أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عمر جاسم محمد العبيدي - كيسنجر والصراع العربي-الاسرائيلي (رؤية لما قبل الربيع العربي)















المزيد.....



كيسنجر والصراع العربي-الاسرائيلي (رؤية لما قبل الربيع العربي)


عمر جاسم محمد العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 3588 - 2011 / 12 / 26 - 01:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



المقدمة-الواقع السياسي العربي إبان دخول الولايات المتحدة الأمريكية في الصراع:
إن الزعماء لايعملون في فراغ،بل يتفاعلون مع الظروف والمواقف من حولهم ،فأعمال الزعماء هي في جوهرها انعكاس لتصوراتهم أو لرؤاهم وتحليلاتهم للموقف من حولهم والموقف بمثابة الإطار الذي يدرك من خلاله صانع القرار الفرص المتاحة أمامه أو محدودية حركته،ومن ثم القيود التي قد تحدّ من حركته،مع هذا فقد كان رد الفعل على مستوى النخبة مختلفاً تماماً ؛فقد نُظِرَ إلى نموذج عبد الناصر التقدمي بارتياب من قبل البلدان العربية التي كانت تفضل التغيير الاجتماعي والتدريجي على تغيير عبد الناصر الثوري،كما أن القومية العربية التي نادى بها عبد الناصر،ودعواته المتكررة من اجل الوحدة العربية على أساس الإطاحة بتلك الأنظمة المحافظة وإقامة أنظمة ثورية بديلة قد عمقت شعور تلك الأنظمة المحافظة بالتهديد الذي رأته مجسداً في النموذج الثوري المصري.
وبينما كانت الأنظمة العربية التقدمية ترى في الوحدة العربية وسيلة لتدمير إسرائيل وحل المشكلة الفلسطينية ،فان الأنظمة المحافظة -مكتفية بالشعارات في مواقفها من القضية الفلسطينية-كانت ترى التهديد الحقيقي ممثلاً في الأنظمة التقدمية أكثر من تجسده في الوجود الإسرائيلي ،بل يمكن القول إن تلك الأنظمة المحافظة رأت في إسرائيل حليفاً غير مباشر يشاركها في الهدف ذاته،وهو زعزعة الأنظمة التقدمية،إن لم نقل الإطاحة بها،وكانت الأنظمة المحافظة تأمل في أن يصبح النزاع العربي-الإسرائيلي الشاغل الأول للبلدان التقدمية ،بحيث تقصر جهودها على قتال إسرائيل ،ومن ثم لايعود لديها وقت للتدخل في الشؤون الداخلية.( )
وعلى الرغم من أن عبد الناصر طالب بانسحاب إسرائيلي إلى حدود 1948 وعودة جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم في محادثات 1954-1955 التي تمت برعاية بريطانية( )إلا أن الحرب الدعائية التي كانت توجهها هذه الأنظمة المحافظة قبل عام 1967 تتهم عبد الناصر بأنه غير قادر على محاربة إسرائيل ،وانه يختبئ خلف قوات الأمم المتحدة،وكان هدف هذه الدعاية هو إبقاء عبد الناصر مشغولاً بإسرائيل ،إن لم يكن دفعه إلى حرب لم يكن مهيأ لها. ( )
أما بالنسبة لإسرائيل ،فقد كانت ترى في الأنظمة العربية الثورية العدو الرئيسي الذي يهدد وجود دولة إسرائيل ذاته،ليس فقط لان هذه الأنظمة نظرت إلى تأسيس دولة إسرائيل كجزء من مخطط امبريالي موجه ضد الأمة العربية بهدف تقسيمها وإضعافها ولذا لابد من تدميرها،بل لان هذه الأنظمة الثورية كانت تعمل بدأب على بناء قدرتها الذاتية لتحقيق هدفها النهائي ،فتهدد بذلك امن إسرائيل( ).
وبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية ،فقد رأت في سياسات عبد الناصر واعتماده على السوفيات في مشروعات التنمية مصدراً للتوسع السوفياتي في المنطقة،الأمر الذي كانت تتحاشاه( )إذ بدأ الاتحاد السوفياتي يستعيد مكانته لدى البلدان العربية بعد هزيمة 1967 وذلك بتبني الموقف العربي وتأييده في الأمم المتحدة وذلك في الوقت الذي قطعت فيه كثير من البلدان العربية علاقاتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة الأمريكية وظهرت شروخ عميقة في العلاقات الأمريكية العربية وأصبح في وسع السوفيات-بعد أن تمكنوا من زيادة ارتباطهم ببعض البلدان العربية المهمة-أن يوظفوا مركزهم في الشرق الأوسط في مجابهات أمريكية-سوفياتية في أماكن أخرى مثل جنوب شرقي آسيا ،ومع تكوين جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية في تشرين الثاني/نوفمبر 1967 ،وقيام ثورتي السودان وليبيا في عام 1969 ازداد عدد البلدان العربية التقدمية،وخلق ذلك مجالاً أوسع لنمو النفوذ السوفياتي. ( )
إن هذا التغلغل للدول الكبرى في المنطقة والمتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت بمثابة الحامي لإسرائيل وبالتالي فرض عليها هذا الواقع-العربي-الدخول في علاقات دبلوماسية -مزدوجة- مع الدول العربية ،وبالأخص مصر ذات المجال الحيوي الذي يمكن أن يستوعب كل فورات وتهافتات باقي الأنظمة العربية في سبيل الحصول على مبادرة سلام من قبل العرب-مصر-لكي تظهر الولايات المتحدة الأمريكية بمظهر الداعم للمشروع وليس طرفاً فيه ،((فلأمريكا مصلحة في كل بقعة من العالم إذ أن أمريكا كقوة عظمى ذات مصالح،ومسؤوليات سياسية غير محدودة فهي بالتالي مسؤولة عن كل بقعة من هذا العالم))( ) لذلك سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تعريب الصراع العربي –الإسرائيلي ،وتبين ذلك من خلال ما قام به كيسنجر في رحلاته المكوكية،وذلك الدور الذي قام به،والذي سنبينه في حديثنا عن العلاقات العربية-الأمريكية ودورها في الصراع العربي-الإسرائيلي والتي تمثلت في شخصية أنور السادات وكيسنجر وزير الخارجية الأمريكي 1973.

-كيسنجر مهندس السياسة الخارجية الأمريكية :
سوف يظل اسم ((هنري كيسنجر))علامة في الصراع العربي –الإسرائيلي ،وخاصة في الحقبة الممتدة بعد عام 1973،وهو العام الذي دخل فيه كيسنجر في صلب الصراع العربي-الإسرائيلي ،وفرش ظله على هذا الصراع،ولا يزال هذا الظل مفروشاً منذ ذلك الوقت وحتى الآن.
واسم هنري كيسنجر ليس علامة مميزة في الصراع العربي-الإسرائيلي فقط،ولكنه أيضا علامة مميزة وبارزة في الفكر السياسي الأمريكي منذ الخمسينيات وحتى هذا اليوم( )فقد كان من ضمن اليهود السبعة الذين شغلوا مناصب حساسة في الإدارة الأمريكية في عهد نيكسون( )،فمنذ أن بدأ كيسنجر يكتب في السياسة الأمريكية الخارجية في عام 1957 استمر بعد ذلك حتى عام 1969 لكي يخرج بحصيلة دراسات في السياسة الأمريكية الخارجية فصدرت له مؤلفات مثل: (عالم تمت استعادته في عام 1957،والأسلحة النووية والسياسة الخارجية في 1961،وكتاب الاحتمالات المستقبلية للسياسة الخارجية الأمريكية في نفس العام وايضاً كتاب إعادة مراجعة التحالف الأطلسي في عام 1965 وفي نفس العام ايضاً صدر له كتاب بعنوان مشاكل الإستراتيجية القومية،وسياسة أمريكا الخارجية في عام 1969،وكان آخرها كتابه هل تحتاج أمريكا إلى سياسة خارجية(نحو دبلوماسية للقرن العشرين). ( )
استطاع كيسنجر أن ينصب نفسه المهندس الحقيقي للسياسة الأمريكية الخارجية وعلى مدار أكثر من ربع قرن،وكيسنجر كان مهندس هذه السياسة ،كمفكر خارج السلطة،وكان مهندس هذه السياسة أيضا كشريك في الحكم،ومشارك في السلطة وهذا هو سر وزنه الحقيقي كمهندس للسياسة الخارجية الأمريكية( ) فأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية من وجهة نظر كيسنجر تتمتع بتفوق لم تضاهه حتى أعظم الإمبراطوريات في الماضي ،فمن صناعة الأسلحة إلى تنظيم العمل،ومن العلوم الى التكنولوجيا،تمارس الولايات المتحدة سيطرة لامثيل لها في كل أنحاء العالم ،فالموقع الذي شغلته الولايات المتحدة في العقد الأخير من القرن العشرين جعلها المكون الذي لاغنى عنه للاستقرار الدولي. ( )
إن كيسنجر بما قام به من جهود في مسألة تسوية الصراع العربي –الإسرائيلي إنما استغنى عن كل الجسور التي تقام عادة بين المفكرين وصناع القرار ،فهو الأنموذج الفلسفي الذي كان صاحب القرار والمفكر وصانعه أيضا( ) ،وكيسنجر يمثل دخول الوعي التاريخي الذي قلب الدبلوماسية الأمريكية ودخول فلسفة للعلاقات فيما بين الدول ودخول رؤية تعرف كيف تدمج عناصر الواقع المعقد.وهذا القول يلخص ماقلناه قبل قليل من أن كيسنجر ،يعتبر علامة مميزة في تاريخ السياسة الأمريكية.
إن تميز كيسنجر يعود إلى كونه ناقد سياسي شمولي،إذ استطاع أن يفسر الظواهر التاريخية من خلال مستويات تحليلية ثلاثة هي :
• المستوى المفهومي:ويعني أن أمريكا نتيجة عدم تعرضها لصراع اجتماعي حاد استطاعت أن ترسخ نظرية السلام الاجتماعي ،داخل المجتمع الأمريكي( ) وكان هذا واضحاً في النجاح الجزئي الذي حققه كينيدي من خلال اهتمامه بالحاجات المحلية،وليس العالمية فحسب ،فقد لعب كينيدي دوراً مهماً في وضع سياسات لاتضحي بالقضايا الإقليمية على مذبح الحسابات العالمية( ) ،مما أدى إلى تكوين مفهوم عام لدى الإدارات الأمريكية المتعاقبة،يقول بان الإطار الطبيعي والمعتاد للعلاقات الدولية هو الانسجام والتناغم. ( )
• المستوى السوسيولوجي،ويعني به أن هناك فئتين من المثقفين يسيطرون دائماً على صناعة القرار السياسي الأمريكي:
الفئة الأولى ،هي فئة المحامين الخريجين من كليات الحقوق،وهي فئة قادرة على حل المشاكل بعد وقوعها في حين أن ليس لديها ،أية قدرة استشرافية على التنبؤ بما يمكن أن يحصل مستقبلاً.
أما الفئة الثانية ،فهي فئة المديرين الكبار –القادمين من الشركات التجارية والصناعية وهي قادرة على التعامل مع الأفراد أكثر من قدرتها على التعامل مع المبادئ والمفاهيم ،ويرى كيسنجر أن هاتين الفئتين هما الفئتان المطلوبتان للسياسة الأمريكية،التي تهتم بالجوانب التكتيكية والتكنيكية أكثر من اهتمامها بالجوانب النظرية الإستراتيجية. ( )
وعلى ذلك فان المؤثرات الداخلية لعبت دوراً حساساً في صناعة السياسة الخارجية الأمريكية ،لان السياسة لاتولد في فراغ اجتماعي.وعلى أية حال فإننا يجب أن نكون حذرين من المبالغة في أهمية نفوذ جماعات المصالح لان الأمر عندما يتعلق بالقضايا الدولية المرتبطة بالأمن والمصالح الاقتصادية فإنها هي التي تهيمن على سلوك الدولة بغض النظر عن ماهية نظام الحكومة الداخلي،والولايات المتحدة لاتختلف عن غيرها في هذا المجال،فمن فروع الحكومة كلها تميل الرئاسة لان تكون متوافقة مع السياق الأوسع للمصالح القومية الأمريكية والحاجة إلى نظرة شاملة لحماية تلك المصالح،وبينما يحاول كل فرع من فروع الحكومة أن يكون له مخططه الخاص بشأن المنطقة العربية فإن الرئيس هو الذي يقرر في النهاية طبيعة السياسات والمبادرات الأمريكية هناك ومداها( ) ،وهذا ما يفسر ان السياسة الامريكية في معظم قراراتها ،ليست استراتيجية ذات تخطيط سابق وانما هي تأتي على شكل ردود فعل سريعة،نتيجة لتحديات مفاجئة ،لذا،فانها – كما يقول كيسنجر-غامضة ومتخبطة. ( )
• اما المستوى الاستراتيجي،فان سياسة الولايات المتحدة في تصديها للاتحاد السوفييتي واحلامه في التوسع،لم تكن ترتكز على كيفية بناء استراتيجية تحد من التوسع المستقبلي للاتحاد السوفياتي،بقدر ما كانت تهدف الى احلاف سياسية وعسكرية بحيث اصبح هدف السياسة الامريكية منصّباً على تكوين الاحلاف في حد ذاتها( ).
ويمكن فهم السياسة الامريكية على انها رد فعل للتحركات السوفياتية في منطقة الشرق الاوسط ،فمع انتهاء الحرب العالمية الثانية وتفجر الصراع الامريكي-السوفياتي اصبح الشرق الاوسط يحتل مكاناً استراتيجياً مهماً في السياسة الدولية،واصبحت المنطقة تدخل ضمن اطار سياسة الدفاع الامريكية،وتشكل احد محاور الاستراتيجية الامريكية لمحاصرة الاتحاد السوفياتي( )وفي هذا الصدد يقول كيسنجر: ((لقد انشأنا الاحلاف ،ووقعنا كل المعاهدات الدفاعية لتطويق الشيوعية.فماذا بعد؟!.))وهو بذلك ينتقد تكوين الاحلاف التي لاتهدف الى تنفيذ استراتيجية محددة ،ذات اهداغ بعيدة المدى( )،فقد اكدت التطورات مابعد الحرب العالمية الثانية ان السياسة الامريكية تقوم على اسا الافتراض بان الشرق الاوسط منطقة حيوية في التوازن العالمي ويجب حرمان الاتحد السوفياتي من السيطرة عليه،وقد تغيرت وسائل السياسة الامريكية في تنفيذ هذه الاهداف تبعاً للتغير في الاستراتيجية العالمية لتغيرات في اوضاع المنطقة( )وكيسنجر كقاريء ممتاز وذكي للتاريخ كان يدرك كا كان يدرك مؤرخون كثيرون ،بان الدورة التاريخية للامة الامريكية وللامبراطورية الامريكية،بدأت مرحلتها الثانية،وهي مرحلة الانهيار من القمة الى القاع. ( )
المساعدات العسكرية السوفياتية للبلدان العربية والمبيعات للفترة 1950-1972
(بملايين الدولارات الامريكية)
البلد المستلم المساعدات العسكرية السوفياتية والمبيعات
الجزائر
السودان
سوريا
العراق
مصر 400
65
715
1.000
2.700
المصدر: جمعة،سلوى شعراوي ،الدبلوماسية المصرية في عقد السبعينات(دراسة في موضوع الزعامة)،مركز دراسات الوحدة العربية ،ط1 بيروت 1988.ص38.

المساعدات الاقتصادية والعسكرية الامريكية للشرق الاوسط والمبيعات للفترة 1946-1972
(بملايين الدولارات الامريكية)
البلد المستلم المساعدات
الاقتصادية الامريكية المساعدات والعسكرية
الامريكيةوالمبيعات
ايران
اسرائيل
الاردن
الكويت
لبنان
السعودية 971
1.438
421
50
126
72 3.451.50
199.5
600.50
1.20
32.10
995.50
المصدر: جمعة،سلوى شعراوي ،الدبلوماسية المصرية في عقد السبعينات(دراسة في موضوع الزعامة)،مركز دراسات الوحدة العربية ،ط1 بيروت 1988.ص38.





- كيسنجر والصراع العربي-الاسرائيلي:
بعد تولي نيكسون مهمات منصبه بفترة قصيرة بدأ يسعى الى وضع اطار واسع يحدد اتجاه سياسته الخارجية فيما اصبح يعرف باسم (مبدأ نيكسون).ومع احتلا فيتنام قمة اولويات حكومته ،كان من المحتم ان يعكس المبدأ من ناحية الحاجة الى طمأنة الرأي العم المحلي –والمتذمر-بان التدخل في فيتنام سوف ينتهي تدريجياً ،كما يعكس من ناحية اخرى الحاجة الى ضمان تحمل حلفاء الولايات المتحدة قدراً اكبر من اعباء تكاليف الدفاع،دون جعلهم يشعرون بعدم الامن بالنسبة لقدرة الولايات المتحدة على ادارة سياسة خارجية فعالة على الصعيد العالمي( ) وقد عني هنري كيسنجر اثناء حياته السياسية بمشكلات عالمية ثلاث:
• الفتح الامريكي لابواب الصين.
• انهاء حرب فيتنام.
• حل مشكلة الشرق الاوسط.
وقد كان يود لو ان الفتح الامريكي لابواب الصين قد سجل لصالحه ،ولكنه لم يسجل له،بقدر ما سجل لصالح الرئيس نيكسون،فخرج من المولد الصيني بلا حمص.
واما حرب فيتنام ،فقد تمنى ،الا يوضع اسمه فيها باعتبارها كانت تمثل هزيمة سياسية نكراء لامريكا،اذن فلم يبقى لديه الا ورقة واحدة-ربما تكون رابحة-وهي ورقة الشرق الاوسط. ( )
ان دخول الولايات المتحدة في مسألة التسوية للصراع العربي –الاسرائيلي جاء بعد ان انتهزت فرصة هزيمة العرب في 1967 لكي توقع العقاب الفادح بحركة التحرر العربي( ) لكن هذا التدخل لم تكن معالمه واضحة ،فعند الرجوع الى الفهم السياسي لكيسنجر والذي كانت احدى مرتكزاته (تشريق الصراع بين دول الشرق الاوسط)كمرحلة ثانية من مراحل انهاك كافة القوى في الشرق الاوسط وجعله محصوراً بالمنطقة وهذا ماتم فعلاً في الشرق الاوسط في السبعينات،فقد تم تعريب الصراع العربي –الاسرائيلي الى صراع عربي-عربي،بدءاً بالصراع الفلسطيني مع السلطة الاردنية ،فيما سمي بايلول الاسود،مروراً بالصراع السوري-العراقي،والمصري-الليبي الى آخر هذا المسلسل الممل. ( )
وعلى الجانب الاخر من الواقع العربي انذاك فلقد شهدت تلك الحقبة تزايداً في نفوذ الاقطار العربية المنتجة للنفط اقليمياً ودولياً ،فعلى سبيل المثال،نشطت العربية السعودية سياسياً منذ ارتفاع اسعار النفط وقد جعلها تدفق البترودولارات ثاني اكبر دول العالم تقديماً للمساعدات الخارجية. ( )
لذلك سعت الولايات المتحدة على اقامة علاقة الزبون-الراعي-الوثيقة مع العربية السعودية ؛اذ ان هذا الارتباط بالسعودية ذو اهمية كبرى بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية،ويقول كوانت: (لم يستفد أي بلد آخر من العلاقات مع العربية السعودية كما استفادت الولايات المتحدة) ( ).
وعلى اية حال فان تصور كيسنجر السياسي والاستراتيجي الامريكي للصراع العربي –الاسرائيلي يتلخص في النقاط الرئيسية الآتية:
1.ان المسألة الفلسطينية لايمكن حلها الآن (يعني في كل آن)،ولابد من تجويع الفلسطينيين اكثر،حتى يصبحوا اكثر استعداداً لقبول وضعهم النهائي،وأن مسألة القدس هي آخر مايمكن ان نتحدث فيه.
2.ضمان أمن وسلامة اسرائيل.
3.ان القائلين ،بانه لم يحدث تغير جوهري في نوايا امريكا وسياساتها في الشرق الاوسط،هم صادقون.
4.ضمان استمرار تدفق البترول ،وفوائض امواله الى الغرب،وخاصة امريكا.
5.ان امريكا مستعدة لحرمان حلفائها الاوربيين من أي دور في محادثات السلام ،اذا اشتمت من ذلك انهم قد يميلون نحو العرب،او يضغطون على اسرائيل.
6.إخراج الاتحاد السوفياتي من المنطقة كلية،وذلك بدءاً باخراج السلاح السوفييتي.
7.ان مهمة امريكا حيال الصراع في الشرق الاوسط،ليست تصفية هذا الصراع،او تسوية مشكلة الشرق الاوسط في المقام الاول،وانما ضبط الصراع والتحكم فيه،وادارته.
8.التعامل مع العرب متفرقين وليسوا مجتمعين.
9.تحويل التصورات السياسية الى حقائق ...وذلك ان التصورات السياسية لاتأتي من المجرد،وانما تجيء من دراسة التاريخ.
10.ان الحاضر لايكرر الماضي،وانما قد يتشابه معه،وان مهمة المؤرخ في هذه الحالة ،هي ان يعرف ويحدد اوجه التشابه والاختلاف بين الماضي والحاضر،والمستقبل ايضاً.(ان التاريخ معمل للمستقبل).
11.ليس هناك انفصال بين الدبلوماسية والقوة المسلحة ؛لان الدبلوماسية ليست مباراة على مائدة المفاوضات بين رجال مهذبين ،وانما هي حوار مصالح متعارضة تستند كل منها الى رادع حقيقي يحميها ،ويفتح طريقها.
12.الاقتراب من الازمات الساخنة ...فالازمات الباردة لاتهم احداً.
13.ان بعضنا يكره النقد،ويفرح بالمديح .ولكي يكون الدبلوماسي الغربي في العالم العربي مقبولاً،فعليه ان يكون مداحاً جيداً لبعضنا،والذي يعتبر نفسه ،رجل التاريخ الاول،والبعض الاخر الملهم الذي لايشق له غبار،اما النوع الثالث فكان يعتبر نفسه داهية السياسة العربية الاول والاخير.
لوتأملنا العبارة التي تقول:
[لابد من تجويع الفلسطينيين اكثر،حتى يصبحوا اكثر استعداداً لقبول وضعهم النهائي،والاتفاق عليه].
لوجدنا ان المقصود بهذه العبارة ،هو افناء الشعب الفلسطيني ،فالتجويع معناه(التمويت)والافناء في حدوده المادية،ومعناه السياسي ،يعني استسلام الجائع كلية لطلبات المشبع،وتنفيذ رغباته.
وقد بدأت امريكا باتباع مبدأ التجويع السياسي للفلسطينيين ،منذ عام 1970 عندما كانت وراء مذابح ايلول ،وامتد هذا التجويع ظوال فترة السبعينات من خلال الدعم الامريكي المباشر غير المباشر،لكل خصوم الثورة الفلسطينية في لبنان،وذلك من اجل اقتلاع الثورة الفلسطينية من لبنان،والذي لم يتم الابعد عام 1983.وهذا التجويع،استمر بعد ذلك،من خلال ملاحقة امريكا للشعب الفلسطيني في شتى انحاء العالم العربي،وضربه وتشتيت قياداته،ورفضه المستمر،وانكار وجوده في اية تسوية سياسية منتظرة،والتجويع السياسي الامريكي للفلسطينيين مستمر على هذا النحو الى اجل غير مسمى.
ومن خلال هذه النقطة ،نستطيع ان نتبين ،ان امريكا اذا كانت تملك النسبة المئوية الاكبر من عدد اوراق الشرق الاوسط،فليس معنى ذلك انها تملك بذلك الحل،بقدر ماتملك ابقاء الوضع على ماهو عليه،بل وتصعيده في احيان كثيرة لصالح (الحل الامريكي).

[وأن مسألة القدس هي آخر مايمكن ان نتحدث فيه].
لوتأملنا هذه العبارة لوجدنا ان المقصود هو ان على الفلسطينيين ان ينسوا القدس نهائياً،وان يسقطوها من تاريخهم الاسلامي،وكما يقول كيسنجر: ((تبدوا المطالب الاسرائيلية بالاعتراف بارض الميعاد من وجهة نظر العرب وخصوصاً الفلسطينيين مطلباً للاذعان للاقتطاع من ارثهم*لحضاري والديني والاقليمي)). ( )فالقدس كتاريخ ،وليس كبناء ،اوفضاء تعتبر في الاستراتيجية الامريكية جزءاً من التراث الصهيوني في فلسطين،والذي بالتالي هو جزء من الاستراتيجية الامريكية في المنطقة.
وقد أكدت الولايات المتحدة هذا المنطق من خلال كل مبادرات التسوية السلمية والحلول السياسية التي طرحتها منذ مطلع القرن المنصرم،وكان آخرها معاهدة((كمب ديفيد))التي جاءت خالية من القدس ومستقبلها السياسي،ومستقبل القدس سوف يظل مرتبطاً بعلاقة الصراع العربي-الاسرائيلي ومستقبله.
اما في قوله بانه [لم يحدث تغير جوهري في نوايا امريكا وسياستها في الشرق الاوسط،هم صادقون] وهي تمثل واحداً من تصورات كيسنجر السياسية والاستراتيجية للصراع العربي-الاسرائيلي ،والمقصود بهذه العبارة ،ان نوايا امريكا وسياستها ،منذ عام 1948 حتى الان،هي نوايا ثابتة تجاه هذا الصراع،وان استعمال عبارة:لم يحدث تغير جوهري،هي عبارة ديبلوماسية ،لاتحمل أي معنى تاريخي او أي بعد واقعي،فامريكا لم تغير سياستها منذ ذلك التاريخ وهي قد وضعت بيض الشرق الاوسط في سلة اسرائيل لانه لاسلة غيرها تستطيع حمل البض الامريكي.
اما مسألة الضغط الامريكي على اسرائيل قضية قديمة ومناقشتها تثير الكمد احياناً بسبب الطريقة التي يتحدث بها الحاكمون بامكانية ممارسة هذا الضغط دون أي تغيير في معطيات الواقع العربي الراهن ،اللهم الا الاقتراب من الولايات المتحدة الامريكية واثبات الولاء لها،وكذلك دون أي محاولة للعودة الى الجذور وقراءة دروسها الواضحة ،وعلى سبيل المثال نلاحظ انه عندما حدث توتر في العلاقات الامريكية-الاسرائيلية بسبب تأنيب وزير الخارجية الامريكي روجرز لاسرائيل لموقفها غير الايجابي من محادثات بارنغ وبالذات مذكرته الى كل من مصر واسرائيل بتاريخ 8 شباط/فبراير 1971 هاجمت رئيسة وزراء اسرائيل الوزير الامريكي،وعندما زار الرئيس الاسرائيلي زالمان شازار الولايات المتحدة في الشهر التالي أكد له الرئيس الامريكي اثناء اجتماعه به ان الولايات المتحدة لن تستخدم الضغط لفرض ارائها على اسرائيل بشأن مسألة الانسحاب. ( )
وكان لهنري كيسنجر بكل نفوذه المعروف في ادارة الرئيس نيكسون برأيه المتفق مع رأي نيكسون في رفض أي ضغط امريكي على اسرائيل ،وكان يعزز رأيه هذا من منظور الصراع العالمي ،فمثل هذا الضغط الامريكي على اسرائيل ،ان حدث سيكون لصالح الدول العربية التقدمية-الموالية للسوفيات-وبالتالي فانه سوف يدعم النفوذ السوفياتي ونفوذ الاقطار العربية التقدمية خاصة اذا ما بدا ان التسوية قد تحققت نتيجة لمواقفهم المتشدد. ( )بل ان المواقف السياسية الامريكية قد ازدادت سوءاً ،تجاه الصراع العربي-الاسرائيلي ،وفيما يتعلق بالحق العربي المشروع في فلسطين،قال كيسنجر ذات يوم((إن اكبر نجاح احرزته في عملي كوزير للخارجية الامريكية ،هو الطريقة التي ادرت بها الصراع العربي-الاسرائيلي)). ( )
يوجد في فكر كيسنجر السياسي ،ضمانان هامان ،هما المدمكان الرئيسيان في الاستراتيجية الامريكية العامة حيال الصراع العربي الاسرائيلي،وحيال كل ازمة جديدة في الشرق الاوسط.الاول:ضمان امن وسلامة اسرائيل،والثاني :ضمان استمرار تدفق البترول العربي ،وفوائض امواله الى الغرب وخاصة امريكا،ويبدو هذان الضمانان في منطق التاريخ والعقل والجغرافيا ايضاً،ضمانان متناقضين لايمكن حدوثهما في تاريخ البشر،او تاريخ الامم،الا انهما طرفا معادلة سياسية وتاريخية نادرة،وهي معادلة الصراع العربي-الاسرائيلي( )،فامريكا كقوة سياسية عظمى ،والعرب كأمة ،معادلة هذا الصراع العربي-الاسرائيلي. ( )
إن امريكا من خلال هذه المعادلة ،استطاعت ان تحصل على اكثر الصفقات السياسية والاقتصادية ربحاً وفائدة على مر التاريخ الحديث،وبعيداً عن لغة الارقام،يكفي ان امريكا خاصة بعد خروج السوفييت من مصر –وزيادة اسعار البترول بعد حرب 1973 اصبحت هي القوة العظمى الوحيدة في منطقة الشرق الاوسط،والتي تملك نسبة كبيرة وطاغية من هذه الامتيازات. ( )
لقب كيسنجر بانه(مهندس)السياسة الامريكية في السبعينات ،فهل يأتي المهندس من فراغ،وهل يضع بناءه الهندسي في فراغ؟إن فكر كيسنجر السياسي حيال الصراع العربي-الاسرائيلي كان سيظل سيناريو سينمائي او رواية بوليسية على اكثر تقدير،لولا استثماره لظروف الشرق الاوسط المتردية لكي ينمو فيها،ويدفع صاحبه الى مصاف مفكري العصر الحديث،الى درجة ان (شو ان لاي)رئيس وزراء الصين قد لقبه بـِ(ماركس الامريكي)او(ماركس الرأسمالي)،وان سياسة كيسنجر تتضح في قوله((لابد ان تدع خصمك يرى حجم ارادتك،قبل ان يرى حجم قواتك)). ( )

-مصر والولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي(حرب الكرّ والفرّ):

بدأت محاولات السادات لجذب اهتمام الولايات المتحدة منذ كانون الاول/ديسمبر 1970،حين أكد في رسالته للرئيس نيكسون على عدم اهتمامه بتنافس الدولتين الاعظم في المنطقة،وأن هدفه الوحيد ينصب على تحرير بلاده والتركيز على اعادة بنائها.وقد اراد السادات من وراء هذا التأكيد ان يوضح لنيكسون انه لا طموح له خارج بلاده.ويعني بذلك،ضمناً،انه ليس عبدالناصر آخر( ) يهدد مصالح الولايات المتحدة في المنطقة،أو يضرب دولة عظمى بأخرى. أكد السادات كذلك استعداده لتسوية سلمية،وانه مع الحل السلمي قلباً وقالباً. ( )
من جهة أخرى رأى السوفيات في وفاة عبدالناصر خسارة حليف مهم،الامر الذي كان يستدعي تعزيز العلاقات مع الانظمة الجديدة في مصر والسودان وسوريا،أكثر من القيام بأي مبادرة سياسية جديدة،لذلك امسى الحفاظ على الوضع الراهن هدفاً لهذه المرحلة. ( )لذا فقد كان موقف السوفيات خلال تلك الفترة يتلخص بالتشديد على الحاجة لتسوية سلمية للنزاع العربي-الاسرائيلي.وجاء موقف السادات من مجموعة ((مايو)) ( ) وتصالحه مع الولايات المتحدة ليزيدا من شكوك الاتحاد السوفياتي في نوايا السادات.وقد انعكس هذا الامر بالتالي على صفقات الاسلحة السوفياتية مع مصر. ( )
أما على الصعيد الاقليمي،فلق شهدت تلك الحقبةتزايداً في نفوذ الاقطار العربية المنتجة للنفط اقليمياً ودولياً.فعلى سبيل المثال،نشطت العربية السعودية سياسياً منذ ارتفاع أسعار النفط(انظر جدول رقم 3)،وقد جعلها تدفق البترودولارات ثاني اكبر دول العالم تقديماً للمساعدات الخارجية،وجاء تأسيس منظمة الاقطار العربية المصدرة للنفط(أوابيك)،وازمة الطاقة في أوربا الغربية وازدياد اعتمادها على النفط العربي،ليزيدا من نفوذ السعودية والأقطار العربية الأخرى المنتجة للنفط. ( )
جدول رقم(3)
جدول يوضح الزيادة في احتياطي النقد للاقطار العربية المنتجة للنفط
(بملايين الدولارات الامريكية)
القطر السنة 1969 1970 1971 1972 1973
الجزائر
السعودية
سوريا
العراق
الكويت
ليبيا
مصر 410
607
59
476
182
918
145 339
662
55
462
203
1.590
176 507
1.444
88
600
288
2.665
161 493
2.500
135
782
363
2.925
493 1.143
3.877
481
1.553
501
2.127
1.143
المصدر: جمعة،سلوى شعراوي ،الدبلوماسية المصرية في عقد السبعينات(دراسة في موضوع الزعامة)،مركز دراسات الوحدة العربية ،ط1 بيروت 1988.ص49.

كذلك أدت مشاكل مصر الاقتصادية وحاجاتها الى المساعدات المالية من جانب،وعلاقات السادات الحميمة بكمال ادهم مستشار الملك السعودية من جانب آخر،الى تزايد النفوذ السعودي في السياسة المصرية. ( )
وبصفة عامة ،يمكن القول إنه على الرغم من ان الاقطار العربية النفطية قد واصلت مساعدتها المالية لمصر بمقتضى اتفاقيات الخرطوم 1967؛الا ان هذه الاقطار بدأت تظهر مايدل على عدم رضاها عن انعدام قدرة مصر على كسر الجمود في الموقف الناتج عن حالة اللاحر واللاسلم في المنطقة.كما ان هذه الاقطار أخذت تنتقد سوء استعمال مصر لمعونتها المالية،مشككة في الهدف من وراء استمرارها في تقديم المساعدة،وذلك لعجز مصر الظاهر عن القتال. ( )
من جهة اخرى لم تكن اسرائيل مهتمة بتصرفات السادات.فقد أظهر الاسرائيليون،كنتيجة لحرب 1967،ثقة قوية بالنفس فيما يتعلق بقدرتهم العسكرية.كذلك ،فانهم بنوا تحليلهم على أساس أن مصر وسوريا تفتقران للقدرة العسكرية اللازمة لاستعادة أراضيهما بالقوة،لذا فان الطريق الوحيد أمامهما هو الموافقة على شروط إسرائيل.واستمرت اسرائيل ،في الوقت ذاته،تزيد من قدرتها العسكرية بتسلمها مساعدات عسكرية غير محدودة من الولايات المتحدة.وعلى سبيل المثال فقد خول الكونغرس الامريكي،في السنة المالية 1970-1971،تحويل ((مقدار غير محدود من الطائرات والاجهزة اللازمة لها الى اسرائيل،عن طريق البيع او الدين او المنحة)).وبحلول 1972 بلغت مساعدة الولايات المتحدة العسكرية لاسرائيل 1.996.500.00 دولار سنوياً. ( )
وعلى الصعيد الدولي كانت الدولتان الاعظم ،خلال 1972-1973،منهمكتين في سياسة الوفاق ، ولم يكن الشرق الاوسط يحتل لديهما اولوية كبرى.وبما انه لم تكن هناك احداث اقليمية تهدد هدفهما المشترك،وهو تفادي المواجهة العسكرية،فقد اتفق السوفيات والامريكيون على تقييد ارسال شحنات الاسلحة للشرق الاوسط،وذلك في اجتماع القمة بين الدولتين الاعظم في موسكو أيار/مايو 1972.
لم يكن هذا القرار مقبولا لدى السادات لانه سيديم حالة اللاحرب واللاسلم بكل مافيها من اتجاهات سلبية،اضافة الى ان القرار اثبت للسادات ان الاتحاد السوفياتي كان مستعداً للتضحية بمصلحة مصر من اجل الحفاظ على سياسة الوفاق مع الولايات المتحدة.وفاجأ السادات العالم باسره ،وهو الذي وقع على اتفاقية الصداقة مع الروس،بقراره في تموز/يوليو1972بطرد اثنين وعشرين الفاً من الخبراء العسكريين السوفيات من مصر. ( )
كذلك لايمكن أن نتجاهل ان قرار السادات طرد الروس من مصر كان قد اقترح على السادات مراراً من جانب بعض المسؤولين السعوديين والامريكيين على حد سواء،فلقد اوضح كل من وليم روجرز وهنري كيسنجر للقيادة السياسية المصرية،ان التخلص من السوفيات هو شرط مسبق لأي تدخل امريكي لحل النزاع. ( )
اما بالنسبة للجانب الامريكي،فقد كان رد الفعل لايتلائم مع أهمية القرار.فعلى الرغم من أن طرد السوفيات قد حقق للولايات المتحدة هدفاً استراتيجياً طالما سعت الى تحقيقه،كما انه يمكن رؤية عملية الطرد كمحاولة أخرى من السادات لخطب ود الولايات المتحدة،إلا انه لم يطرا أي تغيير ملحوظ على سياسة ادارة الرئيس نيكسون تجاه مصر.بل على العكس،لقد تساءل كيسنجر وسط مساعديه عن الذي دفع الرئيس السادات لتقديم هذا الجميل،ولماذا لم يطلب مقدماً ،مقابله أي تنازلات من جانب الادارة الامريكية. ( )
وفي الحقيقة كان رد الفعل هذا منسجماً مع سياسة كيسنجر في اخباط العرب وابعادهم عن الروس حتى يستجيبوا للشروط الامريكية والاسرائيلية.
واستمرت العلاقات المصرية-الامريكية دون تغيير يذكر حتى اواخر كانون الثاني/يناير 1973 حينما تم لقاء خاص بين كيسنجر ومستشار السادات للامن القومي ،حافظ اسماعيل.فلما عرض المستشار الموقف المصري أوضح كيسنجر أن مصر،وليس اسرائيل،هي التي ينتظر منها أن تقدم تنازلات مادية،أي تنازلات سياسية واقليمية.
أكدت اجتماعات حافظ اسماعيل مع كيسنجر شكوك السادات المتزايدة بعدم وجود أمل في جذب اهتمام الولايات الكتحدة دون الذهاب الى الحرب.لذا فقد حان وقت الصدمة كما قال السادات.لقد حان الوقت لإحياء الخيار العسكري ،على أمل ان يجبر الولايات المتحدة على ان تنظر في قضية مصر.وباختصار،كان على السادات أن يرجع الى استراتيجية عبدالناصر في الخيار العسكري،بعد أن أمضى ثلاث سنوات من رئاسته وهو يحاول جهده تفادي ذلك الخيار.وفي ضوء هذه الملابسات ،وقعت الحرب في السادس من تشرين الأول/أكتوبر 1973. ( )

-حرب اكتوبر وأثرها على العلاقات (المصرية-"الامريكية"-الاسرائيلية).

إن حرب اكتوبر قد جعلت من السادات بطلاً،ليس في داخل مصر وحدها،بل في الاقطار العربية الأخرى أيضا.وبلغت شعبية السادات مبلغاً بعيداً لم تبلغه من قبل.وطوى النسيان جميع أحكامه الخاطئة السابقة،فبرز كنموذج جديد لصلاح الدين الأيوبي.ولاشك أن الحرب،كما أقر عدد من المراقبين،قد عبدت الطريق لأساس شرعية السادات.فهو لم يعد مجرد وريث لعبد الناصر يستمد شرعيته من مجرد كونه نائباً له،بل هو الآن«بطل العبور»البطل الذي قاد الجيوش العربية في«معركتها المصيرية».والحرب،على كل حال غيرت الموقف السياسي كله تغييراً جذرياً. ( )
نجح الهجوم العربي في تعبئة الرأي العام العالمي لتأييد تسوية عاجلة للنزاع العربي-الإسرائيلي.كما حقق الاستخدام الناجح للنفط،كسلاح سياسي،مزيداً من التفهم والتأييد للقضية العربية في أوربا الغربية واليابان.فعلى سبيل المثال ،أصدرت الجماعة الأوربية في 6تشرين الثاني/نوفمبر بياناً عن الشرق الأوسط،يحث بقوة على انسحاب إسرائيل الفوري إلى خطوط وقف إطلاق النار كما كانت عليه في 22 تشرين الأول/أكتوبر.بل ذهبت الجماعة إلى أبعد من ذلك بتأييدها التفسير العربي لقرار مجلس الأمن رقم 242،والذي دعا إلى انسحاب إسرائيلي تام إلى حدود ماقبل 1967. ( )
وكان من شأن تبادل الرسائل الحادة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي،وحالة التأهب العسكري المؤقت التي أعلنتها الولايات المتحدة،أن أدركت الدولتان الأعظم انه من الممكن بسهولة أن تستدرجا إلى حرب،بطريق الخطأ،في المنطقة لذا كان لابد لهما من العمل من أجل تحقيق تسوية للنزاع.وقد أثبت الاتحاد السوفياتي خلال الحرب أنه الحليف المطلق للعرب.فقد دلّ الجسر السوفياتي الجوي واستعداد الروس لإرسال قواتهم إلى مصر لضمان وقف إطلاق النار،سواء بتعاون الولايات المتحدة أم من دونه،دلّ كل ذلك على أن مصر تحتفظ بدعم السوفيات. ( )
كان الرأي السائد يرى ان حرب تشرين الاول/اكتوبر قد خلقت وضعاً ملائماً جداً لبدء المفاوضات بين طرفي النزاع.وبما ان احدهما لم يحرز نصراص واضحاً فابمكانهما اعاء نصر نسبيّ.فالمصريون قد استعادوا شرفهم وغيّروا الموقف وكسبوا ثقتهم المفقودة بانفسهم وذلك بعبور القناة.اما الاسرائيليون،فانهم لم يحرزوا نصراً ساحقاً كما كان الأمر في عام 1967،الا انهم صدّوا السوريين وعبروا القناة الى ماوراء الخطوط المصرية،واقتربوا جداً من القاهرة نفسها.ويذهب بعض المراقبين حتى الى ابعد من هذا ،فيقولون إن كيسنجر قصد الى خلق حلة الجمود في الموقف العسكري،وذلك لكي يقنع العرب والاسرائيليين معاً بالجلوس الى مائدة المفاوضات. ( )قال كيسنجر مانصه: «إذا اردنا ان نحل نزاعاً خطيراً فيجب ان تكون النقطة التي نبدأ منها هي النقطة التي يشعر عندها كل من الطرفين أنه حاز شيئاً،وإنه إذا اكتفى به فهذا الاكتفاء ليس هزيمة له»( ).
ولم يكن الموقف ملائماً لتحقيق تسوية فحسب،بل كانت كل من مصر واسرائيل مستعدة لقبول دور فعال تلعبه امريكا لحل النزاع.والذي جرى في نهاية شهر تشرين الأول/اكتوبر هو ذهاب كل من غولدا مائير رئيسة وزراء اسرائيل واسماعيل فهمي وزير الخارجية المصرية بالوكالة الى واشنطن للاجتماع بهنري كيسنجر( ).كان على اسرائيل،من جهة،وقد انعزلت دولياً،ان تعتمد على الولايات المتحدة من أجل مساعدتها دبلوماسياً وعسكرياً واقتصادياً. ( )
وبالمقابل فإن السادات أدرك منذ البداية الدور الذي بوسع الولايات المتحدة ان تلعبه،ولذا فان الاتصالات بين البلدين لم تنقطع حتى خلال الحرب.فالسادات ،الذي خاض حرب تشرين الاول/اكتوبر لكي يلفت انتباه الولايات المتحدة،بدأ منذ عشية السادس من تشرين الاول/اكتوبر في إجراء الاتصالات،فقام وزير خارجية مصر حينئذٍ ،محمد حسن الزيات بإبلاغ كيسنجر باهداف مصر المحدودة من الحرب،وبنيتها في عدم إثارة القضية أمام الامم المتحدة.وقد اقترح عليه الوزير كذلك ان تقدم الولايات المتحدة اقتراحاً للسلام،وفي السابع من تشرين الاول/اكتوبر،اوضح له حافظ اسماعيل،مستشار السادات للأمن القومي،شروط مصر لانهاء الحرب،فذكر ان مصر لامصلحة لها زيادة الاشتباكات او توسيع المواجهة،وقد استعمل عبارة فهمها كيسنجر حين أكد ان مصر لاتنوي ان تواصل عملياتها الى ماوراء الارض التي استردتها،او ان تستخدم امريكا بمثابة كبش فداء.وفي الخامس عشر من تشرين الاول/اكتوبر أكد السادات،عن طريق حافظ اسماعيل ،من بين امور اخرى،تصميم مصر على القيام بإجراء حوار مع الولايات المتحدة،ودعا كيسنجر لزيارة مصر. ( )
وكانت ادارة الرئيس نيكسون تبحث،وقد اضعفتها أزمة ووترغيت،عن أي نجاح في السياسة الخارجية كقضية النزاع العربي-الاسرائيلي،فيرفع ذلك من شأنها داخلياً ودولياً.ثم إن الحرب والضغط الدولي الذي نجم عنها كانا من العوامل الأخرى التي اقنعت الادارة الامريكية بوضع الشرق الاوسط على لائحة أسبقياتها.وبالتالي،كانت،استراتيجية الولايات المتحدة تتلخص في أن تلعب دوراً فعالاً في الدبلوماسية الخاصة بالنزاع العربي-الاسرائيلي،وذلك بأن تلتزم بالقيام بعملية معينة دون ان تلتزم بنتيجتها.وهذا يعني أن الولايات المتحدة ستقوم بجهد ما دون أي ضمان لانسحاب اسرائيل من الارض العربية المحتلة أو الاقرار بحقوق الفلسطينيين. ( )
وبهذا ستهديء الولايات المتحدة من خواطر مصر والانظمة الصديقة((المعتدلة)) في المنطقة دون ان تفرض على اسرائيل تسوية بعينها.وقد تحدث كيسنجر،عما أسماه باستراتيجية عالمية تهدف الى تقليص النفوذ السوفياتي في المنطقة،في اجتماع لمجموعة رجال الاعمال عقد في واشنطن يوم الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر قائلاً: ((إننا نستطيع أن نقلل من النفوذ السوفياتي في المنطقة ونستطيع أن نرفع الحصار النفطي إذا استطعنا ان نحقق برنامجاً معتدلاً،ولسوف نحققه،وإلا فسيضطر العرب الى العودة الى احضان السوفيات،وسنخسر النفط،وسيكون العالم بأسره ضدنا،ولن نحصل على صوت واحد في الامم المتحدة الى جانبناً،إن علينا ان نثبت للعرب ان من الافضل لهم ان يتعاملوا معنا حول برنامج معتدل من أن يتعاملوا مع الروس حول برنامج راديكالي)). ( )
وجاءت زيارة كيسنجر للشرق الاوسط كخطوة أولى نحو تحقيق هذه الاستراتيجية.وفي اجتماعه مع السادات ،أوضح ان السلام في المنطقة لايعتمد فقط على استعداد امريكا بالدخول في عملية السلام،بل يعتمد كذلك على وجود زعيم عربي مستعد للالتزام بالسلام( ).ثم مضى قائلاً للسادات إن سياسة عبد الناصر المتمثلة في ابتزاز التنازلات بتعبئة العالم الثالث ضد الولايات المتحدة،وبتأييد سوفياتي،لم تنجح في الماضي،ولن يفسح لها المجال لتنجح في المستقبل.وليس هناك لدى الولايات المتحدة ما يدفعها الى أن تكون مستعدة لمساعدة زبائن الاتحاد السوفياتي.ولكن مصر إذا ما نهجت سياسة قومية خاصة بها فإنها ستجد الولايات المتحدة مستعدة للتعاون. ( )
وقد وعد السادات بانهاء الموروث الناصري،وبإعادة العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة ،وذهب الى ابعد من هذا فأفصح عن عدائه للسوفيات،وحث الولايات المتحدة على ان تنتهج،هي ومصر،(( استراتيجية مشتركة)) في الشرق الاوسط. ( )
أما بشأن قضية الجيش الثالث وعودة الاسرائيليين الى المواقع كما كانت في 22 تشرين الأول/اكتوبر،فقد قدم كيسنجر مشروعاً اسرائيلياً في شكل اقتراح امريكي،وأصبح يعرف باسم((مشروع النقاط الست)). ( )ويستند هذا المشروع الى مباحثات غولدا مائير مع كيسنجر خلال زيارتها لواشنطن.وبموجب هذا المشروع:
1. توافق مصر واسرائيل على الالتزام بوقف اطلاق النار الذي دعا اليه مجلس الامن الدولي التزاماً دقيقاً.
2. يوافق الطرفان على أن يبدآ فوراً مباحثات لتسوية مسألة العودة الى مواقع 22 تشرين الأول/أكتوبر في نطاق اتفاقية لفك الاشتباك والفصل بين القوات تحت اشراف الامم المتحدة.
3. تتلقى مدينة السويس مؤونة يومية من الطعام والماء والدواء.ويرحّل جميع الجرحى المدنيين عن المدينة.
4. لايسمح بأية إعاقة لحركة التجهيزات غير العسكرية إلى الضفة الشرقية.
5. تحل نقاط حراسة تابعة للامم المتحدة محل نقاط الحراسة الاسرائيلية على طريق القاهرة-السويس.وفي نهاية الطريق من جانب السويس،يمكن للضباط الاسرائيليين أن يشتركوا مع الامم المتحدة في مراقبة الطبيعة غير العسكرية للحمولة عند ضفة القناة. ( )
كان لمصر خياران في نظر كيسنجر:الأول أن تعتمد على الموقف الدولي،أي البيان الاوربي والتأييد السوفياتي،فتصر على انسحاب اسرائيلي الى خطوط 22 تشرين الاول/اكتوبر.وهذا الامر صعباً جداً،ومحرجاً للولايات المتحدة ويأخذ وقتاً طويلاً،ولكن كيسنجر افترض أن الولايات المتحدة ستجبر في نهاية المطاف على مسايرته.والاحتمال الثاني هو ترك مسألة خطوط تشرين الاول/اكتوبر،لتطلع الى شيء أكبر ذي نتائج أكبر،أي تحقيق فك اشتباك القوات من خلال دبلوماسية الولايات المتحدة،وبموجبه تنسحب اسرائيل من منطقة محدودة قبل الممرات. ( )
وبقبول السادات للخيار الثاني،وبالتالي قبوله بمشروع النقاط الست،فانه بذلك يبني الثقة بين مصر واسرائيل،فيعالج الجانب النفساني من النزاع العربي-الاسرائيلي. ( )
وفي الثالث عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 1973 وقّع الجانبان المصري والاسرائيلي مشروع النقاط الست في الكيلومتر 101.وبقبول السادات،يكون قد تخلى عن اصراره السابق بانسحاب اسرائيل الى مواقع 22 تشرين الاول/اكتوبر حيث كانت اسرائيل في وضع سيء نسبياً.وظل الجيش الثالث محاصراً.ووعد السادات سراً بانهاء الحصار المفروض على مضيق باب المندب ضد السفن الاسرائيلية.مع هذا ضمنوا له مؤونة للجيش الثالث وحماية من قوات الامم المتحدة على طريق القاهرة-السويس. ( )
كانت هذه صيغة لانقاذ ماء الوجه،وذلك باتاحة الفرصة له حتى يقول علناً ان الطريق هو تحت سيطرة الامم المتحدة،في حين كان في واقع الامر تحت سيطرة الاسرائيليين الذي سمح لهم ،رغم وجود الامم المتحدة ((بمراقبة الطبيعة غير العسكرية للحمولة)).يضاف الى هذا ان التوقيع على المشروع وضع الولايات المتحدة في النهاية في صلب الدبلوماسية الخاصة بالنزاع العربي-الاسرائيلي،وهذا تطور كان السادات تواقاً لتحقيقه. ( )

لم تحقق زيارة كيسنجر الأولى للمنطقة مشروع النقاط الست فحسب،بل انها كذلك كانت بداية لعلاقات حميمة وإعجاب متبادل بين السادات وكيسنجر الى درجة أن هذا الاخير اعتبر هذه العلاقة إحدى ((الفتوحات الكبرى))في دبلوماسيته.إنها من جهة حققت تحولاً رئيساً في سياسة مصر الخارجية،ومن جهة أخرى ،غيرت الصورة التي يحملها كيسنجر عن السادات من صورة مهرج في سيرك الى صورة رجل دولة. ( )
اما على الجانب الاسرائيلي ، فإن مشروع النقاط الست ضمن إطلاق سراح أسرى الحرب الإسرائيليين دون أن يستخدم هذا كأداة مساومة من مصر للحصول على تنازلات إقليمية من إسرائيل.كذلك أعفى إسرائيل من الضغط عليها للانسحاب الى مواقع 22 تشرين الاول/اكتوبر،كما أنه لم يدع الى رفع الحصار عن الجيش الثالث، الامر الذي كان، في صالح اسرائيل. ( )
ولم يكن من شأن زيارة كيسنجر للمنطقة أن تحقق فقط مشروع النقاط الست ،وأن تؤدي الى تطوير علاقات خاصة مع السادات،بل إنها كذلك كانت نقطة البدء في تضاؤل العلاقات السوفياتية-المصرية.وقد نظر السوفيات الى زيارة كيسنجر الى القاهرة ، والى قرار مصر باستئناف العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة،كدليل واضح آخر على نية السادات في الانفصال عنهم ،وبالتالي استبعادهم من دبلوماسية ما بعد حرب تشرين الاول/اكتوبر. ( )بل ان السادات نفسه أقرّ بهذه الحقيقة،حين ذكر ان السوفيات اعتقدوا انه انحاز الى الجانب الامريكي ضدهم. ( )
اما على الصعيد الاقليمي فقد انعقد مؤتمر القمة العربي في الجزائر في26تشرين الثاني 1973 ، تمت مناقشة جدول الأعمال المقدم إليه من مؤتمر وزراء الخارجية العرب ، وأهم ما تضمنه الجدول هو فرض الحظر الكامل على شحن النفط إلى (البرتغال وجنوب أفريقيا وروديسيا) نتيجة لموقفهم غير المشجع اتجاه القضية الفلسطينية ، وتماشيا مع الإجراءات الخاصة لضمان تنفيذ هذا القرار ، واتخاذ التدابير التي تضمن وصول النفط العربي إلى الدول الإفريقية الأخرى ، مع إنشاء صندوق عربي للمساهمة في تنمية إفريقيا وتزويدها بالمساعدة الفنية ، وقطع أية علاقات للبلدان الإسلامية (غير العربية) مع العدو الصهيوني ، ومطالبة الدول الغربية بوقف مساعداتها العسكرية والاقتصادية إلى العدو ورفع الحظر المفروض على تزويد البلدان العربية بالأسلحة. ( )
على ان الاستعمال النفطي الذي افترض فيه أنه سلاح مؤقت وهو أمر يخالف ما كان يجب أن يفترض في ذلك السلاح من نتائج تكون السبب في وصول العرب إلى هدفهم المنشود بنصرة قضية فلسطين و هناك أسباب وراء الموقف العربي هذا الذي اتسم بالمرونة ، ويمكن إجمالها على النحو الآتي :
1- إن الإجراءات التي باشرت بها الدول العربية المنتجة للنفط ، كانت تفتقر إلى المصداقية ، كونها لم تكن بالمستوى المطلوب والمخطط له ، ولم تمثل في الوقت نفسه رداً مناسباً لحجم وطبيعة الإسناد الذي قدمته الولايات المتحدة وهولندا وبريطانيا ودول أجنبية أخرى للكيان الصهيوني .
2- إن حظر النفط جرى دون أية محاولة جادة للإعداد النفسي والإعلامي المرتبط بالقضية العربية واستعمال ذلك السلاح . وهذا ما لمسناه في العديد من المقالات التي كتبتها الصحف الأجنبية لا سيما الأمريكية منها ، في محاولة منها لوصف قرار المقاطعة وخصوصاً في مجال النفط ، بأنه نوع من الابتزاز العربي .
3- ومن الناحية الواقعية ، جاءت عشرات الأدلة تؤكد أن الحظر لم يتم ، أو تم بشكل جزئي . فكما صرح وزير التجارة الأمريكي في (12) كانون الثاني 1974 : "إن قسما من بترول بعض الأقطار العربية كان ولا يزال يصل بانتظام إلى الولايات المتحدة" ، ومسؤول الطاقة في الولايات المتحدة يقول في (8) كانون الثاني 1974 : "إنه يأمل أيضاً أن يستمر تسرب واردات البترول الذي ظهر منذ فرض الحظر العربي على شحن البترول إلى الولايات المتحدة". ويعود سبب ذلك إلى انعدام السيطرة الوطنية والرقابة الحقيقية الفعلية على سلاح النفط .
وعليه فإن الحظر العربي لعام 1973 لم يكن مصيره أفضل من عام 1967 ، لعدم تهيأة الشروط الموضوعية لنجاحه ، وبالتالي فإن النتائج التي ترتبت على مثل هذه التجربة لم تكن بالمستوى المطلوب ، ولم تحدث تغييرات عميقة في مواقف الأطراف المعادية والمستهدفة من وراء استعمال سلاح النفط ، لتسجل المقاطعة كأحد مبادئ الجامعة العربية إخفاقاً ليس في مصلحة قضية العرب المصيرية قضية فلسطين . ( )

وعلى الرغم من مشروع النقاط الست،ظلت الحالة على خطورتها السابق.فقد بلغت المحادثات المصرية-الاسرائيلية لتطبيق المشروع طريقاً مسدوداً،ولاسيما ما يتعلق بالنقطة الثانية .ففي حين اراد الوفد المصري انسحاباً اسرائيلياً الى خط يمتد من العريش الى رأس محمد في جنوب سيناء،كما في مبادرة السادات المعلنة في الراع من شباط/فبراير 1971،كان الموقف الاسرائيلي يتأرجح بين انسحاب متبادل الى حدود ما قبل حرب تشرين الاول/اكتوبر،وبين الانسحاب من ضفة القناة الغربية بشرط تخفيف عدد القوات المصرية في ضفتها الشرقية.وأخيراً قطع الوفد المصري المفاوضات. ( )
- وفي اطار التخفيف من الازمة ،انعقدت،سلسلة مؤتمرات:
اولاً-مؤتمر جنيف:
وبغية تحاشي المزيد من التدهور في الموقف،عاد كيسنجر الى المنطقة ليهيء لمؤتمر جنيف.واجتمع السادات مرة أخرى به،فأفصح عن شكوكه تجاه السوفيات، وعن رغبته في انهاء وجودهم في مصر،وذلك بالغاء معاهدة الصداقة السوفياتية-المصرية.وأشار كذلك الى حاجته لنهاية سريعة لعملية السلام لكي يتاح له تحقيق أهدافه نحو السوفيات.ولم يكن السادات يلمح اطلاقاً الى استخدام السوفيات كورقة للمساومة في مواجهة الولايات المتحدة،بل إنه استرسل فيما كان قد حدث به كيسنجر خلال اجتماعهما الأول. ( )
وقد انعقد مؤتمر جنيف برئاسة الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة معاً،وحضرته كل من اسرائيل ومصر ورفضت سوريا الحضور،ولم تكن هناك أية إشارة صريحة للفلسطينيين.
وعلى الرغم من عدم تحقق أية نتائج ملموسة في المؤتمر بشأن الانسحاب الاسرائيلي،فقد أثره في السياسات العربية واضحاص.فقد أدى قرار مصر بالحضور الى تصدع حلفاء الحرب.قال السادات عن الموقف السوري: ((إن وزير خارجية سوريا ذهب الى أمير الكويت والى الملك فيصل برسالة تقول ان مصر قد تخلت عن القتال،وان مصر كانت على اتفاق مع الاسرائيليين وانها انما تذهب الى جنيف لاعلان ذلك على رؤوس الاشهاد)). ( )
ثانياً-اتفاقية سيناء الأولى-فك الارتباط الأول:
رغبة من السادات في ان يثبت أن رهانه على الولايات المتحدة كان صحيحاً،قام بإخبار كيسنجر خلال زيارته لأسوان في كانون الثاني/يناير انه سيحدد موعداً نهائياً،هو الثامن عشر من كانون الثاني/يناير لتحقيق فك الارتباط بين القوات المصرية والاسرائيلة.كان السادات يرجو من التزامه بتاريخ محدد،أن يحقق فك الارتباط قبل قيامه برحلته في الوطن العربي.إن هذا سيثبت للعرب أنه كان على صواب،ليس هذا فقط بل سيتيح له كذلك ان يعمل من أجل رفع الحصار النفطي.وقد كان السادات مستعداً ليروج لرفع الحصار بطريقة((تعطي الفضل في ذلك اما الناس لنيكسون)). ( )
والحق ان ماعتبره كيسنجر عنصراً رئيساً في أسلوب السادات خلال المفاوضات،أي تقديم تنازلات مذهلة،كان واضحاً جداً خلال مفاوضات اتفاقية سيناء الاولى.لقد جاء كيسنجر مرة أخرى باقتراح اسرائيلي محدود تحت غطاء اقتراح امريكي،وكان هذه المرة اقتراح داين.وهو يدعو الى انسحاب اسرائيلي محدود(20 كلم الى الشرق)،وتقليص عدد القوات المصرية ،وإنشاء مناطق عازلة بين الطرفين،واعادة فتح قناة السويس. ( )كان مطلب مصر الاول هو ان تتراجع القوات الاسرائيلية الى ماوراء ممري الجدي ومتلا،وهو تغيير كانت اسرائيل تعتبره مستحيلاً.وبينما كان كل من الفريق الجمسي والوزير فهمي يصر على ذلك،أقنع كيسنجر السادات بقبول انسحاب محدود جداً (20 كلم الى الشرق من القناة). ( )وقد أدهش السادات الجميع،بمن فيهم كيسنجر،حينما قرر تخفيض عدد الدبابات من 260 الى 30 دبابة،في حين كان كيسنجر يحاول اقناع الاسرائيليين بأن السادات لن يقبل بتخفيض يقل عن 250 دبابة. ( )
إن الاتفاقية قد حققت شيئاً للجميع: فقد استطاعت اسرائيل أخيراً ان تسرح الاحتياطي وتتفادى العواقب الاقتصادية التي تنجم عن استمرار التعبئة العسكرية.وانقذ السادات الجيش الثالث وأثبت ان الحرب قد اكسبته أرضاً( )،إلا ان التقويم الشامل يظهر ان اتفاقية فك الارتباط الاولى كانت في صالح اسرائيل بشكل واضح،ذلك لأنها خففت الضغط عليها وجنبتها اية مناقشة عن حدود اسرائيل النهائية،والأهم من هذا انها جعلت من الصعب على مصر أن تلجأ الى الحرب( ).فضلاً عن أن هذه الاتفاقية قد وسعت من شقة الخلاف بين مصر وسوريا.بل إن سوريا نظرت الى ماقام به السادات كمؤشر على اتجاهه نجو حل ثنائي. ( )
ومع أن ثمة تفاهماً بين الرئيسين السادات والأسد على أن فك ارتباط القوات يجب أن يكون على كلتا الجبهتين في نفس الوقت،فقد رفض السادات،في مفاوضته لكيسنجر ،أن يربط فك الارتباط على الجبهة المصرية بالموقف السوري.قال كيسنجر: ¬((كان السادات على قناعة بأنه ما لم تمضِ مصر لوحدها فإن الرئيس حافظ الاسد سيجد دائماً ذريعة ما للتأخير او لطرح مطالب مستحيلة)). ( )
ولم تؤدِّ الاتفاقية الى اضعاف التحالف المصري-السوري فحسب ،بل انها كانت كذلك بداية التدهور في الدور السوفياتي في عملية السلام،وعلى نقيض ما كان في مؤتمر جنيف،حيث شارك في رئاسته كلتا الدولتين الاعظم، كانت دبلوماسية الخطوة خطوة عرضاً أمريكياً محضاً أنهى كل حديث عن مؤتمر جنيف. ( )
ومن مراقبة سلوك السادات خلال عملية المفاوضات،يمكن ان نلاحظ ان السادات كان يثق ثقة عمياء بكيسنجر الى درجة أنه كان يوافق على ما يطرحه من اقتراحات دون أن يقرأها بعناية،ويقول اسماعيل فهمي ان كيسنجر قدّم خلال زيارته الثانية لاسوان، أقتراحاً اسرائيلياً حسن الصياغة ولكنه يخفي في ثناياه إنهاء حالة الحرب،وهو أمر كانت مصر ترفضه وقتذاك،ويضيف فهمي قائلا: ((وكالعادة نظر السادات الى الاقتراح ووافق عليه)).فلما لفت نظره الى ما خفي في النص قال يخاطب كيسنجر مستغرباً: ((آه يا هنري، ظننتك صديقي)). ( )
ثالثاً-اتفاقية سيناء الثانية:
وجد كيسنجر منذ اجتماع قمة الرباط وتصاعد دور الفلسطينيين وظهور عرفات امام الامم المتحدة، أن الفلسطينيين صاروا في صلب عملية السلام.ولم يكن كيسنجر مستعداً لهذا التطور، لأن دبلوماسيته كانت تقوم أساساً على تحاشي القضية المركزية في النزاع،وهي قضية الفلسطينيين.وعلى معالجة القضايا الهامشية. ( )وبعد أن ثبت أن تحقق فك ارتباط على الجبهة الأردنية هو أمر مستحيل لأنه سيمس قضية شائكة مثل قضية الفلسطينيين، ولأنه سيجبر اسرائيل على التفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا مستحيل بالنسبة للاسرائيليين،فكر كيسنجر في فك ارتباط ثانٍ على الجبهة المصرية وذلك للحفاظ على زخم عملية السلام. ( )
إن نجاحاً آخر في سيناء سيرفع من شأن إدارة فورد داخلياً وخارجياً معاً.ففي الداخل، ستساعد خطوة ناجحة أخرى في قضايا السياسة الخارجية على ازالة الأثر السلبي الناجم عن ووترغيت واستقالة نيكسون.وفي الخارج، ستعزز تلك الخطوة من نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الاوسط، وتحافظ على مصداقيتها في المنطقة، والتي ربما كانت تزعزعت بعض الشسء على الصعيد الاقتصادي في قضايا مثل الزيادة في اسعار النفط.ومع أن كيسنجر كان يرى أن تخفيضاً في سعر النفط لا يتحقق إلا بواسطة قوى السوق، لا من طرق مبادرات سياسية( )،فإنه، لايمكن للمرء ان يستبعد الصلة بين تقدم يجري في عملية السلام وتحققه الولايات المتحدة وبين إمكانية تخفيض اسعار النفط من منتجيه العرب.( )
من جهة أخرى اوضح السوفيات بجلاء،وذلك خلال اجتماع القمة في فلادفستك بين فورد وبريجنيف، أنهم يفضلون مؤتمر جنيف على استمرار دبلوماسية الخطوة خطوة. ( )ولما فشل السوفيات في تحقيق هدفهم هذا،شهدت العلاقات المصرية-الروسية فعلاً المزيد من التدهور ، حين ألغى بريجنيف زيارته لمصر في كانون الثاني/يناير 1975. ( )
أما عن إسرائيل فقد أدركت حكومة رابين أنها لا تتمتع بتأييد داخلي قوي لعقد اتفاقية فك ارتباط على الجبهة الأردنية، وأن فك ارتباط سيناء سيعتبر أمراً آمناً في الداخل لأنه لا يمس قضايا حساسة كالتي تثار على الجانب الأردني.وليس هذا فقط، بل سيساعد هذا الأمر كذلك على أن تفرق إسرائيل بين مصر وسوريا، فتقلل بذلك من إمكانية هجوم سوري-مصري مشترك شبيه بحرب تشرين الأول/اكتوبر( ).وبغية إجراء انسحاب محدود آخر من سيناء، طلب رابين إنهاء حالة الحرب، الامر الذي أدى الى تحييد مصر في النزاع العربي-الاسرائيلي. ( )
أقنع كيسنجر السادات بأن يعطي لإسرائيل البديل العملي لحالة إنهاء الحرب، وهو ((عدم إستخدام القوة))،وعلى الرغم من ذلك بلغت المفاوضات طريقاً مسدوداً،فقد اتخذت إسرائيل موقفاً متشدداً جداً، وأصرت على انهاء حالة الحرب لقاء انسحاب اسرائيلي الى منتصق الممرات،كذلك أصرت على الاحتفاظ بسيطرتها على محطة الانذار المبكر في أم خشيبة،كما أنها أةضحت لكيسنجر ان على مصر أن تقبل (اضافة الى المطالب السابقة)بالنقاط الست في المقترح الاسرائيلي الذي يضمن، من بين أمور أخرى، حرية مرور الحمولات الاسرائيلية في قناة السويس، وانشاء مناطق عازلة تابعة للأمم المتحدة تكون بين قوات الطرفين( )،فإذا ما وافقت مصر على هذه المطالب، ستكون إسرائيل مستعدة لأن تقدم لكيسنجر خارطة تبين فيها خط الانسحاب الذي تقبل به اسرائيل. ( )
ومع أن المفاوضات بلغت مرحلة متأزمة في آذار/مارس، إلا ان كيسنجر استطاع في النهاية بحلول آب/اغسطس أن ينجح في جمع الطرفين، ولم يمض شهر واحد ، أي في أوائل آب/اغسطس ، حتى وقعت كل من اسرائيل ومصر على الاتفاقية رسمياً. ( )
لم تحقق اسرائيل نقاطها الرئيسية فقط، بل انها تفادت، وهو الاهم، أي انسحاب الى حدود عام 1967.كانت اسرائيل تخشى دائماً من ذلك،لاسيما خلال إعادة مراجعة السياسة الامريكية نحو اسرائيل والتي أجرتها ادارة الرئيس فورد.ان اسرائيل استطاعت بنجاح، عن طريق التشدد في موقفها، أن تنزع من الولايات المتحدة معونة وافرة معنوية ونقدية وعسكرية لم تستطع ان تحققها اية دولة أجنبية أخرى. ( )لذا فالاتفاقية،تعكس، نصراً واضحاً لاسرائيل،وهو نصر يضيف الى حجمه الضمان الأمريكي(أي العلاقات الامريكية-الاسرائيلية). ( )وعلى خلاف مصر التي انفصلت كلياً عن حليفها الاساسي ،نجد أن إسرائيل قد حافظت على علاقة الاعتماد المتبادل مع الولايات المتحدة ، فكسبت نتيجة لذلك تأييدها العسكري والاقتصادي والمالي.(انظر الجدول رقم 4).



جدول رقم (4)
مجموع المساعدات الخارجية
البرنامج 1962-1974 1975 1976 فصل انتقالي 1977 مجموع المساعدة الخارجية للفترة 1962-1977 مجموع القروض والمنح
1946-1977 تسديد وفوائد 1946-1977 المجموع ناقصاً تسديد وفوائد
مجموع المساعدة الاقتصادية 7137 3531 7144 786 7420 26018 32176 5529 26647
قروض 5352 86 2394 286 2520 10638 12862 5529 7333
منح 1785 3445 4750 500 4900 15380 19314 19314
مجموع المساعدة العسكرية 39116 3000 15000 2000 10000 69116 69042 8022 61020
قروض 24116 2000 7500 1000 5000 39616 39542 8022 31520
منح 15000 1000 7500 1000 5000 29500 29500 29500
مجموع المساعدتين 46253 6531 22144 2786 17420 95134 101218 13551 84664
قروض 29468 2086 9894 1286 7520 50254 52404 13551 38853
منح 16785 4445 12250 1500 9900 44880 48814 48814
المصدر: جمعة،سلوى شعراوي ،الدبلوماسية المصرية في عقد السبعينات(دراسة في موضوع الزعامة)،مركز دراسات الوحدة العربية ،ط1 بيروت 1988.ص172.




ومن جهة أخرى فإن مصر لم تسيطر فعلاً على الممرات.فالجيش المصري لم يحتل الممرات،ولكن كيسنجر، في صياغة أخرى منه لانقاذ ماء الوجه، سمح لكل من الطرفين بالبقاء في الطرف الآخر من الممرات بحيث تستطيع مصر أن تقول انها أجبرت اسرائيل على الانسحاب منها، وتستطيع اسرائيل كذلك ان تقول انها لم تتخل عنها كلياً، إذ لايزال لها وجود فيها.وقد استرجعت مصر ايضاً حقول النفط، ولكن مداخلها لم تكن تحت سيطرة الامم المتحدة.أما في ما يتعلق بالاراضي، فإن ما استرجعته مصر منها يبلغ عشرة كيلومترات تقريباً. ( )
وعند تقويم ما كسبته مصر من الاتفاقية،يمكن القول أن حجم المكاسب لم تكن من الضخامة بحجم ماقدمته مصر من ثمن يتجلى في إنهاء حالة الحرب مع اسرائيل ،وتقديم الوعد لكيسنجر بالامتناع عن القتال اذا هاجمت اسرائيل سوريا( ).والسادات لم يسترجع سيناء حقيقة بل بضعة كيلومترات فقط،ويصبح حجم الخسارة أكبر بكثير إذا تذكرنا أن عبد الناصر كان قد عرض عليه إرجاع سيناء بأسرها، لقاء انهاء حالة الحرب مع اسرائيل، ولكنه رفض ذلك لانه لم يكن مقترناً بانسحاب اسرائيلي كامل من جميع الاراضي العربية المحتلة. ( )
وبالتالي انقسم الرأي داخل الحكومة المصرية نتيجة ماقام به السادات من رغبته في انهاء الصراع العربي-الاسرائيلي،وهذا يعني،ليس فقط، انهاء النزاع وانما ايضا سيتعرض الى مسألة المقاومة الفلسطينية،فقيام سلام بين الدولتين المصرية والاسرائيلية سيؤدي بالتالي الى اضعاف المقاومة الفلسطينية التي تنتظر من الحكومات العربية موقفاً لدعمها، فاليسار أيد بوضوح المقاومة الفلسطينية المسلحة, وخلال فترة حرب الاستنزاف أجرى أعضاء اليسار حوارات حول شرعية الحل السلمي للصراع في الشرق الأوسط, وأيدوا حلا من هذا النوع بشرط انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة. ( )
فانقسم اليسار المصري إزاء السلام مع إسرائيل إلى ثلاثة اتجاهات: الأول رافض لتوجهات السادات, والثاني أيد توجهات عقد سلام مع إسرائيل, والثالث دعا إلى التعاون الاقتصادي مع إسرائيل وجيرانها بشكل يؤدي في النهاية إلى دمجها بالمنطقة.وساد بين المتحاورين من اليسار بشكل عام الاتفاق حول ضرورة التمسك بالحد الأدنى لشروط التسوية السلمية مع إسرائيل: انسحاب إسرائيل من كل الأراضي العربية المحتلة, والحصول على الحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني, واعتقد أعضاء اليسار أن مرحلة الحرب مع إسرائيل لم تنته بعد, وأن هناك احتمال مبادرة إسرائيلية لاستئناف القتال, وظهر اهتمام كبير بين المتحاورين بشأن ما يحدث داخل المجتمع الإسرائيلي, وأجريت محاولات لتقييم فرص إسرائيل في استمرار بقائها وصمودها بالمستقبل القريب والبعيد. ( )
لكن الخلافات بدأت في صفوف اليسار مرة أخرى, بعدما لاحت فرص تسوية سلمية سياسية بين مصر وإسرائيل في أعقاب اتفاقيتي فصل القوات 74-1975 بين ثلاثة توجهات: الأول يساري متطرف ويمثله لطفي الخولي الذي عارض تماماً توجهات السادات, والثاني يساري براغماتي يمثله عبد الستار الطويلة الذي أيد توجهات الرئيس المصري في عقد سلام مع إسرائيل على أساس خطوط ما قبل حرب الأيام الستة ومن خلال إدراك أن وجود دولة إسرائيل يستند إلى شرعية دولية واسعة, أما الثالث فكان مزيجاً بين الاثنين ويمثله محمد سيد أحمد الذي دعا لحل الظلم القائم في أساس وجود دولة إسرائيل على أشلاء الشعب الفلسطيني عن طريق التعاون الاقتصادي بينها وبين جيرانها العرب والفلسطينيين بشكل يؤدي في النهاية إلى دمجها بالمنطقة. ( )

الخاتمة:
في أعقاب عامي 77 و1978 حيث أعلن الرئيس السادات أمام مجلس الشعب يوم 9 /11/1977 استعداده للذهاب إلى أقصى العالم وحتى الكنيست لدعوة الشعب الإسرائيلي للسلام, ثم القيام بزيارة إسرائيل بالفعل بعد نحو عشرة أيام, ثم توقيع اتفاقية كامب ديفد يومي 17و18/9/1978. ( )وقد اتسعت الاتفاقيات الاتي قامت بها الحكومة المصرية(انظر الجدول رقم5)

اتفاقيات مصر مع الشرق والغرب(1971-1977)
السنة الاتحاد السوفياتي
والاقطار الاشتراكية الرئيسية الولايات المتحدة والاقطار
الغربية الرئيسية المجموع
1971
1972
1973
1974
1975
1976
1977 4
1
-
2
1
1
1 1
6
1
6
12
11
14 5
7
1
8
13
12
15
المجموع 10 51 61
المصدر: جمعة،سلوى شعراوي ،الدبلوماسية المصرية في عقد السبعينات(دراسة في موضوع الزعامة)،مركز دراسات الوحدة العربية ،ط1 بيروت 1988.ص167.
وشهدت تلك الفترة قيام حزب التجمع الوحدوي الذي انضوى تحته عدد كبير من الماركسيين واليساريين, وشهدت أيضاً أحداث انتفاضة الخبز يومي 18 و19/1 / 1977 واشتداد قبضة النظام السياسي ضد اليسار عموما, وإغلاق مجلة الطليعة بعد 12 عاماً من صدورها. ( )
وقد تعاظمت الخلافات في هذه الفترة بين عناصر اليسار حول قضايا الصراع العربي الإسرائيلي في ضوء عملية السلام, وبلور حزب التجمع بمختلف تياراته ومؤسساته إجماعاً معارضاً تماماً لزيارة السادات للقدس وللمسيرات السياسية التي أعقبتها, لأنه رأى فيها انتقاصاً للسيادة الوطنية المصرية واندماجاً بالإستراتيجية الإقليمية للإمبريالية الأميركية, وخدمة للطموحات التوسعية الإسرائيلية. ( )
وقد اتسم نقد اليسار المصري لمسيرة السلام بالحدة المتصاعدة مع تشدد المواجهة بين حزب التجمع والنظام السياسي, وعلى العكس اجتهد عدد من أعضاء اليسار خارج التجمع في الدفاع بحماس عن المسيرة السلمية. ( )


المصادر والمراجع:
الكتب:
1. د.إيزاكس،ستيفن.
-اليهود والسياسة الامريكية،دار الاتحاد ،ط1 بيروت 1976.
2. جرجس،فواز.
-السياسة الامريكية تجاه العرب،كيف تصنع؟ومن يصنعها،مركز دراسات الوحدة العربية،ط2 بيروت 2000.
3. جمعة،سلوى شعراوي.
-الدبلوماسية المصرية في عقد السبعينات(دراسة في موضوع الزعامة)،مركز دراسات الوحدة العربية ،ط1 بيروت 1988.
4. سعودي،هالة ابوبكر.
-السياسة الامريكية تجاه الصراع العربي-الاسرائيلي(1967-1973)،مركز دراسات الوحدة العربية،ط1 بيروت 1983.
5. كيسنجر،هنري.
-هل تحتاج امريكا الى سياسة خارجية(نحو دبلوماسية للقرن العشرين)،ترجمة :عمر الايوبي،دار الكتاب العربي،ط2 بيروت 2003.
6. مجموعة مؤلفين.
-السياسة الامريكية والعرب،مركز دراسات الوحدة العربية،ط3،بيروت 1991.
7. النابلسي،شاكر .
- وسادة الثلج(امريكا والعرب والعالم الثالث)،المؤسسة العربية للدراسات والنشر،ط1 1987.
الرسائل والاطاريح:
8. العلواني، علي حسين علي.
- القضية الفلسطينية في جامعة الدول العربية1965-1973،اطروحة دكتوراه غير منشورة،كلية التربية(ابن رشد)جامعة بغداد 2004 .

الدوريات:
9. مجلة الدراسات الفلسطينية.
-المجلد 3،العدد 2، ،السنة 1974، محادثات محمد حسنين هيكل مع كيسنجر في شتاء 1974
الشبكة العنكبوتية،الانترنيت:
10. www.aljazeera.net .
-مقالة بعنوان: هنري كيسنجر،في قسم الدراسات والبحوث في الجمعة 13/2/1426 هـ - الموافق25/3/2005 م،تحت باب: دمشق وواشنطن والعلاقات الشائكة.
11. www.aljazeera.net .
-مقالة بعنوان: اليسار المصري والصراع العربي الإسرائيلي،بدر محمد بدر، تحت باب:كتب،في يوم الاثنين 18/10/1429 هـ - الموافق20/10/2008 م.



#عمر_جاسم_محمد_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظام التعليم في فرنسا (ظهور العلمانية واختفاء الدين)
- دعوة مفتوحة لسلام شامل واستئصال مصطلحات النزاع الشامل
- العمل التطوعي ودوره في تنمية المجتمع ..تجارب شخصية في الموصل


المزيد.....




- دبي بأحدث صور للفيضانات مع استمرار الجهود لليوم الرابع بعد ا ...
- الكويت.. فيديو مداهمة مزرعة ماريغوانا بعملية أمنية لمكافحة ا ...
- عفو عام في عيد استقلال زيمبابوي بإطلاق سراح آلاف السجناء بين ...
- -هآرتس-: الجيش الإسرائيلي يبني موقعين استيطانيين عند ممر نتس ...
- الدفاع الصينية تؤكد أهمية الدعم المعلوماتي للجيش لتحقيق الان ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /20.04.2024/ ...
- ??مباشر: إيران تتوعد بالرد على -أقصى مستوى- إذا تصرفت إسرائي ...
- صحيفة: سياسيو حماس يفكرون في الخروج من قطر
- السعودية.. أحدث صور -الأمير النائم- بعد غيبوبة 20 عاما
- الإمارات.. فيديو أسلوب استماع محمد بن زايد لفتاة تونسية خلال ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عمر جاسم محمد العبيدي - كيسنجر والصراع العربي-الاسرائيلي (رؤية لما قبل الربيع العربي)