، وألغت أكثر من 500 عقد، تجاري وصناعي، وتحفظت كذلك على 225 مليون دولار، كانت لديها لحساب منتجين سلوفينيين. فردّت سلطات سلوفينيا بالتوقف عن دفع 48 مليون دولار، كديون مستحقة للصرب، الأمر الذي دفع بلجراد إلى إقحام الجيش الاتحادي في معارك داخل سلوفينيا. إلاّ أن القتال توقف، بضغط من الدول الأوروبية، خاصة ألمانيا. ولكنه اندلع بين الجيش الاتحادي وصرب كرواتيا، من جانب، والجيش الكرواتي، من جانب آخر. ودام قرابة نصف عام، سقط خلاله حوالي عشرة آلاف كرواتي، بسبب وجود أقلية صربية كبيرة في كرواتيا، تسكن منطقة كرايينا، يقدر عددها بحوالي 600 ألف نسمة، يشكلون 12% من السكان، شاركوا الجيش الاتحادي في المعارك ضد الكروات. ولقد أدى التدخل الأوروبي، كذلك، إلى انسحاب الجيش الاتحادي من كرواتيا، وتوقف القتال في سلوفينيا وكرواتيا، في منتصف 1991. وإذا كان الجيش الاتحادي قد انسحب من سلوفينيا وكرواتيا تحت الضغط الأوروبي، فإن الوضع كان مختلفاً، بالنسبة إلى البوسنة، التي كان نصيبها من أعمال العنف، التي مارسها هذا الجيش أفظع وأشد عشرات المرات مما نال سلوفينيا وكرواتيا، ذلك لأن صربيا لاحظت عدم اهتمام الغرب (الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا) بالبوسنة، عكس اهتمامه السابق بكرواتيا وسلوفينيا.
2. العوامل الاقتصادية الداخلية
في ظل الفيدرالية والإدارة الذاتية، التي تمنح الجمهوريات والأقاليم نوعاً ما من الاستقلالية، وهو المشروع الذي تبنّاه تيتو ـ تضاعفت الفوارق بين الجمهوريات، حين تغلبت المصالح المحلية. وهو أمر كان من الممكن التغلب عليه، لولا ازداد التسيب داخل أجهزة الرقابة، عقب وفاة تيتو. وشهدت يوغسلافيا انفتاحاً أكبر على آليات السوق، ومن ثم، التعرض للمنافسة الدولية. وصفَّق الغربيون بشدة لهذه التطورات، وجاءت النتيجة المتوقعة: تزايد الفوارق في التنمية الإقليمية، وتراجع حجم الصادرات اليوغسلافية إلى الأسواق العالمية، بسبب عدم قدرة المنتجات اليوغسلافية على منافسة مثيلتها في الأسواق العالمية، وتزايد المنافسة بين الجمهوريات اليوغسلافية، لمواجَهة هذا الوضع. وقد أكد هذا الأمر جوزيه مينسينجر، أستاذ الاقتصاد، ونائب رئيس الوزراء، في سلوفينيا، إذ أرجع الكساد الاقتصادي إلى انهيار الأسواق الداخلية في يوغسلافيا، الذي بدأ مع سقوط الموازنة الاتحادية، ومقاطعة الصرب للبضائع، السلوفينية والكرواتية، حتى قبْل الانفصال السياسي. وأمست السوق اليوغسلافية الموحدة غير موجودة، بدءاً من عام 1990.
فسلوفينيا، مثلاً، بعدد سكانها البالغ مليونَي نسمة، الذين يشكلون 8 % من سكان الاتحاد اليوغسلافي ـ كانت توفر أكثر من 20% من مجمل الدخل القومي ليوغسلافيا، وثلث مجموع الصادرات إلى أوروبا والغرب. وعلى الرغم من ذلك، كان عليها أن تعطي الاتحاد الفيدرالي اليوغسلافي معظم العائد المحقق لها، من دون أن تراقب أو تشارك في أوجُه إنفاقه، وهو عائد ضخم، يشكل 27% من ميزانية الحكومة الفيدرالية.
وطبقاً للبيانات، التي أوردها نائب رئيس وزراء سلوفينيا، فإن الإنتاج الصناعي، عام 1992، بلغ في سلوفينيا 70%، وفي الصرب 55%، وفي كرواتيا 50%، مما كان عليه الإنتاج الصناعي في عام 1990. وعن الصادرات، فقد أمكن سلوفينيا أن تبقى، عام 1992، على المستوى نفسه، في عام 1990، في حين بلغ معدل التناقص في كرواتيا 25%. أما في صربيا، فقد بلغ التناقص 50%.
وقد ساعدت هذه الفوارق، وهذا التباين في المستويات الاقتصادية بين جمهوريات الاتحاد اليوغسلافي السابق، على تفاقم الأزمة، وازدياد الشعور بعدم المساواة، كذلك التعجيل بشن الحرب الاقتصادية بين هذه الجمهوريات، إضافة إلى إعلاء شأن النزعات القومية. وكانت الجمهوريات ذات المستوى الاقتصادي الأعلى، مثل سلوفينيا وكرواتيا، أكثر الجمهوريات رغبة وتطلعاً إلى الاستقلال، واستعداداً لذلك.
ولقد تبنّت الحكومة الاتحادية برنامجاً إصلاحياً طموحاً، خلال النصف الأول من عام 1990، في محاولة للتغلب على هذه الفوارق، ولتعديل المسار المتدهور للاقتصاد اليوغسلافي. وقد نجحت، بالفعل، في تخفيض معدلات التضخم إلى درجة ملحوظة، تمهيداً للانتقال إلى اقتصاديات السوق. إلا أن المناخ السياسي الحار، وبداية عملية إنشاء الأحزاب المتعددة، التي فُضلت برامجها الذاتية على التشريعات الفيدرالية، إلى جانب تصاعد النزعات القومية ـ كل ذلك مثَّل تحدياً لبرنامج الإصلاح الاقتصادي. لذلك، فشلت حكومة ماركوفيتش الاتحادية في حماية خططها الإصلاحية.
لذلك، فقدت يوغسلافيا المكاسب الاقتصادية، التي كان قد حققها برنامج الإصلاح، في النصف الأول من عام 1990، إذ فاقت معدلات التضخم نسبة 100%، وانخفض الناتج الصناعي بنسبة 20%. كذلك، انخفض احتياطي الدولة من العملة الحرة، من عشرة مليارات دولار، في سبتمبر 1990، إلى 4.5 مليارات دولار فقط، في أغسطس 1991. واضطرت الحكومة، إزاء هذا الوضع الاقتصادي المتدهور، إلى إجراء تخفيضَين متتاليَين في قِيمة الدينار اليوغسلافي. كما بدأت الجمهوريات المتنازعة تشن حرباً اقتصادية ضد بعضها بعضاً، من طريق فرض رسوم جمركية وما شابه ذلك. مما انعكس، سلباً، على السوق اليوغسلافية، التي بدأت تعاني نقصاً في كثير من السلع والخدمات، وأدى إلى تفوّق اقتصادي في بعض الجمهوريات على حساب الأخرى، في حين قلّ الناتج الصناعي في صربيا إلى 16%. وتزايدت فيها معدلات البطالة والشركات الخاسرة، إذ وصلت إلى 2400 شركة على حافة الإفلاس.
ثانياً: بداية الصراع
نتيجة لوجود أطراف داخلية، ترغب في توسيع حدودها، وفرض هيمنتها، وحل أزمتها الاقتصادية، مثل صربيا، وأطراف أخرى، تسعى إلى التخفيف من الأعباء المفروضة عليها لمصلحة الآخرين، مثل سلوفينيا وكرواتيا، وأطراف خارجية لها مصلحة في حدوث ذلك ـ تفجرت الأوضاع تفجيراً دموياً حادّاً، واستدعى بعض الأطراف أسوأ ما في ذاكرة التاريخ من أحداث، واستخدموا النزعة، الدينية والعرقية، أسوأ استخدام، لإلهاب مشاعر الناس، بعد أن أصبحت تمثل هوية قومية. وكانت الصرب ثم كرواتيا، أسوأ مثالَين على ذلك. بينما كانت البوسنة، هي الضحية بين الأطراف المتصارعة، لكونها تمثل مجالاً حيوياً مهماً لكلٍّ من صربيا وكرواتيا، إذ تقع بينهما، وتُعَدّ النواة المركزية لتحقيق أي حلم توسعي، يحقق "صربيا الكبرى" أو "كرواتيا الكبرى". يضاف إلى ذلك أن البوسنة، هي النموذج المصغر، والمجسم للحالة الفسيفسائية، التي يتسم بها المجتمع اليوغسلافي، إذ يوجد فيها أكبر أقلية صربية، خارج حدود صربيا، وأقلية كرواتية كذلك، مع وجود حدود مشتركة بين الأقلية الصربية الموجودة في البوسنة، والأقلية الصربية الموجودة في كرواتيا، وهي منطقة كرايينا، التي شهدت صراعاً عنيفاً بين الصرب والسلطات الكرواتية، حين أعلن هذا الإقليم استقلاله، ودعا إلى الاتحاد مع صربيا. وكان رفض كلٍّ من صربيا وكرواتيا للمشروع الذي اقترحته البوسنة، يرجع إلى أن كلاً منهما، كانت قد أعدت عدتها لاستقطاع جزء من البوسنة، وضمه إليها. ففي الوقت الذي كان فيه الرئيسان، الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش والكرواتي توديمان، يتبادلان الشتائم في العلن، كانا يتناقشان، في هدوء، حول كيفية تقسيم البوسنة في ما بينهما.
وقد استمر الصراع الدموي بين الصرب والكروات حتى منتصف 1991. إذ أغمضت الولايات المتحدة الأمريكية عينيها عمّا يحدث في جمهورية يوغسلافيا الاتحادية، طوال عام. وكذلك تشاغلت أوروبا بأمورها ومشكلاتها الداخلية، بدعوى أن شعوب يوغسلافيا المتناحرة، سوف تثوب، حتماً، إلى رشدها.
ويرى كثيرون أن 21 يونيه 1991، هو اليوم الذي بدأ فيه دخول الغرب على خط الأزمة اليوغسلافية. ففي هذا اليوم، حضر جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكية، آنذاك، إلى بلجراد. وقال إن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها الغربيين، يعتقدون أن يوغسلافيا، ينبغي أن تبقى دولة واحدة. وقد رحَّب رئيس وزراء يوغسلافيا، آنذاك، آنتي ماركوفيتش، بتصريح بيكر، وقال له:"إنك تعرف الوقت الملائم للخطوة الملائمة". وكان ذلك قبل اشتعال لهيب الحرب بخمسة أيام. وبحلول شهر يوليه 1991، كانت الحرب قد اشتعلت بين الصرب والكروات، وبدأ الانقسام يدب في أوصال يوغسلافيا.
وحقيقة الأمر، أن تفكك أوصال الاتحاد اليوغسلافي، لم يأتِ فجأة. فقد كانت إرهاصاته واضحة منذ وفاة تيتو. وقد تنبأت به وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، في تقرير لها، صدر في نوفمبر 1990، وتم تسريبه في الصحف. توقعت فيه الوكالة انهيار يوغسلافيا، واشتعال حرب أهلية، في غضون 18 شهراً. إلا أن صانعي القرار السياسي في عواصم الغرب، لم يُلقوا بالاً إلى مثل هذه التحذيرات، فقد كانوا مشغولين بالوحدة الألمانية، والأزمة السوفيتية، والغزو العراقي للكويت. وعندما لفتت الأزمة انتباههم، كشفت عن قصور رؤيتهم، حول تطور الأحداث في منطقة البلقان وخطرها على الأمن الأوروبي بشكل خاص، والأمن العالمي بشكل عام، ولا سيما أن هذه المنطقة كانت سبباً في تفجُّر حربَين عالميتَين. فقد نزع قادة الغرب وسياسيوه، في تفكيرهم، إلى تقدير أن يوغسلافيا ما زالت هي دولة تيتو، التي تشكل حاجزاً بين أوروبا الغربية وأوروبا الشرقية. وقليلون هم الذين أدركوا، أنه مع نهاية الحرب الباردة، بين الشرق والغرب، فإن الأساس المنطقي لكون يوغسلافيا حاجزاً بين الشرق والغرب، قد انتهى. لذلك، فقد كان القادة الغربيون مشدودين، أكثر من اليوغسلاف أنفسهم، إلى استمرار الوحدة اليوغسلافية، في حين أن أصحاب الأمر أنفسهم، كانوا قد عزموا على الانفصال.
وعندما بدأ الانهيار في الدولة اليوغسلافية يصبح حقيقة واقعة، لم يكن هدف الدول الغربية مقاومته، بل إدارته وترويضه، والتأكيد، إعلامياً، أنه ما من جمهورية جديدة ناشئة، ستنال قبولاً من المجتمع الدولي، ما لم تعامل الأقليات العِرقية فيها على نحو عادل. وعندما أطلق قادة الغرب هذه التصريحات، كانوا هم أول مَن يدرك أنها نوع من الوهم، يبيعونه لتلك الأقليات، التي كانت وقوداً لهذه الحرب.
وعندما اشتد أوار الحرب، في صيف 1991، وأدركت المجموعة الأوروبية، متأخرة، خطر استمرار المعارك، الدائرة في جمهوريتَي سلوفينيا وكرواتيا، بادرت، مع الأمم المتحدة، إلى وقفها. فبدأت رحلات مكوكية لعدد من وزراء خارجية دول المجموعة الأوروبية، إلى كل من بلجراد وزغرب، حصلوا، خلالها، على توقيعات زعماء الصرب والكروات وموافقتهم على اتفاقيات لوقف إطلاق النار. وكانوا يعودون إلى بلادهم، في كل مرة، معلنين أن السلام أصبح في متناول الأيدي، لكن حقيقة الأمر كانت خلاف ذلك. فقد كان جنرالات الصرب والكروات المتطرفون، وزعماء الميليشيات، الذين يريدون أن يكون لهم نفوذ على الساحة، ينتهكون هذه الاتفاقيات، بعد دقائق من توقيعها. إلاّ أن نجاحاً للجهود الأوروبية، تحقق في وقف المعارك في سلوفينيا، وذلك بسبب تهديد ألمانيا بالدخول في الحرب إلى جانب لوبليانا.
وعندما توقف القتال في سلوفينيا، وهدأ، نسبياً، في كرواتيا، في منتصف 1991، بدأت المخاوف تتجه إلى جمهورية البوسنة والهرسك، خشية امتداد الصراع إلى هذه الجمهورية، بسبب الانقسام العِرقي الحادّ فيها، الناجم عن وجود ثلاث قوميات (ينظر إلى الدين هناك على أنه قومية)، وهم المسلمون، ويشكلون 44% من عدد سكان البوسنة، البالغ تعدادهم 4.3 ملايين نسمة، ثم الصرب، ويشكلون 39% من السكان، وأخيراً الكروات، ويشكلون 17%.
وقد تسارع انزلاق البوسنة نحو الحرب الأهلية تسارعاً مهماً، بعد أن اعترفت مجموعة الدول الأوروبية باستقلال كرواتيا، في 25 يناير 1992. وينظر إلى هذه الخطوة على أنها من صنع وزير خارجية ألمانيا، آنذاك، هانز ديتريش جينشر. فقد أضفي هذا الاعتراف نوعاً من الاحترام على كرواتيا، على الرغم من عدم تعهدها بمعاملة الأقليات، المسلمة والصربية، فيها معاملة حسنة. وكان من الواضح أن المقاتلين الصرب في كرواتيا، تدعمهم الميليشيات الصربية والجيش الاتحادي، عازمون على التهام الكثير من أراضي كرواتيا. إلاّ أن التدخل الأوروبي، خاصة من قِبل ألمانيا، حال دون ذلك، ودفع جمهورية كرواتيا الجديدة إلى التوصل إلى اتفاق مع الأقلية الصربية، الموجودة في أراضيها. كذلك، أدى الضغط الأوروبي إلى انسحاب الجيش الاتحادي من سلوفينيا.
وكان التخوف تجاه ما يمكن أن يحدث في البوسنة، ناتجاً من احتمالات توظيف الدين، كعنصر من عناصر الصراع، سواء بين المسلمين والنصارى، أو بين الصرب الأرثوذكس والكروات الكاثوليك، وهو ما حدث بالفعل. وقد زاد من هذه المخاوف التداخلات الموجودة بين المسلمين والصرب والكروات، في عدة مناطق. فإلى جانب وجود مناطق خاصة بكل قومية، تسكنها الأغلبية التي تمثلها، فإن هناك مناطق أخرى ويتداخل فيها السكان المسلمون مع الصرب والكروات. ناهيك بما تحمله كل قومية من ميراث تاريخي من العداء للقوميتَين الأخريَين، إذ يتهم الصرب الكروات بالتعاون مع النازيين، أثناء الحرب العالمية الثانية، خاصة أن للكروات سجلاً دموياً وحشياً في هذه الحرب. بينما ينظران كلاهما إلى المسلمين، في البوسنة والهرسك وكوسوفو ومقدونيا، على أساس أنهم بقايا الإمبراطورية العثمانية.
وكان من الواضح أنه إذا ما نشب الصراع المسلح في البوسنة والهرسك، فإن كلاًّ من الأقلية الصربية والكرواتية في هذه الجمهورية، ستحصل على الدعم، العسكري والمادي، من الجمهورية الأم، التي تعدها امتداداً، جغرافياً وقومياً لها، داخل أراضي البوسنة. في حين يبقى مسلمو البوسنة دون دعم خارجي، لافتقارهم إلى التواصل الجغرافي مع أقرب دولتَين إسلاميتَين إليهم، وهما تركيا وألبانيا. حتى مع افتراض تواصل جغرافي، فإن تركيا ستتجنب ـ لكونها عضواً في حلف شمال الأطلسي ـ دعم مسلمي البوسنة، بسبب المحاذير الدولية المفروضة عليها في هذا الشأن، وتشعّب مصالحها مع دول المجموعة الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، خصوصاً أنها كانت تسعى إلى قبولها عضواً في الاتحاد الأوروبي، كما ترغب في تحييد أوروبا في نزاعها مع اليونان، وفي ما يتعلق بمشلكة قبرص. ومن ثم، فقد كان من المعتقد أن الصراع العِرقي المسلح، إذا ما نشب في البوسنة، فإنه سيكون، بالقطع، على حساب المسلمين فيها، خاصة مع غيبة التدخل، الأوروبي والأمريكي.
ولم تكن هذه الروح العدائية ضد المسلمين، من جانب الصرب والكروات، تقابلها من جانب المسلمين أي بوادر عدائية، بل على العكس، كان هناك تواؤم ومودة بين سكان البوسنة والهرسك جميعهم، على الرغم من تباين الأديان والأيديولوجيات والأعراق واختلافها. حتى إنهم تصاهروا وتشاركوا في الاحتفالات والأعياد، الدينية والقومية، وتسامحوا إلى درجة أن النصارى، كانوا لا يربون الخنازير، احتراماً لشعور المسلمين.
ثالثاً: إعلان استقلال البوسنة
عندما أعلن كلٌّ من كرواتيا وسلوفينيا استقلالها، عام 1991، واعترفت الدول الغربية بهما، أصبح موقف البوسنة حرجاً. فهي لا تستطيع أن تبقى جزءاً من يوغسلافيا الجديدة، التي تمثّل، في حقيقتها، صربيا والجبل الأسود، تحت زعامة الصرب، الذين جاهروا برغبتهم في التوسع على حساب أراضي البوسنة. لذلك، أعلنت قيادة البوسنة، أنه لن يمكنها الاستمرار في اتحاد، لا يضم كرواتيا وسلوفينيا. ولذلك، أعلنت، في 26 فبراير 1991، إجراء استفتاء، لمعرفة رأى سكان البوسنة والهرسك في استمرار الارتباط بيوغسلافيا القديمة، أو الاستقلال، كالجمهوريتَين الأخريَين، اللتَين استقلتا عن الاتحاد. خاصة أنه مع استقلال كلٍّ من سلوفينيا وكرواتيا، بقي الكروات والمسلمون في البوسنة على جزء من بقية الدولة اليوغسلافية، التي يسيطر عليها ميلوسيفيتش، رئيس صربيا.
رفض كل من ميلوسيفيتش، رئيس صربيا، وكارادازيتش، الذي أعلن نفسه زعيماً لصرب البوسنة، مبدأ الاستفتاء العام، الذي أعلنته حكومة البوسنة، وسعيا إلى إلغائه بكافة الوسائل، بما في ذلك استخدام المتفجرات، إذ طالب صرب البوسنة ببقاء البوسنة ضمن يوغسلافيا الجديدة، وإلا فإنهم سيعلنون استقلالهم، والانضمام إلى صربيا. ولكن البوسنة، أجرت الاستفتاء، وكان على سكانها، ولا سيما المسلمين والكروات، أن يواجهوا خيارَين، لا ثالث لهما: إما الانفصال، أو قبول مواطنة من الدرجة الثانية، في دولة صربيا. فجاءت نتيجة الاستفتاء توضح موافقة 70% من السكان على الاستقلال. وقد اعترف باستقلال البوسنة والهرسك كل دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والدول الإسلامية، وأصبحت عضواً في الأمم المتحدة.
وقد أنشأ المسلمون حزباً، وحرصوا على ألاّ يكون شعاره دينياً، حتى لا يثير الصرب والكروات. وأسموه "حزب الجبهة الديموقراطية"، برئاسة علي عزت بيجوفيتش. كما تألف في البوسنة حزبان آخران. أحدهما، يمثل الصرب الأرثوذكس في البوسنة. والآخر، يمثل الكروات الكاثوليك فيها. وأسفرت الانتخابات، عام 1991، حصول حزب المسلمين على 37% من الأصوات، وحزب الصرب الأرثوذكسي على 31%، وحزب الكروات الكاثوليك على 17%. ونجح الأحزاب الثلاثة في إقامة تحالف بينها، لتشكيل الحكومة، التي اختير علي عزت بيجوفيتش، زعيم المسلمين، رئيساً لها، وتشكل مجلس للرئاسة، يضم ممثلين عن الأحزاب الثلاثة.
ومن سلبيات هذه المرحلة، بالنسبة إلى مسلمي البوسنة، والتي كان لها تأثير في نتائج الانتخابات، وما بعدها من حرب أهلية ـ أن من بين مسلمي البوسنة، يوجد 700 ألف زواج مختلط، وهو ما يعني أن ثلث المسلمين متزوجون بصرب وكروات ، وأكثر تلك الأسر تصدعت، بفعل الشروخ النفسية التي سببتها الحرب. ومن ناحية أخرى، لوحظ أن الصرب والكروات، منحوا أصواتهم لحزبَيهم، بينما منحت نسبة غير قليلة من المسلمين، أصواتها للأحزاب اليسارية القائمة. فكانت النتيجة أن خسر المسلمون مقاعد البرلمان، في مناطق عديدة، يتمتعون فيها بأغلبية كبيرة، وهو الأمر الذي وضع البلديات في أيدي الصرب والكروات، وكان له آثار مأساوية، عندما نشبت الحرب، بعد ذلك.
ولكن هذا التحول السلمي للسلطة في جمهورية البوسنة والهرسك، التي أصبح يرأسها رئيس مسلم، لم يكن ليرضى عنه كلٌّ من رئيس صربيا ميلوسيفيتش، وزعيم صرب البوسنة، كارادازيتش، وكلاهما يستهدف إقامة دولة "الصرب الكبرى" على حساب شعب البوسنة والهرسك وأراضيه. وهما يرفضان، ومعهما كرواتيا، مبدأ إقامة دولة مسلمة، تفصلهم عن صربيا، وطنهم الأم. فانفجر الصراع المسلح، أولاً، بين الصرب، من ناحية، والكروات والمسلمين من ناحية أخرى. وتدخّل الجيش الاتحادي إلى جانب الصرب، لتمكينهم من الاستيلاء على أكبر مساحة من أراضي البوسنة. وعندما انسحب هذا الجيش الاتحادي من البوسنة، نتيجة لبعض الضغوط الخارجية، فقد جاء انسحابه شكلياً، إذ ترك، خلْفه، 80 ألف مقاتل صربي من قواته، بحجة أنهم من صرب البوسنة.
ولقد ارتكب الصرب، في قتالهم داخل أراضي البوسنة، وضد أهلها المسلمين، أبشع المذابح الجماعية، ودمروا حوالي 56 مدينة وقرية في البوسنة تدميراً شبه كامل، بعد أن امتدت المعارك إلى جميع مدن البوسنة، بما فيها العاصمة سراييفو، وأصبح مجال الحرب الأهلية يشكل مثلثاً، أبعاده الصرب، كرواتيا، البوسنة والهرسك. وعندما بدأ صرب البوسنة يستولون على أراضي المسلمين، تنكر الكروات لحلفائهم، بل تحالفوا مع الصرب ضدهم، وجعلوا هدفهم الرئيسي من الحرب، خلق دولة لهم في البوسنة، تشكل امتداداً لجمهورية كرواتيا.
وإذا كانت جمهوريتا سلوفينيا وكرواتيا، قد وجدتا التأييد والمؤزارة، من قبل المجموعة الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، فإن الغرب، بعد أن شجع مسلمي البوسنة على إقامة دولة مستقلة، ذات عرقيات متعددة، لم يفعل شيئاً لمساندتهم. فقد أحجمت الدول الغربية عن سماع صوتهم، ولم تقدَّم إليهم شيئاً، سوى بعض أعمال الإغاثة الإنسانية.
وفي الوقت الذي كان كلٌّ من صرب البوسنة وكرواتها، يحصلون على حاجتهم من السلاح والمعدات الحربية والذخائر، من الدولة الأم، صربيا وكرواتيا، نجد أن المجتمع الدولي فرض حظراً على تصدير السلاح إلى البوسنة، بموجب قرار مجلس الأمن الرقم 713، في 25 سبتمبر 1991، وهو القرار الذي لم ينفذ فعلياً، إلا على مسلمي البوسنة فقط، إذ استمرت عمليات نقل السلاح والذخائر من صربيا وكرواتيا، براً، وجواً، إلى الميليشيات التابعة لهما، بينما منع الحصار المضروب على مسلمي البوسنة أي إمدادات سلاح أو ذخائر لهم من الخارج. أما العقوبات، التجارية والمالية والجوية، التي فرضها مجلس الأمن على صربيا، بموجب القرار رقم 757 ، في 30 مايو 1992، فلم يكن لها أدنى فاعلية أو تأثير، إذ أمكن الصرب الالتفاف عليها بوسائل مختلفة.
ويلاحظ أن البوسنيين، خلال هذه المرحلة، عندما طرحوا مشروعهم حول اتحاد كونفيدرالي، يضم الجمهوريات الأربع، ويحافظ على الكيان اليوغسلافي، لم يكن لديهم، في البداية، رغبة في الاستقلال والانفصال بشكل كامل. ولكن، كان كل ما يسعون إليه أن يحققوا درجة أعلى من الحكم الذاتي والسيادة لدولة البوسنة والهرسك على أراضيها، بحدودها القائمة، دون تجزئة أو انفصال، ناهيك من عدم وجود مطامع توسعية لهم في الأقاليم الأخرى. وقد ترتب على هذا الموقف، أنهم لم يعِدوا أنفسهم جيداً لمرحلة الاستقلال والدفاع عنه، عندما دفعتهم تطورات الموقف إلى ذلك، وأعلنوا استقلال البوسنة على الرغم من معارضة الصرب والكروات، المحيطين بالبوسنة من الخارج، وفي داخلها، في حين كان الصرب والكروات قد شرعوا، منذ مدة طويلة، يتحسّبون ويستعدون لهذه المرحلة، بتخزين السلاح، وتشكيل الميليشيات. إضافة إلى خطأ آخر، وقع فيه البوسنيون، يتمثل في رهانهم، بقدر مبالغ فيه، على الموقف الدولي، والشرعية الدولية، والنظام العالمي الجديد ... إلخ. إذ تصوروا أن ذلك كافٍ للدفاع عن دولتهم، ما دامت قد نالت الاعتراف الدولي، وأصبحت عضواً في الأمم المتحدة، كدولة ذات سيادة، بحدودها التي حددها دستور يوغسلافيا السابقة، عام 1974. وهو رهان خاسر، دفعت البوسنة ثمنه غالياً، لأنها لم تدرك أن للغرب رُؤىً ومصالح أخرى مختلفة، وأن آليات النظام الدولي الجديد، تعيد رسم الخريطة العالمية بطريقتها.
ولقد ترتب على كل هذه العوامل، أن كان الصراع بين البوسنة، من جهة، وصربيا وكرواتيا، من جهة أخرى، غير متكافئ، خاصة في ما يتعلق بالميزان العسكري، الذي كان يميل بشدة في غير مصلحة البوسنة. إذ كان الجيش الاتحادي، وميليشيات الصرب والكروات، والجيش الكرواتي، بكل ما يملكونه من قوة بشرية، وسلاح وعتاد وذخائر، في كفة، والبوسنيون المسلمون، بأسلحتهم وذخائرهم المحدودة، في كفة أخرى. ناهيك بما كانت تتمتع به صربيا وكرواتيا من محاور انتقال، برية وبحرية وجوية، تخدمها موانئ ومطارات وطرق تحرك، توفِّر للميليشيات التابعة لهما داخل البوسنة، إمدادات لا تنقطع من حاجات القتال. بينما كان الحصار مضروباً حول مسلمي البوسنة، براً وبحراً وجواً. وبينما كانت الإمدادات العسكرية والمتطوعون الروس، يتدفقون إلى صرب البوسنة، وإمدادات السلاح والذخائر من ألمانيا، تتدفق إلى كرواتيا، لم تجد البوسنة دولة واحدة في أوروبا، تمد إليها يد المساعدة، أثناء الحصار الذي ضُرب عليها، سواء من قبل صربيا وكرواتيا أو من قبل المجتمع الدولي، نتيجة قرارات مجلس الأمن.




أوضاع المسلمين عشية انفجار الصراع
لقد كان الاتحاد اليوغسلافي يضم المسلمين، في كيان دولة واحدة. غير أن أوضاع المسلمين في هذا الكيان، لم تكن واحدة، ولا موحدة. فبقيت أمورهم الحياتية متباينة ومختلفة، ما بين منطقة وأخرى، وما بين إقليم وآخر، تبايناً واختلافاً، يصعب معهما تصنيفهم مجموعة واحدة.
المسلمون في البوسنة والهـرسك
كانت البوسنة والهرسك، منذ الأيام الأولى للفتح العثماني، القاعدة الأولى لنشر الإسلام في أوروبا. فأصبحت، بذلك، مركزاً للعلم والثقافة والإشعاع الحضاري الإسلامي، وهو ما تزال آثاره باقية حتى اليوم. ولقد كان لذلك انعكاسه على ما حققه المسلمون من نجاح كبير في التعايش مع القوميات الأخرى، بفضل تسامحهم ومحبتهم للسلام. وأمكنهم، في عامَي 1989 و1990، تحقيق إنجازات كبيرة، في مجال العمل السياسي في جمهوريتهم، التي تداعت جدران الشيوعية من حولها. ولقد بذل مسلمو البوسنة جهوداً مضنية، من أجْل المحافظة على تراثهم الإسلامي، وإصرارهم على التمسك بدينهم وعقيدتهم، للوصول إلى المرحلة الحاسمة، التي يمكن بها تجنّب، أو تجاوز، القيود، التي فرضها الغرب، في محاولة منه لمنع استقلال الجمهورية بشتى الطرق. فبعد أن أعلنت جميع الجمهوريات اليوغسلافية، باستثناء البوسنة والهرسك، استقلالها، لم يكن أمام البوسنة والهرسك خيار آخر، سوى أن تحذو حذوها جميعاً في ذلك، فأعلنت، بدورها، استقلالها، في 15 يناير 1992.
وعلى الرغم من اعتراف الدول الأوروبية باستقلال صربيا وكرواتيا وسلوفينيا ومقدونيا، فور إعلانه، إلا أن البوسنة، عندما أعلنت استقلالها، واجهت من الدول الأوروبية عراقيل عديدة، من أجْل الاعتراف باستقلالها؛ تمثل أبرزها في ضرورة الحصول على 51% من مجموع الذين يحق لهم التصويت من القوميات كلها، على قرار انفصال البوسنة والهرسك واستقلالها. وعلى الرغم من أن ذلك يبدو، للوهلة الأولى، شرطاً سهلاً، لكون المسلمين يشكلون الأغلبية السكانية، عددياً، إلا أن هناك قيداً مفروضاً، في هذا الخصوص، يتمثل في نسبة الذين يحق لهم التصويت، طبقاً للقانون الاتحادي. فالمسلمون، الذين يشكلون حوالي 45% من سكان جمهورية البوسنة، ليس لديهم إلا 40% ممن يحق لهم التصويت.
ومقابل ذلك، فالصرب، الذين يشكلون نسبة 31% فقط من عدد السكان، لديهم أكثر من 55% ممن يحق لهم التصويت. ولقد اقترنت عملية إعلان الاستقلال في البوسنة بخوف المسلمين من مواجهة الصرب، بجيشهم الاتحادي وميليشياتهم، التي كانت قد تشكلت داخل البوسنة، قبل إعلان استقلالها، بدعم من صربيا. ولقد زاد من ثقل هذه المخاوف ذلك الاقتتال العنيف، الذي استمر أشهراً بين الكروات والصربيين على حدودهما الشمالية، مما أعاد إلى الذاكرة قصة مذابح المسلمين على يد الصرب، في الحرب العالمية الثانية، والتي راح ضحيتها أكثر من 120 ألف مسلم. فضلاً عن أن كل القوميات تمكنت من الحصول على الأسلحة والاستعداد للحرب، في ما حُرم مسلمو البوسنة والهرسك من معظم وسائل الدفاع.
ولقد حاولت حكومة البوسنة والهرسك التحرر من تلك المخاوف، واستباق الأحداث؛ للحصول على الاعتراف الدولي باستقلالها. وأفضل تعبير عن سياسة البوسنة، في هذه المرحلة، ذلك البيان الذي ألقاه وزير خارجيتها حارث سيلاديتش، في مكة المكرمة، عند زيارته المملكة العربية السعودية، في 13 فبراير 1992، والذي قال فيه: "لقد نجحنا، حتى الآن ـ ولله الحمد ـ في إبعاد شبح الحرب وشرها عن جمهورية البوسنة والهرسك، على الرغم من استمرار الحرب بين الكروات والصرب، على أرض كرواتيا. ولقد أعلنت جمهورية البوسنة والهرسك حيادها في هذه الحرب. وإننا نواجِه بعض الصعوبات، وننتظر الاستفتاء، للحصول على الاعتراف الدولي بالاستقلال الكامل لهذه الجمهورية. وهناك بعض الدول، مثل بلغاريا وتركيا، قد اعترفت، رسمياً، بجمهورية البوسنة والهرسك. ونأمل، بعد الاستفتاء، الذي سيُجرى في أول مارس، الحصول على اعتراف الدول، العربية والإسلامية، إضافة إلى دول أوروبية غربية والولايات المتحدة الأمريكية. ولقد طلبنا الاعتراف من دول العالم، رسمياً، ومن كل دولة على حدَة. إن الحرب بين الكروات والصرب، التي مضى عليها ستة أشهر، قد توقفت بفضل الوساطة الأوروبية، وبجهود الأمم المتحدة. ومن حُسن الحظ، أن اتفاقية وقف إطلاق النار، قد وُقِّعت في عاصمة البوسنة والهرسك، سراييفو. ونأمل وصول قوات حفظ السلام من الأمم المتحدة، بأسرع وقت ممكن.
إن سياسة البوسنة والهرسك تقوم على أساس حل كل الخلافات بالطرق السلمية. إن نسبة المسلمين في البوسنة والهرسك تبلغ 44%، وأمّا في الصرب، فتبلغ 31%، وفي كرواتيا 18%. وحدود البوسنة والهرسك معروفة ومحددة، ومعترف بها عالمياً. وإذا كان هناك نسبة معينة، لا تريد استقلال البوسنة والهرسك، فالمفروض أن يرتفع صوت الأكثرية، ولا ريب أن هذه الأكثرية تؤيد الاستقلال. إن للشعب الصربي أحزابه السياسية، وهناك حزب من هذه الأحزاب، هو "الحزب الديموقراطي الصربي"، يأخذ منهجاً متطرفاً، ويطالب بالانضمام إلى صربيا. ونحن نعارض، طبعاً، مثل ذلك الانضمام، ونؤيد الاستقلال. إننا نريد السلام، وحُسن الجوار والتعايش، كما عشنا مئات السنين، ولا نريد التطرف. والمهم هو التعايش، في جمهورية البوسنة والهرسك؛ وهذا مهم جداً في هذه الجمهورية، لأنه لا يوجد أقليات، ولا يوجد شيء اسمه أقلية، فالجميع يتمتعون بالمساواة في الدستور، وأمام القانون، وكلنا سواء. ويجب علينا ألا نفرق في النظام والقانون ما بيننا، وكذلك ما بين الشعوب. ولقد أصبحنا بذلك نموذجاً للتعايش السلمي، نعيش بسلام، منذ العهد التركي وحتى الآن. أما مشكلة الصرب، فإنهم أخذوا طريق القوة والحرب، ويريدون أن يحلوا مشاكلهم بالقوة. وعالم اليوم لا يعترف بالقوة، فعصر القوة قد انتهي إلى الأبد ـ إن شاء الله ـ ونأمل أن يكون هذا هو عصر التحضر والسلام والرقي، وليس عصر القوة والدبابات والجنود".
إن ما جاء على لسان وزير خارجية البوسنة والهرسك، وما عبّر عنه شيوخ المسلمين البوسنيين، آنذاك، من أمنيات وطموحات، سيبقى وثيقة تاريخية، تعكس حقيقة سياسة البوسنة والهرسك، خلال هذه الفترة، التي أعلنت فيها استقلالها، وقبل أن تندلع الحرب على أرضها. لأنه في هذا الوقت من بداية عام 1992، الذي كانت فيه البوسنة تأمل تعايشاً سلمياً مع الصرب، كان الصربيون، وقد فرغوا من قتال الكرواتيين، يعِدون العدة لفتح جبهة الحرب الثانية ضد المسلمين، هذه المرة، وعلى أرض البوسنة والهرسك نفسها. وهذا ما عبَّر عنه نائب الرئيس اليوغسلافي، برانكو كوسيسنتيش، في 16 فبراير 1992، عندما قال: "إنني لن أسمح بسحب الجيش الاتحادي اليوغسلافي من جمهورية البوسنة والهرسك، ما دمت عضواً في مجلس الرئاسة. إنني لن أوقع قراراً بسحب الجيش اليوغسلافي من البوسنة والهرسك أبداً. ويجب أن يعرف ذلك كل من يتصور أن السيناريو، الذي حدث في كرواتيا وسلوفينيا، يمكن أن يتكرر في البوسنة والهرسك".
ومن الواضح أن السبب في عدم انسحاب الجيش الاتحادي اليوغسلافي من البوسنة والهرسك، كما انسحب من كرواتيا وسلوفينيا وسواهما، أن زغرب ولوبليانا تمتلكان قدرة قتالية كافية، إضافة إلى أنهما تحظيان برعاية أوروبا ودعمها (خاصة ألمانيا). بينما حق البوسنة والهرسك، هو أعزل من السلاح، ومحروماً من الدعم. لذلك، صدقت جميع التوقعات، حول تحرك صرب البوسنة والهرسك في اتجاه حكومة صربيا، واستجابتهم لنداء التطرف والعنف المضادّ للمسلمين.
وهو ما تناقلته وكالات الأنباء العالمية، نقلاً عن وكالة الأنباء الصربية، التي ذكرت: "وجّه الصربيون في البوسنة والهرسك، تهديداً بأنهم سيشكلون إقليماً، له حكمه الذاتي، إذا ما استقلت البوسنة والهرسك عن يوغسلافيا. وأن الصرب في منطقة بانيالوكا، في شمالي البوسنة، قد صوتوا في البرلمان، في 25 فبراير 1992، في مصلحة الاستقلال والانضمام إلى يوغسلافيا السابقة، إذا ما انفصلت البوسنة والهرسك". وقد جاء هذا الإجراء من جانب الصرب في منطقة بانيالوكا، بعد نداء من كروات البوسنة والهرسك ومسلميها، بمطالبة الجيش اليوغسلافي الاتحادي بالانسحاب. وهو ما عبَّر عنه عضو البوسنة في الاتحاد الديموقراطي الكرواتي، ميرولاسيتش، الذي قال: "إذا أصبحت يوغسلافيا غير موجودة، فلا يمكن، منطقياً، أن يبقى هناك جيش يوغسلافي". وهو نفسه ما أكده رئيس وزراء البوسنة والهرسك، محمود شهابيتش، بقوله: "يجب على الجيش اليوغسلافي الانسحاب من البوسنة والهرسك، عند إعلان نتائج الاستفتاء في الاستقلال. وإذا لم يفعل ذلك، فسنعتبره قوة احتلال". وقد أجمع المسلمون والكروات على طلب انسحاب الجيش اليوغسلافي الاتحادي، لأن مهمته باتت محصوة في حماية الصربيين فقط.

مفاوضات أوهايو ومشاكل تنفيذ اتفاق السلام
أولاً: مفاوضات أوهايو في أول نوفمبر 1995
بعد أن نجحت الجهود الدبلوماسية الأمريكية، خلال شهر أكتوبر 1995، التي كان يقودها الدبلوماسي الأمريكي، هولبروك، في ترسيخ اتفاق وقف إطلاق النار بين الأطراف المتصارعة في البوسنة بدأت تتجه الجهود الأمريكية، في نوفمبر 1995، نحو تقريب وجهات النظر حول اتفاق سلام شامل يحل الأزمة. خاصة وأن حزب توديمان في كرواتيا، كان قد فاز في أول نوفمبر في الانتخابات، مما يوفر له قدرة أكبر على اتخاذ قرارات صعبة في إطار حل الأزمة.
بدأت، يوم 2 /11 /1995، أعمال مؤتمر السلام في قاعدة رايت باترسون، في مدينة دايتون، في ولاية أوهايو الأمريكية. وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أن الرؤساء الثلاثة، الذين يمثلون الأطراف المتصارعة، سيبقون في دايتون حتى يتم التوصل إلى اتفاق نهائي. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد هددت بأنها سترفع يدها من المشكلة، وستتراجع عن وساطتها في حالة الفشل، ومن ثم لم يبقَ أمام الأطراف المتصارعة إلا الوصول إلى اتفاق. ورغم أن الخارجية الأمريكية، أعلنت أنه ليس هناك ضمان بنجاح تلك المباحثات، فإن الرئيس البوسني، بيجوفيتش، صرح بأنه متفائل، مؤكداً أن النواحي الدستورية، المتعلقة بالأرض، ستشكل محور المفاوضات. وبالفعل، وفي غضون بضعة أيام، أعلن اتفاق بين الرئيسين الصربي والكرواتي، على استخدام الوسائل السلمية لحل الخلافات بينهما، في شأن منطقة سلافونيا الشرقية، التي يسيطر عليها الصرب.
كما اتفق الرئيسان البوسني والكرواتي على عودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم. إلا أن الصرب، كعادتهم، لم ينفذوا الاتفاق الخاص بسلافونيا الشرقية، الأمر الذي هدَّد معه الرئيس الكرواتي، توديمان، في 4/11/1995، بأن بلاده ستمتنع عن قبول تمديد تفويض انتشار القوات الدولية في أراضيها، عندما تنتهي فترة التفويض، الساري المفعول في نهاية نوفمبر 1995، إذا لم يوافق الانفصاليون الصرب على العودة إلى النظام الدستوري الكرواتي. وهو ما أدى إلى تزايد المخاوف من نشوب حرب أخرى بين كرواتيا والانفصاليين الصرب،حول إقليم سلافونيا الشرقية،بعد مقاطعة الوفد الصربي للمباحثات، في 5/11/1995.
كما تعرض مؤتمر أوهايو للسلام لأزمة عنيفة أخرى، في 7/11/1995، هدَّدته بالتوقف، عندما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية تصميمها على محاكمة زعماء صرب البوسنة على جرائم الحرب التي ارتكبوها، وهو ما رفضه الرئيس الصربي، ميلوسيفتش، على أساس أن ذلك جزء من اتفاق التسوية النهائية. وفي تطور آخر إزاء هذا الموضوع، اقترحت مجموعة الاتصال الدولية على مجلس الأمن إصدار قرار، يلزم صرب البوسنة بإتاحة الفرصة للتحقيق في أعمال القتل والتطهير العرقي، ضد المسلمين في البوسنة، كما طالب مشروع القرار الحكومة الكرواتية بوقف انتهاكات حقوق الإنسان.
إلا أن الرئيس الكرواتي، في تحدٍّ لقرار محكمة جرائم الحرب في لاهاي، أعلن حمايته للجنرال يتخومبر فاسيتش، وهو من كروات البوسنة، الذين اتهموا بارتكاب جرائم ضد المسلمين، وأعلن، في 15/11/1995، أنه عيَّن هذا الجنرال في جهاز التفتيش العسكري بالجيش الكرواتي. وفي المقابل، هدَّدت الولايات المتحدة الأمريكية، في 16/11/1995، بفرض عقوبات دولية ضد كرواتيا، واستبعادها من المنظمات الدولية، ما لم تسلم الجنرال فاسيتش إلى محكمة جرائم الحرب، لمحاكمته على الجرائم التي ارتكبها ضد المسلمين، عندما كان قائداً لميليشيات كروات البوسنة. كما أدانت الولايات المتحدة الأمريكية بشدة قرار الرئيس الكرواتي بترقية هذا الجنرال. وفي 17/11/1995، تراجع الرئيس توديمان عن قراره، وأعلن استعداد بلاده للتعاون الكامل مع محكمة جرائم الحرب في لاهاي، واشترط التزامها بالموضوعية.
وعلى صعيد الجهود، التي كانت تبذلها روسيا من أجل رفع العقوبات عن صربيا، قررت لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة، في 11/11/1995، تخفيف نظام العقوبات المفروضة على جمهورية يوغسلافيا الاتحادية، وذلك بالسماح لها، مؤقتاً، بالتزود بالغاز الطبيعي الروسي والوقود المنزلي والغاز السائل. وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، أن هذا الإجراء ليس رفعاً جزئياً للعقوبات، ولا تعليقاً للحظر.
وعلى صعيد حل المشكلة، التي كانت قائمة بين الكروات والصرب، في شأن إقليم سلافونيا الشرقية، أمكن المفاوضين، في 13/11/1995، أن يتوصلوا إلى اتفاق في شأن إعادة هذا الإقليم إلى السيادة الكرواتية. وكان السفير الأمريكي في زغرب، بيتر جالبرايت، والوسيط الدولي، ثوفالد ستولتنج، قد بذلا جهودهما من أجل حل هذه المشكلة.
ثانياً: توقيع اتفاق "دايتون" للسلام
بعد جهود مضنية من المفاوضات الشاقة بين الأطراف المتصارعة في البوسنة، استمرت نحو عشرين يوماً، في مدينة دايتون، أعلن الرئيس الأمريكي، كلينتون، في 21 نوفمبر 1995، توصُّل زعماء الدول الثلاث إلى اتفاق سلام شامل، ينهي الحرب في البوسنة، وأن التوقيع الرسمي على الاتفاق، سيجري في باريس، في شهر ديسمبر 1995. ومن أبرز المبادئ التي ارتكزت عليها بنود هذا الاتفاق، الآتي:
1. الحفاظ على البوسنة والهرسك، كدولة واحدة، في حدودها الراهنة المعترف بها دولياً.
2. تقسيم الدولة إلى قسمين متساويين، تقريباً: الاتحاد الفيدرالي المسلم ـ الكرواتي، ويسيطر على 51% من الأراضي، ولطرفيه برلمان مشترك. وكيان مستقل لصرب البوسنة، يسيطر على 49% من الأراضي، وله برلمان محلي. إضافة إلى برلمان موحد، يضم الجميع، ورئاسة جماعية من ثلاثة أعضاء (صربي وكرواتي ومسلم).
3. الإبقاء على سيراييفو مدينة موحدة، منزوعة السلاح، إذ ستكون هناك حكومة مركزية فاعلة، تضم برلماناً ورئاسة ومحكمة دستورية، تتولى السياسة والتجارة الخارجيتين، كذلك السياسة المالية، والمسائل المتعلقة بالمواطنة والهجرة.
4. يتم اختيار الرئيس والبرلمان من خلال انتخابات ديموقراطية، وتحت إشراف دولي.
5. عدم السماح للمتهمين بارتكاب جرائم حرب، بالمشاركة في الحياة السياسية (وذلك في إشارة إلى زعيم صرب البوسنة السياسي، رادوفان كرادازيتش، والجنرال راتكوميلاديتش).
6. يؤجر الصرب لحكومة البوسنة ممر بوسافينا، في الشمال الشرقي، والذي يربط بين الأراضي الخاضعة لسيطرة صرب البوسنة شرقي البوسنة، وغربيها بعرض خمسة كيلومترات، لمدة 99 عاماً، في حين يتم اللجوء إلى التحكيم في شأن مدينة بريتشكو.
7. وقف جميع العمليات العسكرية في كل أنحاء البوسنة، وتحديد مناطق منزوعة السلاح، على أن يتم فصل القوات العسكرية، في مناطق النزاع المشتركة، لمسافة 4 كم، وعودة اللاجئين، وسحب القوات وإعادة انتشارها، مع الحد من التسلح، خاصة الأسلحة الثقيلة، ما لم يمكن منعها (وهذه نقطة خلاف بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، حيث تفضل الأولى تسليح البوسنة تدريجياً، حتى يمكنها أن تنهض بمسؤوليات الدفاع عن نفسها، بعد انسحاب القوات الدولية، المسؤولة عن تنفيذ الاتفاق. بينما تتحفظ أوروبا على ذلك).
كذلك تبادل الأسرى ونقل الصلاحيات من قوة الحماية الدولية إلى قوة الإشراف على تطبيق الاتفاق، والبالغ عددها 60 ألف جندي، تشارك فيها الولايات المتحدة الأمريكية بعشرين ألفاً، كما نص الاتفاق على ضرورة التخلص من المتطوعين العسكريين الأجانب الذين تسربوا إلى صفوف القوات المتحاربة (ويقصد بهم، في الأساس، المتطوعون المقاتلون من البلدان الإسلامية، الذين جاءوا إلى البوسنة. وتقدر أجهزة المخابرات الغربية والروسية، أن عددهم يصل إلى 4000 مقاتل. كان معظمهم من المقاتلين في صفوف الأفغان، أثناء الحرب الأفغانية، وتم تدريبهم، آنذاك، على أيدي عناصر أمريكية، ثم تمرسوا بفنون القتال هناك، والتحقوا، بعد ذلك، بالقوات البوسنية، وتدربوا معها).
كما أعلن الرئيس كلينتون عزمه إرسال حوالي 20 ألف جندي أمريكي إلى البوسنة، لتنفيذ اتفاق السلام الجديد وحمايته. وفي 27/11/1995، وجَّه كلينتون خطاباً إلى الشعب الأمريكي، دافع فيه عن قراره بإرسال 20 ألف جندي أمريكي للمساعدة على تنفيذ اتفاق السلام. وفي 29/11/1995، توصل حلف شمال الأطلسي وروسيا إلى اتفاق حول الجوانب، الخاصة بإشراك قوات روسية في قوة حفظ السلام. كما قرر مجلس الحلف، في 1/12/1995، إرسال قوة متعددة الجنسيات، قوامها 60 ألف جندي، للمساهمة في تنفيذ هذا الاتفاق. كما قرر مجلس الأمن، في اليوم عينه، إنهاء عملية حفظ السلام في البوسنة يوم 31/1/1996، وفي كرواتيا في منتصف الشهر نفسه.
ولدى إعلان كلينتون التوصل إلى هذا الاتفاق، بادر الأمين العام للأمم المتحدة إلى الإشادة به، مؤكداً على أن هذا الاتفاق، "يعطينا أملاً بأن السلام، يمكن أن يصبح واقعاً في أراضي يوغسلافيا السابقة، التي مزقتها الحرب". وأكد أن الأمم المتحدة، ستبذل أقصى جهدها، ضمن الصلاحيات التي خوَّلها إياها مجلس الأمن، للمساعدة على إنهاء المعاناة، والعودة إلى الحياة الطبيعية.
كذلك، رحَّب الاتحاد الأوروبي، من جانبه، بالاتفاق، وأعلن استعداده للمساعدة على تنفيذ الجوانب المدنية منه ومساعدة الجهود الدولية لدعم عملية البناء والاستقرار في المنطقة. كما قرر وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي تقديم 1.4 مليار مارك، مساهمة في إعادة أعمار البوسنة. وكانت فرنسا هي الدولة الأوروبية الوحيدة، من أعضاء مجموعة الاتصال الدولية، التي طالبت بإدخال بعض التعديلات على الاتفاق، لإعطاء صرب البوسنة ضمانات خاصة بالعاصمة سيراييفو، التي وضعت بالكامل تحت سلطة الحكومة البوسنية. وكان من الواضح، أن إشارة الرئيس الأمريكي إلى أن توقيع الاتفاق النهائي سيتم في باريس، هي محاولة منه لإبراز دور فرنسا، خاصة في الفترة الأخيرة، وحتى يُبقي لأوروبا دوراً ولو شكلياً، خلال حفلة التوقيع النهائي، ويخفف من مرارة فشلها السياسي، طوال الفترة الماضية، في حل الأزمة، والذي لعبت أمريكا دوراً فيه، قبل أن تلقي بثقلها السياسي، وبعد أن نضجت الظروف، وأصبح في إمكانها التوصل إلى هذا الحل، الذي يمثل، ولا شك، لطمة للاتحاد الأوروبي، تؤكد فشله في حل أول أزمة سياسية كبرى، تواجهه بعد توحد أوروبا. كذلك يشكل هذا الاتفاق لطمة أخرى للأمم المتحدة، التي تحولت إلى جهاز يصدر بيانات، لا تتلاءم مع خطر الأزمة، ولا مع المسؤولية، التي وعدت بها العالم بعد حرب الخليج.
أمّا روسيا، فقد رحَّبت بالاتفاق، وطالبت برفع العقوبات عن بلغراد، فوراً، مع ضبط التسلح في المنطقة.
وبعد توقيع الاتفاق بيوم واحد، عقد مجلس الأمن اجتماعاً، للنظر في شأن تعليق العقوبات الاقتصادية المفروضة على يوغسلافيا الجديدة، ورفع الحظر العسكري المفروض على دول يوغسلافيا السابقة، بما فيها البوسنة. وفي ما يتعلق بالعقوبات المفروضة على بلغراد، أصدر مجلس الأمن قراراً، في 22/11/1995، تضمن تعليق العقوبات لفترة غير محددة، بشرط تسلُّم المجلس تقريراً من الأمين العام، يفيد بأن الحكومة اليوغسلافية تنفذ التزاماتها. وتضمن القرار أن إنهاء العقوبات، سيتم بعد عشرة أيام من إجراء انتخابات حرة، وعادلة، تحت إشراف دولي، طبقاً لما جاء في اتفاق "دايتون".
كذلك انسحاب قوات صرب البوسنة إلى المناطق المحددة لهم، واحترام كافة بنود الاتفاق. أما رفع حظر تصدير السلاح إلى البوسنة، فجاء في قرار المجلس، أنه سيبدأ من اليوم الذي يقدِّم فيه الأمين العام تقريراً، يتضمن توقيع حكومات البوسنة وكرواتيا ويوغسلافيا الجديدة، رسمياً، اتفاق السلام. ويبقى الحظر سارياً إلى حين دخول اتفاق ضبط التسلح، الوارد في أحد ملاحق الاتفاق العسكرية، حيز التنفيذ. وبعد مرور ستة أشهر على التنفيذ، يرفع الحظر نهائياً، إلا إذا قرر مجلس الأمن عكس ذلك.
وعلى الرغم من الاتجاه العام، المؤيد للاتفاق في البيئة المحلية، في منطقة البلقان بشكل عام، وجمهوريات يوغسلافيا السابقة على وجه الخصوص، إلا أنه لم يحظَ في جميع جوانبه برضا الأطراف المتصارعة، شأنه في ذلك شأن جميع اتفاقات التسوية، التي تعتمد الحلول الوسط.

ايجابيات اتفاق دايتون والانتخابات في البوسنة
أولاً: إيجابيات اتفاق دايتون، وتوابعه
إضافة إلى النجاح الذي تحقق بإيقاف آلة الحرب، التي دامت أربع سنوات، وحتى يمكن المسلمين أن يلتقطوا أنفاسهم، ويعيدوا تنظيم وتسليح أنفسهم، وتنسيق وتفعيل جهودهم على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، واضعين في الحسبان دروس حرب الأربع سنوات، فمما لا شك فيه أن نجاحات أخرى تحققت، تمثلت في الاعتراف الدولي بدولتهم، وتبادل الأسرى، وإعادة توحيد سيراييفو، وربطها ببقية الأراضي الخاضعة لسيطرة الاتحاد الفيدرالي البوسني ـ الكرواتي. فقد أعلنت حكومة البوسنة، في 29/2/1996، انتهاء الحصار الصربي، المفروض على سيراييفو منذ بداية الحرب.
كما نجحت حكومة البوسنة في كشف جرائم التطهير العرقي، التي ارتكبتها الميليشيات الصربية، وتقديم مرتكبيها إلى المحاكمة الدولية على أساس أنها جرائم حرب. فقد أصدرت محكمة مجرمي الحرب، الخاصة بيوغسلافيا، أمراً دولياً، في 8/3/1996، باعتقال قائد جيش صرب البوسنة، الجنرال ميلاديتش، بسبب الجرائم، التي ارتكبها في منطقة كرايينا، عام 1995.
هذا، إضافة إلى رفع حظر توريد السلاح إلى مسلمي البوسنة، بل قيام الولايات المتحدة الأمريكية بتحمل مسؤولية تحديث جيش البوسنة، تمويلاً وتسليحاً وتدريباً وتنظيماً. فقد خصصت الولايات المتحدة الأمريكية، في 19 مارس 1996، مبلغ 100 مليون دولار، بصفة عاجلة، لتدريب جيش البوسنة. وفي 13 إبريل 1996، خصصت الدول المانحة 1.23 مليار دولار لإعادة تعمير البوسنة. كذلك، تم في 15/5/1996، بضغوط أمريكية، تشكيل قيادة عسكرية موحدة، تضم مسلمين وكروات، إضافة إلى مؤسسات اقتصادية مشتركة. كما تم في 20/3/1996، فصل القسمين، الصربي، والاتحادي الفيدرالي بشكل واضح على الأرض، إذ تفصل بينهما منطقة منزوعة السلاح، عرضها 4 كيلومترات، وطولها 1030 كم.
وبضغط أمريكي، تنازل رادوفان كارادازيتش، زعيم صرب البوسنة، عن صلاحياته، في 19/5/1996، لنائبته بيلينا بلافيتش، وأعلن اعتزاله الحياة السياسية، وذلك تحسباً لتقديمه إلى محكمة مجرمي الحرب. وحذَّرت واشنطن أنه يمكن أن يعاد فرض العقوبات الدولية على الصرب، إذا ما أعيد انتخابه في استفتاء، أراد صرب البوسنة إجراءه لتجديد رئاسة كارادازتش.
وقد استأنفت الولايات المتحدة الأمريكية، في 8/6/1996، دعم التحالف العسكري بين المسلمين والكروات. كما عقد، بعد ذلك، مؤتمر في فلورنسا، في 14/6/1996، لمراجعة الوضع في البوسنة، تم في خلاله توقيع اتفاق لضبط التسلح في البلقان، تم بموجبه رفع حظر صادرات الأسلحة والحصار البحري عن جمهوريات يوغسلافيا السابقة. وفي 17/7/1996، بدأ تنفيذ خطة إعادة تسليح الجيش البوسني.
وفي إطار تطبيع العلاقات بين دويلات البوسنة، وافقت كرواتيا، في 2/8/1997، تحت ضغوط أمريكية، على تصفية دويلة كروات البوسنة، ودمجها في دولة الاتحاد الفيدرالي. كما أعلن كروات البوسنة، في 5/8/1996، موافقتهم على تسوية مع المسلمين والاتحاد الأوروبي. كذلك، تم الاتفاق، في 6/8/1996، على تشكيل حكومة محلية في موستار. وفي 23/8/1996، تم الاتفاق على تبادل الاعتراف، رسمياً، بين صربيا وكرواتيا. وقد استقبل مطار سيراييفو، في 16/8/1996، أول طائرة مدنية تصل إليه منذ 4 سنوات، وفي 6/8/1997، توصل المسلمون والكروات، في الحكومة الفيدرالية، إلى اتفاق يقضي بعودة مئات اللاجئين لمنازلهم بالبوسنة.
وعلى صعيد محاكمة مجرمي الحرب، رددت وكالات الأنباء، في 4/8/1996، عن وجود خطة عسكرية أمريكية، لاختطاف كارادازيتش، وتسليمه إلى محكمة مجرمي الحرب، وذلك بعد أن تخلى، رسمياً، عن كل وظائفه. وكان الصرب قد منعوا، في 8/8/1996، القوات الدولية من التفتيش عن المقابر الجماعية، في الوقت الذي قامت فيه القوات الدولية بتدمير 300 طن من الذخيرة والألغام الصربية المحظورة. وكانت المحكمة الأمريكية العليا، قد قضت، في 18/6/1996، بدستورية محاكمة رادوفان كارادازيتش، زعيم صرب البوسنة، أمام المحاكم الأمريكية، بتهم الاغتصاب والتعذيب، خلال حرب البوسنة. وكانت محاكمة مجرمي الحرب، قد بدأت في لاهاي، في 27/6/1996، بتوجيه قرار الاتهام ضد كارادازيتش والجنرال ميلاديتش بارتكابهما جرائم حرب، واستمعت لشهادات الشهود، عبر سبعة أيام. وكان صرب البوسنة، قد هددوا، في 18/7/1996، بقتل وخطف أفراد الشرطة الدولية، إذا ما حاولوا اعتقال أي مسؤول صربي.
وفي يوليه 1997، تفجر الخلاف بين زعماء صرب البوسنة، خاصة بين المؤيدين لكارادازيتش، المطلوب محاكمته، بعد أن خرج من السلطة، وبين المؤيدين لرئيسة صرب البوسنة، بيلينا بلافيستش، وذلك بعد أن اتهمها مؤيدو كارادازيتش بالخيانة. وكان برلمان صرب البوسنة، قد نقل صلاحياتها إلى مجلس الدفاع، بعد أن رفضت إجراء حوار مع معارضيها. كما نشب أيضاً خلاف حاد بين ميلوسيفيتش، رئيس صربيا والجبل الأسود، وبين معارضيه. وعمت المظاهرات ضده في بلغراد وسائر مدن يوغسلافيا السابقة، بسبب اتهامه بتزوير الانتخابات، وإصراره على تنصيب نفسه مرة أخرى رئيساً لجمهورية يوغسلافيا الاتحادية، المكونة من صربيا والجبل الأسود.
وفي أغسطس 1997، تفاقمت حدّة الخلاف بين رئيسة صرب البوسنة، بيلينا، ومعارضيها، حين قضت المحكمة الدستورية لصرب البوسنة بعدم دستورية قرار بيلينا بحل البرلمان. في الوقت الذي أعلنت فيه تشكيل حزب جديد، برئاستها، مهمته "تطهير الكيان الصربي"، كما قامت بيلينا بتعيين وزير داخلية جديد من أنصارها، يدعى ماركو بافيتش، لمواجهة المظاهرات، التي اندلعت ضدها. وإزاء تردّي الموقف الأمني في مدن صرب البوسنة، خاصة بانيا لوكا، اضطرت القوات الدولية إلى التدخل والسيطرة على مراكز الشرطة في بانيا لوكا، عاصمة صرب البوسنة، وصادرت شاحنات محملة بالأسلحة، من القوات الموالية للزعيم السابق، كارادازيتش.




المصادر والمراجع
أولاً: الكتب:
1. أحمد شلبي، "أطلس التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية"، طبعة 1983، مكتبة النهضة المصرية.
2. أحمد فؤاد الأهواني، بحث: "فضل العرب على الحضارة العالمية"، جامعة القاهرة، 1959.
3. أرنولد توينبي، "تاريخ البشرية"، ترجمة نقولا زيادة، الأهلية للنشر، بيروت، 1988.
4. أشرف المهداوي، "ثلاثون درساً من محنة البوسنة"، دار الشواف للنشر والتوزيع، ط1، الرياض، 1415هـ ـ 1995م.
5. أشرف المهداوي، "قصة البوسنة ـ دروس وعبر"، دار الشواف للنشر والتوزيع،ط1، الرياض، 1415هـ ـ 1995م.
6. أكرم رزق محمد نور، "حتى لا تضيع البوسنة كما ضاعت الأندلس"، دار الفرقان، الرياض، 1413هـ ـ 1992م.
7. بسام العسلي، "المسلمون في البوسنة والهرسك"، دار البيارق، بيروت، ط1، 1414هـ ـ 1993م.
8. بيسيرا توركوفيتش ، "البوسنة والهرسك في النظام العالمي المتغير"، ط1، 1996، إنفست، ساراج.
9. جرانت وهارولد تمبرلي، "أوروبا في القرنين التاسع عشر والعشرين"، ج 1، ترجمة بهاء فهمي، مكتبة الأنجلو، القاهرة، 1979.
10. حسام سويلم، "من وراء ضياع البوسنة"، دار نهر النيل للنشر، القاهرة 1993.
11. حسن صبحي بكري، "الإغريق والرومان والمشرق الإغريقي الروماني"، دار عالم الكتب، الرياض، 1405هـ ـ 1985م.
12. سامي الصقار، "المسلمون في يوغوسلافيا"، دار الشواف للنشر، الرياض، 1413هـ.
13. ستافريانوس، ل. س، "التصدع العالمي"، ترجمة موسى الزغبي وعبدالكريم محفوظ، دار طلاس، دمشق، 1988.
14. عبدالحميد البطريق، "التيارات السياسية في أوروبا"، مكتبة الأنجلو، القاهرة، 1984.
15. علي الكتاني، "المسلمون في أوروبا وأمريكا"، ج1، 1976.
16. علي حسون، "العثمانيون والبلقان"، المكتب الإسلامي، بيروت، 1406هـ ـ 1986م.
17. علي حسون، "تاريخ الدولة العثمانية"، المكتب الإسلامي، بيروت، 1415هـ ـ 1994م.
18. فهد بن عبدالله السماري، "المسلمون في البوسنة والهرسك، من مآسي الماضي إلى معاناة اليوم"،الهيئة العليا لجمع التبرعات لمسلمي البوسنة والهرسك،الرياض، 1413هـ ـ 1992م.
19. كابلان، روبرت، "إشباع الصرب".
20. كتاب المعرفة: "الشعوب والسكان" شركة ترادكسيم، جنيف، 1971.
21. كولز، بول، "العثمانيون في أوروبا"، ترجمة عبدالرحمن الشيخ، الهيئة العامة للكتاب.
22. محمد حرب، "البوسنة والهرسك من الفتح إلى الكارثة"، المركز المصري للدرسات العثمانية وبحوث العالم التركي، القاهرة، 1413 هـ ـ 1993م.
23. محمد حرب، "العثمانيون في التاريخ والحضارة"، دار القلم، دمشق، 1409هـ ـ 1989م.
24. محمد فريد بن أحمد فريد، "تاريخ الدولة العلية العثمانية"، دار النفائس، بيروت، 1413هـ ـ 1983.
25. محمد قطب، "رؤية إسلامية لأحوال العالم المعاصر"، دار الوطن، الرياض، 1411هـ ـ 1991م.
26. محمد مصطفى صفوت، "السلطان محمد الثاني فاتح القسطنطينية"، دار الفكر العربي، القاهرة، 1948.
27. محمود شاكر، "التاريخ الإسلامي"، المكتب الإسلامي، بيروت، 1402هـ ـ 1982م.
28. موريس كروزيه، "تاريخ الحضارات العام"، منشورات عويدات، بيروت، 1986 ـ 1987.
29. نزار سمك، "البوسنة والميراث الدامي"، مركز المحروسة للبحوث والنشر، ط2، يناير 1997.
30. وسـام عبدالعزيز، "البوسنة ـ الصرب ـ كرواتيا، قراءة في التاريخ الباكر"، عيد للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، القاهرة، ط (1) 1994.
31. يلماز أوزطونه، "تاريخ تركيا العظيم" استنابول، مطبعة أتوكن، 1977م،14 جزء.
ثانياً: الموسوعات
1. إبراهيم زكي خورشيد (تحرير)أحمد المنشاوي، "دائرة المعارف الإسلامية"، لندن، مكتبة الساقي.
2. إبراهيم زكي خورشيد (تحرير)عبد الحميد يونس، "دائرة المعارف الإسلامية"، القاهرة، دار الشعب، 16مج.
3. أحمد شلبي، "موسوعة التاريخ الإسلامي"،القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، 1996، 10مج .
4. بطرس بن بولس بن عبدالله، البستاني، "دائرة المعارف: قاموس كل فن ومطلب"، بيروت، دار المعرفة، 1318هـ، 1900م، 11مج.
5. دائرة المعارف الجديدة، بريتانيكا 1985، الحرب العالمية الثانية.
6. عبدالوهاب الكيالي وآخرين، "موسوعة السياسة"، ج1، ج3، ج3، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط (2)، 1993، ج7، ط(1)، 1994.
7. موسوعة المعارف والعلوم، بيروت، مؤسسة نوفل، 1983.
ثانياً: الدوريات
1. د. فاضل حسين، "محاضرات عن مؤتمر لوزان وآثارها في البلاد العربية"، معهد الدراسات العربية، يوليه 1958.
2. مجلة "لواء الإسلام"، العدد 10 ـ 12، سنة 1369هـ.
3. مجلة "العربي":
• العدد 58، عام 1383هـ.
• العدد الصادر في 26 يوليه 1993.
4. مجلة "الفيصل"، العدد 18، سنة 1398هـ.
5. مجلة "الرسالة الإسلامية"، العدد 123.
ثالثا: المراجع الأجنبية:
1. Dr. Bisera Tourkovic, Bosnia and Herzegovina - in the Changing World Order, 1st Published in 1996, Saraj, Invest.
2. Future of the Banlkans , An Interveiw With David Owen, Foreign Affairs.
3. slav Survey Vol .50 , 1993.



#عمر_جاسم_محمد_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التطورات السياسية في سوريا من الملكية الى الاستقلال 1918-194 ...
- مزامير مرهونة
- تركيا والاحلاف العسكرية الدولية والاقليمية(الحليف الاستراتيج ...
- الهزل المقدس
- عبد الرحمن الجبرتي مؤرخ الحملة الفرنسية يبشر بالعلمانية في م ...
- الكنائس والاديرة في الموصل العهد العثماني (1516-1918) ثنائية ...
- كيسنجر والصراع العربي-الاسرائيلي (رؤية لما قبل الربيع العربي ...
- نظام التعليم في فرنسا (ظهور العلمانية واختفاء الدين)
- دعوة مفتوحة لسلام شامل واستئصال مصطلحات النزاع الشامل
- العمل التطوعي ودوره في تنمية المجتمع ..تجارب شخصية في الموصل


المزيد.....




- انتشر بسرعة عبر نظام التهوية.. لحظة إنقاذ كلاب من منتجع للحي ...
- بيان للجيش الإسرائيلي عن تقارير تنفيذه إعدامات ميدانية واكتش ...
- المغرب.. شخص يهدد بحرق جسده بعد تسلقه عمودا كهربائيا
- أبو عبيدة: إسرائيل تحاول إيهام العالم بأنها قضت على كل فصائل ...
- 16 قتيلا على الأقل و28 مفقودا إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة ...
- الأسد يصدر قانونا بشأن وزارة الإعلام السورية
- هل ترسم الصواريخ الإيرانية ومسيرات الرد الإسرائيلي قواعد اشت ...
- استقالة حاليفا.. كرة ثلج تتدحرج في الجيش الإسرائيلي
- تساؤلات بشأن عمل جهاز الخدمة السرية.. ماذا سيحدث لو تم سجن ت ...
- بعد تقارير عن نقله.. قطر تعلن موقفها من بقاء مكتب حماس في ال ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عمر جاسم محمد العبيدي - الاقليات الاسلامية التاريخ والمصير (البوسنة والهرسك)